الحقيقة الأدبية نسبية وحمالة أوجه والخرائط تبدلت

ملاحظات على ملاحظات سعد البازعي حول «مسارات الحداثة»

الناقد سعد البازعي  -  الشاعر السعودي محمد العلي
الناقد سعد البازعي - الشاعر السعودي محمد العلي
TT

الحقيقة الأدبية نسبية وحمالة أوجه والخرائط تبدلت

الناقد سعد البازعي  -  الشاعر السعودي محمد العلي
الناقد سعد البازعي - الشاعر السعودي محمد العلي

لا يسَعني بدايةً سوى شكر الناقد الصديق سعد البازعي، المشهود له بسَعة الثقافة والصدر، على تقديره الإيجابي لتجربتي الشعرية، كما على اهتمامه بكتابي النقدي «مسارات الحداثة»، الذي صدر قبل شهور عدة، وتجشّمه من ثم عناء مناقشة محتوياته.
ولا بد لي في الوقت نفسه من مضاعفة شكري إياه؛ لتذكيره القراء بأننا نتشاطر قواسم مشتركة عديدة، بينها الجذر الثلاثي الذي اشتقت منه تسمية العائلتين. على أن الصديق الناقد الذي كاد يعفيني، عبر ما وجده لي من أعذار، من تبِعات الاختيارات والتباساتها، ما لبث أن أعاد الأمور إلى مربعها الأول، سواء فيما يتعلق بدول الحداثة التأسيسية ومناطقها، أو بالأسماء المستبعَدة من الكتّاب، وجُلّهم من جيل السبعينيات غير المشمول بالتناول النقدي.
ولمّا كان البازعي قد أشار إلى وقوعه في المأزق نفسه، إثر صدور كتابه الموسوعي المميز «معالم الحداثة»، حيث تبارى الكثيرون في لومه على تغييب هذا الاسم أو ذاك من الكُتاب والمفكرين، فقد ظننت أن ما واجهه من انتقادات سيدفعه، بحكم تماثل وضعينا، إلى التعامل مع كتابي بتفهّم أكبر وانتقادات أقل وطأة، لكن ما حدث هو العكس تماماً، حيث عاد عن اعتباراته التخفيفية، ليسدد باتجاه الكتاب العديد من «رشقات» الملاحظات، و«سهام» المآخذ.
والواقع أن بعض الملاحظات التي أوردها البازعي بشأن الكتاب، يمكن أن تُدخلنا في مزالق ومحاذير يصعب الخروج منها، وخاصة عبر مطالبته بتوزيع جغرافي عادل للحداثة، الأمر الذي يحوّل الكتاب، في حال الأخذ به، إلى نوع من جامعة ثقافية موازية لجامعة الدول العربية. أما بالنسبة للشعراء المختارين، فلا بد من التذكير بأن العمل الإبداعي لا يندرج في خانة الحقائق اليقينية، بل هو نشاط خاضع لمبدأ النسبية، كما لذائقة المتلقي وتكوينه الثقافي والمعرفي، الأمر الذي يجعل من المتعذر تماماً الرؤية إلى التجارب الإبداعية بالطريقة نفسها من قِبل القراء والنقاد والدارسين.
ولعلّ من حسن حظ البشر أن تكون لهم تلك المروحة الواسعة من الأمزجة والأذواق وطريقة النظر إلى الأشياء؛ لأنه من دون ذلك، لن نعثر إلا على نموذج أحادي للجمال والحب وطريقة العيش، وعلى نموذج مماثل للكتابة والفن. وإذا كان النقد الأدبي من جهته يمتلك الكثير من سمات العلم والبحث المعرفي الرصين، إلا أنه يقع في باب العلوم «اللينة» والمفتوحة على الاجتهاد والتأويل، كما كنتُ قد أشرت في مقدمة الكتاب.
وبالعودة إلى ملاحظات الصديق البازعي، يمكنني القول إن النقطة المتعلقة بجغرافيا الحداثة هي بالقطع أكثر إثارة للحساسيات المحلية، من النقطة المتعلقة بالأسماء؛ لكونها يمكن أن تُحمل على محمل الشوفينية النقدية، وإعلاء بعض الكيانات السياسية على حساب كيانات أخرى. على أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن قبل سواه هو التالي: منذ متى كانت خرائط الإبداع العربي يتم ترسيمها وفقاً لحدود الدول القُطرية والكيانات السياسية والوطنية؟ وإذا كانت غالبية هذه الكيانات لا يزيد عمرها عن القرن الواحد، فإن عمر اللغة والشعر العربيين يزيد عن ألف وخمسمائة عام، كما أن كليهما يسبحان في الأوقيانوس إياه، ولو تنوعت مشاربه ومذاقاته. ومن الذي يتعامل اليوم مع امرئ القيس بوصفه شاعراً نجدياً، والمتنبي بوصفه عراقياً، وأبي العلاء بوصفه سورياً؟
وحتى لو صرفنا النظر عن هذه المسألة، فلماذا لم يُشِر الصديق البازعي بالاسم إلى الشعراء الحداثيين المؤسِّسين، وخاصة من جيل الخمسينيات في الخليج والمغرب العربي؛ لأن ما أعرفه هو أن الحداثة الشعرية، بشقّيها التفعيلي والنثري، قد نشأت في العراق، ثم توزعت عبر مجلات «الرسالة» و«الأديب» و«الآداب» و«شعر» وغيرها، بين لبنان ومصر وسوريا وبعض دول المشرق المجاورة. أما دخول منطقتي المغرب العربي والخليج على خط الحداثة فقد جاء متأخراً نسبياً، ليتوزع بتفاوت بين ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.
وإذا كنت قد أشرت إلى الإرهاصات الحداثية المبكرة لأبي القاسم الشابي، فإن معظم التجارب المغاربية الحداثية تنتمي إلى حقبتي الستينيات والسبعينيات. أما على الصعيد الخليجي فإن تجربة الشاعر السعودي محمد العلي تقع في طليعة التجارب الحداثية المماثلة، إلا أن هذه التجربة لم تأخذ لسوء الحظ طريقها إلى النشر، في حين أن تجارب محمد الثبيتي وبعض مُجايليه من الحداثيين تنتمي هي الأخرى إلى حقبة السبعينيات، التي تقع خارج نطاق الكتاب.
ولا حاجة بي إلى التذكير بأنني أشرت، غير مرة وفي مقالات مختلفة، إلى أن ما سُمي بدول المركز وعواصمه لم يعد حِكراً على مربع بغداد- القاهرة- بيروت- ودمشق، وإلى أن المغرب العربي والخليج قد بدآ يتحولان منذ سنوات إلى بؤرتين هامتين للمعرفة والإبداع وثقافة التنوير، حيث تلمع هنا وهناك عشرات الأسماء الهامة في مجالات الشعر والسرد، والفن بوجه عام.
أما فيما يخص الأسماء التي أشار البازعي إلى إغفالي إياها، فالبردوني وحده هو الذي ينطبق عليه من بينها معيار الدراسة الزمني. ومع أنه شاعر كبير ومجدد بالقطع، إلا أن تجديده الشعري يدخل في نطاق الكلاسيكية الجديدة، ولا يجعل منه شاعراً حداثياً، وإلا كان عليّ أن أوسّع المنظور الحداثي أكثر مما يحتمل، ليضم عشرات الخليليين من طراز إلياس أبو شبكة وخليل مطران وبدوي الجبل والجواهري وعمر أبو ريشة، وكثر غيرهم، بما يُدخل الكتاب في متاهة نظرية لا أول لها ولا آخر.
وإذا كنت قد خصصت سعيد عقل بالدراسة، دون سواه من الشعراء الخليليين، فلأنه من وجهة نظري، وبعيداً عن شطحاته السياسية، الشاعرالذي أوصل الجمالية الشعرية الكلاسيكية إلى تخومها القصوى، وإلى مأزقها الحتمي في الآن نفسه، بما جعل من تشظّي البنية التناظرية للبيت الشعري من بعده، أمراً لا مفر منه.
وإذ يشكّ الصديق البازعي بأن يكون اللبناني عصام محفوظ أكثر أهمية من اليمني عبد العزيز المقالح، فأنا لا أشاطره الشك نفسه فحسب، بل أؤكد بالقطع أن الثاني أشعر من الأول وأكثر موهبة وتنوعاً. لكن اشتمال الكتاب على محفوظ، وعدم اشتماله على المقالح، يعود إلى كون محفوظ جزءاً، ولو متواضعاً، من مغامرة «شعر» التجديدية في أواخر خمسينيات القرن الفائت، وهو قد انسحب من الشعر إلى المسرح في وقت لاحق، في حين أن المقالح ورغم ولادته عام 1937 ومُجايلته لمحفوظ، يعتبر على الصعيد الإبداعي واحداً من شعراء السبعينيات، حيث صدر ديوانه الأول «لا بد من صنعا» عام 1971. والأمر نفسه ينطبق على محمد بنيس وقاسم حداد ومنصف الوهايبي ومحمد الغزي، الذين صدرت أعمالهم الأولى بين الأعوام 1970 و1982. ولو طبّقنا هذا المعيار التحقيبي على الكتّاب، لوجب أن أضم إليه أسماء بالغة الأهمية من جيلي الستينيات والسبعينيات.
وإذ آثرتُ أخيراً أن أقدم الأسماء الهامة والمتميزة من جيلي الحداثة الثانية والثالثة، عبر جزء لاحق من الكتاب، فيهمّني أن أوضح في الوقت نفسه أنه سبق لي أن تناولت بالقراءة النقدية، وعبر منابر ثقافية مختلفة؛ ليس فقط الشعراء الذين خصّهم البازعي بالذكر، بل عشرات غيرهم ممن رفدوا الحداثة العربية بالكثير من عناصر الجِدة والمغايرة والانقلاب على السائد.
وفي أية حال لقد اجتهدت قدْر ما أعرف وقدْر ما أستطيع، فإن أصبتُ، كما يقول الحديث الشريف، فلي أجْران، وإن أخطأت فلي أجر واحد، وهو أجرٌ ليس بالقليل في أية حال.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«ليلة الأحلام» تُبهر جمهور جدة بتألُّق عمر خيرت وآمال ماهر

«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
TT

«ليلة الأحلام» تُبهر جمهور جدة بتألُّق عمر خيرت وآمال ماهر

«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)
«ليلة الأحلام» جمعت عمر خيرت وآمال ماهر في جدة (بنش مارك)

في ليلة ساحرة خارج صخب يوميات الحياة، استمتع الحضور بحفل «ليلة الأحلام»، الجمعة، فاجتمع الموسيقار المصري عمر خيرت وابنة بلاده الفنانة آمال ماهر على خشبة مسرح «عبادي الجوهر أرينا» ليقدّما عرضاً استثنائياً ضمن فعاليات «موسم جدة 2024»، لتشكّل الأمسية رحلة إبداعية فريدة.

البداية بعرض فيديو للتمارين المكثَّفة التي جمعت الأوركسترا العالمية بقيادة الموسيقار وليد فايد والفنانة؛ فأشار فايد إلى أنّ صوت ماهر «يعزف ولا يغنّي»، فيما أبدى عازف الفلوت العالمي بيدرو أوستاش إعجابه الكبير به.

عمر خيرت يشدو بألحانه في «ليلة الأحلام» بجدة (بنش مارك)

افتتح خيرت الأمسية بأداء مبدع، فقدَّم مقطوعات شهيرة مثل «قضية عم أحمد»، و«فيها حاجة حلوة»، و«عارفة» التي شاركه الجمهور بغنائها، بجانب «ليلة القبض على فاطمة»، و«ما طلعت شمس ولا غربت».

وفي ختام عرضه، سلَّمه رئيس «الهيئة العامة للترفيه» المستشار تركي آل الشيخ دعوة لتكريمه ضمن حفل ضخم يقيمه في «موسم الرياض 2024»، تقدَّم بها بالنيابة عنه رئيس مجلس إدارة شركة «بنش مارك» زكي حسنين.

علَّق خيرت في مؤتمره الصحافي على الدعوة قائلاً: «سعيد جداً بها، وبجمهور السعودية الذي أشعر بتجاوبهم العميق والكيمياء التي تجمعهم بالموسيقى».

وأشاد بتعاونه مع فنانين سعوديين منذ مدّة طويلة، مشدّداً على أنّ الأغنية مهمّة جداً، ولكن بجانب أهميتها، تأتي أيضاً أهمية الموسيقى: «وهذا ما حرصتُ عليه منذ صغري، أن تكون لدينا موسيقى مرافقة للغناء».

صعدت آمال ماهر إلى المسرح، وافتتحت عرضها بأغنيتها الشهيرة «اللي قادرة» بمشاركة عمر خيرت على البيانو، ثم تتابعت الأغاني: «كل ده كان ليه»، و«مش أنا اللي أشكي» لمحمد عبد الوهاب، و«إنت الحب» لأم كلثوم بتألُّق صوتها وموسيقى الموسيقار المصري.

تعلَّم حبّ الموسيقى من عائلته (بنش مارك)

كما قدَّمت أغنية «الرسايل» لمحمد عبده مع عازف الساكسفون العالمي ديفيد كوز وعازف البيانو العالمي راؤول دي بيلاسيو الذي أشاد بصوتها وإحساسها العميق بالموسيقى العربية.

وأيضاً شاركت عازفة التشيللو العالمية ماريكو موراناكا في أداء أغنيتَي «رايح بيّا فين» و«من غير ليه» لمحمد عبد الوهاب. وفي لمسة مُشابهة لما قدَّمه الفنان محمد منير في حفله السابق، قدَّمت ماهر أغنية «علّي صوتك بالغنا» بمشاركة عازف الفلوت بيدرو أوستاش وعازف الكمان ديفيد غاريت.

وختمت الحفل بأغنية «يا أنا يا أنا» لفيروز بمشاركة عازفَي الكمان غاريت وغارسيا وعازفة التشيللو ماريكو موراناكا. وبعد أكثر من ساعتين ونصف ساعة من الأداء المبهر، تحوّل الحفل واحداً من أجمل ليالي «موسم جدة 2024».

عازفون عالميون و150 آخرون ضمن أوركسترا بقيادة وليد فايد (بنش مارك)

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الموسيقار خيرت: «أعتزّ كثيراً بالدعوة لتكريمي في (موسم الرياض)، فقد بات من الفعاليات العربية التي تتميّز بأهمية خاصة؛ إذ يُعمِّق تفاعل الجمهور العربي مع الفنّ، ويضع الفنان المُشارك أمام مسؤولية كبيرة».

وأضاف: «الدعوة فرصة للاحتفاء بمشواري الفنّي، ومشاركتي في حفل (ليلة الأحلام) جعلتني أستعيد ذكريات عزيزة على قلبي».

وعن أغنيات الحفل، تابع: «حقَّق الفنان محمد عبد الوهاب نقلة كبيرة في الموسيقى المصرية، وأنا من عشاقه. ألبوم (الوهابيات) الذي قدّمته مع (صوت الموسيقى) في الثمانينات، من التجارب الفنّية المهمّة المتعلّقة بتقديم الموسيقى الشرقية في قالب أوركسترالي؛ فوزَّعتُ بعض أغنياته، منها (لأ مش أنا اللي أبكي)، و(كل ده كان ليه)، و(كنت فين)».

وأوضح أنّ «عبد الوهاب لم يكن يرفض التوزيعات الأوركسترالية، بل كان يحترمها ويحبّها، ومن المعروف أنّ موسيقار الأجيال خاض تجربة توزيع أغنيته (لأ مش أنا اللي أبكي) مع الفنان أندريه رايدر».

ديفيد غارسيا وعازف البيانو راؤول دي بيلاسيو يقدّمان مقطوعة لويتني هيوستن (بنش مارك)

ومن الذكريات التي جالت في خاطره خلال العزف، إشادة تلقّاها من عبد الوهاب في شبابه، والتي يعدُّها تكريماً حقيقياً له في بداية مشواره: «فوجئتُ بعد عرض مسلسل (ضمير أبلة حكمت)، من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر، بمكالمة هاتفية منه يهنئني على موسيقى المسلسل، قائلاً: (ربنا يخليك لمصر). كان لهذه الكلمات سحرٌ خاص على أذني، لأنها جاءت من موسيقار بحجمه، ولأنني أعشق تراب بلادي».

وعدَّ الفنان عمر خيرت الموسيقى جزءاً من تكوينه و«شفرته الجينية»، وفق تعبيره: «أراها إرثاً عائلياً نتناقله عبر الأجيال. فقد كان جدّي عاشقاً لها، وكان لأبي الفضل في استغراقي مبكراً في عالمها. كثيراً ما جلست أستمع إلى عزفه روائع الموسيقى العالمية على البيانو، لأتعلّم العزف مبكراً على هذه الآلة، إلى أن أتقنته بشكل أكاديمي ولم يتجاوز عمري 11 عاماً».

وأكمل استدعاء الذكريات: «أتذكر أنّ أبي اقتنع بإصراري على اختيار طريق الموسيقى، وأخذ أوراقي من الثانوية العامة لتقديمها لمعهد الموسيقى بنفسه، مؤكداً على تمتّعي بالموهبة. لقد شكَّل نموذجاً للآباء المتفهّمين حق الأبناء في تحديد مصيرهم».