مرات كثيرة زرتُ مصر، لا سيما في فترات ما قبل عام 2000، وكان أبرزها رساخة في الذاكرة تلك التي تمت في أشهر رمضان.
رمضانان، من تلك الرمضانات التي كنت فيها في القاهرة، قضيت شطرا منها عند الكاتب الكبير نجيب محفوظ، أجريت معه عدة حوارات صحافية، وقد صحبني خلالها إلى مقهاه الشهير مقهى (الفيشاوي) كانت أجواء رمضان، أحد أهم المظاهر التي تبقى عالقة في الذهن والوجدان.
أتذكر أن الكاتب، الحاصل على جائزة نوبل، ذكر لي أن روايته «خان الخليلي» كتبها خلال أحد أشهر رمضان، و«خان الخليلي» أحد الأعمال الشهيرة لنجيب محفوظ وتم تجسيدها في السينما في أحد كلاسيكيات السينما المصرية، الرواية تدور في الأربعينات. ودائما ما يستهويني إعادة قراءتها في رمضان، مستذكرا أيام الشهر الفضيل في القاهرة، حيث الكثير من الطقوس التي ظهرت أولاً في مصر، لتنتشر لاحقًا في باقي العالم العربي، مثل الفانوس الذي، يحمله الأطفال في كل مكان بسعادة، ويزيّن الشوارع والمحالّ والبيوت، تعبيرًا عن حب رمضان.
والشوارع يصبح لها طعم خاص، حيث تمتلئ بباعة الحلوى الشرقية مثل الكنافة والقطايف، والمخللات المختلفة الملونة التي لا تكتمل مائدة الإفطار سوى بها، إلى جانب محالّ وأكشاك بيع المشروبات الرمضانية الشهيرة، مثل التمر الهندي، العرقسوس، الشوارع أيضا تزدهر بموائد الإفطار التي يقيمها الكثير من فاعلي الخير أو المؤسسات المختلفة، ويتجمّع عليها الكل سواء من المسلمين أو المسيحيين، لتناول الإفطار معًا.
الرواية تحكي قصة أحمد أفندي عاكف موظف بالدرجة الثامنة في الأربعينات من عمرة أعزب ينتقل من مسكنه القديم بحي السكاكيني إلى منزل جديد في خان الخليلي الذي يعده هو وعائلته أقل رقيا من حيهم القديم، ولكنهم اضطروا إلى ذلك هروبا من الغارة الألمانية التي هزت حي السكاكيني وأثارت الرعب في أغلب السكان الذين بدأوا في المغادرة بحثا عن الأمان.
وتسترسل الرواية في سرد حكاية الساكن الجديد واكتشافه للحي الجديد وتعرفه على أهل الحي ونظراته إلى الفتاة الشابة التي تطل شرفتها على إحدى شرفتي غرفته التي بادلته النظرات هي الأخرى على استحياء، ولكن جسارته لم تسعفه إلى ما هو أكثر من النظرة.. ثم يأتي أخوه الشاب رشدي لتقع من أحبها أحمد أفندي عاكف بعشق رشدي.
وتدور الأحداث ليمرض رشدي ثم يموت، وتسود الكآبة العائلة، فيلحون على أحمد أفندي في البحث عن منزل جديد ينسيهم هذا الحي المشؤوم. ولا يلبث أحمد أفندي أن يجد منزلا جديدا للأسرة في حي الزيتون البعيد.
وقد اصطحبني مرة محفوظ إلى خان الخليلي، وكانت مظاهرة كبرى، حيث تجمع حوله مئات من المعجبين، وهو واحد من أهم الأحياء السياحية في القاهرة، له طابع خاص شديد الاختلاف، وهو النجم الأوحد الذي يحمل التاريخ بين طياته، يحتفظ بالقاهرة في شكلها التاريخي دون أن يتأثر بالعصر الحالي، ولم يتركه أصحابه فريسة للإهمال الذي طمس معالم باقي الأحياء.
ما أحلى رمضان وأيامه التي يحاول الزمن أن يقلل من بريقها بالعنف والقتال!
* صحافي عراقي
نجيب محفوظ ورمضان وأنا!
نجيب محفوظ ورمضان وأنا!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة