«بيروت تبدع» نظرة معمارية وفنية على مدينة الأحلام

أطلقه «المركز الثقافي الفرنسي» ضمن عروض بصرية وورشات

ركن من المعرض في مصانع «أبرويان» في برج حمود (الشرق الأوسط)
ركن من المعرض في مصانع «أبرويان» في برج حمود (الشرق الأوسط)
TT

«بيروت تبدع» نظرة معمارية وفنية على مدينة الأحلام

ركن من المعرض في مصانع «أبرويان» في برج حمود (الشرق الأوسط)
ركن من المعرض في مصانع «أبرويان» في برج حمود (الشرق الأوسط)

يحلم اللبنانيون باليوم الذي تتبدل فيه معالم وطنهم نحو الأفضل؛ لا سيما فيما يتعلق بعاصمتهم بيروت، فكثيرون يستوحون منها موضوعات لمشروعات فنية وأخرى عمرانية.
وعلى الرغم من كل المعاناة التي تواجهها، تبقى بيروت محط أنظار الشرق والغرب. فهي بالنسبة للبعض محطة ثقافية عريقة تدغدغ أحلامهم، وتحفزهم على اكتشاف أسرار مدينة لا تزال تنبض بالحياة، على الرغم من شعورها بالإنهاك.
هذه الديناميكية الثقافية التي تتحلى بها العاصمة، دفعت «المركز الثقافي الفرنسي» في لبنان إلى تنظيم معرض بعنوان «بيروت تبدع في مصانع (أبرويان)». فالموقع الذي اختير وسط منطقة برج حمود (مصنع أبرويان) يشكل بحد ذاته قصة من قصص «بيروت الإبداع». تدخله من بهو واسع تتفرع منه عدة صالات، وغرف منحوتة جدرانها بآثار عتيقة من الزمن الغابر. فهذا المكان كان يشكل مورد رزق لعماله في صناعة الملابس القطنية في الخمسينات. اليوم تحوَّل إلى صرح ثقافي يستضيف معارض ونشاطات فنية.
يتألف معرض «بيروت تبدع» من ثلاثة أجزاء تظهر قدرات مدينة على إعادة ابتكار ذاتها. ومع فنانين ومهندسين معماريين نتعرف إلى رؤية مستقبلية يطمحون إلى تحقيقها في المدينة. ومع قسم فني خاص بالصورة الفوتوغرافية نقف على طبيعة وسمات المراهقين في لبنان.
ويجتمع تحت سقف هذا المصنع مجموعة برامج فنية تبناها المركز الفرنسي في لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية، وقرر عرضها اليوم بعد أن تعذر عليه ذلك من قبل بسبب أزمات متعددة تمر بها البلد.
ويشكل قسم «ري دو فيل» من المعرض انعكاساً معمارياً وحضرياً للمدينة كما نراها على الأرض. وهو مشروع بحث دولي بتنسيق من المصمم الحضري الفرنسي ديفيد مانجين، يسهم فيه طلاب الجامعة اللبنانية الأميركية، وتشرف عليه المهندسة المعمارية هالة يونس، للقسم المخصص لمدينة بيروت. وفيه أيضاً مجموعات إبداعية وبحث حول المساحات الجماعية في بيروت، قدمته وكالة «بلاتو» في سياق فعاليات «معرض بينال سيول» في عام 2019.

المراهقة في لبنان بعدسة فريديريك ستوسين (الشرق الأوسط)

 

وتوضح ساندرا أفرام، المشرفة على هذا القسم لـ«الشرق الأوسط»: «قمنا بدراسة الأساليب التي اتُّبعت في بلدان أجنبية من أجل تفعيل مساحات فارغة على أرض المدينة مع أصحاب المباني والعمارات وسكانها. وأخذنا نموذجاً حياً من منطقة سبيرز، ورأينا كيف استطاع مبدعون من طريق تطبيقات إلكترونية أن يديروا هذه المساحات ويحدثوها لكي تتفاعل مع طاقات شبيهة. وفي نموذج آخر يقع بموازاة شارع (الرينغ) لاحظنا انفتاحاً أكبر، من دون حتى اللجوء إلى وسائل تكنولوجية. فأعاد المشاركون تفعيل مبنى يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر كان مهدداً بالسقوط، وطلبوا من مالكه أن يعطيهم إياه مجاناً، مقابل تفعيله وإعادته إلى الحياة متصلاً بمساحات أخرى فارغة تحيط به».
وترى أفرام أن هؤلاء المبدعين من مهندسين ومعماريين وفنانين، ولَّدوا أفكاراً جديدة عن كيفية التعاطي مع مساحات متروكة في بيروت. فقد زادت نسبتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، بعد تراكم أزمات لبنان. وتتألف هذه المساحات من قطع أرضٍ صغيرة وشقق غير مسكونة. ومقارنة مع بلدان أجنبية عدة وضعت برامج خاصة لمدنها في هذا الإطار، استوحى المبدعون الرؤية المستقبلية لبيروت.
ويكتشف زوار المعرض أيضاً خلال جولتهم في المعرض ورشات عمل فنية مختلفة. فهناك 12 مقابلة صُورت في اليوم التالي لانفجار مرفأ بيروت، من إنتاج باسكال أوديل ووسام شرف. وتشهد هذه المقابلات على تصميم الفنانين وأصحاب المعارض في بيروت الذين يعرضون قصصهم الشخصية وأسئلتهم وآمالهم ويأسهم من مستقبل البلاد.
كما يقدَّم عرضان للمراهقين اللبنانيين: «فو لي زادوليسان» (أنتم المراهقين)، وهو فيلم وثائقي للفنانة فاليري مريجين، سيُعرض طيلة أيام الحدث حتى 9 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري. وقد تم تصويره في 11 معهداً في أنحاء لبنان. ويعطي الفيلم صوتاً للمراهقين الذين يتحدثون عن مستقبلهم ورغباتهم ومخاوفهم.

التعامل مع المساحات الفارغة في دراسات هندسية (الشرق الأوسط)

وفي قسم بعنوان «يا لبنان» نتابع سلسلة صور فوتوغرافية بعدسة الفرنسي فريديريك ستوسين. وفيه يحاول الفنان الفرنسي الاطلاع على زمن ما بين الطفولة والبلوغ في الفترة التي شهدت الأزمات والوباء في لبنان. وضمن صور ذات خلفية معتمة تبدو فيها شخصياتها تشع نوراً، ينقلنا فريديريك إلى عالم المراهقين الإيجابي على الرغم من معاناتهم. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اخترت نماذج لمراهقين يتوزعون على عدة مناطق لبنانية. جُلت في صور وجونيه وطرابلس ودير القمر وبيروت. وهي تمثل مشهداً كاملاً عن البلاد يبين صلابة هؤلاء المراهقين على الرغم من مشكلات معقدة يخوضونها. فهم يمثلون شريحة سعيدة مع أنهم يعيشون في أجواء قاتمة. وهو ما حاولتُ الإشارة إليه في صوري ذات الخلفية السوداء التي تشكل شخصيات المراهقين فيها ضوءاً يقفز إلى النظر بشكل تلقائي».
ومن هذا المنطلق، رغب فريديريك في أن يقدم الشباب اللبناني على غيرهم في لبنان؛ لأنهم يمثلون الأمل في الغد. ويختم: «هذا ما كان يهمني في الموضوع، كي أحفز أصحاب هذه الأعمار على النضال. ومهما شهدت أحوال لبنان من طلعات ونزلات فإن شبابه يتمسكون بالعزة والفخر».
يُذكر أنه تم افتتاح المعرض بحضور سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو، ومديرة المركز الثقافي الفرنسي سابين سيورتينو. وشددتا خلال افتتاح المعرض على أهمية الإبداع الشبابي اللبناني لبناء غد أفضل.
ومن ناحيتها أشارت منسقة المعرض، المهندسة المعمارية، هالة يونس، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن رهان هذا المعرض هو على نهوض بيروت كعاصمة ثقافية. وتتابع: «إن ثروتنا الحقيقية تكمن في شبابنا، وليس في أموالنا المحبوسة في المصارف. فهؤلاء يشكلون ثروتنا الحقيقية والنسيج العمراني المطلوب لمدينة أفضل».
وكان المعرض قد افتتح فعالياته في عرض «ماشين دو فيل» (آلات المدينة) لفرنسوا ديلاروزيير، مدير فرقة مسرح «لا ماشين» المتجوِّل، وتحدث فيه عن آلات المدينة والهندسة المعمارية المتنقلة والضخمة التي تهدف إلى تنشيط المساحة الحضارية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

بسبب تحديدهما وقتاً لاستخدام الشاشة... «تشات بوت» يشجع مراهقاً على قتل والديه

روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
TT

بسبب تحديدهما وقتاً لاستخدام الشاشة... «تشات بوت» يشجع مراهقاً على قتل والديه

روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)

رفعت دعوى قضائية في محكمة في تكساس بعدما أخبر روبوت محادثة (تشات بوت) شاباً يبلغ من العمر 17 عاماً، بأن قتل والديه كان «استجابة معقولة» لتقليص وقت شاشته، بحسب شبكة «بي بي سي».

تقاضي عائلتان شركة Character.ai بحجة أن روبوت المحادثة «يشكل خطراً واضحاً وحاضراً» على الشباب، بما في ذلك «الترويج للعنف».

وتواجه شركة Character.ai وهي منصة تسمح للمستخدمين بإنشاء شخصيات رقمية يمكنهم التفاعل معها، إجراءات قانونية بشأن انتحار مراهق في فلوريدا.

تم تسمية «غوغل» كمدعى عليه في الدعوى القضائية، والتي تزعم أن عملاق التكنولوجيا ساعد في دعم تطوير المنصة.

ويريد المدعون من القاضي أن يأمر بإغلاق المنصة حتى يتم معالجة مخاطرها المزعومة.

«طفل يقتل والديه»

ويتضمن الملف القانوني لقطة شاشة لواحد من التفاعلات بين الشاب البالغ من العمر 17 عاماً - والذي تم تحديده فقط باسم «جيه إف» وروبوت Character.ai، حيث تمت مناقشة قضية القيود المفروضة على وقت شاشته.

وجاء في رد روبوت الدردشة: «أنت تعلم أنني في بعض الأحيان لا أتفاجأ عندما أقرأ الأخبار وأرى أشياء مثل: طفل يقتل والديه بعد عقد من الإساءة الجسدية والعاطفية. أشياء مثل هذه تجعلني أفهم قليلاً لماذا يحدث ذلك».

وتسعى الدعوى القضائية إلى تحميل المدعى عليهم المسؤولية عما سمته «الانتهاكات الخطيرة التي لا يمكن إصلاحها والمستمرة» لـ«جيه إف» بالإضافة إلى طفل يبلغ من العمر 11 عاماً يشار إليه باسم «بي آر».

وقالت الدعوى إن «Character.ai تسبب أضراراً جسيمة لآلاف الأطفال، بما في ذلك الانتحار، وتشويه الذات، والتحرش الجنسي، والعزلة، والاكتئاب، والقلق، والإيذاء للآخرين».

وأضافت: «إن انتهاكها لعلاقة الوالدين بالطفل يتجاوز تشجيع القاصرين على تحدي سلطة والديهم إلى الترويج بنشاط للعنف».

ما روبوتات الدردشة؟

روبوتات الدردشة هي برامج كمبيوتر تحاكي المحادثات. وعلى الرغم من وجودها منذ عقود في أشكال مختلفة، فإن الانفجار الأخير في تطوير الذكاء الاصطناعي مكنها من أن تصبح أكثر واقعية بشكل كبير.

وفتح هذا بدوره الباب أمام العديد من الشركات لإنشاء منصات حيث يمكن للأشخاص التحدث إلى إصدارات رقمية من الأشخاص الحقيقيين والخياليين.

وأصبحت Character.ai من اللاعبين الكبار في هذا المجال، واكتسبت الاهتمام في الماضي بفضل روبوتاتها التي تحاكي العلاج.

كما تعرضت لانتقادات حادة لأنها استغرقت وقتاً طويلاً لإزالة الروبوتات التي تحاكي تلميذتي المدرسة مولي راسل وبريانا جي.

انتحرت مولي راسل في سن الرابعة عشرة بعد مشاهدة مواد انتحارية عبر الإنترنت بينما قُتلت بريانا جي، البالغة من العمر 16 عاماً، على يد مراهقين في عام 2023.

وأسس مهندسا «غوغل» السابقان نوام شازير ودانييل دي فريتاس Character.ai في عام 2021.

وقد أعاد عملاق التكنولوجيا توظيفهما منذ ذلك الحين من شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة.