«تخطّيت رغبتي في أن أكون نجمة في عالم الموسيقى، وما عدت أطمح إلى أن أكون فتاة جميلة. أريد أن أصبح أيقونة»، قالتها بيونسيه منذ سنوات. كان عليها انتظار اللحظة المناسبة حتى تضع اللمسات الأخيرة على طموحها هذا، وقد حانت اللحظة مع انطلاقة جولتها العالميّة «Renaissance» (نهضة).
لم تستعجل بيونسيه على رزقها، فالمغنّية الأميركيّة معروفة بتأنّيها أكان في الإصدارات أم في الحفلات. وبما أنّ التأنّي والسلامة رفيقان لا يفترقان، فقد تخطّت إيرادات الجولة الموسيقية منذ انطلاقها من السويد مطلع مايو (أيار) 2023 وحتى اللحظة 500 مليون دولار.
«أثر بيونسيه»
أحيت بيونسيه حتى الآن 52 حفلة، متنقّلةً بين عدد كبير من المدن الأوروبية والبريطانية وكندا والولايات المتحدة الأميركية. تبقّى على روزنامة الجولة 4 مواعيد، وما إن تودّع الفنانة السمراء جمهورها بعد الحفل الأخير ضمن الجولة في ولاية ميسوري في 1 أكتوبر (تشرين الأول)، حتى يرتفع عدّاد الإيرادات إلى مليارَين و400 مليون دولار، وفق توقّعات مجلّة «فوربس».
يبلغ المعدّل الأعلى لثمن البطاقة الواحدة 700 دولار، غير أنّ محبّي بيونسيه مستعدّون للاستثمار في تجربة كهذه. كيف لا، وهم انتظروا عودة محبوبتهم إلى العروض الغنائية المباشرة بعد 7 سنوات على جولتها الأخيرة «The Formation Tour». توافدَ مليون ونصف مليون شخص إلى الحفلات حتى اللحظة، محطّمين الأرقام القياسيّة عالمياً في مبيعات البطاقات؛ ما جعل من «Renaissance» الجولة الموسيقيّة الأكثر ربحيّةً بين جولات الفنانات الإناث عبر التاريخ.
بذلك، تكون بيونسيه قد سبقت فنانةً لطالما رأت فيها مثالاً أعلى؛ هي سرقت اللقب من مادونا التي جمعت جولتها «Sticky & Sweet» بين 2008 و2009، 408 ملايين دولار. وفيما كان المراقبون يتوقّعون أن تصبح تايلور سويفت الملكة الجديدة للجولات الموسيقيّة بعد النجاح الهائل لجولتها «Eras» (حقبات)، اتّضح وفق «فوربس» أن بيونسيه ستسبق زميلتها بنصف مليون دولار من الإيرادات تقريباً.
أبعد من الأرقام، تحوّلت جولة بيونسيه إلى ظاهرة اقتصاديّة خارقة. كلّما حطّت الفنانة رحالها في مدينة، جلبت إليها الانتعاش الماليّ. وهذا ما اتّضح منذ العرض الأوّل في أستوكهولم، حيث شهدت العاصمة السويديّة تضخّماً غير متوقّع، جرّاء حجوزات الفنادق والمطاعم ووسائل النقل، إلى جانب الحركة التجاريّة في الأسواق.
انسحب النموذج السويديّ على المدن الأوروبية والبريطانيّة والولايات الأميركية، مع تهافت عشّاق بيونسيه إليها وإقبالهم على متاجرها وفنادقها ومطاعمها. لم تتردّد «بي بي سي» في وصف جولة بيونسيه بـ«اللحظة الاقتصاديّة الكبيرة»، لما ضخّت من انتعاش في اقتصادات الدول، وذهبت الشبكة البريطانية إلى حدّ استخدام تسمية «أثر بيونسيه».
«بلو آيفي»
استغرق تجهيز المسرح الذي تطلّ عليه بيونسيه عاماً ونصف العام من العمل. هو مؤلّف من جزأين تتنقّل بينهما خلال الحفل الذي يمتدّ ساعتين ونصفا من الوقت. في الخلفيّة دائرة كبيرة مرصوصة بالأضواء، وكأنها جسرٌ يصل بين المسرحَين. يُقسَم العرض إلى 6 أجزاء ينطلق كلٌ منها مع أغانٍ من الألبوم الجديد «Renaissance»، لتلحقها أعمال من أرشيف بيونسيه الحافل.
«الملكة بي»، كما يطلق عليها جمهورها، ليست حتماً وحيدة على الخشبة. إلى جانب عشرات العازفين والراقصين، تجري الاستعانة بديكورات مبهرة وصادمة أحياناً. فجأةً تدخل إلى المسرح على صهوة حصان فضّيّ بمقاييس خياليّة، ثم تطلّ هي على متن دبّابة. لا تنتهي المفاجآت هنا، إذ تحتضن بيونسيه ذراعي رجُلٍ آليّ وهي تغنّي أمام ذهول الجمهور. أما في فقرة عالم البِحار، فتخرج من قلب صَدفة ضمن إطلالة مستوحاة من لوحة «ولادة فينوس» لبوتيتشيللي.
بعد انقضاء 4 أشهر على انطلاقة العرض، جرى إحصاء 120 «لوكاً» أطلّت بها بيونسيه. تستعين في تلك الإطلالات الخارجة عن المألوف بكبار عالم الموضة وتصميم الأزياء، من بينهم ألكسندر ماكوين، وتييري موغلر، وبالمان، وإيلي صعب، وجورج حبيقة، وغيرهم.
إلا أنّ المفاجأة الكبرى في الجولة، والتي كادت تسرق الأضواء من بيونسيه، هي ابنة الفنانة «بلو آيفي» والبالغة 11 عاماً. منذ عرض باريس في 26 مايو، انضمّت الفتاة إلى والدتها راقصةً على أغنيتَي «My Power» و«Black Parade».
جذب أداء بلو آيفي الأنظار ولاقى استحسان الصحافة. بدت الابنة متمكّنةً من حركاتها الراقصة ومن الثقة على المسرح، التي ورثتها عن والدتها وعن والدها مغنّي الراب الأميركي «جاي زي».
إضافةً إلى النجمة الصغيرة، استضاف مسرح بيونسيه كبار النجوم أمثال «دي جي خالد» الذي افتتح عرضَي لوس أنجليس لليلتَين متتاليتَين. أما مساء 4 سبتمبر (أيلول)، واحتفالاً بعيد ميلاد بيونسيه، فأطلّت أسطورة الديسكو ديانا روس لتغنّي «هابي بيرثداي بيونسيه».
انضمّ إلى مئات آلاف الحضور زملاء بيونسيه في عالم الموسيقى والنجوميّة، فتوافدوا إلى حفلاتها تشجيعاً لها وإعجاباً بها. ومن بين المشاهير الذين شوهدوا وهم يصفّقون لأغاني النجمة، السير بول مكارتني، شاكيرا، أريانا غراندي، سيلينا غوميز، آديل، كيتي بيري... كما حضرت إحدى الحفلات نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس. وشوهد بين الحضور الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل.
بانتظار اختتام العروض مطلع الشهر المقبل واتّضاح غلّة حصاد الأشهر الخمسة من الجولة العالميّة، يُضاف إلى الإبهار البصريّ والظاهرة الاقتصاديّة، محتوى فنّي عالي المستوى وأداءٌ صوتيّ لافت. تعليقاً على رحلة بيونسيه حول القارّتين الأوروبية والأميركيّة، قالت صحيفة «الغارديان» البريطانيّة إنّه «أعظم عرض لموسيقى البوب على الكرة الأرضيّة»، مضيفةً أنه سيبدّل حتماً قواعد اللعبة في قطاع صناعة الموسيقى.