في بادرة غرضها تكريم الشابة الإيرانية مهسا أميني التي توفيت بعد 3 أيام من قبض شرطة الأخلاق عليها لعدم احترامها شروط لباس المرأة، ولغرض توفير الدعم للحركة الاحتجاجية في إيران، أعلنت آن هيدالغو، عمدة العاصمة الفرنسية، عن منح مهسا أميني صفة «مواطنة الشرف» لمدينة باريس وفاء لها ودعماً للمرأة الإيرانية المطالبة بحقوقها. ودعت هيدالغو المجلس البلدي أن يتيح لها هذا الإجراء، الأمر الذي حصلت عليه فوراً، إذ صفق أعضاؤه كلهم طويلاً وقوفاً للتعبير عن دعمهم لقرار رئيسة بلديتهم. ورغم أن هذا القرار رمزي بطبيعته، فإنه يعكس الغيظ الفرنسي الرسمي والشعبي من موت الشابة الكردية ودعماً للمرأة بشكل عام، وتنديداً بالقمع الدموي الذي تمارسه السلطات الإيرانية بحق المحتجين والمحتجات.
وتأتي هذه البادرة بعد أيام قليلة مما اعتبرته باريس «المهزلة» المتلفزة للرهينتين الفرنسيتين المحتجزتين في طهران اللتين «اعترفتا» بانتمائهما إلى جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية، وأن مهمتهما كانت الضغط على السلطات والعمل على إطاحة النظام الإيراني. ورغم قناعة باريس بأن هذه الاعترافات انتزعت «قهراً»، ما دفعها للتنديد بالممارسات الإيرانية، فإن فرنسا ما زالت تأمل بالحصول على «لفتة» من طهران لإطلاق سراح المحتجزين الفرنسيين كافة هناك. وأعلنت وزيرة الخارجية كاترين كولونا أنها ستتصل (أمس) بنظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لتطلب منه الإفراج عن المحتجزين كافة. وجاء في حرفية ما قالته كولونا بهذا الخصوص: «سيكون لي بعد ظهر اليوم (أمس) اتصال هاتفي بوزير الخارجية الإيراني لأطلب منه مرة جديدة الإفراج الفوري عن كافة مواطنينا المحتجزين في إيران، وعددهم في الوقت الحاضر خمسة».
حتى اليوم، كان المعلوم أن 4 فرنسيين يقبعون في السجون الإيرانية، أقدمهم الباحثة مزدوجة الجنسية فاريبا عادلخواه، التي قبض عليها في يونيو (حزيران) من العام 2019 وحكم عليها بالسجن 5 سنوات لـ«مساسها بأمن الدولة». وكان رفيق دربها رولان مارشال، وهو باحث اجتماعي وأستاذ جامعي، قد قبض عليه في اليوم نفسه لدى وصوله مطار طهران، ووجّهت إليه اتهامات مماثلة. إلا أنه أفرج عنه في مارس (آذار) من العام 2020. وخففت سلطات السجن شروط الاحتجاز عن عادلخواه، وسمح لها بالعودة إلى منزل والديها. إلا أنها اتهمت بعدم احترام الشروط المفروضة عليها، وأعيدت بالتالي إلى السجن. وانضم لاحقاً إلى لائحة المحتجزين بنجامين بريير، الذي قبض عليه في مايو (أيار) من العام نفسه، ووجهت له اتهامات التجسس وترويج أخبار معادية للنظام وتعريضه للخطر بسبب التقاطه صوراً لمواقع تقول السلطات الإيرانية إنها محظورة على التصوير، بينما يؤكد بريير ومحاموه أنه «سائح بسيط» ليس إلا. وحكم على بريير بالسجن لـ8 سنوات و8 أشهر بعد إدانته بجرم «التجسس». ولم ينفع الاستئناف الذي قدمه محاموه، لأنه أعيد تأكيد الحكم السابق. وأخيراً، قبضت السلطات الأمنية على المدرسين والنقابيين سيسيل كوهلر وزوجها جاك باريس في شهر مايو الماضي، واتهما، إضافة إلى ما سبق، بتمويل الاحتجاجات والمظاهرات في الربيع الماضي، والعمل على إسقاط النظام بما في ذلك اللجوء إلى السلاح. وحتى اليوم، لم تحصل محاكمة الزوجي الفرنسي، وربما تكون الاعترافات المنتزعة تمهيداً لذلك. يبقى الفرنسي الخامس الذي لم تكشف هويته ويفترض أن يكون من بين الموقوفين الأجانب الذين قبض عليهم في سياق الاحتجاجات التي عمت المدن الإيرانية، عقب وفاة مهسا أميني، بعد أن قبضت عليها شرطة الأخلاق لعدم احترامها قوانين اللباس، ما أشعل الحركة الاحتجاجية والمواجهات والقمع الذي أدى إلى سقوط ما يزيد على 100 قتيل ومئات الجرحى واعتقال ما يزيد على 1000 شخص. واستدعت باريس القائم بالأعمال الإيراني «لغياب وجود سفير أصيل» نهاية سبتمبر (أيلول) لإبلاغه ضرورة وضع حد «للقمع الأعمى» الذي يستهدف المتظاهرين والمحتجين. كما أيدت باريس فرض عقوبات أوروبية على إيران.
لم تتوقف ردة الفعل الفرنسية عند التنديد بـ«مسرحية» الاعترافات «المهينة» وبـ«الممارسات الديكتاتورية» التي أقدمت عليها السلطات الإيرانية، بل إنها وصفت المحتجزين الفرنسيين بأنهم «رهائن الدولة» الإيرانية. الأمر الذي يستبطن اعتبارهم وسيلة للضغط والمقايضة، وذلك في إطار ما يسمى في باريس بـ«دبلوماسية الرهائن». ولأنها تتخوف من أن تعمد إيران لمزيد من التوقيفات التي قد تطال مواطنين فرنسيين إضافيين، فإن وزارة الخارجية حثّت مواطنيها يوم الجمعة الماضي على «الخروج من إيران في أسرع وقت ممكن (لتجنب) تعرضهم لاعتقالات تعسفية». ويربو عدد مزدوجي الجنسية والأجانب المحتجزين في إيران على العشرين من جنسيات مختلفة، فيما تقول السلطات إن 9 أجانب إضافيين احتجزوا خلال المظاهرات.
هل ستنجح مبادرة الوزيرة الفرنسية؟ ثمة شكوك كثيرة يبديها المطلعون على ملف العلاقات الفرنسية - الإيرانية، وأولها أن مصير الفرنسيين الخمسة ليس بيد الدبلوماسية الإيرانية ووزير الخارجية، بل بيد «الحرس الثوري» ومحاكمه، وبالتالي فإن تأثير الوزير الإيراني يبدو معدوماً، وجل ما يستطيع القيام به هو نقل الرسائل. والأمر الثاني أن المحتجزين الخمسة لا يمكن خروجهم إلا في إطار صفقة. وثمة من يرى وجود علاقة بين مصير هؤلاء ومصير 3 إيرانيين، بينهم أسد الله أسدي، وهو دبلوماسي إيراني معتمد في فيينا، مسجونين في بلجيكا لدورهم في مؤامرة إرهابية ضد مهرجان لمعارضين إيرانيين في ضاحية فيلبانت (شمال باريس) في العام 2018 بحضور شخصيات فرنسية وغربية وبتنظيم من «مجلس المقاومة الإيرانية» الذي ترأسه مريم رجوي. فضلاً عن ذلك، فإن موقف باريس أصبح بالغ التشدد في الملف النووي الإيراني حيث تعتبر فرنسا، كما بقية الأطراف الغربية (الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا) أن الكرة في الملعب الإيراني، وأنه الجهة التي تعطل الوصول إلى اتفاق بين مفاوضات زادت مدتها على 18 شهراً، وانتهت بعرض قدمه الوسيط الأوروبي مسؤول دبلوماسية الاتحاد جوزيب بوريل، وقبلته واشنطن، وأرادت طهران إدخال تعديلات كثيرة عليه، الأمر الذي رفضه الجانب الأميركي. ولم يسفر اللقاء الذي جرى بين الرئيس ماكرون ونظيره الإيراني في نيويورك في 21 من الشهر الماضي عن أي نتيجة. وماكرون هو الرئيس الغربي الوحيد الذي التقى رئيسي.
فرنسا تطالب إيران بالإفراج «الفوري» عن مواطنيها الخمسة
باريس تمنح مهسا أميني صفة «مواطنة شرف»
فرنسا تطالب إيران بالإفراج «الفوري» عن مواطنيها الخمسة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة