برلمان لبنان «يودّع» عون بإسقاط طلبه سحب التكليف من ميقاتي

لأنه يتطلب تعديلاً دستورياً أو اعتذاراً عن التأليف

مجلس النواب اللبناني منعقداً في 24 أكتوبر الماضي (د.ب.أ)
مجلس النواب اللبناني منعقداً في 24 أكتوبر الماضي (د.ب.أ)
TT

برلمان لبنان «يودّع» عون بإسقاط طلبه سحب التكليف من ميقاتي

مجلس النواب اللبناني منعقداً في 24 أكتوبر الماضي (د.ب.أ)
مجلس النواب اللبناني منعقداً في 24 أكتوبر الماضي (د.ب.أ)

يستعد المجلس النيابي، ولو متأخراً، لوداع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، إنما على طريقته في جلسته التي يعقدها اليوم والمخصصة لتلاوة رسالته إلى البرلمان التي بعث بها قبل يومين من انتهاء ولايته الرئاسية، طالب فيها بسحب التكليف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة، والتي ستنتهي حكماً إلى إسقاط مفاعيلها السياسية والدستورية؛ لأن لسحب التكليف أصولاً تستدعي أولاً تعديل الدستور بأكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، إلا إذا بادر إلى الاعتذار وبملء إرادته عن التكليف.
فالجلسة النيابية التي ستُخصص أيضاً لتلاوة رسالة ميقاتي في ردّه على رسالة عون، ستشهد حشر «التيار الوطني الحر» في الزاوية، لأنه ليس لديه ما يقوله دفاعاً عن رسالة مؤسسه الرئيس عون، وسيجد نفسه وحيداً يغرّد في كوكب سياسي آخر في تصدّيه لردود الفعل النيابية المعترضة في الأساس على مضامين الرسالة. وهذا ما سجّله الاجتماع النيابي الموسّع الذي جاء استباقاً لموعد انعقاد الجلسة، وشارك فيه 27 نائباً بدعوة من رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل بإعلانهم رفضهم القاطع لها، كما ورد في الوثيقة التي وقّعوا عليها والتي يُفترض تلاوتها في مستهل الجلسة أو في الباحة الرئيسة للبرلمان إذا ما تعذّر عليهم تلاوتها لدى افتتاحها.
وفي هذا السياق، يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس عون كان في غنى عن توجيه الرسالة لأنها أساءت إليه وإلى الفريق الاستشاري الذي نصحه بإرسالها، وأيضاً للدستور. ويؤكد أن صاحب الرسالة لم يكن مضطراً لوداعه من قبل غالبية النواب بهذه الطريقة في تعاطيهم معها وكأنها لم تكن، لأنها تشكل مخالفة مكشوفة للدستور وسترتد عليه.
ويلفت المصدر النيابي إلى أن الرسالة تستهدف الالتفاف على اتفاق الطائف وتجويفه من مضامينه، وهذا ما أملى على الأكثرية النيابية التمعّن في قراءتها التي يراد منها تعديل الدستور. ويقول إن عون لو تمعّن من خلال فريقه السياسي والاستشاري في تداعياتها السلبية عليه لما أقدم على تسطيرها وإيداعها البرلمان لتلاوتها في جلسة اليوم.
ويسأل المصدر نفسه: هل تأتي الرسالة استجابةً لما بشّرنا به رئيس «التيار الوطني» جبران باسيل بإقحام البلد في فوضى دستورية واجتماعية، كرد فعل على عدم تشكيل حكومة جديدة تأتي على قياس طموحاته وهو يستعد لخوض المعركة التي تبقيه على قيد الحياة بالمفهوم السياسي للكلمة؟ خصوصاً وأن توقيع عون لمرسوم قبول استقالة الحكومة الحالية لن يكون له من مفاعيل لأنها تُعتبر مستقيلة حكماً بانتخاب مجلس نيابي جديد.
ويضيف أن عون ووريثه السياسي باسيل يستخفّان بعقول اللبنانيين بقولهما إنهما يؤيدان اتفاق الطائف، فيما بادر عون أثناء تولّيه للحكومة العسكرية إلى إصدار مرسوم بحل البرلمان وبمنع النواب الذين شاركوا فيه من العودة إلى منازلهم الواقعة في المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرته.
ويؤكد أن عون راهن على أن رسالته ستؤدي إلى تعبئة الشارع المسيحي وإحراج القيادات المناوئة له بذريعة أن رئيس الحكومة يضع يده على البلد ويصادر صلاحيات رئيس الجمهورية. لكنه أخطأ في التقدير بانصياعه لنصائح باسيل؛ لأن القيادات المسيحية ليست في وارد التناغم معه أو افتعال صدام لا مبرر له مع الطائفة السنية، ولأن القيادات تعطي الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية كممر إجباري لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية بدلاً من افتعال اشتباكات سياسية يراد منها التحريض على المكوّن السنّي وميقاتي الذي يشغل المنصب الأول لطائفته في التركيبة السياسية.
ويرى أن النواب الذين اجتمعوا بدعوة من الجميّل وجّهوا لعون ضربة سياسية لم يكن مضطراً لإقحام نفسه في إشعال التجاذبات الطائفية؛ لأن النواب سيتعاطون مع رسالته على أنها مسمومة وما هي إلا ملهاة لصرف الأنظار عن دور باسيل في تعطيله جلسات انتخاب الرئيس من جهة، وفي إغراق النواب في خلاف حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال في إدارة الشغور في رئاسة الجمهورية من جهة ثانية. وبالتالي، بلجوئه إلى مجموعة من المستشارين أوقعه في فخ تأزيم الوضع مع أنه لن يجد من يقف إلى جانبه.
ويؤكد المصدر أن عون لو كلّف خاطره وراجع أبرز ما دار من مداولات أثناء اجتماع النواب في الطائف حول الصلاحيات التي يجب أن تناط برئيس الحكومة لاكتشف أن الدستور الذي انبثق عن وثيقة الوفاق الوطني لا يلحظ أبداً سحب التكليف من رئيس الحكومة أو تحديد مهلة زمنية لتشكيل الحكومة فور تكليفه بتشكيلها.
ويتابع بأن معظم النواب الذين شاركوا في الطائف، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الأسبق المرحوم صائب سلام، اعترضوا على تحديد مهلة زمنية للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بذريعة أن رئيس الجمهورية أياً يكن قد يلجأ في ظل عدم الانسجام معه إلى رفض التشكيلة الوزارية تلو الأخرى التي يقدّمها له لدفعه للاعتذار عن تأليفها، وبالتالي فإنه يتذرّع بتحديد مهلة زمنية له لإلغاء تكليفه برئاسة الحكومة.
كما أن مجرد تحديد مهلة زمنية للرئيس المكلف يعني الإبقاء عليه في حالة من عدم الاستقرار بخلاف رئيس الجمهورية الذي يُنتخب لولاية رئاسية مدتها 6 سنوات، ولا يمكن تقصيرها إلا في حال ثبوت ارتكابه الخيانة العظمى، وأيضاً لرئيس المجلس النيابي الذي يُنتخب لولاية نيابية مدتها 4 سنوات، ولا يمكن تقصير ولايته إلا في حال تقدم 10 نواب بعريضة يطالبون فيها بتقصير ولايته بعد انقضاء عامين على انتخابه شرط أن يوافق ثلثا أعضاء البرلمان على تقصيرها.
لذلك، فإن إلزام الرئيس المكلف بمهلة زمنية لتشكيل الحكومة يعني الإبقاء عليه في حال من عدم الاستقرار لأن رئيس الجمهورية هو من يتحكّم به استناداً إلى المهلة المحددة له.
وعليه، فإن جلسة اليوم ستؤدي إلى إلحاق ضربة سياسية بعون؛ لأنه ليس مضطراً لشراء مشكلة مجانية يعرف سلفاً بأنه وحده الذي سيدفع الثمن السياسي الذي يلاحقه مع انتقاله إلى منزله في الرابية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تسابق لتعميق المنطقة العازلة في غزة

الدخان يتصاعد بعد إقدام الجيش الإسرائيلي على هدم منزل في مدينة غزة أمس (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد إقدام الجيش الإسرائيلي على هدم منزل في مدينة غزة أمس (أ.ب)
TT

إسرائيل تسابق لتعميق المنطقة العازلة في غزة

الدخان يتصاعد بعد إقدام الجيش الإسرائيلي على هدم منزل في مدينة غزة أمس (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد إقدام الجيش الإسرائيلي على هدم منزل في مدينة غزة أمس (أ.ب)

أظهرت تحركات ميدانية تسابقاً إسرائيلياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الخط الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة «حماس» (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في فصائل تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فإن المساعي الإسرائيلية تستهدف تثبيت الأوضاع الميدانية الجديدة، قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، مستشهدةً بعمليات نسف المنازل وتسوية الأراضي، بما يسمح لقوات الاحتلال بكشف المواقع التي تريدها منطقة عازلة.

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم».

لكن القيادي في «حماس» حسام بدران، رأى أن تصريحات زامير «تكشف بوضوح عن عدم التزام الاحتلال بنود اتفاق وقف إطلاق النار»، وأكد في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أمس، أن الحركة تشترط وقف الخروق الإسرائيلية التي تنتهك وقف النار قبل بدء المرحلة الثانية من الاتفاق.


توقيف طيار كان عضواً في لجنة اقترحت رمي البراميل المتفجرة على السوريين

العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
TT

توقيف طيار كان عضواً في لجنة اقترحت رمي البراميل المتفجرة على السوريين

العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)

ألقت قوى الأمن الداخلي في اللاذقية القبض على العميد الطيار فائق أيوب مياسة الذي كان عضواً في اللجنة العسكرية لدى النظام البائد، التي اقترحت استخدام البراميل المتفجرة في بداية الثورة ضد الشعب السوري الأعزل.

ونقلت وكالة «سانا» الرسمية، عن قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، العميد عبد العزيز الأحمد، أن وحدات مديرية الأمن الداخلي في منطقة الحفة، بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب، نفذت عملية أمنية نوعية، بعد رصد وتتبع دقيق استمر عدة أيام، أسفرت عن إلقاء القبض على العميد الركن الطيار فائق أيوب مياسة المتحدر من قرية لقماني في ريف اللاذقية.

وأشار الأحمد إلى أن مياسة تدرج في المناصب العسكرية، حيث تخرج برتبة ملازم طيار، وعمل في مطار حماة العسكري عام 1982، وعُيّن قائد أركان للواء 63 في مطار تفتناز العسكري بداية الثورة السورية، وتولى مهام تحديد بنك الأهداف بالاشتراك مع غرفتي العمليات الجوية والبرية، الواقعتين في معسكر المسطومة بريف إدلب، لتستهدف تلك المواقع لاحقاً بالطيران المروحي.

برميل أسقطه النظام السوري في بلدة إنخل في درعا جنوب سوريا (أرشيف - رويترز)

وأقر مياسة خلال التحقيقات الأولية بأنه كان عضواً في اللجنة العسكرية التي اقترحت استخدام البراميل المتفجرة في بداية الثورة، كما تولّى مسؤولية تحديد عدد من المواقع في مختلف المحافظات؛ لاستهدافها بالبراميل المتفجرة والألغام البحرية.

وأكد قائد الأمن الداخلي باللاذقية الالتزام ببذل قصارى الجهد لسوق كل مجرم تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى العدالة؛ لضمان محاسبته وفقاً للقانون.

وتأتي هذه العملية في إطار جهود وزارة الداخلية والجهات المعنية في ملاحقة ومحاسبة مسؤولي النظام البائد المتورطين بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري، انطلاقاً من تطبيق العدالة الانتقالية، وضمان حقوق الضحايا وأسرهم، وعدم إفلات أي مجرم من المساءلة.


تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
TT

تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

أظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة، سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة «حماس» (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في الفصائل الفلسطينية في غزة، فإن إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عبر تثبيت حقائق ميدانية جديدة على الأرض عبر نسف المنازل وتسوية الأراضي بما يسمح لها بكشف المنطقة التي تريد أن تصبح منطقة عازلة جديدة في القطاع.

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم».

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

لكن القيادي في «حماس» حسام بدران، رأى أن تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي «تكشف بوضوح عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق وقف إطلاق النار»، ومشيراً إلى أن «مواصلة هدم منازل الفلسطينيين داخل الخط الأصفر تمثل امتداداً للأعمال العسكرية التي كان يفترض أن تتوقف منذ اليوم الأول للاتفاق».

وأكد بدران، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء، أن الحركة تشترط وقف الخروقات الإسرائيلية قبل بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع دعوتها الوسطاء للضغط على إسرائيل.

السيطرة على شارع صلاح الدين

وشرح أحد المصادر من الفصائل لـ«الشرق الأوسط» أن ما تم رصده مؤخراً بشأن نطاق العمل الإسرائيلي في مواقع مختلفة من القطاع بات يؤكد أن «المخطط الحقيقي هو السيطرة على مسافة تقارب 3 كيلومترات من حدود مستوطنات غلاف غزة ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وحتى شارع صلاح الدين الرئيس، وتحديداً قبالة خان يونس، ومدينة غزة وصولاً إلى حدود جباليا وبيت لاهيا».

وشارع صلاح الدين طريق حيوي ورئيسي، ويمتد من شمال القطاع إلى جنوبه، وكانت مسألة السيطرة عليه ذات أهمية عسكرية كبرى خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع، وركزت التحركات الإسرائيلية على قطعه بمحاور مختلفة.

شارع صلاح الدين في قطاع غزة

وذكر المصدر أن مدينتي رفح (أقصى جنوب غزة) وبيت حانون (أقصى الشمال)، محتلتان بالكامل، وفي حال انسحبت إسرائيل منهما، فإنها ستتركهما مدمرتين تماماً، وتواصل حالياً الإجهاز على ما تبقى فيهما.

وتقول مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الإسرائيلية تهدف من خلال الاستهدافات المتكررة يومياً دون توقف، سواء بالتقدم براً أم عمليات القصف الجوي والمدفعي والنسف وغيرها، إشعار السكان الذين يحاولون العودة بالقرب من الخط الأصفر، بعدم قدرتهم على البقاء في تلك المناطق وأن حياتهم ستبقى في خطر دائم، وأنهم يجب أن يبقوا في عمق المناطق الغربية للقطاع من دون أن يتقدموا أكثر من ذلك.

منطقة عازلة أعمق

وقبيل الحرب الأخيرة، كانت المنطقة العازلة بين مستوطنات غلاف غزة والقطاع تصل إلى نحو 300 متر فقط من السياج، وفي بعض المناطق تكون أقل في ظل اعتماد القوات الإسرائيلية على أدوات تكنولوجية لكشف أي خطر، الأمر الذي أسهم، وفق بعض التقديرات، في تمكين «حماس» من الهجوم المباغت في السابع من أكتوبر.

وحسب المصادر، تسعى القوات الإسرائيلية حالياً إلى تثبيت سيطرتها الأمنية داخل قطاع غزة، من خلال إظهار قدرتها على توسيع المنطقة العازلة لتصل إلى مسافة شاسعة عبر استخدام وسائل تكنولوجية، وبما «يسمح لها لاحقاً بتثبيت قواعد إطلاق نار جديدة والتعامل مع أي هدف يتحرك في تلك المناطق، وبما يحرم السكان من العودة إليها لاحقاً حتى لو انسحبت إلى مساحات أخرى».

وقال مصدر إن «إسرائيل ستسيطر على تلك المنطقة العازلة الجديدة نارياً عن بُعد، وقد تقوم بعمليات مباغتة عبر قوات خاصة تنصب كمائن فيها، أو من خلال عمليات توغل برية من حين إلى آخر بالتقدم والتراجع كما تفعل حالياً بهدف إشعار السكان بعدم وجود أي أمان بوجودهم في تلك المناطق».

تمركزات استراتجية جديدة

وبينت المصادر أن القوات الإسرائيلية حالياً لا تتمركز عند الخط الأصفر تماماً، وهي في حالة حركة مستمرة، تارةً بالتقدم إلى خارجه وتوسيع سيطرتها، وأخرى عبر التراجع إلى مناطق بعيدة أو من خلال التنقل من مكان إلى آخر بما يسمح لها بتجريف مساحات جديدة، أو وضع عربات مفخخة ثم تفجيرها بتلك المناطق.

وأشار أحد المصادر، وهو في منطقة قريبة من وسط قطاع غزة إلى أن القوات الإسرائيلية تحافظ على مسافات معينة في وسط القطاع «ولم تتقدم فيها بشكل كبير حتى الآن، وتحافظ على وجودها عند الخط الأصفر بنسب متفاوتة»، مرجحاً «حفاظها على قوة نارية عند الضرورة».

جنديان إسرائيليان في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

وقال المصدر إن القوات الإسرائيلية تلجأ إلى استحداث مواقع عسكرية في مناطق استراتيجية ذات طبيعة جغرافية مرتفعة لكشف مساحات كبيرة، كما هي الحال في جبل الصوراني شرق حي التفاح لكشف مناطق واسعة من الحي ومناطق قرب جباليا (شمال غزة)، إلى جانب تلة المنطار التي تكشف حيي الشجاعية والزيتون.

وكشفت المصادر أن القوات الإسرائيلية استحدثت، الأحد الماضي، موقعاً استراتيجياً جديداً على تبة الظهرة، بمنطقة معن شرق خان يونس (جنوب القطاع) يكشف غالبية المدينة بما فيها أجزاء من غربها، ما يظهر سيطرتها الأمنية على غالبية هذه المناطق.

وتسمح هذه المرتفعات العالية، للقوات الإسرائيلية بكشف أي تحركات، وإطلاق النار يومياً تجاه أقرب نقاط ممكنة خاصةً عند شارع صلاح الدين الذي تخطط تلك القوات ليكون بداية المنطقة العازلة بالنسبة لها، كما تشرح المصادر.

ترمب يضغط

وأظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عزمه على المضي قدماً في المرحلة الثانية من خطته في قطاع غزة، بما قد يشمل تنفيذ إسرائيل انسحابا ثانياً محتملاً، بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، وذلك على الرغم من محاولة إسرائيل جعل الخط الأصفر الحالي حدوداً جديدة لغزة.

وقال المحلل العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل إن «ترمب يعتزم إجبار الأطراف على الانتقال إلى المرحلة التالية، والتي قد تشمل انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من القطاع».

ويقدر هارئيل أن ترمب سيضغط نحو اتفاق ينشر بموجبه الجيش الإسرائيلي قواته على مقربة من الحدود في مساحة أقل، لكنه لأكد ان ذلك سيكون رهن بنتائج لقاء ترمب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو نهاية الشهر الحالي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكنيست بالقدس يوم 13 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

وقالت مصادر عسكرية لـ«هيئة البث الإسرائيلي» (كان) إن الجيش سيبقى متمركزاً على امتداد هذا الخط خلال المرحلة الثانية أيضاً، مع قدرة مراقبة وسيطرة نارية على عموم القطاع دون العودة إلى إدارة شؤون سكانه.

وبحسب المصادر، فإن الانتشار الجديد يحقق لإسرائيل تفوقاً ميدانياً دون تحمل أعباء مدنية تتعلق بالغذاء والمياه والدواء والخدمات الصحية. ووصف مصدر عسكري هذه الصيغة بأنها «إنجاز عملياتي كبير».

لكن التقييم في إسرائيل بحسب محادثات ورسائل أميركية نُقلت إلى تل أبيب أن ترمب لن يوافق على ذلك، وسيطلب من الجيش تنفيذ انسحاب ثاني بحسب خطته.

وأكدت «القناة 12» الإسرائيلية، أن ترمب بدأ فعلاً بزيادة الضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة. وبحسب القناة فإن نتنياهو الذي سيلتقي ترمب سيكون أمام اختبار بعدما عقد زامير مهمته. وأضافت: «عرض زامير احتياجات إسرائيل الأمنية قبل التقدم في الاتفاق، ووضع رئيس الوزراء نتنياهو في مأزق مع الرئيس ترمب».