بلعيش لـ«الشرق الأوسط»: مؤشرات إيجابية لتخطي الأزمة السودانية

العمل جار لبناء أكبر قدر ممكن من التوافق بين أكبر عدد ممكن من القوى والأطراف

المتحدث الرسمي باسم الآلية الثلاثية محمد بلعيش (الشرق الأوسط)
المتحدث الرسمي باسم الآلية الثلاثية محمد بلعيش (الشرق الأوسط)
TT

بلعيش لـ«الشرق الأوسط»: مؤشرات إيجابية لتخطي الأزمة السودانية

المتحدث الرسمي باسم الآلية الثلاثية محمد بلعيش (الشرق الأوسط)
المتحدث الرسمي باسم الآلية الثلاثية محمد بلعيش (الشرق الأوسط)

حذر المتحدث الرسمي باسم الآلية الثلاثية لدعم الانتقال في السودان، محمد بلعيش، الأطراف السودانية، من مخاطر أي قرارات أحادية الجانب قد تزيد تعقيدات المشهد السياسي وتطيل أمد الأزمة. وأكد أن السودان لا يحتمل أي تأخير إضافي في العودة لمسار الانتقال الديمقراطي.
وتضم الآلية بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس)، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التنمية الأفريقية الحكومية (إيقاد)، وتعمل على تيسير الحوار بين الفرقاء السودانيين للوصول إلى حل للأزمة التي ترتبت بعد الإجراءات العسكرية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وأُقصي بموجبها المكون المدني من السلطة.
وقال بلعيش -وهو سفير الاتحاد الأفريقي لدى الخرطوم- إن المكون العسكري أمام اختبار حقيقي لجديته في تنفيذ الالتزامات التي أعلن عنها في الانسحاب من المشهد السياسي، من أجل الوصول لتوافق أكبر عدد ممكن من القوى السياسية حول إجراءات الفترة الانتقالية ومؤسساتها.
وكشف بلعيش في مقابلة مع «الشرق الأوسط» في الخرطوم، عن وجود مؤشرات إيجابية لبداية توافق بين المكونات المدنية، وتابع: «لكن تظل الفرصة المتاحة حالياً هشة، دون قبول علاقة شفافة وتشاركية بين الأطراف بإرادة حقيقية لإدارة الخلاف السياسي، ودون معادلات صفرية وإقصاء لشركاء المرحلة في أي خطوة قادمة على طريق استعادة مسار الانتقال».
وشدد بلعيش على ضرورة الحوار بين المكونات المدنية والمكون العسكري، حول ترتيبات الانتقال ومستقبل العلاقة بين المؤسسة العسكرية ومؤسسات الحكم المدني، مؤكداً جاهزية الآلية لتسهيل الحوار.
وأكد أنه «ليس لدى الاتحاد الأفريقي أو أي من أطراف الآلية الثلاثية انحياز أو تفضيل لأي طرف، فانحيازنا الوحيد هو لاستقرار السودان».
> خفت صوت الآلية الثلاثية بعد دخول المبادرة الرباعية (المكونة من السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا) على خط الأزمة. فلماذا؟ وهل ثمة تنسيق بينكم؟
- لم تتوقف الآلية الثلاثية عن العمل على دعم الأطراف السودانية في التوصل إلى حل سياسي للأزمة، يسمح باستعادة مسار الانتقال إلى حكم ديمقراطي مدني خاضع للمساءلة، ويحترم حقوق الإنسان، ويحقق طموحات الشباب السوداني في الحرية والسلام والعدالة.
فنحن مستمرون في عقد الاجتماعات الثنائية المكثفة مع المكونات كلها، سواء كانت عسكرية أو مدنية، والحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة بين الجميع لتيسير الوصول لاتفاق، بالإضافة إلى التنسيق مع المجتمع الدولي وضمان دعمه لجهود الأطراف السودانية الرامية لإنهاء الأزمة، بما يتضمن التنسيق مع الآلية الرباعية وغيرها من الشركاء الدوليين المهتمين بالشأن السوداني، وهو تنسيق وثيق ومستمر ومنتظم.
> ما تقييم الآلية الثلاثية لفرص التوصل إلى حل سياسي حالياً؟
- أصبح من الواضح أن هناك زخماً إيجابياً لاحتمالات الوصول إلى اتفاق بين المدنيين لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة. ويظهر ذلك في تعدد المبادرات الوطنية المختلفة، ومن بينها مشروع الدستور الانتقالي الذي اقترحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، وكذلك مبادرة التوافق الوطني ومبادرة نداء أهل السودان، وغيرها من المبادرات. كما أن هناك بوادر اصطفاف من القوى السياسية المدنية حول مبادرة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وهو مؤشر إيجابي على اتساع رقعة التوافق حول عدد من القضايا الخلافية بين القوى السياسية.
ونحن نحث جميع الأطراف على الاستمرار في النقاش والحوار حول الحلول المرتجاة، بما يساعد في تقريب وجهات النظر وتقوية التفاهمات حول حلول الأزمة الحالية، وحول القضايا الخلافية على المديين المتوسط والبعيد، مثل قضايا الدستور الدائم، والجيش الواحد، وإصلاح مؤسسات الدولة، وتطبيق واستكمال اتفاق السلام وتحقيق العدالة والمساءلة.
فالعمل الجاري حالياً من أجل بناء أكبر قدر ممكن من التوافق بين أكبر عدد ممكن من القوى السياسية والأطراف المؤثرة هو عمل مهم. فليس أفضل من مبادرة سودانية خالصة تلتف حولها القوى السياسية دون تدخل لتنهي فصول هذه الأزمة التي طال أمدها. وقد أكدنا في الآلية الثلاثية أكثر من مرة، أن المدخل الصحيح للمشهد السياسي الملتبس في السودان هو حوار سوداني - سوداني، للتوصل إلى حلول سودانية، ويقتصر دورنا في هذه العملية على تيسير الحوار، والحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة بين مختلف الأطراف لتسهيل الوصول لاتفاق.
وبينما ترحب الآلية الثلاثية بالبوادر الإيجابية التي تشير لبدايات توافق بين المكونات المدنية، نشدد على أن الفرصة السانحة في الوقت الحالي تظل هشة، وتفرض على أطراف هذا التوافق مسؤولية الحفاظ على الاصطفاف الذي لا يزال في مهده. ولن يتأتى ذلك دون قبول علاقة شفافة وتشاركية بين تلك المكونات، بإرادة حقيقية لإدارة الخلاف السياسي، دون معادلات صفرية، ودون استئثار أي مكون بصنع القرارات الأساسية، ودون إقصاء لشركاء المرحلة في أي خطوة قادمة على طريق استعادة مسار الانتقال، وتلبية تطلعات الشعب السوداني ومطالب الثورة التي لم تتحقق بعد، وهو الهدف الذي يتطلب توافقات معقولة بين القوى السياسية الديمقراطية الفاعلة حول أدوات إدارة الاختلاف، وصولاً لحكم ديمقراطي يستمد شرعيته من الرجوع للشعب السوداني، في انتخابات نزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
ونحذر كل الأطراف من خطورة اتخاذ أي قرارات أحادية الجانب، من شأنها زيادة تعقيد المشهد وتقويض التقدم وإطالة أمد الأزمة، في وقت لا يحتمل فيه السودان أي تأخير إضافي في العودة لمسار الانتقال الديمقراطي.
> هل هناك تواصل بين الآلية والعسكريين؟ وهل هناك تطمينات حصلتم عليها من المكون العسكري بخصوص ضمانات للتسليم الكامل للسلطة، وجدية نيات الخروج من المشهد السياسي؟
- كما قلت، تواصل الآلية مستمر مع جميع المكونات، سواء المدنية أو العسكرية. وقد رحبنا بالالتزامات العلنية للمكون العسكري بالخروج من المشهد السياسي في البيانات المتتالية لأعضاء مجلس السيادة. وأدت تلك البيانات، بالفعل، إلى خلق حراك جديد بين القوى السياسية المختلفة، وهو ما نرى نتيجته اليوم في التوافق الذي بدأ يظهر بين القوى المدنية والجهود المكثفة ليضم هذا الاصطفاف مزيداً من القوى المدنية، سعياً لبدء مرحلة انتقالية جديدة أكثر استقراراً واستدامة من سابقتها.
والاختبار الحقيقي لجدية الالتزامات التي أعلن عنها المكون العسكري هو الوصول إلى توافق يجمع بين أكبر عدد ممكن من القوى السياسية، حول إجراءات الانتقال ومؤسساته.
> تتواتر التقارير من وقت لآخر عن خلافات بين أطراف الآلية الثلاثية. ويظن البعض أن غياب مبعوث الاتحاد الأفريقي، محمد الحسن ولد لبات، من المشهد، دليل على هذا الخلاف. فما حقيقة ذلك؟
- من الطبيعي أن تتباين وجهات النظر، حتى بين شركاء الآلية الواحدة. إلا أن تباين وجهات النظر بين شركاء الآلية الثلاثية قد يتعلق بخطوة هنا أو هناك، غير أنه لم يمتد أبداً إلى الهدف الذي تتوحد حوله جهودنا، وهو دعم الأطراف السودانية في التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة، ويعيد السودان إلى مسار الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، ويستأنف ترميم علاقات السودان الدولية. ولم يغب الاتحاد الأفريقي عن هذه الجهود في أي وقت، فنحن شركاء فاعلون في الآلية منذ اليوم الأول، وهو الأمر الذي لم يتغير.
> المعارضة ترى أن أطراف الآلية موزعون بين محاباة «الحرية والتغيير- المجلس المركزي» و«التوافق الوطني» وشركاء الانقلاب، وأن «يونيتامس» تمالئ «الحرية والتغيير»، والاتحاد الأفريقي و«إيقاد» يميلون للمجموعة الانقلابية.
