محمد مستجاب في «نبش الغراب»

كتاب يجمع مقالاته المنشورة في مجلة العربي

محمد مستجاب في «نبش الغراب»
TT

محمد مستجاب في «نبش الغراب»

محمد مستجاب في «نبش الغراب»

يُعد الكاتب محمد مستجاب (1938 - 2005) أحد أبرز كتاب جيل الستينات في مصر، وقد تميزت كتاباته في القصة القصيرة والرواية، بواقعية سحرية، جعلته يغرد خارج سرب الأساليب الأخرى المتشابهة. من هنا تأتي أهمية كتاب «نبش الغراب في واحة العربي» الذي يضم الجزء الأول من مقالاته بمجلة «العربي» الكويتية التي اعتبرها نقاد بمثابة جنس أدبي جديد، فهي تجمع بين المعلومة العلمية والمفارقة الدرامية والموروث الشعبي والسرد الأدبي، كل ذلك في سبيكة واحدة لا ترتبط بتوقيت زمني محدد، وإنما تنفتح على معانٍ عامة وباقية.
في الكتاب الصادر عن «دار الكرمة» بالقاهرة، يتحدث محمد مستجاب في مقالاته عن «العين»، مشيراً إلى أنها في الألفباء العربية تعد الحرف الثامن عشر، كما تُعتبر أنصع الحروف في الجرس اللغوي وألذها سمعاً. و«عين الجمل» من أجمل أنواع المكسرات، و«عين الذئب» تعبير جاء في مسرحية شكسبير «عطيل»، ويعني الرؤية، حتى مع إغلاق العين تظاهراً بالنوم. والنداء على العين في اللهجات العربية «يا عيني» يعني اللوعة والوجل، وهي غير «يا ليل يا عين» التي تعني بداية شكوى المحب من الزمان.
وحول «العنق»، يوضح أنه عندما نلتقي الأصدقاء ننظر في عيونهم، أما المناوئون والأعداء وذوو الدم الثقيل فننظر في أعناقهم، وهكذا نشأت هذه العلاقة الأثيرة بين الأهداف والأعناق، التي بسببها نبالغ في تزيين العنق بالحلي والمجوهرات، عنق الأنثى بالذات مضافاً إليها «مهراجات» الهند وكهنة معابد جنوب آسيا على الأقل حتى لا يصطدم نظرنا بنتوءات العنق البارزة، وهي النتوءات التي تشي عن كثير مما مرّ بصاحبها، وتكشف عن العمر وكثير من الخبرات والتجارب السابقة، فالعنق محط اهتمام القانون والتهديدات (سوف أكسر عنقك).
ويستمر الكاتب في رصد التداعيات المختلفة لأجزاء الجسم بأسلوبه المميز فيتوقف عند تلك المفارقة، فمع أن علماء التشريح والنفس نقلوا مراكز الإحساس إلى المخ، واعتبروا القلب جهازاً لضخ الدم له إلا أن «مستجاب» يعتبر القلب موضع كل إحساس من الحب إلى الغيرة إلى الحقد إلى الرغبة الجارفة التي تؤدي إلى الهلاك! «انظر إلى قلب العجل في الطاسة محاطاً بالفلفل الأخضر والسمن البلدي، وانصت جيداً إلى تلك الطشطشة عندما تداهمه النار، إن قدراً هائلاً من الأحاسيس يتسامى في رائحته الشهية. ولذا، فإن الأطباء ينصحون مرضى الكوليسترول والنقرس بعدم أكل القلب تخفيفاً عن باقي مشاعرهم القديمة، وأعظم قلب هو قلب الأم، وأحياناً قلب الجدة والجد، ويأتي قلب الأب في المرتبة الرابعة، ويحتل قلب الزوجة المرتبة الثالثة في الشهور الأولى من الزواج، ثم يتراجع في سرعة محسوبة».
ويصف مستجاب «السفر» بأنه هذا الارتحال من مكان لآخر بالأقدام أو على جمل أو فيل أو حوت أو سيارة أو سفينة أو طائرة أو صاروخ حتى رعاك الله على الأكتاف من بيت لبيت أو من خيمة لخيمة أو من بلدة لبلدة أو من قارة لقارة. وقد بدأ يزحف على السفر الارتحال من كوكب لآخر، ولن يكون مدهشاً أن تكون أنت من كوكب الأرض، وأصهارك أهل زوجتك من زحل، وربما يكون مرهقاً أن يكون ابنك الأكبر يعمل في المشترى بعد أن واجه بعض المتاعب في كوكب نبيتون. وسوف يظل السفر وراء الخيال الخصب في الشعر والراوية وشجن الموسيقى المتوائم مع تداخل خيوط القماش واستدارات القباب وشموخ المآذن وأوار النار عند شواء حمل أو جدي حتى أرنب. وما يكاد هذا الشواء ذو الرائحة المثيرة للاشتهاء ينضج حتى يتحول السفر إلى «سُفرة»، تلك المائدة اللذيذة التي أخذت اسمها من السفر كتحية كريمة وهانئة منا، وتقديراً لما يعانيه المسافر. إلا أن السفر بمعنى الارتحال ظل منذ فجر الحركة الإنسانية الحيوية وراء لقب «السفير» ذلك الشخص الذي يمثل الجماعة البشرية لدى جماعة أخرى ليتطور الأمر به ليصبح الدبلوماسي في العالم العصري المتسع في الدبلوماسية.
ويصف محمد مستجاب «الزمن» بأنه هو هذا الامتداد السرمدي الواضح الغامض الساخر المبهج المرعب، تدور حوله علوم الفلسفة والطبيعة والأديان والطب والتاريخ والأساطير، علّها تجد ثغرة تصل بها إلى معنى محدد أو إدراك واضح.
ينام على الأرض فوق طبقات جيولوجية كما تستريح القشدة فوق الفطيرة المتقنة، يحب الحكايات والاختراعات والأكاذيب والدم والبساتين والدمار، يبدو حنوناً عطوفاً وأنامله تفصل الحبل السري للوليد عن والدته ليسحبه من بين الأثداء والأحضان، ويلقي به إلى الدروب والمدارس والحقول والنساء والأولاد والمحاكم والمصانع، ثم يصنع من هذا الحبل السري كتلاً من غصون ذات ملامح مرهقة، تسعى للنهاية الغامضة. أقام للممالك تاريخاً وظل يضحك دون اهتمام بمشاعر علم الاجتماع، وليس صحيحاً أن المصريين القدماء وغيرهم من قدماء تحدوا الزمن بهذه الصروح العتيدة الشامخة، كما يحلو للبعض أن يصف في كتبه وأحاديثه، إنما الصحيح أن الزمن ترك على الأرض نثاراً من فتات مائدة ضخمة يقيمها بين الحين والحين لأصدقائه!


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
TT

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)
طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)

كشف بحث جديد أنه يمكن لفيروس إنفلونزا الطيور أن يصيب الخيول دون أن يسبب أي أعراض، مما يثير المخاوف من أن الفيروس قد ينتشر دون أن يتم اكتشافه، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز».

ويعتبر ذلك تطوراً آخراً في التهديد الناشئ لفيروس H5N1، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره السبب الأكثر ترجيحاً للوباء المقبل.

اكتشف علماء من جامعة غلاسكو في المملكة المتحدة أجساماً مضادة للفيروس في عينات دم مأخوذة من خيول تعيش في منغوليا.

وقال البروفسور بابلو مورسيا، الذي قاد البحث، لشبكة «سكاي نيوز» إن النتائج تشير إلى أن الخيول في جميع أنحاء العالم قد تكون عرضة للإصابة في المناطق التي يوجد بها إنفلونزا الطيور، وقد تنقل الفيروس إلى البشر.

وتابع: «من المهم للغاية، الآن بعد أن علمنا أن هذه العدوى يمكن أن تحدث في الطبيعة، أن نراقبها لاكتشافها بسرعة كبيرة... تعيش الخيول، مثل العديد من الحيوانات المستأنَسة الأخرى، على مقربة من البشر. وإذا استقر هذا الفيروس في الخيول، فإن احتمالية الإصابة البشرية تزداد».

ويعتقد الفريق في مركز أبحاث الفيروسات التابع لمجلس البحوث الطبية بجامعة غلاسكو أيضاً أن الخيول قد تكون وعاء خلط لسلالات جديدة من الإنفلونزا.

من المعروف بالفعل أن الخيول يمكن أن تصاب بإنفلونزا الخيول، التي يسببها فيروس H3N8. ولكن إذا أصيب الحصان في نفس الوقت بفيروس H5N1، فقد يتبادل الفيروسان المادة الوراثية ويتطوران بسرعة.

كان فيروس H5N1 موجوداً منذ عدة عقود، ويتسبب في تفشّي المرض بين الدواجن إلى حد كبير. ولكن في السنوات الأخيرة انتشر نوع جديد من الفيروس في جميع أنحاء العالم مع الطيور المهاجرة، وقفز مراراً وتكراراً بين الأنواع ليصيب الثدييات.

ينتشر الفيروس بين الأبقار في الولايات المتحدة؛ حيث أُصيب أكثر من 700 قطيع من الأبقار الحلوب في 15 ولاية، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وقال الدكتور توليو دي أوليفيرا، مدير مركز الاستجابة للأوبئة والابتكار في جنوب أفريقيا، الذي اكتشف لأول مرة متحور «أوميكرون»، في جائحة «كوفيد - 19»، إنه يراقب الأحداث في أميركا بخوف.

وشرح لشبكة «سكاي نيوز»: «آخر شيء قد يحتاجون إليه في الوقت الحالي هو مسبِّب مرض آخر تطور وتحور... إذا أبقي فيروس H5N1 منتشراً لفترة طويلة عبر حيوانات مختلفة وفي البشر، فإنك تمنح الفرصة لحدوث ذلك. لا أحد يريد جائحة محتملة أخرى».