ماكس إرنست... السريالي الأكثر انسجاماً مع أفكاره

معرض فني كبير لأعماله تشهده ميلانو هذا العام

من لوحات المعرض في ميلانو
من لوحات المعرض في ميلانو
TT
20

ماكس إرنست... السريالي الأكثر انسجاماً مع أفكاره

من لوحات المعرض في ميلانو
من لوحات المعرض في ميلانو

في صالات القصر الملكي الكبير وسط مدينة ميلانو الإيطالية افتُتح هذه الأيام واحد من أكبر المعارض الفنية في إيطاليا للرسام السريالي الألماني ماكس إرنست (1891 - 1976)، ويستمر حتى 26 فبراير (شباط) 2023.
يقدم المعرض هذا الفنان الكبير كحدث حاسم في البحث الذي لا يزال نشطاً حول هذا الرسام، الذي بدأ دادائياً وانتهى سريالياً، وهو يضم أكثر من 400 عمل بما في ذلك اللوحات والمنحوتات والرسومات والكولاجات والصور الفوتوغرافية والجواهر والكتب المصورة من المتاحف والمؤسسات والمجموعات الخاصة، في إيطاليا، تورينو، ميلانو ومتاحف عالمية.
والمفاجأة في هذا المعرض الكبير، هي اختلاف كل صالة عن الأخرى، وتروي جميعها أجزاءً من سيرته الذاتية التي يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل كبيرة. وضم المعرض أيضاً عشرات الكتب التي كتبت عنه، وكتيبات دراسية وصوراً فوتوغرافية وأشياء ووثائق ونسخاً مطبوعة على الكانفس من أعماله الفنية الشهيرة.
إن إرنست، بالنسبة لمؤسس السريالية أندريه بروتون، هو «فنان القرن العشرين الذي قرأ أكثر من أي شخص آخر. وهو الأكثر ثقافة، والأوسع معرفة والأكثر انسجاماً مع أفكاره». لقد بقي طيلة حياته في سلوكه كما في نتاجه، سريالياً حقيقياً، وأصبح خرافة حية في فترة عانت فيها الحركة الفنية أزمة ولّدتها ظروف ما بين حربين.
والسريالية التي اعتنقها إرنست تمثل، كما يضيف بريتون، «آلية صافية، يمكننا أن نعبر بواسطتها، إما كتابة، وإما شفهياً، وإما بأي طريقة أخرى، عن سير عمل الفكر الحقيقي للفرد، ما يمليه الفكر في غياب أي مراقبة يمارسها العقل، وخارج أي اهتمام جمالي آخر». لكن إرنست كان يدعو، بفعل المناخ السياسي العام في أواخر العشرينات من القرن الماضي، إلى اتخاذ موقف وأضح، متماسك سياسياً واجتماعياً، فلم يعد من الممكن الاكتفاء بعالم الأفكار. وكتب مرة قائلاً: «إن عمل الفكر لا قيمة له إلا بقدر ما يسهم في تغيير العالم».
لقد أدرك إرنست أن وقوف السريالية في وجه الرفض الدادائي القاطع لتقاليد الفن الحديث والعودة عن هذا الرفض سيقودان بالتالي للبحث عن وسائل تعبير جديدة في مجال الفنون التشكيلية (الرسم والنحت والتصوير)، وهذا ما جعله ينضم إلى الحركة الفنية الجديدة التي اهتمت وآمنت بالأفكار السريالية في الفترة ما بين 1924 وبداية الأربعينات. وصحيح أن الحرب العالمية الثانية أسهمت في تفكيك حركة السرياليين وتشتتهم، إلا أن الأهداف التي رسمتها هذه الحركة والداعية إلى تحرير المخيلة من روابط العقل والإصلاح، بقيت قائمة في أعمال الكثير من الفنانين وعلى رأسهم إرنست الذي كان يركز في كل أعماله الفنية على النواحي الأدبية والفلسفية والنفسانية في العمل، وما تحمله من قيم جديرة بالتقدير.
لقد خرجت أعمال إرنست من نظام القيم السائد آنذاك، فأخضع معظم تآليفه لبنية غير متناظرة تجمع بين عناصر متباينة، وحاول في كل أعماله أن يقابل الشيء التقني أو الحرفي والشيء الجمالي وأن يطابق بينهما، واستنبط نمطاً جديداً لا تأخذ فيه الناحية التشكيلية سوى أهمية ثانوية؛ فهو يستخدم عناصر متنافرة جمعت بشكل عفوي، في تقنية بارعة بدقتها، ومنحها عناوين أدبية وأدخل اللغة إلى اللوحة، مضيفاً بعداً جمالياً جديداً لم يكن مطروقاً، فتميزت اللوحة عنده بقوة لونية وشاعرية فريدة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

23 فيلماً سعودياً وعالمياً تشهدها «ليالي السينما» في جدة

تشمل عروض «ليالي السينما» المتنوعة أفلاماً عربية وعالمية (واس)
تشمل عروض «ليالي السينما» المتنوعة أفلاماً عربية وعالمية (واس)
TT
20

23 فيلماً سعودياً وعالمياً تشهدها «ليالي السينما» في جدة

تشمل عروض «ليالي السينما» المتنوعة أفلاماً عربية وعالمية (واس)
تشمل عروض «ليالي السينما» المتنوعة أفلاماً عربية وعالمية (واس)

تنطلق النسخة الثانية من «ليالي السينما» في المدينة الساحلية جدة (غرب السعودية)، الخميس، مقدمة رحلة سينمائية فريدة بين جنباتها من خلال عرض 23 فيلماً من إنتاج سعودي وعالمي، ضمن إطار فعاليات «بينالي الفنون الإسلامية 2025» المُقام في مطار الملك عبد العزيز الدولي.

وكشفت «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي»، عن إطلاق النسخة الثانية من برنامج «ليالي السينما»، بالشراكة مع مؤسسة «بينالي الدرعية»، الذي سيضم مجموعة متنوعة من 23 فيلماً من إنتاج سعودي وعالمي، ليحظى الجمهور بتجربة سينمائية فريدة ضمن برنامج ثقافي متنوع.

وتشمل عروض هذا العام من «ليالي السينما» أفلاماً عربية وعالمية تُعرض كل يوم خميس ابتداءً من 6 فبراير (شباط) حتى 22 مايو (أيار) المقبل، إضافة إلى جلسات حوارية مع صناع الأفلام والممثلين، وتخصيص عروض للأفلام القصيرة السعودية المحلية، كذلك التي تدور أحداثها وقصصها حول مجال الطهي والطعام.

ويدشن الفيلم السعودي «صيفي» الرحلة السينمائية الفريدة، وتختتم بفيلم «سنو وايت» في 22 مايو. وتتنوع العروض بين مجموعة من القصص والأفلام التي تتناول قضايا مختلفة، وتستعرض مواهب صناع السينما.

وتدور أحداث «صيفي»، حول رجل أربعيني يعيش وهم تحقيق ثراء سريع باستخدام مهاراته المحددة، وذلك من خلال التمسك بمحله الصغير لبيع أشرطة الكاسيت الذي يبيع فيه أيضاً الخطب الدينية. وهو من إخراج وائل أبو منصور، ويضم كلّاً من أسامة القس، وعائشة كاي، وبراء عالم، ونور الخضراء.

بينما يمزج «سنو وايت» للمخرجة المصرية تغريد أبو الحسن بين العديد من القضايا حول الزواج والأخوة، بأسلوب إنساني رقيق ينساب في أفكار الحضور بطريقة إبداعية سلسلة. وتخطف فيه مريم شريف الأضواء في دور إيمان، وهي شخصية تعاني قصر القامة إذ يبلغ طولها 119 سم، وتحلم بالعثور على الحب الحقيقي، لتواجه عقبتها مع تعارض حلمها مع حلم أختها الصغرى.

وأثبتت الأفلام السعودية والإماراتية في نسخة هذا العام، قدرتها على جذب الجمهور والنقاد على حد سواء، وخطفت 4 أفلام سعودية الأنظار، مما سلط الضوء على عمق وتنوع المشهد السينمائي المزدهر في المملكة، مما يؤكد ازدهار صناعة السينما في المنطقة، وتنوع قصصها التي تلقى صدى واسعاً لدى الجماهير.

وتعكس الشراكة بين «البحر الأحمر السينمائي» و«بينالي الدرعية»؛ التزامهما المشترك لتعزيز وإثراء المشهد الثقافي والسينمائي في السعودية، ورعاية التعبير الفنّي والإبداعي عبر منصاتٍ لاستقطاب المواهب الفنية والسينمائية الواعدة.

من جانبها، أعربت شيفاني بانديا مالهوترا، المديرة التنفيذية لـ«البحر الأحمر السينمائي»، عن فخرهم بالشراكة المستمرة مع (بينالي الدرعية)، التي تمثل خطوة مهمة نحو التقدم المستمر، وعرض قوائم جديدة من القصص المتميزة عبر جميع أنحاء المنطقة، مبينة أنها تهدف إلى بناء منظومة إبداعية مستدامة تساهم في تعزيز الحوار الثقافي.