حقوقيون يحمّلون السلطات التونسية مسؤولية تزايد ضحايا «قوارب الموت»

مهاجرون غير شرعيين تم اعتراضهم من قبل خفر السواحل التونسية في الرابع من الشهر الجاري (أ.ف.ب)
مهاجرون غير شرعيين تم اعتراضهم من قبل خفر السواحل التونسية في الرابع من الشهر الجاري (أ.ف.ب)
TT

حقوقيون يحمّلون السلطات التونسية مسؤولية تزايد ضحايا «قوارب الموت»

مهاجرون غير شرعيين تم اعتراضهم من قبل خفر السواحل التونسية في الرابع من الشهر الجاري (أ.ف.ب)
مهاجرون غير شرعيين تم اعتراضهم من قبل خفر السواحل التونسية في الرابع من الشهر الجاري (أ.ف.ب)

حملت أمس 20 منظمة وجمعية حقوقية تونسية سلطات البلاد مسؤولية تزايد ضحايا «قوارب الموت»، ونددت بـ«سياسات الدولة وأجهزتها التي لم تراع واجباتها تجاه مواطنيها، ولا معاناة أهالي المفقودين وأهالي جرجيس»، وذلك على إثر فاجعة غرق مركب هجرة غير نظامية منذ 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، داعية إلى وقفة تضامنية مع ضحايا فاجعة جرجيس (جنوب شرقي)، وكل ضحايا الهجرة غير النظامية. كما حملت هذه المنظمات السلطات التونسية مسؤولية غياب استراتيجية وطنية للهجرة، تكون قادرة على دمج المهاجرين وضمان لحقوقهم. ومن جانبه، هدد الاتحاد المحلي للشغل (نقابة العمال) بشن إضراب عام عن العمل وطالب بتنحية والي مدنين بسبب فشل السلطات الجهوية في التفاعل مع هذا الملف الاجتماعي المعقد.
وتزامنت هذه التطورات مع انتشال قوات خفر السواحل التونسية 11 جثة متحللة لمهاجرين غير قانونيين قبالة سواحل محافظة المهدية بوسط شرق البلاد، على ما أفاد متحدث رسمي أول من أمس. وقال الناطق الرسمي باسم خفر السواحل، حسام الدين الجبابلي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه تم جمع عينات من الجثث للقيام بعمليات تحليل الحمض النووي من قبل الطب الشرعي.
والأربعاء تظاهر المئات من سكان مدينة جرجيس (جنوب شرق) لمطالبة السلطات بالبحث عن المهاجرين المفقودين، ونددوا أيضاً بدفن تونسيين في مقابر مهاجرين، في وقت تعرف فيه الشواطئ التونسية عودة قوية لظاهرة الهجرة بشكل غير قانوني من تونس إلى تركيا، ثم صربيا ومنها إلى دول أوروبية. لكن السلطات التونسية تجد صعوبات في عمليات اعتراض المهاجرين، أو إنقاذهم بسبب نقص المعدات.
ومع تحسن الأحوال الجوية في تونس تتزايد وتيرة محاولات الهجرة غير النظامية انطلاقاً من السواحل التونسية والليبية نحو إيطاليا وتنتهي أحياناً بحوادث غرق.
وفيما أعلنت وزارة الدفاع التونسية الثلاثاء أنها أنقذت نحو مائتي مهاجر نهاية الأسبوع الماضي، غالبيتهم من التونسيين، كشفت أحدث الأرقام الرسمية اعتراض أكثر من 22500 مهاجر قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، وموت 12 تونسياً إثر غرق مركبهم قبالة السواحل الشرقية للبلاد، مطلع سبتمبر الماضي
في غضون ذلك، اندلعت مواجهة غير مباشرة بين الرئاسة التونسية وحركة النهضة، بزعامة راشد الغنوشي، وذلك بعد أن رفض كمال بن عمارة، رئيس بلدية مدينة بنزرت المنتمي لحركة النهضة، طلب سمير عبد اللاوي، والي بنزرت الذي عينه الرئيس قيس سعيد بتزيين المدينة، انتظاراً لزيارة رئاسية احتفالاً بذكرى جلاء المستعمر الفرنسي، حيث أعلن بن عمارة رفض الأهالي تزيين المدينة استعداداً لاستقبال الرئيس سعيد في عيد الجلاء (15 أكتوبر (تشرين الأول) من كل سنة). وتجاوز الخلاف بين الطرفين حدود المراسلات العلنية، التي قاما بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليخلف حالة من الجدل السياسي حول مدى قانونية الموقف، الذي اتخذه كل طرف من الطرفين.
وفي تبريره لرفض الطلب، قال رئيس بلدية بنزرت إن سكان المدينة رفضوا صرف أموال بمناسبة هذه الذكرى الوطنية بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس، معتبراً أن من مهام البلدية الإصغاء للسكان والاستجابة لمطالبهم، وفق القانون المنظم لسير الجماعات المحلية (البلديات)، مؤكداً عدم تخصيص أي مصاريف لتزيين المدينة هذه السنة، بسبب ما اعتبره تعرض المدينة للتهميش، وأضاف بن عمارة أنه تلقى عريضة وقعها مجموعة من سكان المدينة يطالبون فيها رئيس الجمهورية بالاطلاع على «واقع المدينة دون مساحيق»، ودعا والي المنطقة إلى «مزيد من التعقل، وعدم اتخاذ أي إجراءات مخالفة للقانون، ومعارضة للمطالب المشروعة لأبناء بنزرت»، على حد تعبيره.
من جهة ثانية، طالب حراك (25 يوليو) المساند للرئيس سعيد بحل المجالس البلدية بعد اتهام عدد من أعضائها بالتورط في دعم مرشحين على حساب بقية المرشحين للانتخابات البرلمانية، التي ستجرى في 17 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. واعتبر أن مسألة التعريف بالتوقيعات في مقر البلديات قد أحدثت لبساً كبيراً، خصوصاً بعد تسجيل تدخل بعض أعضاء المجالس البلدية وممثلين على المعتمدين والولاة لفائدة بعض المرشحين للبرلمان المقبل.
وفي هذا السياق، قال محمود بن مبروك، رئيس المكتب السياسي لحراك (25 يوليو) في مؤتمر صحافي إن العديد من المستشارين البلديين «أرهبوا الناخبين، وضغطوا عليهم للحصول على التزكيات الضرورية (400 تزكية لكل مترشح) لأطراف بعينها، فضلاً عن أن دفاتر التعريف بالتوقيعات يتم إخراجها من البلديات إلى منازل المستشارين البلديين، ويتم تضمين أسماء مزكين بعضهم في عداد الأموات»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

إيطاليا تتعهد باعتماد «حلول مبتكرة» للحد من الهجرة

أوروبا مهاجرون يصلون على متن سفينة تابعة لخفر السواحل الإيطالي بعد إنقاذهم في البحر بالقرب من جزيرة لامبيدوزا الصقلية... إيطاليا 18 سبتمبر 2023 (رويترز)

إيطاليا تتعهد باعتماد «حلول مبتكرة» للحد من الهجرة

تعهدت الحكومة الإيطالية، اليوم (الاثنين)، بالمضي قدما في تنفيذ خطتها المثيرة للجدل لبناء مراكز احتجاز في ألبانيا لطالبي اللجوء.

«الشرق الأوسط» (روما)
شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (متداولة)

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شهدت عمليات تتبع آثار شبكات تهريب البشر عبر البحر، انطلاقاً من سواحل الجزائر، إطلاق فصيل أمني جديد خلال الأسبوع الماضي، وضعته السلطات السياسية للبلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي جانب من احتفالات السوريين في ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

دراسة: إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستوقع آثارًا سلبية على الاقتصاد الألماني

أظهر تحليلٌ، نُشر اليوم الأربعاء، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الألماني

«الشرق الأوسط» (كولونيا)
أوروبا وزير الهجرة واللجوء السويدي يوهان فورسيل (أ.ب)

السويد تسعى إلى تشديد القيود على طلبات اللجوء

أعلنت الحكومة السويدية اليوم الثلاثاء أنها أعدت مشروع قانون من شأنه الحد من قدرة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم على تقديم طلبات جديدة من دون مغادرة البلاد.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
العالم العربي لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

فرضت السلطات المصرية «اشتراطات جديدة» على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول.

أحمد إمبابي (القاهرة)

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.