عشية الأسبوع الرابع على «انتفاضة المرأة» في إيران، واصل المحتجون تكتيك الكر والفر في مواجهة القوة المفرطة لقوات الأمن، في وقت تصاعدت فيه تحذيرات منظمات دولية من تصاعد الحملة المميتة ضد الاحتجاجات، ودعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس، الطلبة إلى «تحمل المسؤولية»، ووجه أوامر إلى وزير داخليته أحمد وحيدي، بالتوجه إلى محافظة بلوشستان بعد نحو أسبوع على مقتل العشرات في أحداث عنف. ونفى إمام جمعة زاهدان ومفتي أهل السنة في إيران، عبد الحميد ملازهي، رواية السلطات عن دور منظمة «جيش العدل» البلوشية المعارضة.
وعادت المسيرات الليلية مساء الأربعاء، مع هدوء نسبي في الجامعات، وانضمام طلبة المدارس الثانوية من الجنسين إلى المسيرات الاحتجاجية في أغلب المدن التي تشهد مسيرات منددة بالسلطة، وتعالت أبواق السيارات في عدة مناطق من طهران، ونزلت حشود من المحتجين في مناطق متفرقة من مدينة أصفهان وكاشان وكرمانشاه وشيراز. ونظم طلبة المدارس في عدد من المدن الإيرانية الخميس، مسيرات احتجاجية.
وأصبحت الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد، تمثل أكبر تحدٍ يواجه النخبة الحاكمة من رجال الدين في البلاد منذ سنوات، إذ طالب المحتجون خلالها، بإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية الذي تأسس عام 1979.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، انتقلت الاحتجاجات إلى الجامعات، بعدما نظم الطلبة وقفات احتجاجية ضد اعتقال زملائهم، وقمع المسيرات الاحتجاجية في محيط جامعة طهران.
وتقود حملة قمع المحتجين، قوات مكونة من عناصر الشرطة وقواتها الخاصة، وقوات مكافحة الشغب، بالإضافة إلى قوات الباسيج التابعة لـ«الحرس الثوري»، وجهازي استخبارات «الحرس الثوري» ووزارة الاستخبارات وجهاز الأمن التابع للسلطة القضائية.
وتشارك إلى جانب هذه القوات وحدة «نخسا» ذراع «فيلق القدس» المكلف بالعلميات الخارجية لـ«الحرس الثوري». وتعد «نخسا» مسؤولة عن تدريب وتجنيد ميليشيات إقليمية تحارب تحت لواء «فيلق القدس»، مثل ميليشيا «فاطميون» للمقاتلين الأفعان و«زينبيون» للمقاتلين الباكستانيين الموالين لإيران. وأزاحت صور نشرتها قناة قوات «نخسا» على «تليغرام»، الستار عن مشاركتها في حملة القمع. وتشير إحدى الصور إلى بنادق الخردق وخوذة، وتظهر إلى جانبها شعار وحدة «نخسا».
وتشير رسالة نشرت الأحد الماضي على قناة تلك القوات، إن «فرق نخسا حاضرة في مشهد وكرج (غرب طهران) وزاهدان ومناطق مختلفة وحساسة في طهران لمواجهة مثيري الشغب والاضطرابات». وفي توضيح طبيعة حضور تلك الوحدات، تقول القناة: «عندما تتعقد الأمور وتصل إلى طريق مسدود، تدخل قوات نخسا على الخط للحد من استمرار الأمور».
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الأربعاء، إنّها تحققت من 16 مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنّها تُظهر «الشرطة وقوات الأمن الأخرى تستخدم القوة المفرطة والقاتلة ضدّ المتظاهرين» في طهران ومدن أخرى. وأضافت المنظمة في بيان، أنّ هذه الصور تظهر قوات إنفاذ القانون «تستخدم أسلحة نارية مثل المسدّسات أو بنادق هجومية من طراز كلاشنيكوف». ونقل البيان عن الباحثة من المنظمة تارا سيهري فر، قولها إن حملة القمع هذه «تشهد على عمل منسّق من قبل الحكومة لسحق المعارضة، في تجاهل قاسٍ للحياة».
- الشرطة تحذر الأسر
وحاولت السلطات أمس، تهدئة الأوضاع مع الأوساط الأكاديمية، بعد ثلاثة أيام من هجوم قوات الأمن على جامعة شريف للصناعة والتكنولوجيا بطهران. والتقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عدداً من أساتذة الجامعة، داعياً الطلبة إلى «تحمل المسؤولية لإحباط محاولات بعض التيارات لانحراف أجواء الجامعة لتشويه موقعها». وقال: «يجب على الجميع أن يحترموا خصوصية الجامعة»، دون أن يتطرق إلى اقتحام الجامعة.
وجاء اللقاء غداة بيان صادر من الأساتذة أعلنوا عن عزمهم المشاركة في وقفة احتجاجية السبت المقبل، للتنديد باقتحام الجامعة من قوات الأمن واعتقال الطلاب المحتجين السبت الماضي. وأدان بيان الأساتذة بشدة أعمال العنف وتعرض الأساتذة والطلبة من قبل أفراد يرتدون ملابس مدنية. وقال الأساتذة: «ما حدث في الجامعة يوم الحداد لجامعة شريف». وإذ أعلن الأساتذة عن تضامنهم الكامل مع الطلاب، طالبوا كبار المسؤولين بتقديم اعتذار رسمي.
ومع تصاعد الاحتجاجات بصفوف طلبة المدارس والجامعات، طلب قائد الشرطة حسين أشتري من الأسر الإيرانية منع أبنائهم من المشاركة في الاحتجاجات. واعتبر أشتري «إغلاق المدارس والجامعات لصالح الأعداء»، وقال: «أطلب من الأهالي أن يطلبوا من أبنائهم عدم مقاطعة الصفوف وعدم المشاركة في التجمعات». وقال أيضاً إن «الشرطة لم تدخل الجامعات قط، لأن لدينا حظراً قانونياً»، حسبما نقلت وكالة «مهر» الحكومية.
وقال المرجع الديني في قم، حسين نوري همداني، لدى استقباله قائد الشرطة حسين أشتري، إنه «يجب الفصل بين الأعداء مع الأشخاص الذين تأثروا بالعواطف». ونقلت وكالة «إيرنا» الرسمية عن همداني، الذي يعد أبرز المراجع الداعمين للمرشد علي خامنئي، قوله إن «الأعداء يحاولون الإضرار بالبلاد عبر إنفاق تكاليف باهظة ودعاية واسعة من وسائل الإعلام المعادية للإضرار بالنظام».
وفي إشارة ضمنية إلى الانتقادات الدولية الواسعة، أشاد همداني بأداء الشرطة في مواجهة المسيرات الاحتجاجية، وقال: «تيار حقوق الإنسان الآن يستخدم كأداة بيد قوى الهيمنة لفرض مطالبهم غير المشروعة على الأمم التي تطالب بالحرية».
ودعا مدير الحوزات العلمية التي تخرج رجال الدين بمدينة قم، علي رضا اعرافي، إلى الرد على مطالب الشعب الإيراني، مشدداً على «ضرورة إصلاح بعض السلوكيات والمخططات». ومع ذلك، ألقى باللوم على الدول الغربية بأنها «لا تتحمل عظمة واستقلال إيران، بالطبع لا أريد نفي النواقص ونقاط الضعف»، حسبما أوردت وكالة «إيسنا» الحكومية.
- روايات متضاربة في زاهدان
في غضون ذلك، أمر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وزير الداخلية أحمد وحيدي، بفتح تحقيق حول الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة زاهدان مركز محافظة بلوشستان في جنوب شرقي البلاد، ذات الأغلبية السنية. وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن رئيسي وجه تعليمات إلى وحيدي بمتابعة أوضاع الضحايا و«التعامل بحزم مع العوامل التي تهدد أمن المنطقة»، وتقديم تقرير عن أسباب الأحداث.
وتوجه وحيدي الخميس، إلى زاهدان بعد ستة أيام من قتل العشرات وإصابة المئات خلال إطلاق نار بالقرب من جامع «المكي»، حيث اجتمع المئات من البلوش أمام مقر للشرطة منددين باغتصاب فتاة بلوشية على يد قيادي في الشرطة بمدينة تشابهار، قبل أن تباشر وحدة قناصة القوات الخاصة في الشرطة باستهداف المحتجين، حسبما أفاد إمام جمعة زاهدان، ومفتي أهل السنة في إيران، عبد الحميد ملازهي.
وللمرة الثانية من أحداث الجمعة الدامية، نفى ملازهي رواية السلطات الإيرانية عن تبادل عناصرها الأمنية مع مقاتلي جماعة «جيش العدل» البلوشية المعارضة. وقال ملازهي: «لا جيش العدل ولا أي جماعة أخرى متورطة في هذه المجزرة». وأضاف: «القتل الوحشي للناس واضح ومدان تماماً من وجهة نظرنا». وقال إن «مجموعة من العسكريين الراجلين وفي مركبات فتحت النار على أشخاص تجمعوا بمحيط مسجد، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الشبان». وأضاف أن «أحد الشبان كان يحمل سلاحاً رداً على مصادر النيران للدفاع عن المسجد بإطلاق النار على السيارات دون معرفة من بداخلها». ودعا ملازهي الحكومة إلى «فتح تحقيق نزيه وعادل» بعد أن استنكر «إطلاق النار على مدنيين عزل»، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
ورغم مرور 6 أيام على الحادث، ارتفع عدد الضحايا إلى 92 قتيلاً، وفقاً لمنظمة «نشطاء البلوش» التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان في بلوشستان إيران. وتقول السلطات إن الأحداث في زاهدان خلفت 19 قتيلاً و21 جريحاً، بالإضافة إلى خمسة من عناصر قوات الأمن.
وأكدت منظمة العفو الدولية مقتل 82 شخصاً على الأقل منذ الجمعة، في قمع التظاهرات بمدينة زاهدان. وقالت المنظمة إن «قوات الأمن الإيرانية قتلت في شكل غير قانوني ما لا يقل عن 66 شخصاً بينهم أطفال، وأصابت مئات آخرين بجروح بعدما أطلقت النار» على متظاهرين وعابرين ومصلين، موضحة أنه «مذاك، قتل 16 شخصاً آخرون في حوادث منفصلة بزاهدان في إطار القمع المستمر لهذه التظاهرات».
وقالت منظمة العفو إن قوات الأمن أطلقت «الذخيرة الحية والكرات المعدنية والغاز المسيل للدموع» على المتظاهرين والمارة والمصلين عندما تظاهر حشد من الناس أمام مركز للشرطة بعد صلاة الجمعة في 30 سبتمبر في زاهدان.
وأضافت: «تُظهر الأدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية أن غالبية الضحايا أصيبوا برصاص في الرأس والقلب والعنق والجذع، ما يكشف عن نية واضحة للقتل أو الإيذاء الجسيم».
وأشارت إلى أن إطلاق النار جاء من على «سطح مركز للشرطة»، كاشفة أن ثلاثة أطفال على الأقل قتلوا في 30 سبتمبر. وبحسب المنظمة، فإنه بخلاف «أقلية» من المحتجين الذين رشقوا مركز الشرطة بالحجارة، فإنها لم تجد «أي دليل» على أن سلوك المتظاهرين شكل تهديداً خطيراً على قوات الأمن.
ومن سقز، المدينة التي اندلعت فيها الاحتجاجات خلال جنازة الشابة الكردية مهسا أميني، أعربت مجموعة من المعلمين عن تعاطفهم مع أهل زاهدان عبر التبرع بالدم. ونشرت تنسيقية نقابات المعلمين في إيران، صوراً للمعلمين في مركز طبي. وقالت إن «هؤلاء تبرعوا بالدماء من أجل المصابين، خصوصاً الأطفال الذين أصيبوا في زاهدان».
ورفع المعلمون لافتات كتب عليها اسم مهسا أميني والمراهقة نيكا شاكرمي، التي أثارت قضية مقتلها خلال احتجاجات، صدمة كبيرة في إيران. وكتبوا أيضاً: «نفتدي الطلبة بأرواحنا».
- عقوبات أميركية
أعلنت الولايات المتحدة أمس فرض عقوبات على سبعة مسؤولين إيرانيين كبار لدورهم في القمع الدامي للاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني.
وأورد بيان لوزارة الخزانة أن وزير الداخلية أحمد وحيدي «أداة النظام الرئيسية في عملية القمع» ووزير الاتصالات عيسى زارع بور «المسؤول عن المحاولة المخزية لتعطيل الانترنت» هما بين الأفراد الذين شملتهم العقوبات.وشملت قائد شرطة طهران، حسين رحيمي ويدالله جواني مساعد الشؤون السياسة لقائد «الحرس الثوري» وقائد الشرطة الألكترونية، وحيد مجيد.
وبموجب العقوبات، جرى تجميد أصولهم في الولايات المتحدة وتعقيد وصولهم إلى النظام المالي الدولي.
وقال نائب وزيرة الخزانة بريان نيلسون في البيان إن «الولايات المتحدة تدين حجب الحكومة الإيرانية للإنترنت والقمع العنيف للاحتجاجات السلمية ولن تتردد في استهداف من يوجهون ويدعمون هذه الخطوات».
وكانت واشنطن قد أعلنت في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي سلسلة عقوبات استهدفت شرطة الأخلاق الإيرانية والعديد من المسؤولين الأمنيين.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الاثنين أنه سيتم فرض عقوبات جديدة خلال الأسبوع، فيما انتقدت طهران «نفاقه».