مجدداً عادت حقنة «زولجينزما»، التي يبلغ سعرها مليونَي دولار أميركي (نحو 40 مليون جنيه مصري تقريباً)، والمستخدمة لعلاج ضمور العضلات الشوكي، تتصدر أحاديث المصريين، مع انطلاق حملة تبرعات جديدة، لجمع ثمن الحقنة لطفلة تدعى سيلين.
ونجحت حملة تبرعات سابقة خلال شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) في جمع مبلغ الـمليونَي دولار لشراء الحقنة للطفلة رقية، غير أنه لم يحدث تجاوب مع حملات تلت تلك الحملة، بسبب اتهامات طالت القائمين على بعضها باستغلال الأطفال لجمع الأموال، غير أن الحملة الأخيرة لسيلين التي لاقت تجاوباً واسعاً حتى الآن، تتم تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي؛ من أجل الاطمئنان لسلامة الإجراءات.
ويقول محمد عبد المنعم، المتحدث الرسمي لوزارة التضامن الاجتماعي، لـ«الشرق الأوسط»: «الطبيعي أن أي حملات لجمع التبرعات، يجب خضوعها لإشراف الوزارة، ولكن أصبح هناك مزيد من التشديد في هذا الأمر بعد انطلاق حملات شابها شبهات النصب والاحتيال».
ويضيف «بالنسبة للطفلة سيلين، فقد تم التقدم إلى الوزارة بطلب لحصول على تصريح جمع أموال، وكان ذلك مشفوعاً بالتقارير الصحية، التي تم دراستها وفحصها، قبل إعطاء الموافقة على جمع التبرعات عبر رقم حساب بنكي يخضع لرقابة الوزارة وإشرافها، ويتم إغلاقه بعد الانتهاء من جمع المبلغ المطلوب، ثم يتم التأكد من استخدامه للغرض الذي جمع من أجله».
وحتى يوم (الثلاثاء) تمكنت حملة التبرعات التي تم إطلاقها الشهر الماضي من جمع 35 مليوناً و500 ألف جنيه مصري، ولم يعد متبقياً سوى أربعة ملايين ونصف المليون على ثمن هذه الحقنة، وفق تصريحات صحافية لوالد الطفلة.
ومثل حملة التبرعات السابقة للطفلة رقية، والتي حظيت بدعم وتأييد واسعين من المشاهير، حظيت حملة التبرعات الخاصة بالطفلة سيلين بالقدر نفسه من الاهتمام، حيث نشر الفنان محمد هنيدي على صفحته بموقع التدوينات القصيرة «تويتر»، داعياً الشعب المصري إلى التبرع مادياً للطفلة أو التبرع بالمساعدة في تعريف أكبر عدد من المواطنين بحالتها، عن طريق المشاركة في هاشتاغ «أنقذوا سيلين».
https://twitter.com/OfficialHenedy/status/1570903381031661568
ودعمت المطربة إيناس عز الدين حملة التبرعات بطريقة مختلفة؛ إذ نظمت مزاداً علنياً على سلسلة ذهبية كانت قد أهديت لها من صديقة مقربة، عبر صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك»، كما فعلت الفنانة التشكيلية جيهان فوزي، الشيء نفسه، ولكن من خلال عرض إحدى لوحاتها الفنية للبيع.
ولم يقتصر الأمر على المشاهير، حيث عرضت عروس عشرينية تدعى فاتن السيد فستان زفافها للبيع في مزاد علني عبر صفحتها على موقع «فيسبوك» لتخصيص ثمن البيع للطفلة.
ورغم وجود لجنة مختصة بوزارة الصحة تم تشكيلها استجابة لمبادرة رئاسية لتوفير ثمن العلاج لمثل هذه الحالات، فإن حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، يقول، إنه «لا ينكر على الأهالي حقهم في اللجوء إلى مسارات أخرى لتوفير الحقنة، إذا كانت الشروط التي وضعتها اللجنة لا تتوافق مع حالتهم».
ويقول عبد الغفار لـ«الشرق الأوسط»: «تميل تلك الشروط إلى التأكد من أن الحقنة ستكون مفيدة للطفل بنسبة تتجاوز الـ50 في المائة، ولكن بالنسبة للأهالي فإن أي نسبة بالنسبة لهم تكون دافعاً للتمسك بأمل الشفاء، فيتم اللجوء لجمع التبرعات لتوفير ثمن الحقنة، ولا نملك حرمانهم من حق التمسك بالأمل».
وكانت أول حالة استفادة مصرية بهذا الدواء لطفل يدعى ريان قبل نحو عامين، ولكن لم تحظَ حالة هذا الطفل بقدر الاهتمام نفسه الذي أثارته حالة رقية، ومن بعدها حالة سيلين؛ لأن شركة «نوفارتيس» السويسرية، المنتجة للدواء قدمت الحقنة له (ريان) حينها مجاناً، في إطار حملتها لتقديم 100 فرصة للحصول على الدواء في الدول التي لم يتم تسجيل الدواء بها.
وتمت الموافقة على هذه الحقنة للاستخدام في الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين فقط، وإذا تجاوز الطفل هذا العمر، لا يكون الدواء مفيداً له بنسبة كبيرة.
ووافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في 24 مايو من عام 2019 على هذا الدواء، ليصبح أول علاج جيني معتمد لعلاج الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين المصابين بضمور عضلي في العمود الفقري (SMA)، وهو أشد أشكال ضمور العضلات الشوكي (SMA).
ويحدث هذا المرض بسبب طفرة في جين الخلايا العصبية الحركية (SMN1)، وهذا الجين وظيفته هي ترميز بروتين الخلايا العصبية الحركية (SMN)، وهو بروتين موجود في جميع أنحاء الجسم، وهو أمر بالغ الأهمية لصيانة وعمل الخلايا العصبية المتخصصة، والتي تسمى الخلايا العصبية الحركية.
وتتحكم الخلايا العصبية الحركية في الدماغ والحبل الشوكي في حركة العضلات بجميع أنحاء الجسم، وإذا لم يكن هناك ما يكفي من بروتين (SMN) الوظيفي، فإن الخلايا العصبية الحركية تموت؛ مما يؤدي إلى ضعف العضلات المميت في كثير من الأحيان، ويعاني الأطفال المصابون بهذه الحالة من مشكلات في رفع الرأس والبلع والتنفس، وقد تظهر هذه الأعراض عند الولادة أو قد تظهر في عمر 6 أشهر.
ولفهم سبب تكلفة الدواء المرتفعة، يقول تقرير نشرته مجلة «فوربس» في 16 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، إن السر يرجع إلى كيفية التصنيع، فهو من الأدوية التي تندرج تحت فئة الطب الشخصي أو الدقيق؛ لأنه يستهدف مشكلات معينة ناجمة عن الشفرة الجينية الفريدة للشخص، ويعد هذا النوع من الأدوية أكثر فاعلية في علاج الأمراض من الطرق التقليدية لإنتاج دواء يناسب الجميع.
وإلى جانب ذلك، فإن هذا الدواء مكلف في إعداده، فهو بشكل أكثر تحديداً يعد نوعاً من العلاج الجيني؛ مما يعني أنه يحل محل الجين المعيب أو غير العامل لعلاج المرض، حيث تم تصميمه لاستهداف السبب الجيني للضمور العضلي، حيث يستبدل الدواء بجين (SMN1) عند المرضى نسخة جديدة صالحة للعمل.
ويوضح تقرير «فوربس» كيفية تسليم الجين الصحيح إلى الخلية البشرية، حيث يتم وضع الجين الجديد داخل ناقل يسمى فيروس 9 (AAV9)، وتتم إزالة الحمض النووي الفيروسي الأصلي للناقل واستبدال الجين العامل به، بحيث لا يسبب المرض، وبمجرد دخول الناقل إلى الجسم عن طريق التسريب الوريدي (IV)، يمكنه الانتقال إلى الخلايا وتوصيل الجين الجديد.
وعلى عكس علاجات الجسم المضاد التي تسمح لك بإنشاء خط خلوي لإنتاج الدواء، وتوسيع نطاق هذا الخط الخلوي إلى مفاعل حيوي سعة 10000 لتر، فإن العلاج الجيني بالطريقة التي تم وصفها مكلف للغاية في تصنيعه، والجزء المكلف من العملية، كما يكشف التقرير، هو إزالة الحمض النووي الفيروسي واستبدال الجين الصحيح المراد توصيله للجسم به.