اعتاد زعيم «داعش» الإرهابي الظهور في إصدارات مرئية، لتحفيز العناصر على «مواصلة القتال». لكن «اللافت» أن زعيم «داعش» الجديد، أبو الحسن الهاشمي القرشي، والزعيم السابق، أبو إبراهيم القرشي (الذي قُتِل خلال غارة جوية على شمال إدلب غرب سوريا في فبراير «شباط» الماضي) لم يظهرا في أي إصدار (مقطع تسجيل صوتي أو فيديو)، وآخِر زعيم لـ«داعش» ظهر في إصدارات كان أبو بكر البغدادي (الذي قُتِل بضربة أميركية في إدلب شمال غربي سوريا، في أكتوبر «تشرين الأول» 2019).
اختفاء الإصدارات المرئية لزعيم «داعش» أثار تساؤلات حول دلالة ذلك. لا سيما بعدما اكتفى التنظيم بنشر عناوين في صحيفته الأسبوعية، «النبأ»، عن «عملياته وقتلاه وجرحاه».
خبير مكافحة الإرهاب الدولي بمصر، اللواء رضا يعقوب، أرجع عدم وجود أي إصدارات للزعيم الجديد إلى أنه «ربما يختبئ في مكان ما خوفاً على حياته»، لافتاً إلى أن «الغموض يحيط باختفاء زعيم (داعش) الجديد منذ تنصيبه».
مروحية هجومية «أباتشي» فوق جنود أميركيين يقومون بدورية في ريف تل تمر شمال شرقي سوريا ديسمبر 2021 (إ.ب.أ)
أما الباحث المصري المتخصص في شؤون الأمن الإقليمي، محمد فوزي، فيرى أن «(داعش) تبنى، منذ مقتل (أبو إبراهيم) الذي تولى قيادة التنظيم بعد (البغدادي)، استراتيجية تقوم على (التعتيم)، على مستوى القيادة الجديدة للتنظيم، حيث اكتفى التنظيم، في مارس (آذار) الماضي، بالإعلان، عبر متحدثه الإعلامي، أبو عمر المهاجر، عن اختيار (أبو الحسن) خليفة للتنظيم، ووصفه بـ(السيف الصقيل)، من دون ذكر أي تفاصيل عن هويته». وتابع: «منذ هذا الإعلان، اختفى أبو الحسن القرشي أو جمعة البغدادي عن المشهد تماماً، وذلك بالتزامن مع خسائر كبيرة تكبَّدها التنظيم في الأشهر الأخيرة، وملاحقات لقياداته».
والفترة الماضية، جرى تداول أخبار كثيرة بشأن أبو الحسن القرشي. ووفق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن «القوات التركية ألقت القبض على قيادي بـ(داعش) يُعتقد أنه زعيم التنظيم». وسبق ذلك أنباء ترددت، نهاية مايو (أيار) الماضي، عن توقيف أبو الحسن القرشي في عملية أمنية نُفذت بإسطنبول. وهنا رجح مراقبون «عدم وجود قيادة مُعلَنة للتنظيم حالياً»، مؤكدين أن «ما تردد حول توقيف (أبو الحسن) يثير احتمالات حول عدم وجوده على رأس التنظيم الآن».
جانب من صفحات عدد «النبأ» الأخير
عودة إلى فوزي الذي أكد أن «اختفاء زعيم (داعش) يرتبط بعدد من الاعتبارات، على رأسها فرضية اعتقال الزعيم الجديد للتنظيم في تركيا، حيث أشارت تقارير أمنية تركية إلى أن السلطات التركية تمكنت من اعتقال الزعيم الحالي للتنظيم في عملية أمنية خاصة نُفذت في إسطنبول، لكن أنقرة لم تؤكد حتى اللحظة الراهنة هذه الأنباء بشكل رسمي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن (داعش) استغل عدم الإعلان التركي بشأن زعيمه، ولم يتطرق التنظيم إلى مسألة اعتقال (أبو الحسن)، لما سيكون لهذا السيناريو من تداعيات سلبية على قواعد ومقاتلي التنظيم ككل».
الفرضية الثانية المطروحة بهذا الخصوص، بحسب فوزي، تتمثل في «استمرار قيادة (أبو الحسن) للتنظيم، مع حرص التنظيم على الاستمرار في تبني استراتيجية (التعتيم) على قائده الجديد، بما يضمن عدم استهدافه أو إلقاء القبض عليه عبر تحديد موقعه، خصوصاً في ظل النشاط الكبير لأجهزة الاستخبارات الأميركية والتركية والعراقية على مستوى ملاحقة قيادات التنظيم، وهو النشاط الذي أسفر عن اختراقات أمنية للتنظيم، وهي اعتبارات زادت من حيطة التنظيم وحذره».
وهنا، أشار فوزي إلى أنه قد «أفرزت هذه الاعتبارات مجتمعة نهجاً داعشياً يقوم على إزاحة زعيم التنظيم عن المشهد، على الأقل إعلامياً، وتوجيه الرسائل إلى قواعد ومقاتلي التنظيم بأفرعه المختلفة عبر الأذرع الإعلامية المختلفة للتنظيم، سواء صحيفة (النبأ)، أو كلمات المتحدث باسم التنظيم».
وتولى أبو الحسن الهاشمي القرشي قيادة «داعش»، بعد مقتل أبو إبراهيم القرشي... وكان «أبو إبراهيم» قد خلف الزعيم الأسبق البغدادي. ومنذ تسلّمه قيادة التنظيم خلفاً للبغدادي عام 2019، لم يظهر «أبو إبراهيم»، واسمه الحقيقي أمير محمد عبد الرحمن المولى الصلبي، علناً، أو في أي من الإصدارات المرئية، ولم يكن يُعرَف الكثير عنه أو عن تنقلاته.
وبحسب العدد الأخير لصحيفة «النبأ»، أول من أمس (الخميس)، فإن «التنظيم اكتفى بنشر عناوين عن عدد العمليات الإرهابية في غرب أفريقيا، والعراق، وسوريا، وموزمبيق، فضلاً عن عدد القتلى والجرحى، ولم يحتوِ العدد على كلمة لزعيم (داعش)».
من جهته، أكد اللواء يعقوب أن «تنظيم (داعش) صحيح ضعف دوره أخيراً، وقُضي على العديد من عناصره القيادية، وتمّت محاصرته مادياً وأمنياً، لكنه لم ينتهِ، وبدأ يبحث عن أماكن أخرى لهجماته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «(داعش) تأثر بمقتل زعيمه السابق (أبو إبراهيم)، لأن هذه التنظيمات تكون القيادة وجميع الأمور في يد الزعيم. وعقب مقتله، كل شيء يضطرب و(يهتز) في التنظيم، لأن (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية تعتمد على فكرة (الإدارة الفردية) للقيادة، وهذا ما يفسر وجود اضطرابات داخل التنظيم لعدم وجود الزعيم بشكل واضح. وهنا نقصد (أبو الحسن القرشي)».