في تصويت دراماتيكي، تلت النائبة الجمهورية ليز تشيني ببطء مدروس قرار استدعاء الرئيس الأسبق دونالد ترمب للإدلاء بإفادته أمام الكونغرس. هزّت هذه الخطوة واشنطن، وأثارت موجة استنكار بين أنصار الرئيس السابق وسيلاً من الترحيب بين داعمي محاسبته على أحداث اقتحام الكابيتول.
وندّد الرئيس السابق بإصدار أمر الاستدعاء بحقه، وتساءل عن سبب عدم استدعائه للإدلاء بشهادته أمامها في وقت سابق. وقال ترمب على حسابه في شبكة «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي: «لماذا لم تطلب مني اللجنة غير المنتخبة أن أدلي بشهادتي منذ شهور؟». وأضاف: «لماذا انتظروا حتى النهاية، حتى اللحظات الأخيرة من اجتماعهم الأخير؟»، وأردف: «لأنّ اللجنة هي عبارة عن إخفاق كامل ولم تعمل إلا على زيادة تقسيم بلادنا».
فما دلالات مذكرة الاستدعاء بحق ترمب؟ وهل تُرغمه على المثول أمام الكونغرس؟
بعد تصويتها بأيام، تُصدر اللجنة قرار استدعاء ترمب لإبلاغه رسمياً بوجوب المثول أمامها. حينها سيكون أمام الرئيس السابق 3 خيارات: الأول، التجاوب مع المذكرة وحضور جلسة الاستماع، وحسب شبكة «فوكس نيوز» فإن ترمب منفتح على الموضوع «لإحراج أعضاء اللجنة». وتقول الشبكة إن ترمب المحب للأضواء «يحب فكرة الإدلاء بإفادته للحديث عن التزوير في الانتخابات». أما الخيار الثاني، فهو المثول أمام اللجنة ورفض الإجابة عن الأسئلة عبر استعمال حقه في التعديل الخامس من الدستور. وهو ما فعله الكثير من أنصاره لدى الإدلاء بإفاداتهم إثر استدعائهم. وصولاً إلى الخيار الثالث وهو الأكثر ترجيحاً: عدم التجاوب مع المذكرة، وهو ما اعتمده مساعدوه كمستشاره السابق ستيف بانون، وكبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، مع فارق أساسي بين الرجلين: فقد تمت محاكمة الأول وإدانته بتهمة ازدراء الكونغرس، وينتظر صدور الحكم عليه، أما الآخر فلم تتم محاسبته رغم تحديه لسلطة الكونغرس.
الكونغرس وصلاحيات الاستدعاء
يعود السبب في اختلاف قضيتي ميدوز وبانون إلى صلاحيات الكونغرس الفضفاضة في موضوع إصدار مذكرات الاستدعاء. فعلى الرغم من أن هذه الخطوة هي من صلاحيات الكونغرس الأساسية بناءً على قرار من المحكمة العليا، فإن محاسبة من يتحدى هذه الصلاحيات هي من أبرز التحديات التي تواجه تطبيقها. وفي حال تحدي قرار مذكرة الاستدعاء، يكون أمام الكونغرس ثلاثة خيارات: الأول هو أن تتم إحالة الملف إلى مجلس النواب للتصويت عليه بتهمة ازدراء الكونغرس، كما حصل في حالتي ميدوز وبانون، وفي حال إقرار التهمة بأغلبية الأصوات يتم تحويل القضية إلى وزارة العدل التي تبتّ فيها، حينها تقرر الوزارة ما إذا كانت سوف توجه تهماً بحق المتهم، على أن يصل الحكم في حال تمت الإدانة إلى نحو عام في السجن وغرامة قد تصل إلى 100 ألف دولار. الخيار الثاني أمام الكونغرس هو رفع دعوى مدنية في المحاكم الفيدرالية للطلب من القاضي إصدار حكم للتجاوب مع مذكرة الاستدعاء، لكن هذه خطوة مستبعدة لأن التوصل إلى قرار بشأنها قد يستغرق أعواماً. أما الخيار الثالث والأكثر إثارة للجدل فهو أن يستعمل الكونغرس صلاحياته ضمن إصدار مذكرات الاستدعاء، ويرسل المسؤول عن أمنه لاعتقال الرئيس السابق. لكنها خطوة لم يتخذها الكونغرس منذ العام 1935 بسبب تداعياتها الخطيرة.
ولعلّ أبرز تحدٍّ يواجه لجنة التحقيق باقتحام الكابيتول في هذه القضية هو أن الوقت ليس لصالحها، إذ إن صلاحية مذكرة الاستدعاء تبطل مع انتهاء فترة عمل الكونغرس الحالي، أي بعد الانتخابات النصفية. لهذا يرجح البعض أن يعمد ترمب إلى تجاهل الموضوع إلى ما بعد الانتخابات.
التهم «الأخطر»
لا يعدّ ترمب أول رئيس أميركي تصدر بحقّه مذكرة استدعاء، فقد سبق أن أصدر الكونغرس مذكرات استدعاء بحق 3 رؤساء سابقين، هم: جون كوينسي آدمز، وجون تايلر في العام 1848، وهاري ترومان في العام 1935. كما أن هناك الكثير من الرؤساء الذين أدلوا بإفاداتهم أمام الكونغرس من دون أن يتم استدعاؤهم، كأبراهام لينكولن، وودرو ويلسون، وجيرالد فورد.
لكن المختلف هو أن التهم الموجهة بحق ترمب، أي التحريض على اقتحام الكابيتول، قد تكون الأخطر بحق أي رئيس سابق. وعلى الرغم من أن سلطات الكونغرس لمحاسبته محدودة، فإن ذلك لا يعني أن محاسبته مستحيلة. وتتوجه الأنظار في هذا السياق إلى وزارة العدل الأميركية، وقضية وثائق مارالاغو. فبعد أن رفضت المحكمة العليا يوم الخميس طلب الرئيس السابق التدخل في قضية الوثائق السرية، يرجح البعض أن يكون هذا القرار تمهيداً لتوجيه الوزارة تهماً بحق ترمب قد تكلّفه في حال إدانته الرئاسة الأميركية للعام 2024.