هزت موجة جديدة من المسيرات الغاضبة والإضرابات العاصمة طهران، مع تجدد المسيرات المناهضة لنظام الحكم بمختلف المحافظات، وذلك في امتداد ودخول لأحدث موجة احتجاجات عامة أسبوعها الرابع. واحتدمت المواجهات في بازار طهران الذي أغلق تجاره أبواب محلاتهم، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين في الجامعات والأسواق التي تحولت إلى ساحة للتنديد بالسلطات، وسقط قتلى وجرحى في مدينة سنندج مركز محافظة كردستان.
ونظم المحتجون تجمعات أمام بعض الجامعات والمناطق القريبة منها في طهران وكبريات المدن الإيرانية. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق تجمُّع أمام جامعة شريف للصناعة والتكنولوجيا في شارع آزادي بالقرب من ساحة آزادي، التي تفصل وسط وغرب العاصمة.
وشهدت جامعة الزهراء تجمعات حاشدة للطالبات. وواجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هتافات غاضبة من الطالبات، أثناء تفقد الجامعة بمناسبة انطلاق السنة الدراسية الجديدة. ونشر حساب الناشط (تصوير 1500) على موقع تويتر مقطعاً مصوراً قال إنه لطالبات يهتفن: «اغرب عن وجهنا يا رئيسي»، و«اغربوا عن وجهنا يا ملالي»، بينما كان الرئيس يزور حرم جامعتهن. ورددت الطالبات شعار: «الموت للظالم أكان الشاه أو المرشد».
ومع دخول المظاهرات على مستوى البلاد التي هزت إيران أسبوعها الرابع، خاطب رئيسي الأساتذة والطلاب في جامعة الزهراء في طهران، حيث ألقى قصيدة وصف فيها «مثيري الشغب» بالذباب. ونقل التلفزيون الرسمي عنه قوله: «يتصورون أنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم الشريرة في الجامعات. إنهم لا يدركون أن طلابنا وأساتذتنا يقظون ولن يسمحوا للعدو بتحقيق أهدافه الشريرة» حسب رويترز.
وعلى بعد قليل من جامعة شريف، بدأت تجمعات للطلبة أمام المدخل الرئيسي لجامعة طهران، حسبما أوردت وكالة «نادي المراسلين الشباب» التابعة للتلفزيون الرسمي. وامتدت التجمعات إلى وسط الجامعة، وأغلقت الأبواب الجانبية التي تنتهي بشارع «16 آذار» الذي يربط بين شارع انقلاب وشارع كشاورز، حيث شهدت تجمعات. وقالت الوكالة إن الطلبة رددوا شعارات خارجة عن الأعراف. وفي المقابل، ردد عناصر من الباسيج الطلابي شعار: «نحن فيالق الإمام مستعدون للقيام».
كما انتشرت مقاطع فيديو من تجمعات وبهشتي في وسط العاصمة، وبالإضافة إلى جامعة آزاد (الحرة) في غرب طهران. وفي جامعة أمير كبير للتكنولوجيا بطهران ردد المتظاهرون شعار: «أخذوا نيكا منا وردوا جثتها لنا»، في إشارة إلى مقتل المراهقة نيكا شاكرمي 16 عاماً الذي زاد من غضب الإيرانيين على وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة الشهر الماضي. وأفادت نقابة الطلبة في إيران بأن 38 جامعة في أنحاء البلاد شهدت تجمعات للطلاب. وجاءت التجمعات بعدما حاولت الحكومة تهدئة غضب الأوساط الأكاديمية على خلفية اقتحام جامعة شريف الأسبوع الماضي.
- بازار طهران في دائرة الاحتجاج
وأشار تقرير التلفزيون الإيراني إلى انتشار القوات الخاصة للشرطة في شارع انقلاب. وأطلق السائقون أبواق سياراتهم كعلامة على الاحتجاج. وأظهرت تسجيلات فيديو حشوداً من المحتجين في شارعي سعدي وملت بالقرب من مقر البرلمان الإيراني في منطقة بهارستان وسط العاصمة والتي تبدأ منها المناطق الشرقية. وامتدت الاحتجاجات لشارع أمير كبير في الجهة الجنوبية من مقر البرلمان. في شارع ناصر خسرو، في قلب بازار طهران، ردد المتظاهرون شعار: «هذا عام الدم سيسقط سيد علي».
وأضرم المحتجون النار في كشك للشرطة بشارع «15 خرداد» حيث تحول بازار طهران القدم، قرب قصر غلستان، إلى ساحة مواجهة بين المحتجين وقوات الأمن وسط إضراب التجار. وحاولت قوات الشرطة تفريق المتظاهرين بإطلاق الغاز المسيل للدموع. وهناك أيضاً، أشعل المحتجون النار في حاويات للقمامة بهدف قطع الطريق على قوات الشرطة.
ونشر مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره أوسلو، مقطع فيديو من هروب قوات الشرطة من المحتجين الغاضبين في وسط بازار طهران. وردد المحتجون هناك شعار: «نقاتل... نقاتل... ونسترد إيران». وشهدت شارع انقلاب (الثورة) من بدايته في ميدان إمام حسين، وصولاً إلى ساحة «انقلاب» تجمعات للمحتجين، حيث أظهرت تسجيلات فيديو في ميدان فردوسي، المركز المالي الإيراني، قوات أزياء «فيلق صابرين» الوحدة الخاصة في القوات البرية في «الحرس الثوري» الإيراني. وبالقرب من هناك، غطت سحب الدخان والغاز المسيل للدموع، محطة «دروازه دولت»، وظهر هناك أيضاً رجال أمن يرتدون ملابس شبه عسكرية وأقنعة.
وفي ميدان وثوق من كبريات الأحياء في منطقة شديدة التحصين شرق العاصمة، ردد المتظاهرون شعارات منددة تستهدف مجتبى خامنئي نجل المرشد الإيراني. كما نزل المحتجون إلى شوارع في المنطقة الأولى والسادسة، فضلاً عن منطقتي بونك وسعادت آباد وميدان كالج في شمال العاصمة.
ومع حلول الظلام ردد المئات في حي نازي آباد، شعار «الموت للديكتاتور». وتداول تسجيل فيديو من حشود ضخمة في ميدان «تهرانبارس» شمال شرقي العاصمة.
- حملة أمنية في كردستان
وفي مدينة كرج، تصاعدت ألسنة النيران بدراجات تابعة للشرطة في بلدة غوهرشت. وعادت موجة الاحتجاجات إلى مدن زنجان ومشهد وشيراز وقزوين ودامغان وكرمانشاه، وكرمان، وأراك، وهمدان.
في غضون ذلك، نشرت «إذاعة فردا» التي تمول من الحكومة الأميركية، تسجيل فيديو يظهر تعرض فتاة لا ترتدي الحجاب للضرب على يد مجموعة من القوات الخاصة.
في شيراز أغلق التجار محلاتهم، وسط توسع نطاق المناوشات بين قوات مكافحة الشغب والشرطة. وفي أصفهان ردد المحتجون شعار «المرأة، الحرية، الحياة». وفي مشهد، ثاني كبريات المدن الإيرانية، أظهرت تسجيلات الفيديو صدامات عنيفة وكر وفر بين المحتجين وقوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة. ويقول شاهد عيان في أحد التسجيلات إن قوات الأمن هربت من المحتجين.
وبحسب التقارير الواردة من إيران، فقد شهدت مدن في محافظة كردستان غرب البلاد، بما في ذلك سنندج اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن، على إثر مقتل سائق سيارة وإصابة آخرين بنيران قوات الأمن التي استهدفت سيارات تطلق الأبواق.
ونقلت رويترز عن منظمة «هه نغاو» التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان في كردستان أن قوات الأمن أطلقت النار على المحتجين واستخدمت الغاز المسيل للدموع في مدينتي سنندج وسقز الكرديتين.
وبعد دعوة لمظاهرات حاشدة اليوم السبت، قالت «هه نغاو» إن مدن سقز وديواندره وماهاباد وسنندج تشهد إضرابات واسعة النطاق. وأفادت المنظمة الحقوقية بأن إحدى المدارس في ساحة مدينة سقز امتلأت بتلميذات يهتفن «المرأة، حياة، حرية». وقالت هه نغاو السبت إن قوات الأمن الإيرانية شنت حملات قمع في مدينتين كرديتين. وأوضحت أن «قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين في سنندج وسقز»، مضيفة أن شرطة مكافحة الشغب استخدمت الغاز المسيل للدموع. وسمع دوي إطلاق النار في العديد من الفيديوهات.
بدورها، أكدت شبكة حقوق الإنسان في كردستان إيران سقوط قتيل وما لا يقل عن 15 جريحاً في مسيرات مدينة سنندج. وقالت تقارير أخرى إن عدد القتلى ارتفع إلى اثنين. كما أفاد حساب (تصوير 1500)، الذي لديه عشرات الآلاف من المتابعين على تويتر، بإطلاق النار على المتظاهرين في المدينتين الكرديتين شمال غربي البلاد.
ومن بين القتلى سائق سيارة أصيب برصاصة في الرأس وتوفي أثناء قيادة سيارته حسبما أظهرت تسجيلات الفيديو.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها في أوسلو إن عدد القتلى في الاحتجاجات الأخيرة ارتفع إلى ما لا يقل عن 185 شخصاً. ورجحت المنظمة وجود 19 طفلاً بين القتلى الذين سقطوا في 17 من أصل 31 محافظة إيرانية.
ووقعت معظم علميات القتل في زاهدان في محافظة بلوشستان في جنوب شرقي البلاد. وقالت أن عدد الضحايا وصل إلى 90 قتيلاً،
ودانت المنظمة مرة أخرى قتل المتظاهرين، خصوصاً في مدينة زاهدان. وألقت المنظمة مسؤولية قتل المتظاهرين على عاتق المرشد الإيراني والقوات الخاضعة لأوامره.
وأفاد مرصد نتبلوكس لمراقبة انقطاعات الإنترنت بأن السلطات قطعته بشكل كامل عن الموبايل في كردستان، وأشارت إلى استمرار اضطرابات الشبكة على مستوى البلاد.
وأطلقت وفاة أميني (22 عاماً)، وهي من أكراد إيران، شرارة احتجاجات في أنحاء إيران شكلت أكبر تحدٍ منذ سنوات لرجال الدين الذين يحكمون البلاد، قبل أن تتحول إلى مناسبة تطالب برحيل رجال الدين. وخلعت نساء حجابهن في تحدٍ للمؤسسة الدينية بينما دعت حشود غاضبة لإسقاط المرشد علي خامنئي.
وذكرت وسائل إعلام رسمية يوم الجمعة أن تقريراً للطب الشرعي التابع للسلطة القضائية في إيران، نفى أن تكون وفاة مهسا أميني نجمت عن تعرضها لضربات على الرأس والأطراف خلال احتجاز شرطة الأخلاق لها، وربط وفاتها بمشكلات صحية كانت تعاني منها. ويدعم التقرير الأسباب الأولى التي ذكرتها السلطات الإيرانية، وفي المقابل شكك أطباء ومحامو أسرة أميني في صحة التقرير. واعتقلت أميني في طهران يوم 13 سبتمبر (أيلول) بسبب ارتدائها «ملابس غير لائقة» وتوفيت بعد ثلاثة أيام.