استرداد طه حسين

الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس

استرداد طه حسين
TT

استرداد طه حسين

استرداد طه حسين

قلة من المفكرين والمبدعين تكون حياتهم الشخصية ملهمة بقدر أفكارهم وإبداعهم، على رأس هذه القلة - عربياً - طه حسين، فلم يكن المقسوم لصبي فقد بصره وقت مولده من نصيب أفضل من قراءة القرآن في المقابر لقاء بعض الصدقات. وربما ينتظر هذا المصير الكفيف إلى اليوم في الريف المصري. لذلك كان تدريس سيرة طه حسين «الأيام» لطلاب الثانوي على مدار عقود عملاً موفقاً يبث في النشء إرادة التحدي، مهما كانت ظروفهم، ورسالة لكل من يعاني من إعاقات الصحة أو الفقر: نعم تستطيع!
لم يكن العمى محبس طه حسين الوحيد، بل البيئة المتواضعة علمياً في القرية ثم الدراسة الأزهرية الجامدة، لكنه شق طريقه على هدي من حدسه العقلي واقتداءً ببعض شيوخه المستنيرين، وسرعان ما صار شاباً لامعاً، ثم مفكراً لم تتقادم أفكاره وتتعرض للنسيان، لكنها لم تستقر كذلك، وهذا مبعث الأسف.
لم ينسه تلاميذه، ولم ينسه الخصوم كذلك. تصدر عنه الكتب التي تعيد استقراء أفكاره، كما ينشط الخصوم في تدوير الاتهامات القديمة المبنية على شائعات، وتلك التي تضع رؤاه في مواجهة مع الدين.
من صفوف التلاميذ الأحدث، يخرج الناقد ممدوح فراج النابي بكتاب «استرداد طه حسين» الصادر عن دار «خطوط وظلال» الأردنية، منذ نحو عام، أخلص فيه لفكرة الاسترداد، إذ قسمه إلى ثلاثة أقسام: دفاعاً عن العميد، العميد والريادة، ووجوه العميد المتعددة.
ربما يسأل القارئ نفسه في مواجهة القسم الأول: هل يجب أن نعود إلى الدفاع عن طه حسين اليوم؟ وهل يجب أن نستعيد معارك العقود الأولى من القرن العشرين واتهامات بحق الرجل تدعي انتحاله منهجاً أو فكرةً أو نصاً بعد أن ثبت كيديتها، وأن ما يقف وراءها كان كيد المتزمتين تارة وكيد زميل حاسد تارة أخرى؟
لكن البحث على شبكة الإنترنت يؤكد أن النابي لديه بعض الحق في استعادة هذا التاريخ، لأن أحفاد الخصوم لا يزالون خصوماً يكررون المقولات ذاتها، ويجدون في الكثير من الصحف والمواقع الإلكترونية المساحات التي يعيدون فيها بث أكاذيبهم.
دعوته للعقلانية، هزت ثوابت العقول المطمئنة إلى جمودها المكتفية بإعادة تقديم الشروح تلو الشروح لنصوص قديمة دون رغبة في التجاوز. وهذا هو أصل العداء المستعر إلى اليوم.
ورغم شهرة معركة الشعر الجاهلي، إلا أنها كانت المحنة الثانية، حيث يعود النابي إلى ما أحدثته رسالة طه حسين للدكتوراه «ذكرى أبي العلاء» التي نشرها فيما بعد بعنوان «تجديد ذكرى أبي العلاء»، وكانت رسالة الدكتوراه الأولى التي تُقدم عام 1914 للجامعة المصرية الناشئة.
ناقش طه حسين في الرسالة ثلاثة من الشيوخ، رأى اثنان منهما، محمود فهمي ومحمد الخضري منح الطالب تقدير فائق، ورفض الشيخ الثالث محمد المهدي، لأن طه حسين له سابق رأي فيه، فكانت النتيجة منح طه حسين تقدير «جيد جداً». وهذا ليس كل شيء، فقد طالب عبد الفتاح الجمل، وهو عضو في الجمعية التشريعية عن بورسعيد بحرمان طه حسين من حقوق الجامعيين «لأنه ألف كتاباً فيه كفر وإلحاد»، ولكن سعد زغلول رئيس الجمعية أمات الفتنة في مهدها بأن استدعى النائب وأقنعه بالعدول عن مذكرته.
والزعيم سعد نفسه هو الذي سينحني لعاصفة «الشعر الجاهلي» فيخرج لطلاب الأزهر الغاضبين بكلام ناعم ألا يقلقوا لأن الإسلام راسخ، ويستجوب رئيس الحكومة عدلي يكن بشأن نشر الكتاب. ويجد النابي تفسير ذلك بأنه في المحنة الأولى تمكن من أصل اللهب، لكن النيران خرجت عن سيطرته في المحنة الثانية فاضطر إلى المسايرة.
محنة «الشعر الجاهلي» هي الكبرى؛ فهي التي قادت طه حسين إلى المحاكمة، وأشعلت المظاهرات ضده، وعرضته لمقالات شديدة القسوة تطعن في دينه، وخلطت الأوراق السياسية بضراوة طالت القصر والوزارة والجامعة مع شخص طه حسين.
ويرى النابي أن كل كتابة عن طه حسين يجب أن تبدأ بـ«الأيام» الكتاب الأشهر في المكتبة العربية بعد ألف ليلة وليلة. ونظراً لتوقيت نشر جزئه الأول يرى أنه ليس مجرد كتاب في السيرة. فقد شرع العميد في نشر حلقاته في مجلة «الهلال» بعد أشهر قليلة من محنة الشعر الجاهلي، عام 1926، لمدة عام، ثم صدرت بعد ذلك في كتاب عام 1929، في هذا التوقيت كان طه حسين لم يزل في الثامنة والثلاثين، وهذا ليس وقت كتابة السيرة، ولكنه اندفع إليها بعد المحنة. دفاعاً عن نفسه وإعلاناً من ذاته المفردة عن نفسها، وعن ثورتها ضد كل ما يقيدها.
و«الأيام» ذاتها هي التي ستكون الفخ الثاني، فبعد الضجة الدينية حول الشعر الجاهلي والتقولات عن استناده فيه على مقال للمستشرق مرجليوث، جاء الدور على الطعن في كتاب إبداعي، حيث ادعى أحمد ضيف زميل بعثة طه حسين إلى فرنسا أن العميد سرق روايته «منصور» وضمنها «الأيام». ويجد ضيف إلى اليوم من يستعيد تقولاته عن طه حسين، استناداً إلى أن البطل صبي ريفي لا أكثر!
ترصد ضيف لطه حسين هو الأقل تماسكاً والأكثر انكشافاً، لكن قضية مرجليوث أخذت زمناً أطول، رغم أن المبالغات من شأنها أن تقلب الأمر إلى مزحة؛ حيث زج الخصوم أنفسهم باسم مرجليوث مرة أخرى طعناً في كتاب الشيخ علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم».
لم يستند طه حسين في عمله إلى منهج الشك الديكارتي بكامله، ولا يمكن وضعه داخل هذا المنهج وحده، لأنه كان دائم البحث عن منهج. وبدا استخدامه للمنهج الاجتماعي في دراسة أبي العلاء، فقد كتب: «أبو العلاء ثمرة من ثمرات عصره، قد عمل في إنضاجها الزمان والمكان، والحال السياسية والاجتماعية، بل والحال الاقتصادية». وفي كتاب قادة الفكر (1925) يقول: «الشاعر والكاتب لا يستمد شخصيته من شخصه وحده. وإنما يستمد أكثر فنه وأكثر شخصيته من أشياء أخرى ليس له فيها حيلة (…) وأكاد أقول إن الفرد نفسه ظاهرة اجتماعية». كما يبدو واضحاً لدى طه حسين اعتماده على المنهج التاريخي في استقصاء المصادر وتفنيدها.
ويستشهد النابي بدراسة سيد البحراوي للتأكيد على أن طه حسين عرف المنهج المادي كما كان يفهمه فرنسيو القرن الثامن عشر وامتدادها عند أصحاب المدرسة الطبيعية في النقد. وفي كل ذلك كان طه حسين يؤكد دائماً على ضرورة تجرد الباحث من الهوى والعاطفة.
يخصص الباحث فصلاً من كتابه للمقارنة بين رؤيتي طه حسين وتزفيتان تودوروف لتدريس الأدب، ليجد التشابه بين ما بدأ به طه حسين حياته في البحث وما انتهى إليه تودوروف في نهاية رحلته عبر كتابه «الأدب في خطر - 2007».
بين صرخة في بدايات القرن العشرين وأخرى في بدايات القرن الحادي والعشرين، يعتقد النابي أن الدرس الأدبي تاه وواصل طلابه حالة من الاغتراب، خلال سطوة المناهج الشكلانية. وما ثار عليه تودوروف في النهاية يشبه ثورة طه حسين على الشروح اللغوية كما وجدها في دروس شيوخه من أمثال سيد بن علي المرصفي.
ويقرأ المؤلف التقاطعات بين طه حسين وتودوروف، برغم الفارق الزمني بينهما؛ فكلاهما درس في فرنسا، وتأثر بأساتذته من الفرنسيين. ذكر طه حسين تأثره بعالم الاجتماع إميل دوركايم، الذي أشرف على رسالته عن ابن خلدون، وكذلك تأثر تودوروف برولان بارت وجيرار جينيت. وكلا الوافدين (طه حسين وتودوروف) تأثر بالظروف السياسية والاقتصادية في علاقته بفرنسا، فكان أن انتهيا إلى التأكيد على الغاية الاجتماعية من الأدب.
لشخص طه حسين وجوه متعددة، فهو العاشق والمقاتل الصلب في السياسة والناقد المُعنف الذي لا يخلو نقده من قسوة. هذا الثراء في شخص طه حسين ثراء آخر في وجوه كتابته وتنوعها، ما بين القصة والنقد والسيرة والتاريخ والمقالة السياسية.
هذا الثراء جعل للعميد دراويشه وصنع أعداءه كذلك، وقد وصفوا سلطته بـ«الإقطاع الفكري» على نحو ما ذهب عبد الحي دياب في كتاب بهذا العنوان، لكن النابي لا يبدو من أولئك أو هؤلاء، يدرس مواقف الطرفين عائداً إلى الكثير من المقالات والكتب، غير غاضٍ طرفه عن هفوات العميد الفكرية وتحولاته، ومنها مثلاً موقفه من اعتصام درية شفيق وتسع سيدات في نقابة الصحافيين احتجاجاً على لجنة دستور علي ماهر عام ١٩٥٤، فقد كتب عنهن مقالاً بعنوان «العابثات» أتبعه بـ«العابثات ٢» تأكيداً على موقفه الدفاعي عن حركة يوليو (تموز)، متذرعاً بأن الظرف لا يحتمل القلاقل، بينما كان قد كتب في شبابه مناصراً قضايا المرأة معارضاً أستاذه الشيخ عبد العزيز جاويش عام 1911.
يلتمس النابي تفسيراً لقسوة طه حسين الفكرية في ظروف نشأته وما تحمله من شيوخه وخصومه منذ بداية طريقه الدراسي وعبر حياته مع الكتابة والنشر. لكنه مع قسوته اختط لنفسه منهجاً أوضحه في تقديمه لكتاب صديقه أحمد أمين «ضحى الإسلام»، وهو ألا يظلم كتاباً لأن صاحبه صديق له أو خصم، لكنه اعتبر الظلم الأشنع «أن تُثني على ما لا يستحق الثناء».
ويختتم النابي كتابه «استرداد طه حسين» بفصل عن رحلته إلى الأراضي الحجازية بمناسبة وصوله إلى جدة في مهمة ثقافية للجامعة العربية، وهي الرحلة التي عدّها معسكر التكفير عودة إلى الإسلام وتوبة.
لم يكتب طه حسين شيئاً عن تلك الرحلة، بعكس رحلاته في أوروبا، وترك أمر تدوينها إلى الآخرين، وقد سجلها محمد عبد الرازق القشعمي في كتابه «طه حسين في المملكة العربية السعودية: صدى زيارة عميد الأدب العربي للمملكة»، وقد أضاء بشمول رحلة التسعة عشر يوماً التي بدأها طه حسين في الخامس عشر من يناير (كانون الثاني) 1955 واستقبله فيها المغفور له الملك فهد وكان آنذاك أميراً ووزيراً للثقافة. وإثر انتهاء زيارته الرسمية سافر إلى مكة والمدينة المنورة. وكان للزيارة وما ألقى فيها من كلمات، وما رشح عن ذكر مشاعره عندما احتضن الحجر الأسود أثرها في استنهاض التلاميذ والخصوم، وتجدد جدل الشك والإيمان، وهو جدل سيستمر طويلاً فيما يبدو.
ولكل هذا الغنى في الشخصية والإنتاج يعتقد النابي أن طه حسين يحق في وصفه، عبارته هو التي قالها بحق المتنبي: ملأ الدنيا، وشغل الناس.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.