نوريا غارسيا ماسيب: تعلّم فن الخط العربي يشبه الموسيقى والباليه

لمسات ثقافية متنوعة في «ملتقى الشارقة للخط»

«حسبه وهو نبي بشر أنه قد أيقظ الكون وناما» أبيات للشاعر عزيز أباظة تخطيط نوريا غارسيا
«حسبه وهو نبي بشر أنه قد أيقظ الكون وناما» أبيات للشاعر عزيز أباظة تخطيط نوريا غارسيا
TT

نوريا غارسيا ماسيب: تعلّم فن الخط العربي يشبه الموسيقى والباليه

«حسبه وهو نبي بشر أنه قد أيقظ الكون وناما» أبيات للشاعر عزيز أباظة تخطيط نوريا غارسيا
«حسبه وهو نبي بشر أنه قد أيقظ الكون وناما» أبيات للشاعر عزيز أباظة تخطيط نوريا غارسيا

في «ملتقى الشارقة للخط» الذي ينعقد حتى الثلاثين من الشهر المقبل، ويشارك فيه عشرات الخطاطين بمئات الأعمال، من مختلف أنحاء العالم، ثمة فئة لفتت الانتباه، ليس فقط لطبيعة المعروضات، ولكن أيضاً لأن لكل الخطاطين الأجانب المشاركين قصة، تستحق أن تروى بعلاقته مع الخط. من بين أشهر هؤلاء الإسبانية نوريا غارسيا ماسيب، التي ولدت في إسبانيا وكبرت في أميركا، والتحقت بجامعة جورج واشنطن لدراسة الأدب والفلسفة، فتتلمذت على يد الفيلسوف من أصول إيرانية سيد حسن نصر الذي له دراسات عديدة في الفلسفة الإسلامية، إضافة إلى دراستها للفنون التشكيلية المعاصرة.


الخطاطة نوريا غارسيا ماسيب

تقول «كنت أبحث عن لغة تعبيرية فنية تعكس ما يدور في داخلي، لم أجد في الفن المعاصر ضالتي؛ لذلك قررت أن أضع كل هذا جانباً. ولفتني سيد حسين نصر إلى أن بمقدوري أن أجد ما أبحث عنه في الفنون الإسلامية». سافرت نوريا إلى المغرب، بحثاً عن مبتغاها، وتحديداً إلى مدينة فاس. هناك تعلمت العربية والفنون التقليدية كالزخرف والخط. «أحببت كثيراً فن الخط، لبساطة الأدوات، حيث بمقدوري أن أفعل ما أريد إذا ما كان بحوزتي حبر وورقة وقصبة. قارنت ذلك بحاجة الفن التشكيلي المعاصر إلى مساحات كبيرة، وألوان كثيرة، ومعدات غير قليلة. أحببت بساطة الورقة البيضاء والحبر الأسود، كما الانضباط في هذا الفن. جذبتني كثيراً، فكرة الإعادة والحاجة لتكرار التمرين الواحد عشرات المرات، للوصول إلى النتيجة المرجوة. هذا الانضباط تحديداً؛ هو ما جعلني أشعر بالحرية التي كنت أبحث عنها».
تعتبر نوريا «أن تعلّم فن الخط يشبه تعلم الموسيقى. في الموسيقى يحتاج الإنسان إلى معرفة النوتات، ومن ثم التدرب، والإعادة، وتكرار التمرين. ووجدت في تعلم الخط، شيئاً مشابهاً لتعلم البالية الذي مارسته وأنا صغيرة، من ناحية معرفة القواعد وتطبيقها. لكن الوصول إلى نتيجة مميزة يحتاج إلى الكثير من المران، لتجاوز الخطوط العادية المعهودة، وبلوغ مرحلة الإبداع».
الذين يرغبون في تعلم الخط العربي تواجههم الصعوبات نفسها، هي العثور على أستاذ. فهذا فن لا يمكن أن تتعلمه بمفردك، أو أن تتابع بعض أفلام «يوتيوب»، أو تقرأ كتاباً يهديك إلى قواعد الكتابة. أنت في حاجة لمن يشرح لك، ثم يتابع، ويصحح عملك ويدفع بك إلى الأمام. ونوريا بعد عامين من الدرس على يد الخطاط الأميركي الشهير محمد زكريا الذي تصفه بأنه «المعلم الأكثر التزاماً بالقواعد وتشدداً في تطبيقها، بين الأساتذة الذين عرفتهم»، سافرت إلى تركيا عام 2003 لتجوّد عملها وتتتلمذ على يد شهير آخر في فن الخط هو حسن جلبي، أستاذ محمد زكريا نفسه، فأحالها إلى تلميذه داود بكداش، وباتت تلميذة للاثنين معاً. تعلمت نوريا التركية وبقيت سنتين في إسطنبول، حتى حين غادرتها بقيت على تواصل مع أساتذتها، إلى أن نالت شهادتها في الخط عام 2007. وهي تصف هذه الشهادة التي خوّلتها التعليم، بأنها كانت «مجرد بداية لمن يريد السفر في رحلة الخط».
متى يستطيع الخطاط أن يجدد؟ «حين يصبح له أسلوبه الشخصي. الخط تماماً كما قلت سابقاً، كالرقص والموسيقى، لعل عشرات الموسيقيين يعزفون لباخ، لكن القلة القليلة، وبعد سنوات طويلة من المراس تتمكن من عزف مقطوعات باخ بحس شخصي خاص ومتميز. بالنسبة لي أعتقد أنني بدأت أنحت أسلوبي الآن، بعد 22 سنة من التعلم والمراس».
نوريا أنهت الماجستير في جامعة السوربون، وتحضر حالياً الدكتوراه. «اتخذت هذه الخطوة، لأنني أحسست أنني أصبحت سجينة أسلوب معين في الخط، ومرحلة محدودة هي المدرسة العثمانية في القرن التاسع عشر. عالم الخط واسع وكبير. أنا درست كثيراً التطبيق والقليل من النظريات؛ لهذا أجدني في حاجة إلى هذا الجانب لأجدد نفسي، وأوسع افقي».
مهتمة الآن نوريا، من خلال أطروحتها، بالبحث في موضوع انتقال لوحات الخط من مكانها في بطون الكتب إلى تزيين الجدران. بدأ ذلك في القرن الخامس والسادس عشر، قبلها كنا نجد أعمال الخط في لفافات، أو مطويات، ومن ثم في الكتب والمؤلفات. بحسب نوريا، فإن «المتصوفة لعبوا دوراً كبيراً في انتقال الكتابات إلى الجدران، ليس من أجل الزينة، وإنما لأنها تؤدي غرضاً روحانياً. إنها كتابات تستحضر شيئاً ما في نفوس الناس، وتبعث طاقة، وهذا ما أبحث عنه. فرسم رمز، أو كتابة اسم شيخ الطريقة على الجدار مثل (يا حسرتي مولانا) المكتوبة في قونيا في كل مكان، لها وظيفتها».
تروي لنا نوريا، أن الطلب وفير على لوحات الخط، خاصة من تركيا. وأن الخطاط يمكنه أن يكسب رزقه من عمله هذا. أما التعليم فهي تقوم به مجاناً. نوريا نفسها تعلمت هذا الفن دون أي مقابل. «فأنا لم يسبق لي أن دفعت لأساتذتي. درست لفترة طويلة مجاناً في إسبانيا وألمانيا وفرنسا». وتستطرد «الآن الأمور تغيرت قليلاً. كان الأستاذ يقوم بمهمة التعليم من دون أي مقابل؛ لأنه يعتبر نفسه يقوم بمهمة الحفاظ على فن جليل في طريقه إلى الفناء. عدد المتعلمين من الجيل الجديد ازداد، لكنهم ينظرون إلى الخط من وجهة نظر تجارية. وهو ما لم يكن ليخطر لي على بال».

هناك الشغوفون فعلاً
دخل فن الخط إلى الجامعات، وصارت له مؤسسات تعليمية، في مصر كما في سوريا قبل الأحداث الأليمة، لكن نوريا تعتبر أن تعلم الخط في تركيا شأن آخر. «ما أحببته عند الأتراك، أنهم شغوفون، بما يفعلون. يتعاملون مع الخط بكثير من الحب والتفاني. أعتقد أنني لو تعلمت في دولة عربية لما أكملت، في تركيا حرمانهم من الخط العربي، منحهم هذا الإحساس بالخوف من فنائه، والدفاع عنه، وبذل كل جهد للحفاظ عليه».
نوريا المولودة لأبوين إسبانيين، كاثوليكيين، اعتنقا الإسلام في ستينات القرن الماضي، ولدت مسلمة، ولها تلامذة، صاروا محترفين في فن الخط، مثل بابلو كاسادو، المعروف باسم خالد الذي يرفض كما أستاذته اللجوء إلى التكنولوجيا، للتعامل مع الخط العربي، ويقول لنا «إن قيمة هذا الفن هي في المهارات اليدوية والشخصية لتجويد العمل». تعرّف كاسادو على شيوخ الخط في إسطنبول بفضل أستاذته وتتلمذ عليهم. وهو حاصل على إجازة في خط الثلث والنسخ.
وفي ملتقى الشارقة أيضاً عرضت الخطاطة الإيطالية أنتونيلا ليوني أعمالها، وتحدثت عن تجربتها مع الخط، وشغفها بمصر، التي استطاعت من خلال أساتذتها فيها، تجويد ما كانت قد تعلمته كمبتدئة، في لندن وجنوى وفرنسا. لكن تجربة الخطاط النيجيري عبد الله يوشع، تبدو من بين الأكثر تأثيراً. فقد نشأ محاطاً بالخط العربي في بيته، وجهد كثيراً ليجد من يعلمه هذا الفن في بلاده، دون أن يعثر على أستاذ. الجملة التي يكررها الخطاطون «هذا فن لا يمكن أن تتعلمه بمفردك، أنت في حاجة إلى من يدربك ويتابعك ويصحح عملك باستمرار». وكما غالبية الخطاطين المحترفين وجد يوشع ضالته في إسطنبول وحصل على شهادته، وعاد إلى نيجيريا. هناك أراد أن يوفر الفرصة لمن يريد تعلم الخط في مؤسسة أو معهد. وبالفعل أسس يوشع مدرسته، وكي يحل مشكلة الأدوات التي كانت تنقصه حين ابتدأ التعلم، أخذ هو وطلابه ينحتون القصبات، ويعملون على صناعة المعدات التي يحتاجون إليها بأيديهم.
وهناك أيضاً الخطاط محمد هوبي الجنوب أفريقي، الذي انتقل هو الآخر إلى تركيا وتعلم الخط، وحصل على الجنسية التركية، وهو الآن مقيم هناك.
ليس تعلم فن الخط متاحاً أينما كان. من يريد تعلمه يحتاج إلى أسفار وبحث وتضحيات شاقة. رحلة الدرس بحد ذاتها طويلة، أما تجويد العمل، فتلك مشقة أخرى، دونها عقبات. «ملتقى الشارقة للخط» من بين الفرص العربية القليلة التي تتيح لأصحاب الشغف الواحد، الالتقاء، تبادل الخبرات، عرض الأعمال، والفوز بمسابقات، ومقارنة التجارب.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.