يثير مشروع قانون لـ«مكافحة التضليل الإعلامي» بدأ البرلمان التركي مناقشته، اعتراضات داخلية كثيرة، ويهدد بصدام جديد بين تركيا والغرب حول حرية الصحافة والتعبير التي تسجل عليها المنظمات المعنية والحقوقية الدولية ملاحظات سلبية.
وبالتزامن مع احتجاجات في تركيا من جانب نقابة الصحافيين وأحزاب المعارضة، عبَّر مجلس أوروبا عن قلقه حيال مشروع القانون الذي يعاقب على ما يسمى «التضليل الإعلامي»، وحذّر من تداعياته المحتملة، حال إقراره، على حرية الصحافة والتعبير التي تكفلها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وخلصت لجنة البندقية (اللجنة الأوروبية للديمقراطية) مع المديرية العامة لحقوق الإنسان ودولة القانون، في رأي مشترك عاجل، صدر، ليل الجمعة الماضي، إلى التعبير عن القلق حيال التداعيات المحتملة للمشروع، ولا سيما لجهة ازدياد خطر تشديد الرقابة الذاتية قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في تركيا، في يونيو (حزيران) من العام المقبل.
وأوضحت اللجنة أن المنظومة القانونية التركية تتضمن بالأساس نصوصاً تعاقب على الجوانب الأكثر خطورة للمعلومات الكاذبة أو المضللة، ومن ثم لا حاجة اجتماعية ماسة إلى إقرار مشروع قد ينطوي على «قيود تعسفية على حرية التعبير».
ويتضمن مشروع القانون عقوبة الحبس لمدة تتراوح بين سنة و3 سنوات بحق «كل من ينشر معلومات مضللة عبر أي وسيلة للنشر؛ بما في ذلك الصحف ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي»، كما ينص على سحب البطاقات الصحافية من الصحافيين الذين ينشرون مثل هذه المعلومات.
ويطلب مشروع القانون وضع مادة في قانون العقوبات التركي بحق «من يصنعون أخباراً كاذبة أو مضللة وينشرونها أو يهينون أشخاصاً على وسائل التواصل الاجتماعي». وتصل عقوبة مَن يوجهون إهانة «إلى الحبس لمدة تتراوح من 3 أشهر إلى سنتين».
وأكد مجلس أوروبا أن مشروع القانون «يتنافى مع المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تكفل حرية التعبير».
وأثار بدء البرلمان التركي مناقشة مشروع القانون، احتجاج العديد من الجمعيات ونقابات الصحافيين، إلى جانب أحزاب المعارضة، التي اعتبرته «محاولة جديدة من حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان لممارسة الرقابة وتكميم الأفواه قبل الانتخابات».
وتجمَّع عشرات الصحافيين وممثلي الجمعيات والنقابات أمام البرلمان التركي في أنقرة، مع انطلاق مناقشات مشروع القانون، الثلاثاء الماضي، واضعين كمامات سوداء على أفواههم، ورافعين لافتات كُتب عليها «لا لقانون الرقابة»، و«لن تُسكتوا الصحافة الحرة»، و«الصحافة الحرة شرط للديمقراطية».
وأكد رئيس رابطة المراسلين بالبرلمان التركي أنه حال إقرار مشروع القانون «ستكون حرية الصحافة والتعبير في تركيا مقيدة تماماً».
وقال رئيس نقابة الصحافيين الأتراك جوكهان دورموش إن مشروع قانون «مكافحة التضليل الإعلامي سيقضي نهائياً على حرية الصحافة والتعبير، إذا دخل حيز التنفيذ».
ومن المتوقع أن يمر مشروع القانون من البرلمان بسبب الأغلبية التي يملكها حزبا «العدالة والتنمية» الحاكم، وحليفه حزب «الحركة القومية» الذي كان له دور أساسي سابقاً في الدفع نحو فرض قيود على وسائل التواصل الاجتماعي عبر قانون دخل حيز التنفيذ عام 2020.
وأقرّت تركيا قانوناً شدَّد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي دخل حيز التنفيذ في نهاية سبتمبر (أيلول) عام 2020، ويفرض غرامات ضخمة ويهدد بالإغلاق المنصات التي لا تمتثل لطلبات سحب محتويات تراها السلطات موضع جدل.
وصوَّت البرلمان على هذا القانون، في يوليو (تموز) 2020، بعد أقلّ من شهر على دعوة إردوغان إلى «تنظيم منصات التواصل الاجتماعي»، التي كانت تُعدّ آخِر متنفس للأتراك للتعبير بحرية خارج رقابة الحكومة.
وفرض القانون الجديد على منصات التواصل الاجتماعي، التي تسجل مليون عملية دخول إليها يومياً، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، أن يكون لها ممثل في تركيا، والامتثال لأوامر المحاكم التركية إذا ما طلبت سحب مضمون معين خلال 48 ساعة. وفي حال عدم الاستجابة، يخفض نطاق عرضها الترددي بشكل كبير، كما تكون ملزَمة بدفع غرامات تصل إلى 40 مليون ليرة تركية، كما يتعين على المواقع تخزين بيانات مستخدميهم في تركيا داخل البلد.
وكشفت مؤسسة «حرية التعبير» الحقوقية، أن عدد المواقع الإلكترونية المحجوبة بتركيا بلغ في عام 2019 نحو 467 ألف موقع، مشيرة إلى أن قرار حجب المواقع الإلكترونية لا يعود فحسب للجهات القضائية المختصّة، بل هناك أكثر من 20 مؤسسة رسمية لا صلة لها بالمحاكم، لها القدرة على حجب أي موقع دون الحصول على قرار قضائي.
وتحتل تركيا المرتبة 149 من بين 180 دولة، على مؤشر حرية الصحافة لعام 2022، الذي أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود».
من ناحية أخرى أثارت تصريحات لوزير العدل بكير بوزداغ بشأن عودة عقوبة الإعدام، التي أُزيلت من قانون العقوبات التركي عام 2004 مع بدء مفاوضات تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، حالة من الجدل، وجرى ربطها بحملة حزب «العدالة والتنمية» للانتخابات.
وقال بوزداغ، في مقابلة تلفزيونية، ليل السبت- الأحد، إن القضاء التركي ناقش إدخال الإعدام إلى قائمة العقوبات الجنائية خلال الفترة المقبلة. وأوضح: «أعدنا مناقشة ممارسات الإجراءات الجنائية والمسائل المتعلقة بالإعدام التي تؤدي إلى الإفلات من العقاب... سيتم اتخاذ خطوات شُجاعة من خلال مناقشة قانون العقوبات التركي وقانون الإجراءات الجنائية».
ولوَّح الرئيس إردوغان، منذ وقوع محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، بإعادة العمل بعقوبة الإعدام في حق مخططي الانقلاب الفاشل، ثم تعهّد مرة أخرى بإعادتها عقب استفتاء عام 2017 على الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي. وأطلق التعهدات نفسها مع زيادة جرائم قتل النساء في تركيا خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، فيما اعتبره مراقبون إنعاشاً لقاعدة حزبه من المحافظين.
وفي يوليو (تموز) الماضي قال إن حزبه سيتقدم للبرلمان بمشروع قانون «لإعادة عقوبة الإعدام لتكون رادعاً لمن يتورطون في حرائق الغابات».
تركيا: تشريع مقترح ضد «التضليل الإعلامي» يستدعي غضباً داخلياً وتحذيرات أوروبية
عقوبة الإعدام تطفو على السطح مجدداً مع الاستعداد للانتخابات
تركيا: تشريع مقترح ضد «التضليل الإعلامي» يستدعي غضباً داخلياً وتحذيرات أوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة