محافظات وسط العراق وجنوبه تطالب بغداد بالتزام مواعيد نقل الصلاحيات

حذرت من أن المحاكم ستكون الفيصل إذا لم تلتزم الحكومة الاتحادية

محافظو وسط وجنوب العراق في مؤتمر صحافي مشترك بعد اجتماعهم في كربلاء أمس («الشرق الأوسط»)
محافظو وسط وجنوب العراق في مؤتمر صحافي مشترك بعد اجتماعهم في كربلاء أمس («الشرق الأوسط»)
TT

محافظات وسط العراق وجنوبه تطالب بغداد بالتزام مواعيد نقل الصلاحيات

محافظو وسط وجنوب العراق في مؤتمر صحافي مشترك بعد اجتماعهم في كربلاء أمس («الشرق الأوسط»)
محافظو وسط وجنوب العراق في مؤتمر صحافي مشترك بعد اجتماعهم في كربلاء أمس («الشرق الأوسط»)

فيما تسعى محافظات غرب وشمال العراق إلى تطهير مناطقهم من «داعش» وإعادة الحياة إلى المدن التي دمرت بعد إعادة إعمارها، وإرجاع النازحين إلى بيوتهم، عقد محافظو ثماني محافظات عراقية من الوسط والجنوب اجتماعا في مدينة كربلاء (105 كلم جنوب غربي العاصمة بغداد) أمس بهدف التداول بشأن أفضل السبل لضمان انسيابية نقل الواجبات والوظائف والصلاحيات من الوزارات والهيئات الحكومية إلى الحكومات المحلية بحلول 6 أغسطس (آب) المقبل، حسبما نص عليه القانون العراقي.
وفيما أكد المحافظون المجتمعون تمسكهم بمبدأ اللامركزية، فإنهم دعوا مجالس المحافظات ومجلس النواب إلى إصدار التشريعات الكفيلة بتحقيق مفهوم الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، مبينين في الوقت ذاته أن المحاكم العراقية ستكون هي الفيصل، إن لم تلتزم الحكومة والوزارات بتنفيذ القانون في وقته.
وقال محافظ كربلاء عقيل الطريحي، في بيان تلاه في مؤتمر صحافي مشترك مع المحافظين بعد الاجتماع، إن «اجتماعا ضم كلا من محافظي بابل والمثنى وواسط والديوانية والبصرة وذي قار والنجف ومحافظ كربلاء، جاء لتدارس الأوضاع العامة في تلك المحافظات والتداول بشأن نقل الوظائف والصلاحيات من الوزارات المركزية إليها». وأضاف أن «المحافظين أكدوا التزامهم بتنفيذ القانون في موعده المحدد، داعين الوزارات وهيئات الدولة المعنية إلى التقيد بالدستور والقانون وتفعيل نقل الوظائف والصلاحيات والعمل الجاد لما فيه مصلحة المواطن، لتأمين عملية انتقال انسيابية سلسلة بما لا يؤثر على مصالح المواطنين، وانسجاما مع التوجه الدستوري والقانوني والبرنامج الحكومي لرئيس الحكومة العراقية».
وتابع أن «المجتمعين جددوا دعوتهم لإلغاء القرارات المركزية المعطلة لصلاحية مجالس المحافظات في إصدار التشريعات المحلية، ودعوا في الوقت ذاته مجالس المحافظات ومجلس النواب لإصدار التشريعات الكفيلة بتحقيق مفهوم الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص بهدف تخفيف العبء عن كاهل الدولة». ونوه بأن «المحافظين إذ يعلنون أنهم ملتزمون تأريخ السادس من أغسطس المقبل موعدا للشروع بتطبيق القانون كاملا، يدعون بقية مؤسسات الدولة، لا سيما الوزارات المشمولة بنقل الوظائف والصلاحيات، التقيد التام بأحكام القانون والالتزام به كضمانة أساسية لاستكمال مستلزمات التحول الديمقراطي المنشود».
وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن مدى التزام الوزارات بتنفيذ القانون، وخصوصا أن المحافظين يمثلون كتلا سياسية لها وزراء ممثلة الحكومة العراقية، قال محافظ الديوانية عمار المدني، إن «هذا الموضوع ليس موضوع وجهات سياسية تؤثر على حال معين، فهو مقر دستوريًا وقانونيًا وهناك مواعيد زمنية ملزمة للجميع، والكل يتحمل المسؤولية في حال عدم العمل بها سواء كانت الوزارات أو المحافظات، فالخطاب لم يكن موجها لشخص معين، ولم يكن اختياريا إنما هو موضوع واجب التطبيق، فوجهات النظر التي تنبثق بعد إقرار القانون لا تؤثر على تطبيقه». وأضاف أن «الدعوة موجهة للكل حتى يتم تطبيق القانون، وكذلك السلطة القضائية وجميع الجهات الرقابية إلى إسناد الدولة في هذه المرحلة، والوقوف إلى جنب القانون ودعم تطبيق اللامركزية».
وحول الإجراءات التي ستتخذها المحافظات في حال عدم تطبيق القانون في موعده من قبل الوزارات، قال محافظ المثنى إبراهيم الميالي لـ«الشرق الأوسط» إنه «تعزيزا لمبدأ الدولة المدنية وما نص عليه الدستور العراقي وقانون المحافظات (المادة 45)، يجب أن يكون هناك تطبيق فعلي في يوم 6 أغسطس المقبل، ونعلن كمحافظات الوسط والجنوب أننا سندخل في هذا التاريخ بصلاحيات واسعة وستنتقل بحكم القانون صلاحيات عدد من الوزارات إلى الحكومات المحلية». وأضاف أن «الوزارات التي ستتلكأ في نقل تلك الصلاحيات سيكون لنا موقف جماعي منها بإقامة دعاوى قضائية في المحكمة الاتحادية العليا والمحاكم العراقية المختصة حتى نطبق وننفذ مادة دستورية واجبة النفاذ، وسيكون الدستور والمحاكم هما الفيصل في هذا الموضوع بين الوزارات والمحافظات».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.