دفعت واقعة سرقة متحف كلية الآثار في جامعة سوهاج، والتي أحدثت ضجة واسعة في مصر خلال اليومين الماضيين، خبراء الآثار إلى المطالبة بضرورة تشديد إجراءات تأمين هذه المتاحف التعليمية لحماية الكنوز النادرة بها، والتي لا يكون بمقدور الجمهور العادي رؤيتها، بالإضافة إلى تعظيم الاستفادة التعليمية منها، لا سيما بعد إغلاق معظمها في وجه الطلاب باستمرار.
ويقع متحف كلية الآثار في جامعة سوهاج، في الطابق الخامس بكلية التربية النوعية بمقر الجامعة القديمة (الواقعة شرق النيل) منذ سنوات طويلة، ورغم نقل جميع محتويات كلية الآثار من مبناها القديم منذ تحويلها إلى كلية مستقلة بـ(مقر الجامعة الجديد – شرق النيل) عام 2016، لم يتم نقل المخزن من مكانه القديم؛ وهو ما أثار انتقادات واسعة لإدارة الجامعة.
الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة، لجنة التاريخ والآثار، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن طرق الحماية المتبعة حالياً للمخازن والمتاحف الأثرية التعليمية تتم عن طريق الأمن الخاص بالكلية ضمن كل المخازن التي تضم مقتنيات الكلية، ولا يكون لها أمن خاص، ومن السهل جداً تعرضها للسرقة، خصوصاً بعد انتهاء وقت الدراسة بالجامعة مساءً، بينما المتاحف الأثرية العامة لها أمن خاص بوزارة السياحة والآثار، علاوة على شرطة السياحة والآثار على مدى الأربع والعشرين ساعة يومياً».
لذلك؛ يؤكد ريحان، أن «تأمين متاحف الكليات غير كاف؛ إذ يحتاج إلى عناصر مستقلة تكون حاضرة على مدار اليوم، بالإضافة إلى الرقابة المستمرة لوزارة السياحة والآثار على هذه المتاحف باعتبار كل الآثار الموجودة بها مسجلة وتخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، والتي تتمثل في طلب الجرد لهذه القطع سنوياً بمعرفة المجلس الأعلى للآثار، والاطمئنان على سلامة الإجراءات الأمنية المتبعة بالمرور الدوري على هذه المتاحف».
ونجحت الأجهزة الأمنية في كشف ملابسات واقعة سرقة متحف جامعة سوهاج، وقالت في بيان لها صباح الاثنين «أسفرت جهود رجال الأمن في الكشف عن تورط 4 أشخاص (طالبان وطالبة بالجامعة ذاتها - ووالد أحدهم) في ارتكاب حادث السرقة»، وأضافت، أنه تم ضبطهم وبحوزتهم عدد (59 قطعة أثرية)، وبمواجهتهم اعترفوا بارتكاب الواقعة».
وبحسب وزارة الداخلية، فإن «أحد الطلاب المتهمين اتفق مع آخر، على سرقة محتويات المتحف رغبة فـي الثراء السريع، وبينما قام أحدهم بفتح باب المتحف بأداة حديدية، قام الآخر بحجب رؤية الكاميرا حتى تمكن الأول من فتح باب المتحف، وقام بالاستيلاء على القطع الأثرية ووضعها بحقيبة ظهر وبعض الأكياس البلاستيكية، قبل الاتصال بزميلة لهم، وطلب حضورها بسيارتها، لنقلها إلى خارج الجامعة، ثم استقل الطالبان سيارة أجرة وتقابلا معها مرة أخرى، وقام أحدهما بإخفاء المسروقات لدى والده (متهم) تمهيداً لبيعها».
وتخضع متاحف الكليات لإشراف وزارة السياحة والآثار، وتودع فيها الآثار التي اكتشفتها بعثات هذه الجامعات، أو التي وافقت وزارة الآثار لهذه الجامعات على عرضها، بحسب ريحان، الذي أوضح، أنه «لا يحق لأي بعثة من بعثات الآثار التابعة للجامعات حالياً أخذ أي قطع من مكتشفات بعثاتها، بل تسجل بالكامل وتسلم إلى المجلس الأعلى للآثار».
ولتنوع مواقع الآثار المصرية، وانتشارها على مستوى الجمهورية، تم التوسع خلال العقود الأخيرة في إنشاء كليات الآثار ليبلغ عددها 10 كليات، هي كلية الآثار جامعة القاهرة، وكلية الآثار جامعة الفيوم، بالإضافة إلى كليات مماثلة في جامعات أسوان، سوهاج، عين شمس، جنوب الوادي، الزقازيق، مطروح، الأقصر، ودمياط.
تعرض متحف جامعة سوهاج التعليمي للسرقة، ليس الحالة الأولى من نوعها، بين الجامعات المصرية، فقد تعرض متحف كلية الآثار بجامعة القاهرة للسرقة، عقب أحداث ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وذلك خلال فترة إغلاقه، كما تعرض المخزن المتحفي بالجامعة الأميركية في 15 مارس (آذار) 2011 للسرقة أيضاً، حيث سُرق منه 145 قطعة، تعود إلى العصر الإسلامي، بالإضافة إلى 50 نموذجاً مقلداً لقطع أثرية. وحصلت الجامعة على هذه القطع وفقاً لقانون الآثار رقم 215 لسنة 1951، الذي كان يسمح باقتسام 50 في المائة من القطع الأثرية بين مصر والبعثات الأجنبية العاملة في البلاد، وتم تعديله عام 1983 لتنخفض النسبة إلى 10 في المائة، حتى تم إلغاء النسبة تماما تعديلات قانون الآثار الحالي.
الدكتور أحمد عامر، الخبير الأثري، والمتخصص في علم المصريات، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تضم معظم كليات وأقسام الآثار بالجامعات الحكومية المصرية متاحف أثرية، ورغم أنه لا يتم فتحها أمام الطلاب بصفة دورية، لحمايتها فإن معظمها يتعرض للسرقة»، على حد تعبيره. مشيراً إلى «أهميتها الشديدة من الناحية التعليمية».
ويعد متحف كلية آثار جامعة القاهرة، أحد أقدم وأهم المتاحف التعليمية في مصر، إذ يضم نحو ألفي قطعة آثار، وينقسم إلى قسمين، الأول يبرز الحضارة الفرعونية، والثاني يضم مقتنيات من الحضارة الإسلامية، وأغلب هذه القطع هي نتاج حفائر قامت بها كلية الآداب ثم كلية الآثار في عده مناطق مثل تونا الجبل في المنيا، تحت إشراف الدكتور سامي جبر ومنطقة الجيزة تحت إشراف كل من الدكتور سليم حسن، والدكتور عبد المنعم أبو بكر، ثم منطقة هليوبوليس تحت إشراف الدكتور عبد العزيز صالح.
وعقب الإعلان عن القبض على المتهمين في حادث سرقة مخزن آثار جامعة سوهاج، تفقد الدكتور مصطفى عبد الخالق، رئيس الجامعة المخزن، صباح الاثنين، وقال في بيان صحافي، إن «القطع التي تمت سرقتها من المخزن والتي يبلغ عددها 59 قطعة (من 674 قطعة موجودة في المخزن) تعود إلى العصرين الفرعوني والإسلامي، وتتنوع ما بين الرخام والفخار».
سرقة آثار من جامعة سوهاج تُنبّه لملف تأمين «المقتنيات التعليمية»
الأجهزة الأمنية أعادت 59 قطعة
سرقة آثار من جامعة سوهاج تُنبّه لملف تأمين «المقتنيات التعليمية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة