ياسمينة خضرا: روايتي الجديدة «الصالحون» هي تتويج لـ50 عاماً من الكتابة

الكاتب الجزائري قال لـ «الشرق الأوسط» إن البعض يعده خائناً لمجرد أنه يكتب باللغة الفرنسية

ياسمينه خضرا
ياسمينه خضرا
TT

ياسمينة خضرا: روايتي الجديدة «الصالحون» هي تتويج لـ50 عاماً من الكتابة

ياسمينه خضرا
ياسمينه خضرا

ياسمينة خضرا هو الاسم المستعار للكاتب الجزائري الفرانكفوني محمد مولسهول. عمل ضابطاً في الجيش الجزائري لسنوات قبل أن يتفرغ للكتابة التي بدأها في سن مبكرة. كتب أكثر من خمسة وعشرين رواية، أهمها: «الاعتداء» و«سنونوات كابل» و«سفارات إنذار بغداد» و«فضل الليل على النهار». أعماله لاقت إقبالاً جماهيرياً واسعاً، لا سيما في فرنسا، وترجمت لأكثر من 30 لغة، بعضها اقتبس للسينما، كما حاز عدة جوائز كالجائزة الكبرى «هانري غال» وجوائز أخرى كثيرة. روايته الأخيرة «الصالحون» لاقت إقبال واستحسان النقاد، وصنعت الحدث للدخول الأدبي الفرنسي. كان لنا معه هذا الحوار في العاصمة الفرنسية باريس بمناسبة صدور هذه الرواية.
> ترسم روايتك الجديدة «الصالحون» لوحة عن حقبة مجهولة من تاريخ الجزائر أثناء الحرب العالمية الأولى، ما بين 14 – 18، حيث نتعرف على عائلة فقيرة لا تملك شيئاً سوى المحبة التي تجمع أعضاءها. كيف جاءتك فكرة هذه الرواية، ولماذا هذا العنوان؟
- فكرة هذه الرواية تعود إلى أكثر من عشر سنوات، حين كتبت مقدمة لسلسلة رسوم للناشئة حول القناصة الجزائريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، المعروفين باسم «القناصة الأتراك» (نسبة لقوات غير نظامية تركية وعربية شكلها الفرنسيون في الجزائر منذ 1830). وقتها لم يكن هناك أي أرشيف بخصوص هؤلاء الجنود الذين انخرطوا مُكرهين في حرب لا تعنيهم في شيء. حينها أحببت أن أكتب رواية مُهمة حول هذا الموضوع، لكني انتظرت حتى تكون لي القوة الكافية لتجاوز كل ما كتبته في السابق لأستحق معالجة مثل هذا الموضوع. أستطيع أن أقول إن «الصالحون» هي تتويج لخمسين عاماً من الكتابة ونتيجة مُثابرة مستمرة. أما بالنسبة للعنوان «الصالحون» فهو يعود لشخصيات الرواية البسيطة والجميلة، والمليئة بالتعاطف لبعضها البعض، التي تظل رغم فقرها كريمة ومتضامنة.
> قلت بخصوص رواية «الصالحون» إنها من أهم أعمالك، من أي ناحية؟
- لأول مرة اتفق النقاد على ذلك بالإجماع، ومع ذلك، فقد كتبت أعمالاً قُرأت في كل ربوع العالم، أثرت على ملايين القراء وألهمت صانعي الأفلام وكتاب المسرحيات، وعانت في بعض الأماكن من الهجمات والتفسيرات الخاطئة والخبيثة. مع رواية «الصالحون» اتفق الكل على أنها أهم أعمالي، شخصياً لم أنتظر حتى يُعلن النقاد ذلك، وكنت قد قلت ذلك خلال جولتي بالجزائر في يوليو (تموز) المنصرم. عندما أنهيت الصفحة الأخيرة من روايتي، كنت مقتنعاً أنني قد تجاوزت عتبة جديدة. كل الكتاب لديهم عمل مفضل، بالنسبة لي العمل الأقرب إلى قلبي هو روايتي الأخيرة «الصالحون».
