شاشات: من حارة لحارة

أحد مشاهد مسلسل {باب الحارة} ({الشرق الأوسط})
أحد مشاهد مسلسل {باب الحارة} ({الشرق الأوسط})
TT

شاشات: من حارة لحارة

أحد مشاهد مسلسل {باب الحارة} ({الشرق الأوسط})
أحد مشاهد مسلسل {باب الحارة} ({الشرق الأوسط})

تنفع معظم المسلسلات الدرامية (وبعض تلك الكوميدية) كعلاج للأرق. ما أن تجلس أمامها حتى تذبل عيناك وتشعر بأن النوم بدأ يتسلل إليك. مط وعك وتكرار ضمن الحلقة الواحدة التي هي تكرار، في كثير من مفارقاتها، لما مر سابقًا وما زال عالقًا في الهواء بلا جواب.
على هذا الأساس يمكن مشاهدتها والأفضل أن تتم المشاهدة على جهاز التلفزيون (أو على اليوتيوب) في غرفة النوم. على الأقل ستجد نفسك مرتاح في مجلسك على الأقل وقد تغط نائمًا وتفيق في الحلقة التالية من دون أن تشعر بأنك خسرت شيئًا.
أربع حارات تتوزّع في شهر رمضان تدخل في إطار هذا العلاج على الرغم من أن أحدها يُثير ما يثيره حاليًا من ضجة يستفيد منها من إذ انتشاره ونجاحه بين باقي الحارات. ‬إنها «حارة الأصيل» و«حارة المشرقة» و«حارة اليهود» ثم «باب الحارة 7».
لا يتسع المجال لكل الحارات هنا، لكن الثلاث الأولى منها تلتقي في أنها تريد أن تدخل عبق الحارة وأجواءها ومعالمها وشخوصها وتخرج كما لو أن المسلسل صُنع هناك في ذلك الزمن ومن توليفة كل تلك الشخصيات التي نراها.
المسلسلان السوريان «حارة الأصيل» و«حارة المشرقة» يتمحوران حول شخصيات شاهدناها من قبل في مسلسلات أخرى. الأماكن الشعبية ذاتها. الحكاية تختلف بعض الشيء. «حارة المشرقة» لناجي طعمة ينتقل بين شخصياته كانتقال النرد بين لاعبي الطاولة. كثيرة هي تلك الشخصيات. كثيرة هي شكاواها وكثيرة هي مناجاتها. قليلة هي تلك المفارقات التي تنتقل بما تطرحه إلى الأمام. هناك تأسيس لتآخي إسلامي - مسيحي لا بد منه في هذا العصر والحين، وهناك أربعة أفراد تجاوزوا سن الشباب يلتقون في أحد المقاهي ويتناوشون. هذا يزعل من ذاك وذاك يبادله الزعل ولا تدري إلى أين يريد المخرج ناجي طعمة والكاتب أيمن الدقر التوجه بهذا الوضع أو إذا ما كان سيبني عليه جزءًا من أحداث لاحقة. لكن المسلسل على الأقل يعرف كيف يخفض صوت الموسيقى ويجعلها تذوب في الخلفية معظم الأحيان. ميزة رائعة لا تتحلّى بها معظم المسلسلات الأخرى.
«حارة الأصيل» لمحمد معروف مخرجًا ومروان قاووق كاتبًا لم تتجاوز التأسيس التقليدي للمكان ولأحداثه بعد. قد يأتي هذا لاحقًا لكننا وحتى حلقة ما قبل أول من أمس ما زال يتجاذب أطراف الحديث حول الفتاة التي حان وقت تزويجها، وصاحب الحمام التركي الذي يكتشف أن «الخطّابة» اقترحت على شقيقته «واحد سكرجي وبيلعب بالقمار» كما يردد غاضبًا. وهناك الكثير من الغضب التحتي في كليهما «حارة الأصيل» و«حارة المشرقة». في الحقيقة قليلة هي الخلافات التي يترك المسلسلان للمشاهد متعة البحث فيها وتخمين مواقف الممثلين من حولها. كل شيء يجب أن يكون واضحًا ولا بأس إذا صاحبه صراخ.
أمر آخر في «حارة الأصيل» لا يمكن إغفاله هو ذاته في عدد كبير من المسلسلات السابقة والحالية. ختام المشهد كثيرًا ما يكون على ممثل واحد وقد ابتعد الممثلون عنه. الكاميرا قريبة عليه وهو يردد شيئًا يجول في باله.
هذا من بين أسوأ أنواع التعبير ومن أبعدها عن الواقع. ما تفكر به بعد دخول زوجتك المطبخ أو ابنك غرفته أو بعد انصراف شلة الأصحاب لا تعبّر عنه بصوت مرتفع.. لكن كيف سيفهمك المسلسل ما يفكّر به صاحب اللقطة؟ الابتكار ليس واردًا.
طبعًا من بين كل هذه الحارات فإن «حارة اليهود» هو الأكثر انتشارًا. ما بين مباركة السفارة الإسرائيلية له في مطلع الأمر (لديها نقاد تلفزيون على ما يبدو) وما بين الهجوم عليه، مسافة من تسع حلقات تراوح مكانها. طبعًا الموقف السياسي أدّى إلى صخب إعلامي لا بد منه. لكنه يكشف عن حالة تردد أصيب بها المسلسل من الجزء الأول وحتى الآن.
هذا التردد هو الذي تسبب في إثارة الآراء من حوله، وليس مستواه الفني مثلاً أو حبكته الدرامية على الأقل. هو يريد أن يُظهر اليهود المصريين كجالية متجانسة عاشت بسلام وود بين المسيحيين والمسلمين معًا. ويريد أن يظهر ذلك الحب القوي الذي يربط بين ليلى اليهودية وعلي المسلم الذي بات حديث الحارة ومحط نزاعات. يريد أن يحيّد معظم اليهود عن مسؤولية ما حدث في عام 1948 عندما قامت الحرب الأولى بين العرب والدولة الإسرائيلية، لكنه يريد أيضا أن يتحدّث عن قيام تلك الدولة على أرض دولة أخرى. يريد أن يتحدّث عن الضباط الأحرار وعن الملكية وعن الإخوان المسلمين. ويعطي لكل هؤلاء فرصة التعبير عن كياناتهم. ليس هناك خطأ في ذلك، لكن وجهة نظر المسلسل الخاصة لا يمكن بناؤها على هذه التوازنات. وإذا ما كان «حارة اليهود» يحتاج إلى شيء فإلى وجهة نظر.
وجودها لا يعني تنميط اليهود أو المسيحيين أو الإخوان المسلمين أو سواهم، بل توفير مفاد أو أكثر من شأنه أن يحدد الوجهة التي يمضي المسلسل صوبها. وهو بمحاولته رسم مسافات واحدة مع كل الأطراف والسعي إلى القول إن الطوائف الثلاث كانت تعيش في وئام ينسف ما يرد في حكايته لأن بعض تلك الطوائف تعيش في وئام مع بعضها البعض وبعضها الآخر يناوئ بعضها البعض. وهي نزاعات مطلوبة. من دونها لا يوجد صراعات. هذا ما يبرز لب المشكلة: هي موجودة لكن الصراعات ما زالت طرية لا تخرج عن آراء متبادلة محورها قصّة الحب بين الضابط المسلم والفتاة اليهودية.
فنيًا، لا يزال وضعه على ما هو عليه. لا تقدّم على صعيد الحبكة ولا على صعيد استخراج جديد من تلك السجالات الواقعة.
الحلقة العاشرة تبدأ بحفل زواج يكاد يتم بين ليلى وشاب من ديانتها اليهودية. لكن تمامًا كما في أفلام الخمسينات، وفي اللحظة التي كادت فيها ليلى توقع بموافقتها على الزواج يدخل علي الذي كانت ليلى اعتقدت أنه مات خلال حرب 1948. يا للصدفة العصماء.
من دواعي الدراما الواردة أن ينظر علي إلى ليلى وليلى إلى علي وأن تحاول ليلى شرح موقفها لكن علي لا يريد شرح مواقف وينصرف للتركيز على خطط للإطاحة بالملكية. هنا لا بد أن ينتاب المشاهد الملم سؤال حول من هو علي تمامًا (كشخصية درامية) لينوب عن جمال عبد الناصر وأنور السادات وسواهما ممن خططوا وقاموا بثورة 1952؟ هل يقترح المسلسل أن علي (وقد تم تقديمه كضابط صغير) كان يخطط بموازاة خطط مجموعة «الضباط الأحرار»؟ إذا كان ذلك فقد تجاوزته الأحداث. كان غيره أشطر.



الدراما الاجتماعية تتصدر «الماراثون» التلفزيوني مصرياً

من مسلسل {جعفر العمدة}
من مسلسل {جعفر العمدة}
TT

الدراما الاجتماعية تتصدر «الماراثون» التلفزيوني مصرياً

من مسلسل {جعفر العمدة}
من مسلسل {جعفر العمدة}

من بين 30 عملاً درامياً مصرياً تم عرضها خلال ماراثون دراما رمضان 2023، تنوعت بين دراما اجتماعية وكوميدية، ووطنية، وتاريخية، تصدرت الدراما الاجتماعية السباق، بعدما حققت بعض المسلسلات التي تنتمي لها تفاعلاً كبيراً بين الجمهور، وإشادات نقدية لافتة.
وشهد هذا الموسم ظواهر عديدة، منها زيادة عدد المسلسلات القصيرة، وتشابه الأفكار بين أكثر من عمل، وتصدر الفنانات لبطولات العديد من الأعمال، وعودة الدراما الدينية مع مسلسل «رسالة الإمام»، وطرح قضايا المرأة الشائكة، على غرار مسلسلات «تحت الوصاية، وعملة نادرة، وستهم»، كما أنتجت الشركة المتحدة عملين وطنيين يرصدان بطولات الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب، وهما: «الكتيبة 101»، و«حرب»، وقدمت عملاً تاريخياً بعنوان «سره الباتع» كأول أعمال المخرج خالد يوسف في الدراما التلفزيونية، فيما كان نصيب الأسد للأعمال الكوميدية بـ7 مسلسلات.

نيللي كريم

وبينما احتلت بعض الأعمال «الترند» أكثر من مرة، خلال الماراثون على غرار مسلسلي «جعفر العمدة، وتحت الوصاية»، و«ضرب نار»، و«المداح»، مرت أعمالاً أخرى مرور الكرام، ولم تكن مثار اهتمام على أي وجه. وفق نقاد.
وبحسب محلل البيانات والذكاء الاصطناعي مصطفى أبو جمرة، فإن مواقع «السوشيال ميديا» كانت محركاً أساسياً في دفع الجمهور لمشاهدة أعمال دون أخرى، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن أكبر دليل على ذلك نسب المشاهدة لـ«جعفر العمدة» التي عززتها مواقع التواصل ودفعت لتوجيه متابعين جدد للمسلسل، مشيراً إلى أن «جعفر العمدة» لمحمد رمضان، و«تحت الوصاية» لمنى زكي، نالا نصيب الأسد في نسب المشاهدة خلال الماراثون الرمضاني، وفقاً لمؤشرات تحليل مواقع «السوشيال ميديا»، على حد تعبيره.
وبين صعود وهبوط مسلسلات ماراثون دراما رمضان، ترصد «الشرق الأوسط» أبرز الأعمال التي نجحت في جذب الانتباه من خلال أفكارها الجذابة وسردها المشوق، والأخرى التي فشلت في لفت الأنظار وشهدت تراجع بعض النجوم، عبر آراء نقاد.

خالد النبوي في {رسالة الإمام}

- تألق منى زكي
تقيس الناقدة خيرية البشلاوي نجاح العمل الفني بمدى ما يحققه من صدى اجتماعي إيجابي، لذا ترى أن مسلسل «تحت الوصاية» عمل جيد تتكامل فيه العناصر الفنية، ونجحت بطلته منى زكي في أداء دورها بشكل صادق، ولم تكن الطفلة «التوأم» ولا الطفل «عمر الشريف» بأقل حضوراً وتلقائية، وكل الممثلين على نسق أداء بارع مثل رشدي الشامي، كما أن نيللي كريم التي طرحت قضية تمس آلاف النساء في صعيد مصر تتعلق بحرمان بعض النساء من ميراثهن الشرعي بحكم عادات وتقاليد مغلوطة عبر مسلسل «عملة نادرة».
ورغم الانتشار الكبير لمسلسل «جعفر العمدة»، فإن الناقدة المصرية تتحفظ على النجاح الجماهيري الذي حققه المسلسل، وتراه مؤشراً على تراجع المجتمع، مبررة ذلك بقولها إن المسلسل ومعه «المداح» هما الأسوأ لأنهما يشدان المجتمع للخلف عبر ما يطرحانه من أفكار تمثل ردة حقيقية. على حد تعبيرها.

ياسمين عبد العزيز في مشهد من مسلسل (ضرب نار)

- تراجع يسرا
فيما يرى الناقد طارق الشناوي أن أبرز أعمال رمضان 2013 مسلسل «تحت الوصاية» لتميزه في الكتابة لخالد وشيرين دياب، وتكامل عناصره الفنية التي قادها المخرج محمد شاكر خضير، ووصول أداء منى زكي فيه إلى ذروة الإبداع.
وأشار إلى أن فكرة البطولة الثنائية في مسلسلي «الكتيبة 101، وحرب» من الجماليات الفنية التي تحسب لصناع العمل، كما جاء «رسالة الإمام» بطولة خالد النبوي، في توقيته ليقدم صورة صادقة عن سماحة الإسلام.
وعن أفضل الأعمال الكوميدية هذا العام قال: «كامل العدد، والصفارة» الأبرز.
ويعتقد الشناوي، أن مسلسل «سوق الكانتو» عمل مهم، لكن ظلمه صخب العرض الرمضاني، مما أثر عليه سلباً، لكنه يرى أنه سيأخذ حقه في عرضه الثاني بعد شهر رمضان.
ولم يخف الشناوي انحيازه لـ«الهرشة السابعة» لجرأته في الكتابة، وبطلته أمينة خليل التي تعبر بقوة عن فن أداء الممثل الفطري، مشيراً إلى أن مسلسل «1000 حمد الله على السلامة» شهد تراجعاً بالنسبة للفنانة يسرا لأن اختيارها لم يكن موفقاً نصاً وإخراجاً.

علي قاسم وأسماء جلال في مشهد من مسلسل «الهرشة السابعة»

- تكرار الشخصيات
من جهتها، أكدت الناقدة ماجدة خير الله، أن مسلسل «تحت الوصاية» تصدر قائمة الأفضل لديها من دون منازع، لكن هذا لا يمنع من تميز مسلسلات أخرى من بينها «الهرشة السابعة» و«كامل العدد» كأعمال اجتماعية لطيفة، بجانب «تغيير جو» الذي يمثل نوعية أخرى تتطلب تأملاً، وكذلك «رشيد» لمحمد ممدوح، و«جت سليمة» لدنيا سمير غانم.
وترى خير الله أن الممثل محمد سعد «انتحر فنياً» بإصراره على اختيارات غير موفقة، معلنة عدم تعاطفها مع «جعفر العمدة»، مشيرة كذلك إلى تكرار عمرو سعد نفسه، على مدى ثلاث سنوات بالمحتوى والأداء نفسيهما.
- الأفضل كوميدياً
ورغم عرض سبعة أعمال كوميديا خلال الشهر الكريم، فإن الجمهور يميل أكثر للدراما الاجتماعية في رمضان بحسب الناقد خالد محمود، الذي يرى أن «الكبير أوي» لأحمد مكي إضافة مهمة في جزئه السابع، وتميز بالدفع بوجوه جديدة، وهو يظل عملاً ناجحاً، و«الصفارة» كان الأبرز لأن أحمد أمين لديه قدرة على التغيير والتلوين، ونجح مسلسل «جت سليمة» لدنيا سمير غانم في الجمع بين الكوميديا والاستعراض والغناء، لكن محمود يرى أن تجربة يسرا مع الكوميديا هذا العام غير موفقة لضعف السيناريو.

زكي خطفت الإشادات عبر «تحت الوصاية» (الشرق الأوسط)

- مستوى متوسط
ووفقاً للناقد رامي عبد الرازق فإن الموسم الدرامي هذا العام جاء متوسط المستوى والنجاح، وأن الخاسرين أكثر من الفائزين، مؤكداً أن المسلسلات القصيرة ستفرض وجودها في المواسم اللاحقة، لا سيما مع تفوق أعمال من بينها، «الهرشة السابعة» و«الصفارة» و«تحت الوصاية»، التي يراها «أكثر ثلاثة أعمال رابحة على مستوى الشكل الفني والمضمون الدرامي الذي ينطوي على قدر كبير من التماسك والنضح والعمق والتوزان».
وأعرب عبد الرازق عن إحباطه من مسلسل «سره الباتع»، مبرراً ذلك بقوله: «المسلسل شهد استسهالاً في المعالجة، ومباشرة في الطرح، ونمطية وعدم إتقان في الشكل رغم الميزانية الضخمة التي أتيحت له، وأن مسلسل «سوق الكانتو» حقق نقلة فنية في شكل الديكورات والإخراج الفني لكن الدراما به جاءت هشة كما أن إيقاعها بطيء، بالإضافة إلى أن كثيراً من الأعمال سوف تتبخر تماماً من ذاكرة المشاهد ولن يعود إليها مرة أخرى، باستثناء مسلسل «تحت الوصاية». مؤكداً أن على ياسمين عبد العزيز أن تكتفي بهذا القدر من الأعمال التي تجمعها وزوجها الفنان أحمد العوضي بعد «ضرب نار».