أثارت بيانات نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» حول تراجع تطبيق «إنستغرام» أمام منافسه «تيك توك» كثيراً من التساؤلات حول مستقبل المقاطع المصورة القصيرة، ومدى جدوى اعتمادها من قبل المؤسسات الإعلامية، بينما يرى خبراء أن اشتعال المنافسة يصب في صالح صُناع المحتوى ووسائل الإعلام.
الواقع أنه منذ صعود «تيك توك» إلى واجهة التطبيقات، راهن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مالكة «إنستغرام»، على المنافسة باستخدام الفيديوهات القصيرة «الريلز» للحاق بالركب، غير أن البيانات جاءت مغايرة؛ إذ إن مستخدمي «إنستغرام» يمضون نحو 17.6 مليون ساعة يومياً في مشاهدة «الريلز»، وهو ما يمثل أقل من عُشر المدة التي يقضيها مستخدمو «تيك توك» لمشاهدة مقاطع الفيديو يومياً التي وصلت إلى 197.8 مليون ساعة، وفقاً لوثيقة مصدرها شركة «ميتا» ونشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال». ؤ
وجاء في الوثيقة التي نشرت في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، ما يفيد بأن «مشاركة (الريلز) انخفضت بنسبة 13.6 في المائة خلال يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين»، وأن «معظم مستخدمي (الريلز) ليس لديهم أي تفاعل على الإطلاق».
محمود السيد، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بقناة «العربية»، فسَّر لـ«الشرق الأوسط» هذا التراجع، بقوله إن «أكبر مشكلة تواجه (إنستغرام) هي محاولاته لتقديم نفسه كمنصة لصناعة المحتوى، غير أن المستخدمين ربما لا يرونه على هذا النحو». وأضاف السيد: «ربما ما زال المستخدم يفضل (إنستغرام) كأداة للتواصل مع أصدقائه، وليس لمشاهدة محتوى قائم على ترشيحات». ويشرح بأن «تميز (إنستغرام) في هذا الشأن ما هو إلا تكرار لمميزات (تيك توك) من خلال المقاطع المصورة القصيرة أي (الريلز)... أما إذا كان (إنستغرام) يبحث عن موطئ قدم في عالم الفيديو، فعليه أن يقدم ميزات مبتكرة، من شأنها جذب صُناع المحتوى، ومن ثم جذب متابعين جُدد».
السيد أفاد أيضاً بأن «تراجع التفاعل على (الريلز) لا يعكس الصورة الحقيقية للمنافسة المحمومة مع التطبيق الصيني، أي (تيك توك)»، وتابع: «علينا أن نأخذ في الاعتبار أنه على الرغم من زيادة معدل المستخدمين الجدد لـ(تيك توك) ما زال (إنستغرام) في المقدمة من حيث عدد المستخدمين النشطين شهرياً، الذي تجاوز مليارَي مستخدم نشط شهرياً، مقابل أكثر من مليار بقليل لـ(تيك توك)».
وبحسب السيد أيضاً، فإن «(الريلز) ليست وحدها مرتكز المنافسة بين شركة (ميتا) بشكل عام -سواءً بتطبيق (فيسبوك) أو (إنستغرام)- وبين (تيك توك)». ويشير إلى «قرارات أخرى اتخذتها الشركة واعتبرها حثيثة وفي محلها. وكان أحد أهم القرارات التي اتخذتها (فيسبوك) على الإطلاق، هو الاحتفاظ بخلاصة الأخبار أو الـ(News Feed)، على الرغم من أنها تعرضت لكثير من الانتقادات. والسبب في احتفاظ المنصة بها هو أن البيانات أظهرت أنه مهما كان ما يقوله الجمهور عن ذلك، فقد كانوا يقضون وقتاً أطول على الموقع». وحين يرى مراقبون أنه لا جدال حول أهمية المكاسب المادية لصُناع المحتوى، ومن ثم رجاحة كفة المنصة التي تجلب الأموال على نحو أسهل وأسرع، يُرجع السيد سبب تخلف «إنستغرام» عن المنافسة بأنه «لم يوفر حتى الآن طريقة سهلة لتحقيق الأرباح من المحتوى، سواءً بمشاركة نسبة من أرباح الإعلانات، كما هو الحال على (فيسبوك) أو عن طريق نظام (الإكرامية) أو (stars) كما هو الحال مع (تيك توك)... وهو ما قد يكون أحد أسباب عزوف صانعي المحتوى عن إنتاج محتوى خاص له».
في سياق متصل، كانت شركة «ميتا» قد أعلنت خلال العام الماضي عن إطلاقها صندوقاً لتشجيع صُناع المحتوى على تقديم محتوى خاص لمنصة «إنستغرام». وحسب الوثيقة التي نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن «الشركة دفعت بنحو 120 مليون دولار حتى الآن لتحقيق هذا الهدف؛ ولكن من دون جدوى».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين إضافة ميزة جديدة مثل ميزة «الاستوري» التي دفع بها «إنستغرام» على غرار تطبيق «سناب شات» وبين تغيير الهدف من التطبيق بالكامل.
عودة إلى السيد، فإنه يرى أن «الميزات المستعارة قد تكون جيدة، بينما تغيير الغرض من التطبيق أمر سيئ... وهذا هو الفخ الذي سقط فيه (إنستغرام)؛ إذ بعدما كان تطبيقاً اجتماعياً أصبح منصة للترفيه وصناعة المحتوى». ويوضح أن ذلك «تكتيك تتبعه شركة (ميتا) بغرض المنافسة»؛ لكنه يتوقع أن «تعمد (ميتا) إلى تحويل (إنستغرام) إلى تطبيق منسوخ عن (تيك توك)».
وللعلم، كان الرئيس التنفيذي لـ«إنستغرام» آدم موسيري، قد أخبر المستخدمين في مقطع فيديو نشر على المنصة، أن «فريق العمل يستمع إلى مخاوف ومتطلبات المستخدمين، لا سيما هؤلاء الذين يعتبرون الفيديو القصير دخيلاً على المنصة». وأضاف: «الفيديو جزء مهم من مستقبل المنصة... وأتوقع مزيداً من المقاطع المصورة عبر (إنستغرام)».
من جهة أخرى، عن جدوى تقديم المؤسسات الإعلامية محتوى خاصاً بخدمات المقاطع المصورة القصيرة للوصول إلى جيل الألفية -لا سيما على «إنستغرام»- يرى الدكتور محمد صلاح، الباحث في الإعلام الرقمي بمصر، أن «الإجابة على هذا الاتجاه تتطلب أولاً تحديد حدود الشكل التنافسي بين (إنستغرام) و(تيك توك)». وأضاف في لقاء مع «الشرق الأوسط» أنه «إذا اتجه الحديث إلى جدوى توجه وسائل الإعلام إلى منصات التواصل الاجتماعي، فعلينا أولاً فهم أدوات كل منصة». وضرب المثل بأن «(إنستغرام) تطبيق للتواصل الاجتماعي يمنح المستخدم أشكالاً عدة من المنشورات، فقد تكون صورة أو فيديو أو مجرد كلمات، على عكس (تيك توك) الذي يعتمد على المقاطع المصورة التي هي في الغالب ترفيهية».
صلاح يشير أيضاً إلى أن «صعود (تيك توك) له أسباب، جاء في مقدمتها أنه بات طوق نجاة من الملل الذي لحق بالعالم خلال فترات التباعد والحجر، جراء جائحة (كوفيد-19)، غير أن القادم قد يكون مغايراً بعد عودة الحياة».
ويرى الدكتور صلاح أن «إنتاج محتوى إعلامي خاص بمنصات التواصل الاجتماعي بات واقعاً، لا يمكن الرجوع فيه للخلف أو التردد». وتابع بأن «على وسائل الإعلام أن تستوعب جمهور هذه المنصات، من خلال مراعاة معايير صناعة المحتوى، وأيضاً سمات الجمهور، أو إن صح التعبير: (المستخدم)». وشدد على أن «التحول نحو تقديم محتوى مرئي ليس بالأمر السهل؛ لأن التكثيف والجودة والدقة وعوامل الإبهار البصري، يجب أن تكون على أشدها؛ وإلا فلن تحقق التجربة جدواها».
وبما أن استهداف جيل «Z» مهمة «معقدة» فلا بد من أن يراعَى كثير من التوازنات، يرى الدكتور صلاح أن «معيار استهداف المنصة لا يمكن أن يرتكز على بيانات المنافسة فحسب... إذا كانت المؤسسات الإعلامية عزمت على استقطاب جيل الألفية من خلال منصات التواصل الاجتماعي، فهذا يعني أننا بصدد أنماط عدة من صناعة المحتوى، كل منها يستهدف منصة بعينها وفقاً لمعاييرها ومزاياها». وهنا يشرح «أهمية (الريلز) سواءً على (إنستغرام) أو (تيك توك)، حتى وإن كانت الأخيرة ما زالت متفوقة بخطوات»، مشدداً على أن «القادم كل ما هو قصير ومُكثف، لذلك تتوجه الصحف حالياً نحو مثل هذه الأدوات».
واقع الأمر، أن لـ«إنستغرام» مميزات بنائية تجعله مميزاً مقارنةً بـ«تيك توك»، حسب رأي الدكتور صلاح الذي ينصح وسائل الإعلام باستغلال هذه المميزات، بقوله: «لا يمكن أن تتراجع وسائل الإعلام الآن، في حين يترقب العالم الواقع الافتراضي ومستجداته، وهو ما دفع بعض المؤسسات الإعلامية العالمية إلى تخصيص إدارات لتحليل بيانات مستجدات وسائل التواصل الاجتماعي».
«تيك توك» و«إنستغرام» يتقارعان بـ«المقاطع القصيرة»
«تيك توك» و«إنستغرام» يتقارعان بـ«المقاطع القصيرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة