تجدد الاشتباك بين قوات الأمن والمحتجين الإيرانيين في عدة مدن إيرانية خلال مراسم «أربعين» عدد من ضحايا حملة القمع، في وقت نزل آلاف الإيرانيين تحت دوي وابل من الرصاص، في مسيرات احتجاجية في مدينة كرج، غرب طهران، في اليوم الـ48 على اندلاع أحدث احتجاجات عامة تعصف بالبلاد منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني.
وأظهرت مقاطع فيديو تدفق حشود من المتظاهرين الغاضبين إلى منطقة كمال شهر في كرج لإحياء مراسم «أربعين» الشابة حديث نجفي (20 عاماً) التي فارقت الحياة إثر إصابتها بـ10 رصاصات. وردد المتظاهرين هتافات مناوئة لنظام الحكم. وهتف متظاهرون غاضبون في كرج، ساروا على طول خط سريع للسيارات: «سيقع قتلى في صفوف (الحرس الثوري) هذا العام... الموت لكل النظام». وأظهر فيديو نشرته المنظّمة مشاركين يهتفون «هذا العام هو عام الدم، السيد علي (خامنئي) سيُطاح به». وسمع صدى إطلاق النار من تسجيلات الفيديو.ونشر موقع «تصوير 1500» صورا لحشود تجمّعت في كرج للمشاركة في مسيرة على طريق سريع وقد سجّلت صدامات بين المحتجين والشرطة.
وتشير التسجيلات إلى محاولة المحتجين قطع طريق عام لعرقلة حركة قوات الأمن. وسقط في جانب الطريق أحد المحتجين إثر إصابة في الرأس، بينما رشق محتجون سيارة «بيك آب» تابعة للشرطة بالحجارة، ويظهر من تسجيل فيديو إصابة عنصرين من الشرطة بجروح بالغة. وتصاعدت ألسنة الدخان في الشوارع والأزقة المؤدية إلى مقبرة «بهشت سكينة» في كرج. وأحرق المحتجون كشكاً للشرطة.
ونشر حساب «وحيد أونلاين»، الذي يتابعه أكثر من 400 ألف شخص على «تويتر»، تسجيل فيديو يظهر تحليق مروحية فوق متظاهري مدينة كرج، ويقول شاهد عيان إن المروحية تقصف المتظاهرين بقنابل صوتية وبالغاز المسيل للدموع. وأظهر تسجيل فيديو هبوط المروحية في الطريق السريع. وقال شهود عيان إنها «نقلت قوات مساندة»، ويظهر فيديو آخر هبوط مروحية تابعة لقوات الطوارئ الإيرانية. ويقول أحدهم: «ينقلون جرحاهم». كما أظهر تسجيل فيديو إصابة رجل دين بجروح بالغة بعدما تعرضت سيارته لرشق بالحجارة في الشوارع التي شهدت صدامات بين قوات الشرطة والمحتجين.
وتجمع عدد كبير من المتظاهرين لإحياء «أربعين» مهسا موغويي (19 عاماً)، في مقبرة فولاذ شهر أصفهان. وقال والدها لقناة «إيران إنترناشيونال» الإخبارية إن قوات الأمن قتلت ابنته في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي. وهي بطلة في رياضة التايكوندو وكمال الأجسام. وقال والدها: «بأي ذنب قتلوا ابنتي، إنها احتجت بأيدٍ فارغة، فأطلقوا الرصاص على جسدها... هل كان من حق فتاتي أن تدفن بأكثر من 100 ميدالية رياضية؟!».
في قزوين (غرب طهران)، أحيا مئات المتظاهرين مراسم «أربعين» الشاب جواد حيدري (39 عاماً) الذي قتل بنيران قوات الأمن، وهتفوا: «الحرية... الحرية».
وأفادت شبكة حقوق الإنسان في كردستان أن قوات الأمن أطلقت النار واعتقلت عشرات من المشاركين في مراسم «أربعين» 3 قتلى سقطوا في الاحتجاجات، في مدينة إسلام آباد، بمحافظة كرمانشاه، غرب البلاد.
وشهدت مقبرة أراك حضوراً لافتاً للمحتجين الذين أحيوا ذكرى أسبوع لوفاة مهرشاد شهيدي (19 عاماً) الذي لقي حتفه إثر جراحات في الرأس ناجمة عن ضربات هراوات. وتلقت أسرته نبأ وفاته عشية احتفاله بعيد ميلاده العشرين أثناء مشاركة في مسيرة احتجاجية لإحياء ذكرى الشابة مهسا أميني.
وقال 3 شهود عيان لـ«راديو فردا» الأميركي، الناطق بالفارسية، أمس، إن مهرشاد «سقط أرضاً بسبب الغاز المسيل للدموع، قبل أن ينهال عليه نحو 8 من قوات الأمن بصواعق كهربائية والهراوات». وقال أقاربه إن «آثار الضربات كانت واضحة على رأسه».
في ميناء أنزلي بمحافظة جيلان، اجتمع المتظاهرون في مراسم «أربعين» أمير نوروزي، مرددين هتاف: «الوردة التي تناثرت، هدية للوطن». وفي مركز المحافظة، رشت، ردد المحتجون شعار «الموت للديكتاتور» في مراسم «أربعين» الشاب بهنام لايق بور (37 عاماً) الذي لقى حتفه بعد إصابته بـ3 رصاصات، رغم مروره من مكان وقعت به اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن. وفي ميناء آمل بمحافظة مازندران الشمالية، تجمع عدد كبير في مراسم «أربعين» غزالة تشلاوي (33 عاماً)، وهي رياضية متسلقة للجبال، أثناء قيامها بتصوير وقفة احتجاجية أمام مقر حاكم المدينة، عندما أصابتها رصاصة من الرأس أطلقت من المبنى الحكومي. وفي ميناء نوشهر، اجتمع عشرات لإحياء «أربعين» حنانة كيا (22 عاماً) التي أصابتها رصاصة من الخاصرة بنيران قوات الأمن، أثناء مراجعة طبية بالقرب من تجمع احتجاجي.
في الأثناء، قالت «هيومن رايتس ووتش»، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان، إن السلطات الإيرانية صعّدت اعتداءها على المعارضة والمحتجين عبر توجيه اتهامات مبهمة بتهديد أمن البلاد للنشطاء المعتقلين وإجراء محاكمات ظالمة بشكل صارخ. مشيرة إلى أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية ووسائل الإعلام الحكومية «تنشر بانتظام وتروج للادعاءات الكاذبة ضد النشطاء والمعارضين».
وذكر تقرير «هيومن رايتس ووتش» أن السلطات اعتقلت أيضاً 308 من طلاب الجامعات و44 طفلاً. وقالت: «على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، هاجمت قوات الأمن حرم الجامعات بشكل متكرر باستخدام القوة المفرطة، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، واعتقلت الطلاب. ومنعت سلطات الجامعة عشرات الطلاب من دخول حرم الجامعات لمشاركتهم في الاحتجاجات».
ولفت التقرير إلى أن السلطات استدعت أو استجوبت أو صادرت جوازات سفر عشرات المشاهير الذين أيدوا الاحتجاجات، وبينهم مخرجون وممثلون ومغنون ولاعبو كرة القدم. وتابعت المنظمة أن جماعات حقوق الإنسان تحققت من سقوط ما لا يقل عن 284 شخصاً، من بينهم 45 طفلاً. ونقلت عن وسائل الإعلام الرسمية أن العشرات من قوات الأمن قُتلوا في الاحتجاجات.
ونقلت المنظمة عن قالت شبكة غير رسمية باسم «اللجنة التطوعية لمتابعة أوضاع المحتجزين»: «اعتقلت أجهزة المخابرات حتى 30 أكتوبر 130 مدافعاً عن حقوق الإنسان، و38 مدافعاً عن حقوق المرأة، و36 ناشطاً سياسياً، و19 محامياً، و38 صحفياً، وظل معظمهم رهن الاعتقال، بالإضافة إلى الاعتقالات الجماعية للمتظاهرين».