> ماذا عن شخصية «ياسين شراقة» بطل الرواية، هل نستطيع أن نقول إنه يشبهك قليلاً؟
- بطل القصة ياسين شراقة يجسد ما عاناه الجزائريون تحت نير الاستعمار. وهو راع فقير يبلغ من العمر عشرين عاماً، يعيش في قرية بائسة في بداية القرن العشرين، لا يهتم بما يجري حوله، وفي يوم ما يستدعيه عُمدة القرية لإرساله إلى فرنسا للمشاركة في الحرب العالمية الأولى 14 - 18 بدلاً من شخص آخر، في مقابل وعود لن يتم الوفاء بها. عند عودته من الحرب، يعيش ياسين جحيماً يواجه بشجاعة بفضل إيمانه ونقاء روحه. من خلال محنة هذا الشاب، يتم سرد محنة شعب بأكمله.
> كلنا يعرف مرحلة الحرب التحريرية التي خاضها الشعب الجزائري، بينما لا نعرف الكثير عن الحقبة التاريخية التي تسردها في روايتك؟ فهل ممكن أن تحدثنا عنها؟
- لقد كتبت هذه الرواية لفهم هذه الفترة التي شكلت «جزائري» اليوم بشكل أفضل. ولا يمكنني تلخيصها دون إفساد القصة المليئة بالحبكات والأحداث غير المتوقعة.
> مشاهد المعارك مُذهلة من حيث دقة الوصف، هل كانت تجربتك كضابط سابق في الجيش هي مصدر إلهامك؟
- بدون شك، السنوات الثمانية التي قضيتها في محاربة الإرهاب الذي كاد يقضي على وطني سمحت لي بالتقرب من العنصر البشري، أنا أعرف إلى أي درجة يستطيع هذا الكائن الذي يقال عنه «إنسان» أن يكون قاسياً ومتوحشاً، وفي النهاية كل الحروب تتشابه، فهي فشل المنطق السليم ولحظات جنون وقمة الرعب والحماقة، الحروب هي الدليل على أن الرجال وحوش فظيعة ترى أن هناك قضايا أهم من حياتها، من أطفالها ومن ذويها.
> شخصية ياسين تمثل إنساناً مسامحاً لأقصى درجة، فهل يمكننا مسامحة الآخرين في كل شيء؟ مثلاً ما حدث إبان التاريخ الاستعماري بين الجزائر وفرنسا؟
- لست إلا مواطناً من ضمن آخرين، ليس لي الحق للتحدث باسم شعب تعرض لويلات القدر، ولا يمكننا محو صدمة 132 عاماً من الاستعمار والاستعباد والبؤس والمعاناة بضربة واحدة، لكن يمكننا أن نولد من جديد في عالم أفضل، حتى نثبت لأنفسنا أن شهداءنا لم يموتوا من أجل لا شيء. وفي هذا السياق أفضل الحديث عن «المصالحة» بدلاً من المغفرة بين فرنسا والجزائر.
> إهداء هذه الرواية كان لوالدتك، حيث كتبت: «إلى أمي التي كانت لا تحسن القراءة والكتابة لكنها ألهمتني هذا العمل»، كما نلاحظ حضوراً قوياً لشخصية الأب في الرواية، فإلي أي مدى كان تأثير والديك في مشوارك الأدبي؟
- احتلت والدتي مكانة مهمة في حياتي. شخصيتها مركزية في سيرتي الذاتية، على سبيل المثال (الكاتب أو القبلة والعضة) وإذا كنا لا نراها كثيراً في الروايات الأخرى إلا أنها موجودة باستمرار في الاستحضار السردي. بالنسبة لحياتي الشخصية، وللتذكير عهد بي إلى المؤسسة العسكرية وأنا ابن التاسعة. لم يكن والداي من أرشداني إلى طريق الأدب، ولكن قسوة المعاملة والحاجة إلى استعادة نفسي رغم كل المحن والصعاب. فكان الأدب، بالنسبة لي، هو بمثابة رفضي الشديد لأن أكون بيدقاً على رقعة الشطرنج، وشارة على مخطط إجباري.
> سبق وأن صرحت بأنك قررت أن تصبح كاتباً باللغة الفرنسية عندما قرأت عملاً لألبير كامو، بينما كان حلمك في البداية أن تصبح شاعراً عربياً، فماذا يعني لك كامو أولاً؟ وهل نتوقع منك قصائد باللغة العربية؟
- تأثير الكاتب الجزائري مالك حداد علي كان أكبر من تأثير كامو، صحيح أني كنت أحلم بأن أصبح شاعراً كالمتنبي، لكني لم ألق أي تشجيع من أساتذة اللغة العربية، وللأسف بعض أنصار اللغة العربية عدوني «خائناً» لمجرد أنني أكتب بالفرنسية. هذه العقلية الرجعية تمنع عبقرتينا من النمو في عيون الآخر. ومع ذلك، فإن الأدب لا يعتمد على اللغة، بل على الكلمة، والموهبة والبراعة والكرم، وإلا فكيف يمكنني أن أفسر أن أكبر عدد من قرائي في أفريقيا ليس في المغرب العربي، ولكن في التشاد.
> في روايتك، تتحدث عن عبثية الحرب الأولى، هذه الحرب التي هي الآن في صميم الحدث، فهل تعتقد أن على الكاتب أن يعيش تجربة الحرب (كما هو الوضع معك) قبل أن يكتب عنها؟
- كثير من المؤلفين كتبوا عن الحرب دون ارتداء الزي الرسمي، أو السير في الوحل وفي الخنادق، أو حتى إطلاق رصاصة واحدة. ومع ذلك، فقد وصفوها بموهبة وحقيقة رائعتين. للكتاب ذلك الخيال الذي يسمح لهم بكشف الأسرار وفك الرموز المتعلقة بسرد أحزان وأفراح الإنسانية، بإخفاقاتها وروعتها ومآسيها. لحسن الحظ وُجد الكتاب لكي يزيحوا عنا الغمائم ويدعونا للتفكير والاكتشاف، وقد كان غوستاف فلوبير محقاً حين قال إن كل ما نبتكره يصبح واقعاً.
> روايتك هي أيضاً ترنيمة جميلة للحب من خلال القصة التي تجمع ياسين بمريم، فماذا يمكن أن يخربنا هذا عن حاجة الإنسان للحب؟ وهل يمكن أن ينقذنا من أهوال الحرب؟
- الحب يعطي معنى حقيقياً لحياتنا. إنه ينقذنا أولاً من أنفسنا، يعيد اكتشافنا في المحن، ثم يعيدنا إلى أنفسنا، لكنه لا يزال هشاً مثل ضعفنا. فالحرب تضايقه وتشوه سيمفونيته وتسلمه للشعارات الكاذبة، عندما يفهم الرجال أين تكمن مصالحهم الخاصة، فإنهم سيتخلون عن الحرب من أجل أن يعيشوا سعادتهم بالكامل. كتبت في «الملائكة تموت متأثرة بجراحنا»: «لا ساحة قتال تضاهي سرير امرأة».
> أنت كاتب معروف بغزارة إنتاجك الأدبي، فما هو سرك؟
- الكتابة موهبة من الله، لا أستطيع شرحها، أكتفي فقط بالعمل لأكون أهلاً لها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
TT

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

يهتزّ منزل بيونسيه على وقع الفضيحة التي تلاحق زوجها جاي زي. هو متهمٌ من قِبَل سيّدة باعتداءٍ مشتركٍ عليها، تورّطَ فيه وزميله شون ديدي عام 2000.

لكن رغم الرياح التي تعصف بالبيت الزوجيّ، وهي ليست الأولى في العلاقة المستمرة منذ 27 عاماً، فإنّ الفنانة الأميركية حرصت على الظهور مبتسمةً إلى جانب زوجها قبل أيام، وذلك في العرض الأول لفيلم «Mufasa - Lion King». جاءت الابتسامة العريضة على شرف ابنتهما بلو آيفي، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى.

بيونسيه تتوسّط زوجها جاي زي وابنتها بلو آيفي في العرض الأول لفيلم «موفاسا» (إ.ب.أ)

النجمة رقم 35 على قائمة «فوربس»

واجهت بيونسيه تحدياتٍ كثيرة في كلٍ من حياتها الخاصة ومسيرتها المهنية، وقد لعب ذلك دوراً في تكوين شخصيةٍ صلبة لديها. لم يأتِ اختيارُها من بين أقوى 100 امرأة لعام 2024 عبَثاً من قِبَل مجلّة «فوربس»، وهي ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المغنية البالغة 43 عاماً، قوائمَ تتصدّرها رئيسات جمهورية ورائدات أعمال.

احتلّت بيونسيه المرتبة الـ35 في قائمة «فوربس» السنوية، التي تصدّرتها رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تليها كلٌ من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ورئيسة إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيسة المكسيك كلوديا شينباوم. أما من بين زميلاتها المغنّيات فقد سبقتها تايلور سويفت إلى المرتبة 23، فيما حلّت ريهانا في المرتبة الـ76.

800 مليون دولار و32 «غرامي»

تختار فوربس نجمات قائمتها بناءً على 4 معايير، هي الثروة، والحضور الإعلامي، والتأثير الاجتماعي، ومجالات السلطة. وتبدو بيونسيه مطابقة للمواصفات كلّها، بما أنّ ثروتها تخطّت الـ800 مليون دولار، وهي في طليعة الفنانات ذات الأثر السياسي والثقافي والاجتماعي.

إلى جانب كونها إحدى أكثر المشاهير ثراءً، تُوّجت بيونسيه بأكبر عدد من جوائز «غرامي» محطّمةً الرقم القياسي بحصولها على 32 منها خلال مسيرتها. وهي لم تكتفِ بلقب فنانة، بل إنها رائدة أعمال أطلقت شركاتها وعلاماتها التجارية الخاصة على مرّ السنوات. تذكر «فوربس» أن مصدر ثروتها الأساسي هو الموسيقى، إلى جانب مبادراتها الفرديّة، وتلفت إلى أنّ بيونسيه صنعت نفسها بنفسها، مع العلم بأنها لم تتابع أي اختصاص جامعيّ، بل تركت المدرسة قبل التخرّج فيها.

حطّمت بيونسيه الرقم القياسي بحصولها على 32 جائزة «غرامي» حتى عام 2023 (أ.ب)

طفلة القدَر

جاء العِلمُ في حياة بيونسيه على هيئة والدةٍ بدأت مصفّفةَ شَعر ثم فتحت صالونها الخاص، وعلى هيئة والدٍ كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات، قبل أن يصبح مدير أعمال ابنته. منهما تلمّست المنطق التجاري.

أما فنياً، فقد لمع نجمُها للمرة الأولى في مسابقةٍ مدرسيّة، عندما غنّت وهي في السابعة لتتفوّق على مَن هم في الـ15 والـ16 من العمر. فما كان من والدها سوى أن يترك وظيفته ويتفرّغ لإدارة أعمالها والفريق الغنائي الذي انضمّت إليه في الثامنة من عمرها، والمكوَّن من فتياتٍ صغيرات. تحوّل الفريق ذاتُه عام 1996 إلى «Destiny’s Child» (طفل القدَر)، لتنطلق معه رحلة بيونسيه نحو العالميّة.

فريق Destiny’s Child الذي انطلقت منه بيونسيه عام 1996 (فيسبوك)

صنعت الليموناضة

بعد انفصال الفريق، لم تتأخر بيونسيه في استئناف رحلتها الفنية منفردةً، فخاضت التمثيل والغناء. إلا أن تلك الرحلة لم تكن اعتياديّة، إذ سرعان ما ارتفعت أسهُمُها وبدأت تُراكِم الإصدارات، والحفلات، والجولات العالمية، والأدوار السينمائية، والجوائز، والألقاب.

لم يحصل ذلك بالصُدفة، بل بكثيرٍ من المثابرة. عندما طُلب منها مرةً أن تفسّر نجاحها غير المسبوق، أجابت بيونسيه: «صحيحٌ أنني مُنحت الليمون، لكنّي صنعت الليموناضة». يُنقل عمّن يواكبون تحضيراتها من كثب، أنها تُشرف على كل تفصيلٍ متعلّقٍ بألبوماتها وحفلاتها، هذا إلى جانب انخراطها المباشر في عمليّة التأليف والتصميم. تشهد على ذلك جولتها العالمية الأخيرة Renaissance والتي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية.

هذا فنياً، أما نفسياً فلم يكن صعود بيونسيه الصاروخيّ مهمة سهلة. كان عليها مصارعة خجلها وشخصيتها الانطوائيّة لسنوات عدة، لكنها استلهمت تجارب نجماتٍ سبقنها. تقول إنها تأثرت بمادونا، ليس كأيقونة موسيقية فحسب، بل كسيّدة أعمال كذلك؛ «أردت أن أسير على خطاها وأن أبني إمبراطوريتي الخاصة».

تذكر بيونسيه مادونا من بين السيّدات اللواتي ألهمنها (فيسبوك)

صوت المرأة

لا تخترق بيونسيه عبثاً قوائم تضمّ أفضل رئيسات مجالس الإدارة، ومديرات الشركات الناجحة، فهي أثبتت أنها سيدة أعمال متفوّقة. أسست شركة الإنتاج الخاصة بها عام 2010 تحت اسم Parkwood Entertainment، وهي تقدّم مروحة واسعة من الخدمات في قطاع الترفيه؛ من إنتاج الأفلام، والموسيقى، والبرامج التلفزيونية، وصولاً إلى إدارة أعمال الفنانين، والتسويق، والتصميم الإلكتروني.

وفي عام 2024، أطلقت مستحضر Cecred للعناية بالشَعر، في تحيّةٍ إلى والدتها الحلّاقة، وفي استكمالٍ لمشاريعها التجاريّة.

بيونسيه ووالدتها تينا نولز (رويترز)

وظّفت بيونسيه نفوذها الفني والمالي في خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية تؤمن بها. منذ أولى سنوات انطلاقتها الموسيقية، ناصرت قضايا النساء من خلال كلمات أغاني Destiny’s Child وأغانيها الخاصة لاحقاً. عام 2011، تحوّلت أغنية «Who Run The World? Girls» (مَن يحكم العالم؟ الفتيات) إلى نشيدٍ تردّده النساء حول العالم.

إلّا أنّ الأمر لم يقتصر على الكلام والألحان، بل امتدّ إلى الأفعال. عبر مؤسستها الخيريّة Bey GOOD، تدعم بيونسيه تعليم الفتيات من خلال تأمين الأقساط المدرسية لهنّ. وعبر تلك المؤسسة وحضورها على المنابر العالمية، تحمل بيونسيه لواء المساواة بين الجنسَين.

تحمل بيونسيه قضية تمكين المرأة من خلال أغانيها وأنشطتها الاجتماعية (فيسبوك)

تهمةٌ تهزّ عرش «الملكة بي»؟

تُعَدّ بيونسيه اليوم من أجمل سيّدات العالم، إلّا أنّ ثقتها بنفسها لم تكن دائماً في أفضل حال. في الـ19 من عمرها كانت تعاني من الوزن الزائد وتتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. أثّر الأمر سلباً عليها إلى أن استفاقت يوماً وقررت ألّا تشعر بالأسف على نفسها: «كتبتُ Bootylicious وكانت تلك البداية لتحويل كل ما منحتني إياه الحياة، إلى وسيلةٍ أمكّن من خلالها نساءً أخريات».

انسحبَ أثر بيونسيه الاجتماعي على السياسة، فهي تشكّل صوتاً وازناً في المشهد الرئاسي الأميركي. ساندت باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، كما تجنّدت إلى جانب كامالا هاريس في معركتها الرئاسية الأخيرة، مقدّمةً لها إحدى أغانيها كنشيدٍ رسمي للحملة.

بيونسيه في أحد تجمّعات كامالا هاريس الرئاسية (رويترز)

تشكّل مسيرة بيونسيه الفنية والمهنية بشكلٍ عام موضوع دراسة في عددٍ من الجامعات الأميركية. لكنّ الأمجاد لا تلغي التحديات، فهي تقف اليوم إلى جانب زوجٍ متهمٍ باعتداءٍ على امرأة. وإذا صحّت التهمة، فإنّها تقف بالتالي إلى جانب ما يناقض القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها الحافلة.