- الاتهامات بالانحياز هي أمر متوقع بوصفه جزءاً من عمل أي وسيط أو ميسر في عملية سياسية معقدة مثل العملية السياسية في السودان. وكما قلت أنت، طالتنا هذه الاتهامات وطالت «يونيتامس» وستطول أي جهة أخرى تحاول التوسط في هذه اللحظة الحرجة.
ليس لدى الاتحاد الأفريقي أو أي من أطراف الآلية الثلاثية انحياز أو تفضيل لأي طرف. انحيازنا الوحيد هو لاستقرار السودان وازدهاره. ومن أجل هذا الغرض التقينا ونلتقي بالجميع دون تمييز، ونكثف جهودنا في هذه المرحلة الحرجة، ونقدم الدعم لكل من يطلبه، طالما يخدم بناء السودان الجديد.
> الأسبوع الماضي، تم توقيع ما عُرف بميثاق تأسيس سلطة الشعب، وجددت خلاله لجان المقاومة اللاءات الثلاث. فكيف يمكن التوفيق بينها وبين التسوية التي تعملون عليها؟
- أمر التوفيق بين وجهات النظر المتباينة للأطراف السودانية هو أمر عائد للسودانيين في المقام الأول، ولا يسعنا إلا تقديم الأدوات التي من شأنها المساعدة في ذلك. ونحن، شركاء الآلية الثلاثية، لم نتوقف عن اللقاء بلجان المقاومة، ولن نتوقف عن لقاء الجميع، ونحث جميع الأطراف على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وعلى عدم رفض الحوار مهما اتسعت الفجوات بين الرؤى. ونؤكد أهمية أن يشمل الحوار السياسي أولويات الشارع والقضايا التي تتبناها لجان المقاومة، بما يشمل المحاسبة والعدالة.
> هل ثمة تحرك قريب من أجل إنهاء إجراءات 25 أكتوبر العسكرية، مثل عودة الاجتماعات المشتركة بين المكونات المختلفة والعسكريين؟ ومتى تم آخر تواصل بينكم وبين الأطراف؟
- هناك حراك جدِّي بين القوى المدنية؛ بلا شك، من أجل توسيع رقعة التوافق. وقد نجحت مبادرة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين حتى الآن في تحقيق قدر معقول من انخراط القوى السياسية ضمن الإعلان الدستوري المقترح، وهناك جهود حثيثة لتوافق مزيد من القوى المدنية حول الإعلان السياسي الذي تعمل اللجنة التسييرية لنقابة المحامين على صياغته النهائية.
وكما قلت، لم تتوقف اتصالاتنا بالمكون العسكري أيضاً. وبينما نرحب بالتزام المكون العسكري بالانسحاب من المشهد السياسي، فإننا ندعو الجميع لاتخاذ خطوات ملموسة لتحويل هذا الالتزام إلى حقيقة. ونشدد على أنه لا يمكن تجنب أو إغفال ضرورة الحوار بين المكونات المدنية والمكون العسكري، حول ترتيبات الانتقال ومستقبل العلاقة بين المؤسسة العسكرية ومؤسسات الحكم المدني. ونحن جاهزون لتيسير هذا الحوار.
أما عن آخر تواصل بيننا وبين الأطراف، فكما قلت، التواصل قائم مع جميع الأطراف المدنية والعسكرية، وهو مستمر ولم ينقطع.
والأمر الواضح هو أن الوضع الراهن في السودان الذي يتسم بانهيار اقتصادي وأزمات اجتماعية، وازدياد في وتيرة العنف في الأقاليم، يحتاج إلى حلول عاجلة ومؤازرة من المجتمع الدولي.
> تثير عودة رموز «نظام الإنقاذ» المخاوف من أن العسكريين يسعون لإعادتهم، باعتبارهم جزءاً من المراوغة التي يعملون عليها؟
- كما قلت قبلاً، نرحب بالتزام المكون العسكري بالانسحاب من المشهد السياسي، وهو ما لا ينفي ضرورة الحوار السياسي الجاد بين القوى المدنية والمكون العسكري، حول ترتيبات الانتقال ومستقبل العلاقة بين المؤسسات. الاختبار الحقيقي لجدية هذه الالتزامات هو التوصل إلى صيغة يتوافق عليها أكبر عدد ممكن من القوى المدنية السودانية لتشكيل المؤسسات المطلوبة لاستئناف المسار الانتقالي، ونحن ندعمهم في ذلك بكل ما نستطيع، دون أن نتدخل في محتوى تلك الصيغ.
اختار السودانيون بثورتهم على النظام السابق الانحياز للتحول الديمقراطي. والحفاظ على مكتسبات الثورة يتطلب عودة السودانيين لإرثهم السياسي في التوافق لبلورة تسوية تتواءم واختياراتهم، وتبدأ مرحلة انتقالية أكثر استقراراً تُتَوج بانتخابات حرة ونزيهة، تؤسس لشرعية ديمقراطية مستدامة.
وأعتقد أنه من المناسب هنا أن أشدد مرة أخرى على أهمية عامل الزمن في هذه المعادلة، بسبب المعاناة التي يمر بها الشعب السوداني كله، نتيجةً لتلك الأزمة التي طال أمدها، ولأن فرص الحل تزداد تعقيداً بمرور الوقت.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».