المخرج السعودي خالد زيدان... الوجه الجديد للسينما الواقعية

فاز بجائزة مهرجان البحرين السينمائي... واختير فيلمان له من «البحر الأحمر»

مشهد من فيلم «عثمان» الذي فاز الأسبوع الماضي بجائزة مهرجان البحرين السينمائي (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «عثمان» الذي فاز الأسبوع الماضي بجائزة مهرجان البحرين السينمائي (الشرق الأوسط)
TT

المخرج السعودي خالد زيدان... الوجه الجديد للسينما الواقعية

مشهد من فيلم «عثمان» الذي فاز الأسبوع الماضي بجائزة مهرجان البحرين السينمائي (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «عثمان» الذي فاز الأسبوع الماضي بجائزة مهرجان البحرين السينمائي (الشرق الأوسط)

كثيراً ما تنحاز السينما الواقعية للمهمشين والمنسيين من البسطاء الذين تداعبهم الأحلام الصغيرة، وهو خط ميّز المخرج السعودي خالد زيدان، الذي على الرغم من حداثة تجربته السينمائية، وكونه ما زال طالباً جامعياً لم يتجاوز عمره الـ21 عاماً، فإنه تمكن من اقتناص عدة جوائز، آخرها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان البحرين السينمائي، عن فيلمه «عثمان»، الأسبوع الماضي.
زيدان الذي يقول: «أحب السينما الواقعية»، اختصر سنوات عدة في وقت قصير، حيث فاز بجائزة «النخلة الذهبية» لأفضل فيلم وثائقي ثانٍ عن فيلم «حواس» عام 2020، وجائزة «جازان للإبداع» لفرع الفيلم السينمائي عن فيلم «طوق نجاة» عام 2020، وجائزة «الشراع الفضي» لأفضل فيلم قصير في مهرجان الخليج عن فيلم «عثمان» لعام 2022، إلى جانب جائزة أفضل فيلم في تحدي «24HR» بمهرجان البحر الأحمر السينمائي عن فيلم «الطفل في خزانة ملابسه».
يشير زيدان خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى تأثره بالمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، وتحديداً فيلمه «سائق التاكسي»، الذي عُرض عام 1976، ويتناول الفيلم قصة رجل مضطرب، يعاني من الوحدة والأرق، ويعمل سائق تاكسي ليلاً في مدينة نيويورك، ليشهد على فساد المجتمع الضائع بين الحانات وأوكار الدعارة، بما يجعله ناقماً وراغباً في العنف.
هذه الحالة السينمائية المنحازة للمهمشين، شكّلت الوقود بالنسبة لخالد زيدان، حيث اعتبر «سائق التاكسي» بمثابة المرجع لفيلمه «عثمان»، قائلاً: «من يشاهد الفيلم سيلحظ تشابه الروح بينهما، أو على الأقل سيلمح إعجابي بفيلم مارتن سكورسيزي، حيث تناول في فيلمه قصة واقعية من حياة شخصية مهمشة». ويتابع: «أقرب الأفلام إلى قلبي هي التي تدور حول الأشياء البسيطة والناس الاعتياديين، كما تبدو الأمور في الحقيقة»، مشيراً إلى أن كثيراً من المخرجين يحاولون إظهار ذلك، لكنهم يفشلون؛ لأنهم يظهرونه بشكل مزيّف، كما يصف. ويردف: «أعتقد أن السينما وُجدت للقصص الحقيقية، الشفافة، التي تُظهر الأشياء على حقيقتها، كما تحدث في الواقع».
فيلم «عثمان» الذي جاء عرضه الأول في الدورة الأخيرة لمهرجان أفلام السعودية 2022، يتناول قصة رجل أمن في مستشفى حكومي، يعيش حياة هادئة برفقة قريبه، ولكن سرعان ما تأخذ الأمور منحنى آخر معه، ليصحو «عثمان» من رتابته ويواجه حقائق الأمور، وهو فيلم كتبه عبد العزيز العيسى، وأخرجه خالد زيدان، وجاء من بطولة الممثل أحمد يعقوب.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، عن 11 فيلماً تعرض للمرة الأولى ضمن فئة «سينما السعودية الجديدة»، في دورته الثانية، المقررة مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وكان زيدان هو المخرج الوحيد الذي تم اختيار فيلمين له، هما «عثمان» و«الطفل في خزانة ملابسه».
ويعتبر زيدان فيلم «عثمان»، هو «بطاقة التعريف له كمخرج»، قائلاً: «كنت واثقاً من نجاح الفيلم، لكن لم أتوقع أن ينال كل هذه الشهرة، وما زلت لا أعرف السر الذي جعل الجمهور يرتبط بهذا الشكل القوي بالفيلم والشخصية». ويشير إلى أن تطوير سيناريو الفيلم استغرق نحو 8 أشهر، وهي مدة تعد طويلة جداً لفيلم قصير، حيث من المتعارف عليه أن الأفلام القصيرة لا تتطلب كل هذا الوقت، ويضيف: «حاولنا خلق معادلة صعبة، بأن يحظى الفيلم بإعجاب النقاد والجمهور في آن واحد».

- «الطفل في خزانة ملابسه»
وعن فيلمه الآخر الذي اختير، «الطفل في خزانة ملابسه»، فهو يتناول ذكريات الطفولة وكيفية تفسير الإنسان لتجاربه الأولى في الحياة، وبماذا يشعر نحوها. ويوضح زيدان أنه فيلم قصير جداً، في حدود الـ4 دقائق، إلا أنه يصفه أيضاً بالتجربة المختلفة، ويتابع: «ربما من يشاهد الفيلمين لا يتوقع أنهما لنفس المخرج، لاختلاف نوعية كل واحد منهما»، مبيناً أن هذا الفيلم جاء خلاصة تحدي إنتاج فيلم متكامل في أقل من يومين، من لحظة بداية التصوير إلى حين تسليم العمل.
جدير بالذكر، أن المخرج خالد زيدان هو طالب جامعي يدرس في جيزان (جنوب السعودية)، وبدأ في اكتشاف مواهبه في سن مبكرة، حيث كان لاعب خفة في طفولته، ما بين عمر 8 و14 عاماً، وكان حينها يصوّر نفسه بشكل تلقائي، ثم وجد نفسه يتجه بصورة أكثر كثافة ناحية التصوير والمونتاج، ليتعلم الإخراج ذاتياً، من خلال الدورات الإلكترونية والحضورية، والبحث والتطبيق بأدوات بسيطة آنذاك، واستمر على مدى 7 سنوات يعمل في الأفلام المستقلة، وفق ما سماه «فريق الرجل الواحد».


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.