أثارت صور متداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي لجسر عملاق «كوبري» مشيَّد بضاحية «القاهرة الجديدة» شرقي العاصمة المصرية، تفاعلاً كبيراً بسبب ما تُظهره تلك الصور من تصميم وُصف بـ«الغريب»، واستخدمت منصات داعمة لتنظيم «الإخوان» (المصنف كجماعة إرهابية في مصر)، الصورة ووصفت الكوبري بأنه «كوبري تسونامي»، فيما دافع مغرِّدون آخرون عن المشروع ووصفوه بأنه «يجسد عبقرية المهندسين المصريين».
وبثّت منصات على مواقع التواصل، ومغرِّدون، فيديو يُظهر مطلع الجسر الذي يعلو تقاطع محور المشير محمد حسين طنطاوي مع محور سميرة موسى أعلى مشروع القطار المعلّق (المونوريل)، في صورة عمودية على الطريق، وبشكل أظهر «ضخامته وحِدّة ارتفاعه»، وأعادت عشرات الحسابات بث الفيديو مع تعليقات ساخرة من طريقة تنفيذ الجسر.
لكن، وفي المقابل أظهر تصوير آخر بثّته الصفحة الرسمية لشركة «المدار للمشروعات الهندسية» المنفِّذة للمشروع، الجسر بصورة طبيعية، من خلال تصوير جوي عالي الجودة.
وأوضحت الشركة المنفذة للمشروع الذي تشرف عليه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وإدارة المهندسين العسكريين، في التوضيح المرفق بالفيديو، والذي جرى بثه في الـ21 من سبتمبر الماضي، أنه جرى الانتهاء من تجارب التحميل تمهيداً للافتتاح الرسمي للجسر قريباً.
اللافت أن التفاعل مع فيديو وصور الجسر لم يقتصر على المغرِّدين والناشطين المصريين على وسائل التواصل، بل استقطب اهتماماً عربياً كذلك، وأوضحت تغريدة عبر حساب باسم «عنود سعودية وأحب مصر»، على موقع تويتر، أنه «كوبري عادي وميول 6 % الطبيعي بس عشان تصوير من بعيد وطول مسافة الكوبري طلع شكله كده في الفيديو اللي منتشر وبيسخروا من المهندسين المصريين العباقرة... تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر».
واستخدم مغرِّدون آخرون صوراً متنوعة تُظهر زوايا مختلفة لجسور عملاقة في العديد من الدول، من بينها جسر الملك فهد الرابط بين المملكة العربية السعودية وإمارة البحرين، وطريق الرياض- القصيم، إضافة إلى جسور باليابان وعدة دول أوروبية، وتُظهر الصور تلك الجسور بصورة عملاقة تشابه الجسر المصري.
من جانب آخر، يقول أحمد حماد، عضو رابطة المصورين بنقابة الصحافيين المصريين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «انتقاء زاوية التصوير يمكن أن يُظهر بعض الأمور على غير حقيقتها»، ويضيف أن «ذلك من الأمور المعروفة لدى المصورين المحترفين؛ فبعض الزوايا يمكن أن تُظهر الأجسام أضخم أو أنحف من طبيعتها».
وحول الصور المتداولة للجسر أعلى (المونوريل) بضاحية القاهرة الجديدة، أشار حماد إلى أنه اطلع على الصور، وأن اختيار زوايا التصوير من بعيد، مع استخدام تقنيات التقريب (زووم الكاميرا) يستهدفان بشكل متعمّد الصور بهذه الطريقة الغريبة.
وأوضح أن «العديد من المناطق المرتفعة يمكن أن يراها الإنسان من بعيد عمودية تماماً على الطريق، لكن مع اقترابه منها يبدأ إدراك الحقيقة»، ويشير إلى أن الكثير من الحيل الفنية التي يستخدمها بعض المصورين قد تؤدي إلى لقطات جمالية أحياناً، أو إلى تشويه في أحيان أخرى، بحسب الغرض الذي يلتقط المصور من أجله الصورة.
ويضرب حماد مثالاً على ذلك بصورة نُشرت أخيراً لبحيرة ضخمة، وفي خلفيتها أهرامات الجيزة، رغم أنه لا توجد أية بحيرات بالقرب من تلك المنطقة الأثرية، إلا أن ملتقِط الصورة استخدم عمداً بعض الزوايا غير التقليدية، والتقط صورة لبحيرة الفسطاط بالقرب من متحف الحضارة بمنطقة مصر القديمة، والتي تبعد عدة كيلومترات عن منطقة الأهرامات، ليُظهر تلك المنطقة التاريخية كخلفية جمالية للبحيرة التي جرى تطويرها حديثاً.
وفي السياق نفسه، شكّك النائب فايز أبو حرب، وكيل لجنة الإسكان والإدارة المحلية والنقل بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان المصري)، في دقة تلك الصور، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه على المستوى الشخصي يمر في تلك المنطقة بشكل متكرر، ولم يلحظ أية مظاهر غير طبيعية للمشروعات المُقامة هناك.
ويضيف أنه على المستوى البرلماني فإن اللجان النيابية المختصة تنظم بصورة دائمة زيارات ميدانية للكثير من المشروعات المُقامة، وخصوصاً في مجال البنية التحتية والنقل، وأن تلك المشروعات تخضع لمراجعة وفحص متعدد المستويات من جانب جهات عدة، لافتاً إلى أن المشروعات التي تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على وجه التحديد، تخضع لفحص دقيق فنياً وتنفيذياً؛ حفاظاً على سمعة المؤسسة ومشروعاتها، وأن أية ملاحظات يجري تلافيها فوراً.
ويتابع أبو حرب قائلاً إن الهجوم على مشروعات النقل تحديداً لا يخلو من صبغة سياسية، فهذه المشروعات تمثل «نقطة مضيئة» للدولة، واستطاعت الحكومة المصرية تحقيق إنجازات ملموسة بها من جانب المواطنين، وهو ما يثير حفيظة الكثير من الجهات التي «تحاول إهالة التراب على أي إنجاز، وتسعى إلى الاستخفاف به وتسفيهه من خلال السخرية أو نشر معلومات خاطئة عنه».
ويشير وكيل لجنة الإسكان والإدارة المحلية والنقل إلى أن بعض المشروعات قد تشهد أخطاء عند التنفيذ، إلا أنه عندما يجري الانتباه إليها ومناقشتها مع الجهات المعنية، يتم العمل على إصلاحها بشكل عاجل، ويضرب مثالاً بطريق الساحل الشمالي، الذي تجاوبت الدولة؛ ممثلة في رئيس الجمهورية شخصياً، وأوفد وزير النقل للوقوف على شكاوى المواطنين خلال الصيف الماضي، وجرى التجاوب مع الملاحظات التي أبداها المواطنون، ما دامت واقعية وحقيقية.
ونفّذت مصر، خلال السنوات الأخيرة، مشروعاً تحت مسمى الشبكة القومية للطرق، أضافت خلاله أكثر من 7 آلاف كيلومتر من الطرق، إضافة إلى إنشاء العديد من الجسور والمحاور المرورية الكبيرة، وخاصة فوق النيل، ولربط المدن الجديدة في محيط القاهرة، ومدينة العاصمة الإدارية الجديدة.
وكشفت بيانات لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء المصري، أن أطوال الطرق زادت بنحو 112%، خلال الفترة بين 2013 - 2020، بينما شهد عدد الحوادث تراجعاً من نحو 2.2 حادثة/ ألف مركبة في 2013 إلى 0.8 حادثة/ ألف مركبة في 2021. كما ارتفعت أعداد الجسور الثابتة بنحو 790%، خلال السنوات الثماني الماضية، من نحو 208 «كبارى» في 2013 إلى 1848 جسراً حالياً.
صورة «كوبري مصري» تثير لغطاً سياسياً وهندسياً
متخصصون: «تلاعب» متعمد بالتصوير لخلق انطباع غير حقيقي
صورة «كوبري مصري» تثير لغطاً سياسياً وهندسياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة