إجراءات أمنية مشددة في طهران تحسباً لتوسع الاحتجاجات

250 قتيلاً واعتقال 13 ألفاً وسط تجدد صدامات الجامعات... ورئيسي تحدث عن رسائل تحذيرية لواشنطن

طلاب يرددون شعارات في جامعة بهشتي الثلاثاء (تويتر)
طلاب يرددون شعارات في جامعة بهشتي الثلاثاء (تويتر)
TT

إجراءات أمنية مشددة في طهران تحسباً لتوسع الاحتجاجات

طلاب يرددون شعارات في جامعة بهشتي الثلاثاء (تويتر)
طلاب يرددون شعارات في جامعة بهشتي الثلاثاء (تويتر)

شددت السلطات الإيرانية إجراءاتها الأمنية، وسط دعوات للتجمهر بمناسبة مضي 40 يوماً على اندلاع الاحتجاجات. وفيما شهدت بعض مناطق طهران احتجاجات، الثلاثاء، تجاهل طلاب الجامعات ولليوم الثاني على التوالي، دعوات التهدئة الحكومية، ونظموا تجمعات جديدة، الثلاثاء، في منتصف الأسبوع السادس على اندلاع أحدث موجة احتجاجات عامة. وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن طهران وجهت تحذيرات إلى واشنطن.
وتجددت دعوات التجمهر بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق. وحض ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الإضراب عن العمل والمشاركة في احتجاجات الشوارع. وقالوا في مناشدتهم لعموم الإيرانيين: «هذا ليس وقت الحداد، ولكن وقت الغضب».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1585316576768643072
وتفقد قائد القوات الخاصة في الشرطة الإيرانية العميد حسين كرمي قواته المتمركزة في شوارع وميادين طهران، حسب مقطع فيديو نشرته وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري».
وذكرت الوكالة أن كرمي «اطلع على آخر الأوضاع الميدانية»، وأضاف: «هؤلاء الضباط الذين يقفون في الشوارع والممرات والساحات هذه الأيام لمنع مثيري الشغب القلائل من القيام بمخططات وعمليات تركيبية بهدف زعزعة النظام والأمن في البلاد».
ورغم حملة قمع تشنها القوات الأمنية، نزلت شابات وشبان مجدداً في مسيرات مناهضة للنظام في وسط العاصمة طهران، كما ظهر في تسجيلات فيديو نشرت على الإنترنت الثلاثاء. وتظهر شابات وهن يصعدن سلالم كهربائية في محطات مترو في طهران ويهتفن «الموت للديكتاتور»، و«الموت للحرس الثوري»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. ويسمع من التسجيلات هتاف «الموت لخامنئي».
- توتر في الجامعات
ووقعت صدامات في جامعة «تربيت مدرس» بين الطلاب وأمن الجامعة، على وقع شعارات حادة مناهضة للنظام. وردد طلاب جامعة بهشتي في شمال طهران شعارات ضد قوانين الفصل بين الجنسين. رددت طالبات جامعة الزهراء في طهران شعار «خافوا... خافوا... كلنا مع بعض»، وشعار «نحن لا نريد متفرجين التحقوا بنا».

طلاب في جامعة بابُل بمحافظة مازنداران الثلاثاء (تويتر)

وجلس بعض أساتذة جامعة شريف وسط الطلاب لتناول وجبة الغداء في باحة الجامعة، في ثاني أيام إغلاق قاعات الطعام أمام الطلاب بسبب رفضهم قوانين فصل الجنسين في الصالات العامة. وخطف معلق مباريات كرة القدم البارز عادل فردوسي بور، والممنوع من دخول التلفزيون الرسمي منذ أكثر من عامين، الأضواء عندما جلس بين طلابه في جامعة شريف لتناول الغداء.
وتوجه المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي إلى قم، غداة منعه من إنهاء كلمته في جامعة خواجه نصير في طهران. وردد طلبة جامعة قم شعار «لا نريد ضيفاً قاتلاً... لا نريد نظاماً فاسداً»، بحسب فيديو نشره حساب «1500 تصوير» على «تويتر». وفي جامعة آزاد (الحرة) فرع جنوب طهران، ردد الطلاب شعار «لا نريد... لا نريد الجمهورية الإسلامية». أما في جامعة أصفهان فقال طلاب في شعاراتهم الغاضبة: «أربعون مهسا أميني... انحنى ظهر النظام». وأظهرت تسجيلات فيديو نشرتها اللجنة التنسيقية للنقابات الطلابية، تجمعات في جامعة «علم وصنعت» وعلامة وخوارزمي وجامعة آزاد فرع شمال طهران وفي جامعة شيراز في كلية الطب بجامعة مشهد، وجارتها سبزوار. بالإضافة إلى جامعات بابُل ويزد وكرمان وسنندج، وجامعة «جندي سابور» في الأحواز. وأسقط طلاب جامعة كرمان لافتة تحمل صورة المرشد الإيراني علي خامئني.
وبحسب قائمة شعارات نشرتها اللجنة التنسيقية للنقابات الطلابية، ردد الطلاب أكثر من 20 شعاراً في تجمعات الثلاثاء، وكان لافتاً إصرار الطلاب على شعارات تطالب بإطلاق سراح زملائهم المعتقلين.
في غضون ذلك، نشرت نقابة الطلبة في جامعة طهران بياناً تدين فيه إجراءات رجال أمن الجامعة، معتبرين خضوع الطلاب لتفتيش جسدي وفحص أجهزة الجوال، في تباين مع «مبدأ عدم التجسس وانتهاكاً للخصوصية».
جاءت احتجاجات الثلاثاء غداة اتهامات لقوات الأمن بضرب تلميذات وسط حملة أمنية على الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني.

عادل فردوسي مع طلابه في جامعة شريف الثلاثاء (تويتر)

ويظهر عناصر من قوات الأمن وهم يطلقون الغاز المسيل للدموع بعد تجمعهم أمام مدرسة «صدر» المهنية للبنات في طهران الاثنين، بحسب التسجيلات التي تشاركها نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي.
وتبرز الشابات والتلميذات في واجهة الاحتجاجات. وقالت قناة «1500 تصوير» إن «طالبات من ثانوية الصدر في طهران هوجمن وجردن من ملابسهن لتفتيشهن وضربن».
ونقلت تلميذة واحدة على الأقل، هي سنا سليماني البالغة 16 عاماً إلى المستشفى بحسب «1500 تصوير» التي ترصد انتهاكات قوات الأمن الإيرانية. وأضافت: «احتج الأهالي فيما بعد أمام المدرسة. هاجمت القوات الأمنية الحي وأطلقت الأعيرة على منازل أشخاص»، طبقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
- 250 قتيلاً
ذكرت «وكالة ناشطي حقوق الإنسان» في إيران أن عدد قتلى الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني ارتفع إلى 252 محتجاً. وسقط من قوات الأمن 28 شخصاً. وأشارت الوكالة إلى سقوط 35 طفلاً خلال حملة القمع التي أطلقتها السلطات في مسعى للحد من الحراك الاحتجاجي. وقالت إنها تأكدت من هوية 1002 معتقل، لكنها لفتت إلى تقديرات عن 13309 معتقلين في المسيرات المناهضة للنظام.
وذكرت «هرانا» أن 214 طالباً بين المعتقلين، مشيرة إلى رصد 552 تجمعاً في 115 مدينة و98 مدينة في أنحاء البلاد حتى ثالث أيام الأسبوع السادس من الاحتجاجات.
بدورها، ذكرت منظمة حقوق الإنسان في إيران، ومقرها النرويج، أن عدد القتلى وصل إلى 234 شخصاً، ومن بينهم 29 طفلاً. وجاء في بيان المنظمة أن السلطات ترفض تسليم جثث الموتى حتى تحصل على تعهد من أهالي القتلى بالتزام الصمت أو تأكيد شهادات الوفاة المزورة المنسوبة إلى الطب الشرعي. وقالت أيضاً: «في بعض الحالات يجري دفن الجثة دون علم الأهالي وفي مكان بعيد عن محل إقامتهم».
وبحسب المنظمة، فإن محافظة بلوشستان سجلت أكبر عدد من الضحايا بواقع 93 قتيلاً وتليها محافظة مازنداران الشمالية بـ28 قتيلاً، وطهران بـ23.
وفي محافظة بلوشستان، أعلن «الحرس الثوري» الإيراني أمس، مقتل اثنين من قواته بنيران مسلحين مجهولين في زاهدان أحدهما برتبة عقيد.
ونقلت وكالة «أرنا» الرسمية عن قائد حرس الحدود الإيراني في محافظة كردستان غرب البلاد، أن أحد المجندين توفي بعد إصابته بجروح بالغة خلال مواجهات مع مسلحين.
قال المتحدث باسم القضاء الإيراني مسعود ستايشي، خلال مؤتمر صحافي، إن السلطات بدأت محاكمة الموقوفين خلال الاحتجاجات الأخيرة في أربع محافظات هي: طهران وألبرز وأصفهان وكردستان.
ونقلت وكالات رسمية عن ستايشي قوله إن «من ارتكبوا جرائم قتل وانتهاك حقوق الناس يجب أن يعلموا أن مواجهة القضاء ستكون عبرة ورادعة لهم»، مشدداً على أنهم «سينالون عقاباً شديداً».
ورداً على أسئلة تتعلق بتوقيف أجانب في الاحتجاجات، قال ستايشي إن المواطنين الفرنسيين «يواجهون تهمة التجمهر والتآمر ضد الأمن الإيراني والتجسس». وقال: «سلسلة المعلومات والتحقيقات على وشك الانتهاء».
بدوره، قال رئيس القضاء في محافظة كردستان، حسين حسيني لوكالة «تسنيم» إن التحقيقات بشأن 110 من الموقوفين في الاحتجاجات «انتهت»، لافتاً إلى توجيه لائحة اتهامات ضدهم ونقل ملفاتهم إلى المحكمة.
وأوضح المسؤول القضائي أن الموقوفين يواجهون تهم «الإخلال بالنظام العام» و«التجمهر والتآمر ضد أمن البلاد»، و«النشاط الدعائي ضد النظام» و«تحريب وحرق الأموال العامة» و«مهاجمة قوات الأمن»، وأشار إلى إمكانية طرح اتهامات مثل «المحاربة» و«العمل ضد الأمن عبر الانتماء لجماعات معادية»، وهي اتهامات تصل عقوبتها للإعدام.
- الموساد وشبكات التواصل
سياسياً، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إنه وجّه عدة رسائل عبر رؤساء بعض الدول إلى المسؤولين الأميركيين فيما يتعلق بالاحتجاجات. وأوضح رئيسي في كلمة ألقاها أمام «الجمعية العامة لوكالات أنباء آسيا والمحيط الهادي»، أنه قال في الرسائل إن «المسؤولين الأميركيين ارتكبوا خطأ في الحسابات».
وقال رئيسي: «ارتكب الأميركيون عدة مرات خطأ في اتخاذ القرارات وأخطاؤهم تسببت في خسارات كثيرة»، وأضاف: «انطباعاتهم خاطئة والبعض يظلهم ويعلنون عن مواقف مكلفة».
وقال الرئيس السابق لجهاز استخبارات «الحرس الثوري» حسين طائب، إن «أحدث مثل وفاة مهسا أميني مخطط لها»، وادعى أن «التخطيط كان على عاتق جهاز الموساد». وأضاف: «حاول الأميركيون إثارة الاضطرابات في انتخابات الرئاسة 2013، عبر اغتيال أحد الأشخاص الذين يحملون جنسية مزدوجة ويلقون بالمسؤولية على عاتق الحكومة»، وأضاف: «أحبطنا تلك العملية واعتقلنا المتورطين»، حسبما نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري».
من جهتها، نقلت صحيفة «إيران» الحكومية عن طائب قوله: «كانت خطة الإسرائيليين لإثارة الاضطرابات في إيران البدء بقضيتي الحجاب والقضايا المعيشية منذ أكتوبر (تشرين الأول)». وأضاف: «حددوا وحدات من اليساريين في الجامعات لمتابعة قضايا الحجاب وتيارات الفتنة لمتابعة القضايا المعيشية، على أن يبدأوا من الجامعات وتنتقل إلى المعلمين، ومن ثم إلى الفئات الأخرى»، كما اتهم إسرائيل بالتخطيط لتحويل الاحتجاجات من قضية «فئات» إلى قضايا «عرقية» و«طائفية».
ومن جانبه، ألقى رئيس منظمة «الدفاع السلبي» الإيراني، غلام رضا جلالي باللوم على شبكات التواصل الاجتماعي. واعتبرها مسؤولة عن اندلاع الاحتجاجات والإضرابات التي شهدتها إيران.
وقال جلالي: «من فرشوا السجادة الحمراء أمام واتساب وتليغرام وإنستغرام مسؤولون عن تهديد الأمن الاقتصادي والقضايا الاجتماعية». وبدورها، طالبت صحيفة «جوان» الناطقة باسم «الحرس الثوري» بـ«إرسال فاتورة الخسائر الأخيرة إلى إنستغرام وتويتر»، وقالت إنها «تشجع على إثارة الشغب من صناعة المولوتوف إلى التحريض على أعمال إرهابية»، علماً بأن السلطات الإيرانية تحجب «تويتر» منذ احتجاجات الخضراء في 2009.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

إيران تخشى تفعيل آلية لإعادة العقوبات الأممية

عراقجي (يسار) في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مساء الأحد (الخارجية الإيرانية)
عراقجي (يسار) في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مساء الأحد (الخارجية الإيرانية)
TT

إيران تخشى تفعيل آلية لإعادة العقوبات الأممية

عراقجي (يسار) في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مساء الأحد (الخارجية الإيرانية)
عراقجي (يسار) في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مساء الأحد (الخارجية الإيرانية)

تخشى إيران تفعيل القوى الأوروبية آلية «سناب باك» لإعادة العقوبات الأممية، في حال عدم التوصل إلى صفقة دبلوماسية في المحادثات المتعثرة بشأن إحياء الاتفاق النووي قبل أكتوبر (تشرين الأول) العام المقبل، وذلك وسط مخاوف من إعادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لاستراتيجية الضغوط القصوى.

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن القوى الأوروبية أبدت رغبة في استئناف المسار الدبلوماسي عبر الوسيط العماني بهدف إحياء الاتفاق النووي.

لكن عراقجي حذّر من تفعيل آلية «سناب باك» التي سينتهي مفعولها في أكتوبر العام المقبل، مع انقضاء القرار «2231» الصادر بعد الاتفاق النووي، في يوليو (تموز) 2015. وأصبح سارياً بعد تنفيذ الاتفاق النووي في يناير (كانون الثاني) 2016.

وقال عراقجي: «إذا لم نتوصل إلى اتفاق جديد قبل أكتوبر 2025، فسنواجه وضعاً صعباً، قد تسعى الدول الأوروبية إلى تفعيل آلية (سناب باك)» التي تنص على إعادة تفعيل 6 قرارات أممية مجمدة بموجب الاتفاق النووي، ما يعني عودة العقوبات الأممية على إيران.

وأوضح عراقجي في حديث للتلفزيون الرسمي، مساء السبت، أن حكومة مسعود بزشكيان حاولت استئناف المفاوضات في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك.

وقال: «إن القوى الأوروبية والولايات المتحدة رحبت بمواصلة المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط العماني... وجرى التعبير عن الرغبة في بدء مسار المفاوضات مع الأوروبيين ومسار مسقط، وكنا مستعدين لبدء المفاوضات، لكن الأحداث في لبنان أدت إلى توقفها. الآن، هناك رغبة من قبل الدول الأوروبية في استئناف المفاوضات، وسنقوم بذلك قريباً».

وأضاف: «مسار مسقط متوقف الآن، وعلى الحكومة الأميركية الجديدة أن تقرر، ونحن سنتصرف بناءً على ذلك».

وتُعقّد عودة ترمب إلى منصب رئيس الولايات المتحدة في يناير المفاوضات الدبلوماسية في الملف النووي مع إيران، والتي توقفت في عهد إدارة جو بايدن التي ستنتهي ولايته بعد أشهر من المحادثات غير المباشرة. وخلال الولاية السابقة لترمب انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق المبرم في 2015 بين إيران و6 قوى عالمية، والذي كان يُقيد أنشطة إيران النووية مقابل إلغاء عقوبات دولية. ولم يتضح بعد ما إذا كان ترمب سيواصل سياسة ممارسة «أقصى درجات الضغط» على إيران عندما يتولى منصبه.

في ملعب أوروبا

وكتب عراقجي على «إكس» عقب محادثات في طهران مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الخميس: «الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي/الترويكا الأوروبية»، في إشارة إلى الثلاثي الأوروبي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الذي يمثل الغرب جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة في المحادثات النووية.

وقال عراقجي: «نحن على استعداد للتفاوض على أساس مصلحتنا الوطنية وحقوقنا التي لا يمكن التنازل عنها، لكننا غير مستعدين للتفاوض تحت الضغط والترهيب».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية للصحافيين إن القوى الأوروبية الثلاث ستنتظر حتى معرفة نتائج زيارة غروسي قبل أن تقرر طريقة الرد على المقترح الإيراني.

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام منشأة «نطنز» (أرنا)

وحذّر عراقجي مرة أخرى، من أن بلاده سترد على أي قرار قد يصدر من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، داعياً إلى مسار «تعاوني وليس صدامياً» بين طهران والوكالة التابعة للأمم المتحدة.

وقال: «إذا جرى التوجه نحو التصادم، وصدور قرارات ضدنا سنرد بالمثل، لكن إذا كان المسار مسار تعاون، فسنواصل التعاون».

وتوقف عراقجي مطولاً عن زيارة مدير الوكالة الدولية، رافائيل غروسي نهاية الأسبوع الماضي. وقال: «تعامُلنا مع الوكالة هو تعامل في المجال الفني فقط، ولا يحق لها التدخل في القضايا السياسية».

ونقل عراقجي عن غروسي قوله إن زيارته إلى طهران «زيارة فنية، في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتقه، بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وكذلك الاتفاق النووي».

وعقّب عراقجي قائلاً: «الوكالة الدولية تتحرك ضمن إطار معاهدة حظر الانتشار النووي، ونحن سنتعاون معها بشكل كامل بصفتها دولة ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار»، أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي «فقد توقف التزامنا به منذ فترة طويلة، بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات، وفشل الدول الأوروبية في إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق».

وبعد أشهر من الانتظار، تمكّن غروسي من زيارة إيران؛ حيث أجرى الخميس محادثات مع عراقجي والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس المنظمة الذرية الإيرانية محمد إسلامي.

وقام بزيارة تفقدية إلى منشأتي «نطنز»، و«فوردو» الرئيستين في تخصيب اليورانيوم الإيراني، قبل مغادرة إيران الجمعة.

جلسة برلمانية

والأحد، أطلع رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، محمد إسلامي، نواب البرلمان، على نتائج زيارة غروسي.

وقال إسلامي في اجتماع مع لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان إن زيارة غروسي للمنشأتي نطنز وفوردو جرت وفقاً للبروتوكولات الداخلية.

وقال رئيس اللجنة، النائب إبراهيم عزيزي، إن «أغلبية الأعضاء اللجنة أعربوا عن انتقادهم للسماح لغروسي بزيارة المراكز النووية في البلاد، وشددوا على ضرورة تعزيز الردع. وأكدوا على وجوب إيقاف جميع التنازلات التي تتجاوز إطار اتفاقية الضمانات. كما رأى البعض ضرورة تغيير العقيدة النووية للبلاد».

وعشية زيارته إلى طهران، حذر غروسي من أن «هوامش المناورة بدأت تتقلص» بشأن برنامج إيران النووي.

وقال «السيد غروسي تصريحاتكم التي أشرتم فيها إلى احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض تعكس تأثركم بالتحليلات... لا مكان لما يسمى الخوف من ترمب في إيران».

ووجه النائب محمد سراج إنذاراً للحكومة، قائلاً: «لا تضعوا التفاوض مع أميركا على جدول الأعمال». وخاطب الرئيس مسعود بزشيكان: «مستشاروكم وصفوا رئيس أميركا السابق بالقاتل والمجنون، وكانوا يعتبرونه شخصاً غير متزن. واليوم يرون في ترمب فرصة لا يجب تفويتها، ويعتبرونه تاجراً يفهم لغة الربح والخسارة، ويرون إمكانية التفاوض معه».

على خلافه، قال النائب أحمد فاطمي: «نحن في منعطف تاريخي حساس. نحن أمة المقاومة، ولا نخشى النضال ولا التفاوض. نحن أمة الحوار، ولن نحول التفاوض إلى محرمات».

شائعات

وفي سياق متصل، نفى عراقجي اللقاء المزعوم بين السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، وإيلون ماسك، بعدما نفت الخارجية الإيرانية ذلك، بعد تأخير 48 ساعة.

وبرّر عراقجي التأخير باختلاف الوقت بين طهران وواشنطن، مؤكداً أن «الخبر مجرد شائعة أطلقتها وسائل الإعلام الأميركية». وأوضح أنه لم يعدّ الخبر جدياً في البداية، وكانوا في انتظار التواصل مع زملائهم في نيويورك للتأكد من صحته. وذكر أن أي اجتماع من هذا النوع لا يجري دون التنسيق مع طهران، مؤكداً أن السفارات لا تملك صلاحية القيام بذلك دون إذن.

وأضاف أنه طلب من البعثة الإيرانية التحقيق في الأمر ونفيه إذا لزم، ورأى زملاؤه هناك أن «الخبر لا يستحق الرد»، ما جعل بيان الرد «غامضاً، وزاد من الشكوك». وقال عراقجي: «مع انتشار الشائعة صباح السبت، كان من الضروري إصدار بيان أكثر وضوحاً بنفي قاطع».

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، يوم الخميس، أن ماسك التقى السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة لبحث كيفية نزع فتيل التوتر بين طهران وواشنطن. ونقلت الصحيفة عن مسؤوليْن إيرانيين، رفضا الكشف عن هويتيهما لأنهما غير مصرح لهما بالحديث في هذا الشأن لوسائل الإعلام، القول إن الاجتماع الذي كان سريّاً، واستمر لمدة ساعة، كان «إيجابياً»، وأسفر عن «أنباء طيبة».

وقال عراقجي: «هذه قصة ملفقة من وسائل الإعلام الأميركية، ويمكن التكهن بالدوافع وراء ذلك».

وهيمنت صورة إيلون ماسك على الصفحات الأولى للصحافة الإيرانية على مدى يومي السبت والأحد.

وتنفّست الصحف المحافظة الصعداء، بعد نفي طهران حدوث اللقاء. وكان شعار منصة «إكس» قد تصدّر الصحف الإصلاحية المؤيدة للتوصل إلى اتفاق نووي، وخفض التوترات مع الغرب.

وأفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأن النقاش شمل مجموعة من الموضوعات، أبرزها البرنامج النووي الإيراني، ودعمه للجماعات المسلحة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وآفاق تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

زيارات بيروت ودمشق

وأشار عراقجي في جزء من تصريحاته إلى زياراته والمسؤولين الإيرانيين إلى بيروت ودمشق مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل. وأوضح: «كان من الضروري أن نحضر ميدانياً، ونطمئن أصدقاءنا في جبهة المقاومة و(حزب الله) بأن إيران لا تزال تدعمهم».

وقال إن «حزب الله» تعرض لضربات قاسية وخسائر مؤلمة، بدءاً من هجمات «البيجر» وصولاً إلى قادة الحزب، على رأسهم حسن نصر الله.

ولفت عراقجي إلى أن زيارته، إضافة إلى زيارة رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وعلي لاريجاني، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومستشار المرشد الإيراني، ساهمت «في استعادة تلك القوات عافيتها».

ولفت عراقجي إلى نقطتين حول أسباب الزيارات: أولاً طمأنة دول المنطقة بأن «(المقاومة) ما زالت ثابتة وقوية في مكانها، والتصدي للدعاية التي كان ينشرها الكيان الصهيوني والأميركيون وآخرون بأن (المقاومة) قد انهارت، وأن (حزب الله) قد انتهى وما إلى ذلك». ثانياً: «التحذير من تهديد الكيان الصهيوني؛ حيث إن أهدافه لا تقتصر على غزة ولبنان فقط، بل أهداف أوسع... وهو سيناريو ينبئ بمخططات الكيان لإشعال المنطقة بأكملها وإدخالها في حرب».

وأفاد عراقجي بأن «التحرك الدبلوماسي الإقليمي، إضافة إلى الاستعداد القتالي لقواتنا المسلحة للرد على أي تحرك، وأيضاً استعداد الحكومة لتوفير الظروف الملائمة لدعم المقاومة، وقبل كل شيء، جاهزية المقاومة ميدانياً، كل هذه العوامل أسهمت في إيجاد حالة من السيطرة على الوضع».

وأضاف: «بعد أن شن الكيان الصهيوني هجوماً جديداً على إيران، شهدنا بلا استثناء إدانة من المنطقة».