«نقطة انطلاق»... تختار فنانين مصريين لمعايشة نظرائهم الأوروبيين

الفنانة دينا نصر وعملها الفائز بمنحة التصوير
الفنانة دينا نصر وعملها الفائز بمنحة التصوير
TT

«نقطة انطلاق»... تختار فنانين مصريين لمعايشة نظرائهم الأوروبيين

الفنانة دينا نصر وعملها الفائز بمنحة التصوير
الفنانة دينا نصر وعملها الفائز بمنحة التصوير

استدعت الأعمال المشاركة في معرض ومسابقة «نقطة انطلاق»، التي زادت على 200 عمل تشكيلي، نماذج مشهورة من المنحوتات التي يعرفها المصريون مثل أسدي قصر النيل في القاهرة، وهما يعودان لأواخر القرن الـ19، وأبدعهما المثال الفرنسي الشهير هنري جاكمار، والحصان المتأهب للانطلاق، الذي يركب على صهوته الإسكندر الأكبر أمام حدائق الشلالات في منطقة باب شرق في الإسكندرية، فضلاً عن العديد من اللوحات التي تصور تفاصيل من حياة النساء في مصر، وأدوارهن في المجتمع على اختلاف طبقاتهن ومستويات معيشتهن.
الأعمال معروضة في قاعة «التاون هاوس» وسط القاهرة، وقدمها 20 فناناً اختارتهم لجنة تحكيم مكونة من الفنان محمد عبلة مؤسس «مركز الفيوم للفنون» وصاحب أرفع وسام تمنحه ألمانيا للشخصيات المؤثرة في مجالها، وهو «وسام جوته»، وشارك معه ممثل من مؤسسة ساويرس، و3 فنانين آخرين، اختاروا من بين الـ20 عارضاً 4 فنانين للحصول على منح الإقامة في المركز الذي يقع في قرية تونس بمدينة الفيوم.
ويقول إبراهيم محمد عبلة مدير «مؤسسة الفيوم للفنون» لـ«الشرق الأوسط»، «يشارك في المعرض 20 فناناً يتسابقون للفوز بمنحة تقدمها مؤسستا الفيوم وساويرس بعنوان (نقطة انطلاق)، ورغم أنها الدورة الأولى، إلا أننا استقبلنا أكثر من 500 متقدم، أعمارهم تقل عن 30 عاماً، واختارت لجنة التحكيم 20 متسابقاً من بينهم، لعرض أعمالهم والمشاركة في المسابقة والمعرض الذي يضم 13 مصوراً و7 نحاتين، وفي النهاية وبعد كثير من التداول اختارت لجنة التحكيم 4 فنانين للحصول على المنحة، اثنين للنحت واثنين للتصوير، وهم دينا نصر، وأحمد مجدي، وإبراهيم صلاح، وإنجي عمر».


أسد من الحديد الخردة نفذه الفنان إبراهيم صلاح

المنحة عبارة عن «إقامة كاملة لمدة شهرين في قرية تونس بالفيوم للرسامين، وثلاثة أشهر للنحاتين، يقدمون خلالها كل ما يمكن الفنانين من التفرغ للإبداع، والتفاعل مع مجتمع الفيوم. ولا يتوقف الأمر عند حدود تقديم الخامات والمواد الفنية فقط، بل هناك نوع من الدراسة والمعايشة مع اثنين من الفنانين المهمين، اللذين قدما من أوروبا خصيصاً للمساهمة في الفعاليات، وتقديم خبراتهما للشباب الفائزين، الأول هو الفنان البريطاني جون أوكارول، والمثال السويسري رينيه بنك، الذي يزور القاهرة لأول مرة»، حسب إبراهيم.
من جانبها، قالت الفنانة دينا نصر الفائزة بواحدة من منح المسابقة في مجال التصوير لـ«الشرق الأوسط» عن عمل تكون من 5 لوحات صورت فيها نفسها في حالات مختلفة، إن اهتمامها الأساسي يتركز على قضايا المرأة، وإنها تحاول أن تعبر في لوحاتها عن قصتها وقصة كل واحدة من النساء في المجتمع المصري، وتبحث كيف يكون لها دور في القرن الـ21، وتصير شخصية مؤثرة، ولها رسالة، ولا تقبل بأي إطار توضع فيه، وتجبر على أن تحدد حركتها في سياقه، ويكون لها وجود قوي يظهر في تحركاتها وممارساتها في الحياة.
وتعتمد نصر في اتجاهها الفني ودراستها له على نوع ما من الرؤية التي تربط الواقع بالميتافيزيقا في التصوير المعاصر، وكيف يدمج الفنان بينهما، وقد جعلها هذا تعبر بأسلوب واقعي، تمزج فيه عناصر اللوحة ببيئة متخيلة وغير واقعية.


العمل الفائز بمنحة النحت

وتستخدم نصر خامات قديمة استخدمها الكثير من الفنانين على مدى عصور الفن المختلفة، وتفضل الرسم بالألوان الزيتية على «التوال»، وأعدت اللوحات الخمسة في 4 أشهر، مركزة على أن يكون لكل لوحة مضمون قادر على إثارة تفكير المتلقي، وهو يسعى لفهمه وسبر أغوار تفاصيل كل لوحة وعوالمها.
وعلى خلاف دينا نصر، لم يدرس النحات إبراهيم صلاح صاحب جائزة النحت الفن، ويرى نفسه فناناً بالفطرة، تعلم النحت من الحياة، ودرس الخامات بنفسه، وتعمق فيها، وصمم تماثيله وقطعه النحتية الفائزة باستخدام الحديد الخردة، وهو من وجهة نظره أصعب أنواع الخامات التي يمكن أن يلجأ إليها الفنان.
أما فكرة نحت أسد على غرار الموجود في قصر النيل، التي قدمها صلاح، فـ«تعود لفترة طويلة ممتدة لسنين مضت»، ويشرح أنه جذبه مشهدهما في طفولته وهو يراهما واقفين وكأنهما يحرسان الجسر ويؤمنانه، وقد حاول تطويعهما بلمسة جديدة باستخدام الحديد.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.