قمة براغ أظهرت تماسك الأوروبيين في وجه روسيا

توافق على 5 محاور للعمل المشترك

الزعماء الأوروبيون في قمة براغ أمس (د.ب.أ)
الزعماء الأوروبيون في قمة براغ أمس (د.ب.أ)
TT

قمة براغ أظهرت تماسك الأوروبيين في وجه روسيا

الزعماء الأوروبيون في قمة براغ أمس (د.ب.أ)
الزعماء الأوروبيون في قمة براغ أمس (د.ب.أ)

هل يكون يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) تاريخياً لأنه شهد ولادة «المجموعة السياسية الأوروبية» في قصر براغ الكبير أم أن هذا المخلوق الجديد سيكون وليداً هجيناً لا فائدة من ظهوره على الساحة السياسية الأوروبية؟ السؤال يستحق أن يطرح بعد القمة التي استضافتها العاصمة التشيكية وشهدت حضور رؤساء دول وحكومات 44 دولة أوروبية يمثلون كل بلدان القارة باستثناء الرئيس الروسي بوتين ونظيره البيلاروسي لوكاشنكو.
وجاءت الصورة التذكارية بالغة الدلالة من حيث رمزيتها، إذ بينت عزلة بوتين والغاية من قمة «المجموعة» التي أطلق الرئيس الفرنسي فكرتها في مايو (أيار)، أي في عز الحرب الروسية على أوكرانيا. ووفق أكثر من مصدر، فإن الرسالة الأولى التي أفرزتها القمة موجهة تحديداً للزعيم الروسي ومفادها أن أوروبا بكل دولها موحدة ومتضامنة مع أوكرانيا. وبمواجهة الغياب الروسي، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان حاضراً «عن بعد» وكان أول من ألقى كلمة في القمة مطالباً فيها الأوروبيين بتوفير الدعم لبلاده من أجل «معاقبة المعتدي» و«كسب الحرب اليوم حتى لا تستطيع البحرية الروسية إغلاق موانئ أخرى في البحر الأسود أو المتوسط أو أي بحر آخر حتى لا تبلغ الدبابات الروسية وارسو أو براغ».
وفي سياق الدلالات الرمزية، فإن القادة الأوروبيين الـ44 اجتمعوا في قاعة فلاديسلاف التي شهدت تنصيب الكاتب والمفكر التشيكي المنشق فاتسكلاف هافيل الذي انتخب عام 1989 أول رئيس للجمهورية التشيكوسلوفاكية بعد انهيار النظام الشيوعي. ولأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو صاحب الفكرة، فقد كان له شرف عرض نتائج المناقشات التي أجرتها أربع لجان حول محورين رئيسيين؛ هما: من جهة، الحرب والسلم في أوروبا، والطاقة والبيئة والاقتصاد من جهة أخرى. وفي كلمته، قال ماكرون إن المجموعة السياسية الأوروبية هي «فكرة قديمة لكنها اليوم ربما آخذة في التحول إلى واقع». وكان يشير بذلك إلى ما اقترحه الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران في عام 1989 ودعوته إلى إنشاء «أوروبا كونفيدرالية» بعد سقوط جدار برلين. إلا أن طرحه بقي في إطار العصف الذهني ليس إلا.
واستطرد الرئيس الفرنسي قائلاً: «الفكرة انبعثت مجدداً لأننا نجتاز أزمة، وآمل ألا نحتاج لأزمة ثانية حتى نلتقي مجدداً». وإذ رحب بـ«وحدة الأوروبيين»، اعتبر أنهم جماعياً «أدانوا بكل وضوح العدوان الروسي وعبروا عن دعمهم لأوكرانيا». ولخص رئيس الوزراء البلجيكي غاية الاجتماع بقوله إن ما نسعى إليه هو «توفير الاستقرار للقارة الأوروبية» وتدارك أي تصعيد (أي حرب) لاحقة والعمل معاً من أجل مواجهة نتائج عودة الحرب إلى أوروبا مثل ارتفاع أسعار الطاقة... وأفضت المناقشات في إطار اللجان الأربع إلى خلاصات «عملية» هي عبارة عن المحاور التي يستطيع الأوروبيون العمل معاً بشأنها أكانوا داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه مثل الطاقة وحماية البنى التحتية الحساسة ومواجهة الحرب السيبرانية والهجرات وتعزيز التواصل بين الشباب.
وخلاصة ماكرون أن القمة سعت إلى «بناء تفاهمات استراتيجية» و«توفير قراءة موحدة لأوروبا» للتحديات المشتركة. وحرص المنظمون على الاتفاق على عقد قمتين في العام، ستكون اللاحقة في مولدافيا من باب التناوب في الاستضافة بين دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وأخرى خارجه. وبعد بريستينا، ستنتقل القمة إلى إسبانيا وعقبها إلى بريطانيا. حقيقة الأمر أن أهم ما أفرزته القمة، وفق مصادر أوروبية في باريس، أنها «نجحت في جمع كل دول القارة في محفل واحد من أجل حوار سياسي مفتوح رغم التباينات لا بل النزاعات بين عدد من أعضائها». والدليل على ذلك أنها وفرت الفرصة لمجموعة من اللقاءات الرئيسية من أجل تبريد النزاعات داخل القارة وأهمها القمة الرباعية التي ضمت الرئيس الأذربيجاني ورئيس الوزراء الأرميني بحضور الرئيس الفرنسي ورئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال. ويسعى ماكرون وميشال إلى الحلول محل روسيا كوسيط بين الدولتين المتنازعتين.
وأفضى الاجتماع المطول إلى التفاهم على إرسال «بعثة أوروبية مدنية» مدتها شهران ومهمتها المساعدة على تهدئة أجواء بين يرفان وباكو اللتين عرفتا اشتباكات، الشهر الماضي، أودت بـ300 قتيل. وفي السياق عينه، التقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للمرة الأولى رئيس الوزراء الأرميني باشينيان. وأهمية اللقاء أن تركيا هي الداعم الأول وغير المشروط لأذربيجان عسكرياً وسياسياً وهي التي مكنتها في إلحاق الهزيمة بالقوات الأرمينية في حرب عام 2020. لم يغب الخلاف بين كوسوفو وصربيا عن القمة وحاول ماكرون والمستشار الألماني شولتز أن يجمعا الطرفين، لكنهما لم يفلحا في ذلك، لذا فقد عقدا اجتماعين منفصلين مع رئيسة كوسوفو عثماني صدريو والرئيس الصربي ألكسندر فوشيتش لعرض الوساطة الأوروبية و«تطبيع» العلاقات بين بريستينا وبلغراد.
ورغم العلاقة المتأرجحة بين باريس وأنقرة، فقد جرى لقاء بين ماكرون وإردوغان وهدف الرئيس الفرنسي إلى تحقيق أمرين: الأول، إقناع إردوغان بالانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا وهو ما ترفضه أنقرة حتى اليوم رغم إدانتها لضم روسيا، الأسبوع الماضي، أربع مناطق أوكرانية. ويتمسك إردوغان برغبته في القيام بدور الوسيط بين موسكو وكييف وقد نجح في ذلك بتسهيل خروج الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بالتعاون مع الأمم المتحدة. والأمر الثاني، حضّ الرئيس التركي على خفض التصعيد مع اليونان. وكان إردوغان قد انتقد خروج كيرياكوس ميتسوتاكيس من القاعة لدى إلقاء كلمته فيما تحاشى الرجلان الالتقاء وجهاً لوجه. ومجدداً، انتقدت السلطات اليونانية أنقرة لتساهلها في وصول موجات الهجرات من سواحلها إلى الجزر اليونانية.
خلال ساعات، اجتمعت العائلة الأوروبية بمن فيها بريطانيا التي مثلتها رئيسة الوزراء ليز تراس والتي عادت بمعنى ما إلى الحضن الأوروبي. وحرصت القمة على إبراز صورة الانسجام والوحدة. لكن الحقيقة مختلفة بعض الشيء. فبعض الحاضرين لم يتردد في التعبير عن رفضه أن تكون «المجموعة» بديلاً عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. والبعض الآخر، لم يرغب في تهشيم صورة الإجماع بالنسبة لروسيا رغم أن عدة بلدان مثل المجر وصربيا لها مواقف مختلفة عن مواقف دول البلطيق أو بولندا. يبقى السؤال حول ما سيخرج عملياً من هذه المنصة الجديدة وهو ما سيظهر في المقبل من الأيام.


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

روسيا وأوكرانيا تعيدان أطفالاً إلى عائلاتهم بعد وساطة قطرية

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)
أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)
TT

روسيا وأوكرانيا تعيدان أطفالاً إلى عائلاتهم بعد وساطة قطرية

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)
أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا إلى أوكرانيا... الصورة في كييف 8 أبريل 2023 (رويترز)

قال مسؤول روسي كبير إن روسيا وأوكرانيا اتفقتا على تبادل 9 أطفال ولمّ شملهم مع أسرهم في أحدث عملية تبادل إنساني بين الدولتين المتحاربتين.

واضطلعت قطر بدور الوساطة مرات عدة بين روسيا وأوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير (شباط) 2022.

وقالت مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا، اليوم (الخميس)، إن 6 أطفال ذكور وفتاة أعمارهم بين 6 و16 عاماً أعيدوا إلى أقاربهم في أوكرانيا، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وأضافت: «معظم الأطفال كانوا يعيشون في روسيا مع أقارب مقربين لهم، جداتهم بشكل أساسي. وكان أحد الصبية (16 عاماً) يعيش دون رعاية من أبويه منذ ولادته، في دار أيتام أليشكنسكي حيث كان شقيقه مسؤولاً عن حضانته».

وتابعت المفوضة أن الوساطة القطرية مكّنت أيضاً من إعادة صبيين روسيين يبلغان من العمر 7 و9 سنوات من أوكرانيا.

وتقول أوكرانيا إن ما يقرب من 20 ألف طفل نُقلوا إلى روسيا أو الأراضي التي احتلتها موسكو دون موافقة أسرهم أو الأوصياء منذ اندلاع الحرب، ووصفت ذلك بأنه عمليات خطف وجريمة حرب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية.

وتقول موسكو إنها توفر حماية للأطفال المعرضين للخطر في منطقة الحرب.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في مارس (آذار) 2023 مذكرتي اعتقال بحق ماريا لفوفا بيلوفا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يتعلق بخطف أطفال أوكرانيين. وندّدت روسيا بالخطوة ووصفتها بأنها «شائنة وغير مقبولة».