ارتكزت الاستراتيجيّة الكبرى للإمبراطورية الرومانية على شبكة من الطرقات والجسور، تستطيع عبرها التدخّل العسكري في الأماكن البعيدة عن المركز، وبسرعة، إذ لم يكن لدى الإمبراطوريّة العديد الكافي لتوزيعه على الأراضي الشاسعة لمركز الكون في ذلك الزمان، بهدف حماية الأطراف، للحفاظ على القلب، روما. فسقوط الإمبراطوريات يبدأ عادة من الأطراف ويتسلّل تدريجيّاً إلى القلب.
قلّدت الولايات المتحدة الأميركيّة روما في مشروعها الكبير، عبر بناء شبكة الطرقات السريعة، من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب. وغيّرت هذه الشبكة الولايات المتحدة الأميركيّة في كلّ الأبعاد.
- جسر كيرش
منذ أيام القياصرة الروس، وحتى أيام الاتحاد السوفياتي، لم ينجح أحد في بناء الجسر الذي يصل الأرض الروسيّة بالقرم. فالصعوبة ماليّة من جهة، وتقنيّة من جهة ثانية. فكيف يُبنى الجسر على طبقة من الطمي المتحرّك بعمق 70 متراً تسببه الأنهار التي تصب في بحر آزوف؟
الجسر في عقل بوتين هو جوهرة التاج في إنجازاته، حتى بدء الحرب على أوكرانيا. فهو الذي افتتحه، وهو الذي أمر بصرف المال. وهو الذي ضمّ القرم. هكذا سيذكر التاريخ الرئيس بوتين، قيصر القرن الـ21 الذي استطاع استرداد الأرض السليبة، وربطها بالأرض الأم. لكن الجسر الرابط هو نفسه الجسر الذي يجلب المخاطر على الداخل الروسيّ. وهو ممرّ العسكر الروسي واللوجستيّات لحربه في الجنوب الأوكراني. لكن الأكيد أن اللعبة على الجسر تسير باتجاهين، من الجهة الروسيّة إلى أوكرانيا، ومن الجهة الأوكرانيّة إلى الداخل الروسيّ.
- القائد الجديد للمسرح
في الحروب الكبرى، دائماً تبحث القيادات السياسيّة عن «الجنرال». فماذا يعني هذا الأمر؟ تكون عادة للقيادات السياسيّة أهداف سياسيّة، ولتحقيقها عبر الحرب والعنف، لا بد من جنرال عسكري قدير، مثقّف، وقادر على الربط بين السياسة والحرب، وعلى سبر كنه العقل السياسي وترجمته إلى أرض الميدان عبر خطط عسكريّة مُحكمة. هكذا بحث الرئيس الأميركي الراحل أبراهام لنكولن عن قائده العسكري في بدايات الحرب الأهليّة الأميركيّة. وقبل العثور على الجنرال يوليسيس غرانت، كان لنكولن قد بدّل الكثير من الجنرالات. لكن حرب لنكولن على الجنوب الأميركي تميّزت بمستوى كبير من الدمار والقتل، خصوصاً في ولاية جورجيا مع الجنرال وليم شيرمان.
- الجنرال سيرغي سيروفيكين
يبدو أن الرئيس بوتين قد وجد أخيراً جنراله المناسب لأهدافه السياسيّة. فهو جنرال متمرّس في حروب المدن، خصوصاً في الشيشان وسوريا، وحتى في إقليم الدونباس. فهو يفهم لغة وتفكير الرئيس بوتين، إذ إن الرئيس بوتين خاض حرباً مدمّرة ضد الشيشان قبل تسلّمه سدّة الرئاسة، وشارك الجنرال المُختار في هذه الحرب. وهو يأتي بعد تغيير للكثير من الجنرالات الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في أوكرانيا. فما المنتظر منه؟
> عليه أولاً لم شمل العسكر، عبر إعادة التنظيم التدريب والتسليح، وتوحيد القيادة، وإعادة رفع المعنويّات، ومن ثمّ إعادة رسم الخطط العسكريّة. فهل سيضع الجنرال الجديد خططاً جديدة لتحقيق أهداف الرئيس بوتين الكبرى (القديمة)؟ وهل الجيش الروسي قادر على ذلك؟ أم سيكتفي بتحرير الأقاليم الأربعة التي ضمّها بوتين؟
> عليه أيضاً أن يأخذ بعين الاعتبار كيف سيكون عليه حال الجيش الأوكراني ومستوى جهوزيّته، خصوصاً بعد تبنّيه من قبل الغرب. في الختام، يقول الخبراء إن الجيش الروسي لن يكون جاهزاً قبل نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 2023، وبدايات شهر فبراير (شباط). وبالانتظار، بدأت معركة العنف غير المباشر ردّاً على تفجير جسر كيرش. فهل تعد حادثة الجسر نقطة تحوّل في الحرب؟
أوكرانيا بين جسر كيرش والقائد الجديد
أوكرانيا بين جسر كيرش والقائد الجديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة