محاربة الالتهابات الفطرية بالمعادن

دراسة جديدة تشير إلى فاعليتها وسلامتها

أنجيلو فراي (الشرق الأوسط)
أنجيلو فراي (الشرق الأوسط)
TT

محاربة الالتهابات الفطرية بالمعادن

أنجيلو فراي (الشرق الأوسط)
أنجيلو فراي (الشرق الأوسط)

كل عام، يصاب أكثر من مليار شخص بعدوى فطرية. ورغم أنها غير ضارة لمعظم الناس، إلا أن أكثر من 1.5 مليون مريض يموتون كل عام نتيجة للعدوى من هذا النوع. وبينما يتم اكتشاف المزيد والمزيد من السلالات الفطرية المقاومة لواحد أو أكثر من الأدوية المتاحة، توقف تطوير عقاقير جديدة بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
اليوم، هناك فقط حوالي اثنتي عشرة تجربة سريرية جارية مع عوامل نشطة جديدة لعلاج الالتهابات الفطرية، ولتشجيع تطوير العوامل المضادة للفطريات والبكتيريا، أسس الباحثون في جامعة كوينزلاند بأستراليا مبادرة اكتشاف الأدوية المضادة للميكروبات.
الهدف الطموح للمبادرة هو إيجاد عوامل نشطة جديدة مضادة للميكروبات من خلال إتاحة الفرصة للكيميائيين في جميع أنحاء العالم لاختبار أي مركب كيميائي ضد البكتيريا والفطريات دون أي تكلفة، وكان التركيز الأولي لهذه المبادرة على الجزيئات «العضوية»، التي تتكون أساساً من عناصر الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين، ولا تحتوي على أي معادن. لكن أنجيلو فراي من قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية والصيدلة في جامعة برن السويسرية، اتخذ توجهاً مختلفاً بالعمل على مركبات تحتوي على معادن، في محاولة لإزالة حالة عدم الارتياح عند الجمهور عندما يتعلق الأمر باستخدام المعادن.
وينتشر الرأي القائل بأن المعادن ضارة، وهذا صحيح جزئياً، لكن العامل الحاسم، كما يوضح فراي، المسؤول عن جميع المركبات المعدنية في قاعدة بيانات مبادرة اكتشاف الأدوية المضادة للميكروبات، هو «كيف تستخدم المعدن وفي أي شكل».
وفي الدراسة الجديدة المنشورة 23 سبتمبر (أيلول) الماضي بدورية الجمعية الكيميائية الأميركية (JACS Au)، وجه فراي وفريقه البحثي انتباه الباحثين إلى المركبات المعدنية التي أظهرت نشاطاً ضد الالتهابات الفطرية، وتم اختبار 21 مركباً معدنياً عالي النشاط ضد السلالات الفطرية المقاومة المختلفة، احتوت هذه على معادن الكوبالت والنيكل والروديوم والبلاديوم والفضة والأوروبيوم والإيريديوم والبلاتين والموليبدينوم والذهب.
يقول فراي في تقرير نشره الموقع الرسمي لجامعة برن، بالتزامن مع الدراسة، «أظهرت العديد من المركبات المعدنية نشاطاً جيداً ضد جميع السلالات الفطرية، وكانت أكثر نشاطاً بمقدار 30 ألف مرة ضد الفطريات، مقارنة بالخلايا البشرية».
ثم اختبر أكثر المركبات نشاطاً في كائن نموذجي، وهو يرقات عثة الشمع. ولاحظ الباحثون أن واحداً فقط من المركبات المعدنية الـ11 المختبرة أظهر علامات سمية، وفي الخطوة التالية، تم اختبار بعض المركبات المعدنية في نموذج عدوى، وكان أحد المركبات فعالاً في تقليل العدوى الفطرية في اليرقات.
والمركبات المعدنية ليست جديدة في عالم الطب، فعقار «سيسبلاتين» مثلاً، الذي يحتوي على البلاتين، هو أحد أكثر الأدوية المضادة للسرطان استخداماً، وعلى الرغم ذلك، لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل الموافقة على عقاقير جديدة مضادة للميكروبات تحتوي على معادن. يقول فراي، «نأمل أن يعمل عملنا على تحسين سمعة المعادن في التطبيقات الطبية، وتحفيز مجموعات البحث الأخرى على استكشاف هذا المجال غير المكتشف نسبياً».
ويضيف: «إذا استغللنا الإمكانات الكاملة للجدول الدوري، فقد نتمكن من علاج التغلب على السلالات الفطرية المقاومة للأدوية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً