إقليم البصرة.. تجدد الدعوات لإقامته رغم اعتراض مفوضية الاستفتاء

الرافضون للمشروع يتحججون بسوء التوقيت.. والداعمون ينتظرون

إقليم البصرة.. تجدد الدعوات لإقامته رغم اعتراض مفوضية الاستفتاء
TT

إقليم البصرة.. تجدد الدعوات لإقامته رغم اعتراض مفوضية الاستفتاء

إقليم البصرة.. تجدد الدعوات لإقامته رغم اعتراض مفوضية الاستفتاء

«اسمع يا عراقي.. البصرة راح تصير إقليم» أهازيج بلهجة عراقية جنوبية أطلقت مؤخرا في أحد الأنشطة الرياضية التي احتضنها ملعب جذع النخلة في مدينة البصرة الرياضية ليعود معها الجدل بشأن إقامة الأقاليم في العراق وخاصة في الجنوب الذي يعاني بحسب سياسيين ومراقبين من سلطة للمركز واستنزاف للثروات وانتشار للفقر والبطالة في مناطق تعد من أغنى أراضي بلاد وادي الرافدين.
وفي الوقت الذي أكد فيه الداعمون للفكرة أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق ردت طلبا سابقا بإجراء استفتاء شعبي عليه وأنهم مستمرون حتى تحقيق متطلبات إقامة الإقليم، قال المعارضون للفكرة إن الوقت الحالي غير موات بسبب الوضع العام للعراق وحربه ضد «داعش» وإن اللامركزية هي الحل الآني لمشكلة عدم وجود الصلاحيات بيد الحكومات المحلية في العراق.
وقال أمين وهب رئيس كتلة «المواطن» التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، الذي يتزعمه عمار الحكيم، في مجلس محافظة البصرة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الذي يسأل كتلة (مواطن) ما هو رأينا بهذه القضية؟ نقول إذا رجعنا لعام 2007 فإن المجلس الأعلى قدم مقترح إقليم الوسط والجنوب، فقضية الأقاليم هي قضيتنا ونحن أول من رفعنا شعارها، ولكننا واجهنا معارضة من الذين يؤيدون الفكرة في الوقت الحالي وأخمدوا هذا المشروع، بل قتلوه في المهد».
وأضاف: «السؤال هل نحن مع الإقليم؟.. نعم نحن مع الإقليم لكن يجب أن تكون الظروف مواتية في البلد، والآن ظروف البلد غير مواتية لإقامة الإقليم، فيجب حاليا أن نحافظ على لحمة العراق، لذا تجد أن شباب البصرة وهم تحت عنوان الإقليم يدافعون عن أراضي العراق ككل».
وتابع: «متى ما كانت الظروف مواتية نكون جميعا باتجاه إقامة الأقاليم وباتجاه اللامركزية وهي أفضل لنا في الوقت الحالي لأن القانون الذي ينظمها موجود فبمجرد فك الارتباط عن الوزارات ونقل الصلاحيات تكون المحافظات حرة في التخصيصات المالية والعنوان الإداري والصلاحيات، أما إقامة الأقاليم فتعني تشكيل برلمان ووزارات وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى وقت طويل».
إلى ذلك، قال رئيس لجنة الحوار في ائتلاف إقليم البصرة حيدر عبد الأمير سلمان، إن «التحرك لإقامة إقليم البصرة ما زال مستمرا رغم رد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لطلبنا السابق بإجراء استفتاء بداعي عدم توفر أسماء الموقعين في السجل الانتخابي».
وأضاف سلمان وهو أحد أعضاء الائتلاف الذي يضم ثلاثة تجمعات و21 رابطة بصرية، أن «حقا من حقوقنا الدستورية هو إقامة الإقليم فخيرات البصرة نريدها لأهلها، فالمدينة الغنية تجدها مهملة ولا يوجد بها حتى في الحكومة المركزية ممثلون لهم ثقلهم في القرار السياسي رغم أن خزينة العراق تعتمد عليها كليا».
وتابع أنه «في حال استكمالنا لمتطلبات المفوضية الخاصة بإجراء الاستفتاء سنقدم الطلب الجديد ونحن نلمس حاليا في المدينة وخاصة لدى النخب والمثقفين توجها نحو تأييد الفكرة والوقوف بصفها فهو حل لجميع مشاكل المدينة».
يذكر أن الدستور العراقي يحدد طريقا واضحا أمام أي محافظة ترغب في التحول لإقليم يتمتع بحكم ذاتي. وتستلزم هذه الخطوة إجراء استفتاء، ويجري الاستفتاء حال فوز الفكرة بدعم ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو حصوله على تواقيع 10 في المائة من الناخبين المسجلين في المحافظة، أي نحو 160 ألفا من السكان في حالة البصرة.
وقال المحلل السياسي الدكتور محمد فيصل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «البصرة وإقامة إقليم فيها فكرة متجددة في مدينة تشهد الكثير من الخلافات السياسية، فتجد أن مؤيديها في عام 2007 اليوم معارضون لها بحجة أن البلد يعاني من الحرب ولا يمكن تقسيمه خاصة أن عرفنا أنهم أصبحوا يسيطرون على الحكومة المحلية فيها والوزارات المعنية بثرواتها (كتلة المواطن)».
وأضاف: «أما الرافضون لها سابقا وخاصة (ائتلاف دولة القانون) الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، فهناك مؤشرات كثيرة تدل على تبنيهم للفكرة بعد أن فقدوا ثقلهم من المناصب الحكومية فيها، وهنا نؤشر بأن فكرة الإقليم لن تنجح فقط بالثقل الجماهيري فلا بد من وجود ثقل سياسي يوازيه لذا نجد أغلب الطلبات المقدمة لمفوضية الانتخابات ومنذ 2007 ولحد الآن ترفض ولأسباب عدة وأهمها أن الأحزاب بالمدينة مستفيدة من وضعها الحالي».
يشار إلى أن عددًا من المحافظات أعلنت العام الماضي عزمها تشكيل أقاليم، فيما تعددت دوافع القائمين وراء إنشائها، في حين لاقت الفكرة اعتراضات من قبل كتل سياسية ونيابية كبيرة، معتبرين إياها خطوة لتقسيم العراق.



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.