قليلة هي الفنون التي يمكن إعادة اكتشافها في العصر الحديث، إلا أن الخط العربي يحاول خلق حالة جديدة تثور على النظرة النمطية تجاهه، وهو ما يؤمن بضرورته الخطاط السعودي فهد المجحدي، الذي شق طريقه الفني محملاً بزاد المعرفة والتجارب الثريّة، آخرها معرض «إعجاز» لفن الخط العربي، الذي يُفتتح اليوم (الثلاثاء)، في «نايلا غاليري» بالرياض، ويضم نخبة من أهم الخطاطين السعوديين والمقيمين في المملكة.
المجحدي هو أيضاً القيّم الفني ومنسق أعمال المعرض، كشف لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يسبق أن كان هناك معرض للخط العربي الكلاسيكي بهذا الحجم، بل إن المعارض السابقة كانت تقام بجهود بسيطة ومتواضعة لم تستطع تغيير ذائقة الجمهور تجاه فن الخط العربي، وهو ما يحرص عليه في هذا المعرض المتخصص والفريد من نوعه.
لكن لماذا «إعجاز»؟ يعلل المجحدي ذلك بأن هذه الكلمة ترتبط دائماً بما هو استثنائي وقلما يتكرر، مبيناً أنه فور الإعلان عن المعرض، لاقى صدى واسعاً بين الجمهور، ويردف: «اقتنيت جميع أعمالي في أول 6 ساعات تلت الإعلان»، مبيناً أن ذلك بالنسبة له كان أمراً متوقعاً، نظراً لانتظار الكثير من الناس لمثل هذا الحدث.
وحسب المجحدي يأتي «إعجاز» للفت الانتباه لجمالية فن الخط العربي والحفاظ عليه قيمة فنية، مشيراً إلى أن المعرض الذي يستمر إلى منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي يجمع الخطاطين: جمال الربيعة، وحسن آل رضوان، وزكي الهاشمي، وعبد الرحمن أمجد، وفهد المجحدي، وماجد اليوسف، ومحمد أمجد، ومحمد الربيعة، وناصر الميمون.
من الأعمال الفنية للخطاط فهد المجحدي
العملة النادرة
ولمعرفة الرؤية الفنية للخطاط المجحدي، نحتاج للعودة إلى قصة دخوله إلى هذا العالم، التي يصفها بأنها شبيهة ببداية أي فنان، قائلاً: «الفن بطبيعته موهبة؛ تتجسد في مدى قدرة الفنان على التدقيق في الأشياء والتفاصيل التي لا يراها الشخص العادي، بل يراها مَن لديه الحس الفني». موضحاً أنه كان يحرص على اقتناء الأدوات الفنية منذ سن مبكرة، خصوصاً تلك التي تأتي ضمن قائمة أدواته المدرسية الضرورية، مثل الصلصال وأدوات الرسم وكراسة التلوين وغيرها من أدوات كان يرى أهمية وجودها في منزله منذ ذاك الحين، ولكن حين انتقل إلى الصف الرابع الابتدائي بدأت رحلته مع أول منهج مدرسي للخط العربي، ومن هنا بدأ إعجابه يتشكل في هذا الفن، مقارنةً ببقية الفنون.
وسريعاً، برزت موهبة المجحدي، التي يصفها بأنها كانت بمثابة «العملة النادرة»، بسبب ميل الكثيرين في ذلك الحين إلى عالم الفن التشكيلي، بينما كان الخطاطون قلة، ويوضح المجحدي أن عدد التشكيليين في العالم يصل لمئات الألوف، بينما الخطاطون مجتمعين قد لا يصلون إلى ألف خطاط، ويُردف: «هذه الندرة أثارت فضولي للبحث؛ ومعرفة لماذا الخط هو فن نادر، ثم اكتشفت لأنه ليس من السهل تعلمه وإتقانه، ما ولّد داخلي روح التحدي والتفرّد».
ماهية الخط
وعن السبب في تحول أكثر من فنان من فن الخط ليصبح تشكيلياً، يقول المجحدي إن استخدام هذه الفئة للخط العربي بطريقة لم ترتقِ لأن تكون عملاً فنياً يستند إلى اعتبار الخط العربي فناً مستقلاً، جعل هؤلاء الخطاطين حين يذهبون إلى المعارض والمواقع الفنية يجدون أن المتلقي منكبٌّ تماماً على الفنون التشكيلية الأخرى، مما يُشعرهم بأنهم أضاعوا وقتهم بلا جدوى، بينما في حقيقة الأمر هم لم يصلوا للقيمة الحقيقية لفن الخط العربي، حسب رأيه.
ويشير المجحدي إلى أن دراسته في الخارج ساعدته على الانتقال من الفكر المحلي إلى البعد العالمي، لتحديد كيفية جعل الخط العربي يأتي كلوحة هي بمثابة عمل فني وليس مجرد كتابة. ويضيف: «كثيراً ما يُطرح التساؤل إن كان الحاسوب قضى على الخطاطين، وهذا غير صحيح، لأن الخطاط يُنتج لوحة فنية بينما الحاسوب يُنتج عملاً مكتوباً»، مشدداً على أن الخطاط ليس كاتباً، بل هو فنان يقدم عملاً فنياً.
عمل فني عل شكل خريطة العالم للخطاط فهد المجحدي
المقامات الموسيقية
بسؤاله عن مَواطن القوة في الخط العربي، يشير إلى أنه يعد فناً له معايير ثابتة، مثل المقامات الموسيقية، موضحاً أن الفنان الموسيقي لا يستطيع الخروج عن المقامات مهما أبدع في ألحانه، والأمر نفسه ينطبق على قواعد الخط العربي: «هي محددة من منظور سمعي في الموسيقى، أما في الخط العربي فهي محددة من منظور بصري».
ويتابع: «مع تمتّع فن الخط العربي بقياسات بصرية محددة، فإن الخطاط كلما اقترب منها أكثر فإنه بذلك يُرسخ نضج تجربته ومن ثم تزداد القيمة الفنية لأعماله، مما يجعل القياس أمراً واضحاً وجلياً في فن الخط العربي وذلك على خلاف الفن التشكيلي المعتاد».
ويشير المجحدي إلى مكانة السعودية المرموقة في هذا الفن العريق، موضحاً أن بعض الخطاطين السعوديين يصنفون ضمن قائمة أفضل 10 خطاطين في العالم حالياً.
ً، وهو ما يكشفه كقيّم فني لأكثر من معرض ومتحف متخصص حول العالم. مع الإشارة إلى كونه ممن شكّلوا الوجه الجديد لفن الخط العربي في المملكة، حيث يعد المجحدي أول خطاط سعودي أُجيز من مركز «إرسيكا» بإسطنبول، الذي يعد أكبر مركز للفنون الإسلامية، وذلك عام 2014.