ووسّعت إيران حملة إجراءاتها الصارمة، ونشرت قوات الأمن لمواجهة الاحتجاجات، بالإضافة إلى اعتقالات لمجموعة واسعة من الفئات. وخلال اليومين الماضيين، وصلت حملة الاعتقالات في صفوف محامي شيراز إلى 8، وذلك بعدما ذكرت تقارير الأربعاء أن ما لا يقل عن 4 محامين اعتقلوا بتهمة «الدفاع عن البهائيين» و«التجمهر والتآمر ضد النظام».
من جهتها، قالت اللجنة التنسيقية لنقابات الطلبة على شبكة «تليغرام» إن عناصر أمنية ترتدي ملابس مدنية اعتقلت 7 من طالبات كلية العلوم الطبية في جامعة طهران.
في غضون ذلك، وقع أكثر من 760 ألفاً في 218 دولة على عريضة لمنظمة العفو الدولية، تطالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة باتخاذ إجراء فوري للتحقيق في حملة القمع ضد المحتجين الإيرانيين.
وطالب بيان لأكثر من 100 أستاذ في الكلية الهندسية بجامعة طهران بإطلاق سراح الطلاب المعتقلين. ووصف البيان هجوم قوات ترتدي ملابس مدنية على جامعة طهران بـ«الهمجي» و«الكارثي». وقالوا: «دخول مثل هؤلاء إلى الجامعة بهذه الطريقة، حتى بهدف إرساء النظام العام والقبض على المخالفين، غير مبرر بأي شكل من الأشكال».
ونقلت «رويترز» عن نشطاء حقوقيين ومحللين ومسؤول سابق من المعتدلين أنه في حالة انحسار أحدث موجة احتجاجات، فإن جرأة الشباب الإيراني يمكن أن تتسبب في مزيد من المشكلات في المستقبل للحكومة. ويقول خبراء الشؤون الإيرانية إن استقرار المؤسسة الحاكمة في السلطة منذ ثورة 1979 أساسه استعدادها لاستخدام أي قوة لازمة لإسكات المعارضة. وقال سعيد جولكار، أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة تينيسي في تشاتانوغا، إن «الخوف له حدود، مثل القمع». وأضاف: «هناك نقطة تحول تأتي عندما يفقد القمع والخوف تأثيرهما. يدرك الناس أنهم يملكون قوة عندما يتخذون خطوة جماعية وعندما يخشون المستقبل القاتم أكثر من خشيتهم النظام».
وخلال 7 أسابيع من الاحتجاجات، أحرق المتظاهرون لافتات المرشد علي خامنئي، وسلفه المرشد الأول الخميني، وأحرقت النساء حجابهن ، وانتشرت ظاهرة الإطاحة بعمائم رجال الدين في الشوارع من الشباب المحتجين.
ويقول محللون إن لحظات كسر المحرمات تعكس فجوة آخذة في الاتساع بين الطبقة الحاكمة في إيران وبين الشباب. ولطالما دعا كثير من الشباب الإيرانيين إلى رفع القيود الاجتماعية، مثل الرقابة على الإنترنت وقواعد الملابس الصارمة.
وقالت صنم وكيل، نائبة مدير «المعهد الملكي للشؤون الدولية» في لندن، إنها «لا تزال تتوقع أن ترى رداً قوياً من جانب قوات الأمن الإيرانية، ينطوي على مزيد من العنف والترهيب والتخويف».
والأربعاء، وجّه 40 محامياً إيرانياً بارزاً في مجال حقوق الإنسان الانتقاد علناً لحكام البلاد من رجال الدين، وعبّروا عن اعتقادهم بأن حملات القمع التي سحقت المعارضة من قبل على مدى عقود لم تعد تفلح، وأن المحتجين المطالبين بنظام سياسي جديد سينتصرون.
وقال المحامون، وبعضهم داخل البلاد والبعض الآخر خارجها: «لا تزال الحكومة غارقة في الأوهام، وتعتقد أن بإمكانها تكميم الأفواه عبر القمع والاعتقال والقتل»، حسب «رويترز». وأضافوا: «لكن طوفان الناس سيُسقط الحكومة في النهاية، لأن الإرادة الإلهية تقف إلى جانب الشعب. صوت الشعب هو صوت الله».