«مشروع أوما»... حلم ببيئة خيالية بعيداً عن الميليشيات والفساد

لطفية الدليمي تكتب عن بعض مظاهر الصراع الاجتماعي في العراق بعد الاحتلال

«مشروع أوما»... حلم ببيئة خيالية بعيداً عن الميليشيات  والفساد
TT

«مشروع أوما»... حلم ببيئة خيالية بعيداً عن الميليشيات والفساد

«مشروع أوما»... حلم ببيئة خيالية بعيداً عن الميليشيات  والفساد

تحتشد بالحياة والفكر والفلسفة والصراع، وهي تخرج من شرنقة الدراما الأسرية لتصبح «اليغوريا»، ومرموزة عن المجتمع العراقي، تبدو رواية «مشروع أوما» للروائية المعروفة لطفية الدليمي، المطبوعة عام 2021، كأنها دراما عائلية، وذلك أن أغلب الأحداث والصراعات فيها تدور داخل أسرة واحدة هي أسرة الصافي، التي تقطن في قرية أو بلدة الصافية. كما أن البنية المكانية المركزية للرواية تظل أيضاً، مع شخصيات الرواية الأخرى، تنتمي في الغالب إلى هذه الأسرة، ولهذا الفضاء الزمكاني الذي يدور في بيئة عراقية واضحة المعالم بتكوينها الريفي والزراعي في الفترة التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق، وسقوط النظام الديكتاتوري، حيث نجد إشارات إلى تواريخ قريبة مثل عام 2006 (ص 44) وعام 2007 (ص 109) وعام 2008 (ص 130) وعام 2015 الذي شهد هجوم تنظيمات إرهابية على البلاد، كما نجد استذكاراً لعام 1963 والانقلاب الفاشي الدموي الذي تسبب بقتل واعتقال الآلاف من المواطنين، منهم اعتقال العم (إسماعيل الصافي) وقتله أثناء التعذيب لاحقاً (ص 66).
وتكاد الرواية أن تتمحور حول شخصية «زهيرة الصافي»، وعلاقة الحب والعمل التي ربطتها بشخصية «إبراهيم الصافي»، أحد الحالمين، مثلها، بإنشاء مشروع زراعي وبيئي مستقل عن الدولة والميليشيات والعصابات والفساد مثل يوتوبيا خيالية. وتلعب شخصية الجدة (فوزية الصافي) أم رياض دوراً كبيراً في تربية زهيرة، بعد وفاة أمها. لكن «زهيرة» أدركت أن حبها لإبراهيم يواجه تحديات خطيرة، منها العداء المستفحل بين جدتها فوزية وأمها، على خلفية اتهام والد «إبراهيم الصافي»، ظلماً، بأنه من دبر اغتيال ابنها رياض، والد زهيرة بعبوة فجرت سيارته (ص11). كما أن مطامع الجدة فوزية ومحاولتها الاستيلاء على أراضي أقاربها كان عاملاً كبيراً في اتساع شقة الخلاف. لكننا نكتشف أن زهيرة وإبراهيم كانا متمسكين بحبهما، خصوصاً بعد أن جمعتهما قضية كبرى، شغلت اهتمامهما المشترك هي بناء «مشروع أوما» لإنقاذ بلدة الصافية من مخاطر الجفاف والخراب وهجمات العصابات الإرهابية.
ولو تمعنا جيداً في طبيعة الصراع الاجتماعي والأسري هذا لوجدناه ترميزاً عن بعض مظاهر الصراع الاجتماعي في المجتمع العراقي بعد الاحتلال، وهيمنة الميليشيات، واحتدام الصراع الطائفي، ولذا بدأت الرواية تتحول تدريجياً إلى «اليغوريا» ترميزية (Allegory) عن العراق، بعد الاحتلال، بعد أن بدأت زهيرة وإبراهيم ومجموعتهما من المثقفين المتنورين تكتشف حجم الخراب الذي عم المنطقة واستفحال مظاهر الفساد والاستقواء بالسلاح المنفلت لفرض إرادات طائفية مشبوهة، ولذا نضجت فكرة إقامة مثل هذا المشروع، حيث عكف إبراهيم على رسم الخطوط العريضة الواعدة للمشروع، الذي يعبر في الوقت ذاته عن تطلعات زهيرة أيضاً.
ويبدو المشروع مثل حلم رومانسي، بإقامة يوتوبيا خيالية تسود فيها العدالة، وهو ما سبق لعدد من الروائيين العراقيين، وإن كشفوا عنه في أعمالهم الروائية، منهم الروائي خضير فليح الزيدي، في رواية «عمتي زهاوي»، عندما بنى «جنة عراقية» في منطقة صحراوية غرب العراق.
ومن الجدير بالذكر أن تسمية المشروع بـ«مشروع أوما» الذي انسحب أيضاً على عنوان الرواية مقتبس من اسم مدينة سومرية في جنوب العراق، تحديداً قرب الرفاعي في الناصرية، حيث بادرت تلك المدينة السومرية تحت قيادة ملكها لوكال زاكيسي لإعادة توحيد الدويلات الصغيرة لمواجهة التحديات والغزوات، ولإعادة بناء المجتمع والحياة.
ولم تكن فكرة «مشروع أوما» مجرد استلهام لما فعلته مدينة أوما السومرية، بل أيضاً كانت ثمرة نقاشات وحوارات فكرية وفلسفية عميقة ذهبت بعيداً إلى قصة «حي بن يقظان» في التراث العربي، وإلى رواية «روبنس كروزو» لدانيل دييفو في الأدب الإنجليزي، وفكر بعض أعضاء المجموعة بفكرة الثورة التي بشر بها فيصل بقوله:
«لا منجى لنا إلا بثورة تقلب عاليها سافلها» (ص 51).
لكن المجموعة استبعدت فكرة الثورة المسلحة للمخاطر التي تتسبب بها. ولذا تم الاتفاق على إقامة لون من الكومونة التشاركية التي تقوم بتسيير شؤونها ذاتياً بعيداً عن فساد الدولة المركزية. وهذه النزعة التشاركية تذكرنا إلى حد كبير بالنزعات الاشتراكية الطوباوية التي حلم بها مفكرون أمثال سان سيمون وفورييه في فرنسا، وجون أوين وتوماس مور في بريطانيا، لتطبيق نمط من المدينة الفاضلة التي سبق وحلم بها أفلاطون مبكراً، التي تشيع العدالة الاجتماعية، وهي فكرة تقع ضمن ميدان «الدراسات المستقبلية» (Futurology)، التي تعنى باقتراح مشروعات مستقبلية قابلة للتطبيق والحياة في مختلف ميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لقد حشدت الروائية لطفية الدليمي، الكثير من العناصر والأصول للتمهيد لهذا المشروع، وربما تعكس العتبة النصية الأولى المأخوذة من صلوات الهنود الحمر، تحديداً صلاة قبيلة الداهوك التي تتوسل بالروح العظيمة أن تساعد أبناء الشعب على استعادة إنسانيته، جزءاً من هذا الاهتمام:
«أيتها الروح العظيمة،
ساعدينا لنستعيد إنسانيتنا
ساعدينا، واشملينا برأفتك
ساعدينا لنأخذ بأيدي أبنائنا صوب حياة جيدة وعمر مديد» (ص 5).
كما أن الحوارات التي دارت بين مجموعة الشباب كانت تعكس نضجاً ووعياً بحجم المسؤولية، وأبعادها الحياتية المعقدة، التي تتطلب التضحية وتضافر الجهود بين أبناء المجتمع.
ومن الناحية السردية، يغلب السرد المبأر على الرواية، حيث تقدم الأحداث والصراعات من خلال منظورات الشخصيات الروائية المشاركة، إذ يهيمن منظورا «زهيرة» و«إبراهيم» على السرد الروائي، حيث يستهل الروائي سرده بسرد مبأر من وجهة نظر إبراهيم في لقطة حسية ووصفية معبرة:
« - صباح الخير.
خيل لإبراهيم، وهو منهمك بتشذيب شجيرات الحديقة أنه يسمع تحية بصوت أنثوي رائق، كأنه منبثق من ضحكمة الماء» (ص 9).
ويختتم الروائي سرد الرواية بسرد مبأر من زاوية «زهيرة» المشبوبة بحس صوفي تجاه الطبيعة:
«كل يوم يترسخ إيماني بأن كل ما في الطبيعة متصل ومرتبط ببعضه بوشائج خفية: الشجر والطير والنهر والقمر والشمس والضواري، غير أن البشر يسهون عن هذه الحقيقة» (ص 233).
لكن الرواية، من جهة أخرى، لا تخلو من سرد «كلي العلم»، وهو سرد غير مبأر، ولا ينتمي إلى منظور إحدى الشخصيات الروائية المشاركة، وربما ينتمي إلى «الذات الثانية» للمؤلف:
«توقف تزويد البلدات الصغيرة والقرى بالطاقة الكهربائية نهائياً في الشهر السابع من 2026، فقد أعلنت السلطة قلة مخزون البلاد من الغاز» (ص 92). كما يلعب سرد الذاكرة دوراً مهماً في استكمال ملامح الحبكات الأساسية، واستكمال ردم الفجوات التي تبرز في مسار السرد، كما نجد ذلك عندما تستدعي زهيرة ذاكرتها وتسائلها:
«تفكر زهيرة: أليست الذكريات في غالبها توهجات زائفة؟
تعرف أين قرأت هذه العبارة التي شوشتها فما تستعيده ذاكرتها من أحداث هو ما صدقته وآمنت به شخصياً» (ص 54).
بهذا المدخل، تستحضر زهيرة عبر ذاكرتها علاقتها بإبراهيم في فترة الطفولة والمراهقة، خصوصاً عندما كانت تخرب شراك إبراهيم وتطلق الطيور التي اصطادها:
«يقضي إبراهيم... الذي يكبرني بست سنوات عطلته بصنع شراك للطيور» (ص 55).
كان «مشروع أوما» مجرد فكرة رومانسية وخيالية، لكن إرادة زهيرة وإبراهيم ومجموعتهما أحالت هذه الفكرة إلى واقع ملموس. فقد أعيد تنظيم مرافق البلدة زراعياً وبيئياً، وتم توفير الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية، وتوفير الماء من خلال حفر مجموعة من الآبار، وأنشأت مصانع صديقة للبيئة تكفي للاستهلاك المحلي بصورة ذاتية. وتكتشف المجموعة أن هذا المشروع الثوري سيواجه بالتأكيد بمؤامرات يحيكها أعداء التقدم، ومافيات الجريمة المنظمة، لذا فقد صد أبناء المشروع العديد من الهجمات التي طالت البنى التحتية للمشروع، لكن ذلك لم يفت في عضد القائمين على المشروع، وواصلوا البناء، وفي الوقت ذاته حملوا السلاح دفاعاً عن أرضهم ومشروعهم، حيث تختتم الرواية بحمل أفراد المجموعة، وحراس المشروع، السلاح تأهباً لكل طارئ (ص 234).
وعبرت زهيرة عن وعي واقعي بطبيعة التحديات في نهاية الرواية، وكأنها تتحدث عن مجتمع أوسع هو المجتمع العراقي:
«فنحن لم ننجز خلاصنا المرتجى بعد، ولم تكتمل مهمة الإنقاذ كما حلمنا بها... الثغرات والعثرات، وليس النجاح هو ما يحفزنا للمواصلة» (ص 233).
في هذه الرواية، وظفت الروائية لطفية الدليمي، ثقافتها الموسوعية لإغناء عالم الرواية. إذْ نجد فوزية الصافي مثلاً متأثرة إلى حدٍ كبير بعقيدة «الغورو» الهندية السيخية، وموسيقى الموسيقار الياباني المشهور كيتارو، التي كانت تصغي إليها باستمرار لأنها تمنحها الراحة والهدوء. وقد تأثرت زهيرة بجدتها في هذا المجال، فقد قالت وهي تبرر عشقها للطبيعة وركوب الخيل وسيرها أحياناً حافية القدمين:
«جدتي، أحب أن تلمس قدماي التراب والحشائش، ألم تعلميني هذا منذ صغري؟ كنت تخبرينني ما علمك إياه كتاب (الغورو) الهندي: الأرض تمنحنا الطاقة، وهي أمنا، ولا بد أن تلامس أقدامنا التراب والعشب والطين لنستعيد قوتنا، وطاقة الحياة» (ص 56).
كما أن فكرة «مشروع أوما» هي بالتأكيد من بنات أفكار الروائية التي تمتلك ثقافة تاريخية وإنسانية واسعة، جعلتها تعد أبطال الرواية لخوض حوارات عميقة في الفلسفة والحياة والمستقبل، بشكل خاص في بناء هذا المشروع التشاركي الذي يستند إلى تجارب طوباوية سابقة في بناء الاشتراكية، بوصفها حلماً ويوتوبيا، ووجدنا إشارات إلى «حي بن يقظان» لابن طفيل و«روبنس كروزو» لدانيل ديفو و«والدن» للفيلسوف الأميركي ديفيد هنري ثورو، وغير ذلك من الأفكار والمقارنات التي تصب في إطار سيناريوهات الدراسات المستقبلية.
وعبرت المجموعة على لسان «فلاح» الذي درس الفلسفة في الجامعة، وهو أحد أفرادها، عن إدراك عميق لوظيفة الفلسفة التي لم تعد كالأقانيم المقدسة، بل بوصفها تساعد الإنسان على الارتقاء بحياته، وليس في ترديد الأفكار المجردة وعبادتها (ص 50).
رواية «مشروع أوما» للروائية لطفية الدليمي، تحتشد بالحياة والفكر والفلسفة والصراع، وهي تخرج من شرنقة الدراما الأسرية لتصبح «اليغوريا» ومرموزة عن المجتمع العراقي، وهو يتحدى الصعوبات والمعوقات، ويتطلع بثقة وبإرادة أبنائه، لإعادة بنائه على أسس جديدة بعيدة عن التدخلات الخارجية والطائفية، وبالاعتماد على العقل والعلم والتخطيط. هذه الرواية تمثل إضافة مهمة للرواية العراقية وللروائية لطفية الدليمي.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».