الكرملين يخفف من دعوات استخدام النووي في أوكرانيا

موسكو تطلق «مرحلة انتقالية» لمعالجة دمج مناطق «الضم»

بوتين لدى اجتماعه مع وزيرته للثقافة أولغا ليوبيموفا في موسكو أمس (أ.ب)
بوتين لدى اجتماعه مع وزيرته للثقافة أولغا ليوبيموفا في موسكو أمس (أ.ب)
TT

الكرملين يخفف من دعوات استخدام النووي في أوكرانيا

بوتين لدى اجتماعه مع وزيرته للثقافة أولغا ليوبيموفا في موسكو أمس (أ.ب)
بوتين لدى اجتماعه مع وزيرته للثقافة أولغا ليوبيموفا في موسكو أمس (أ.ب)

سعى الكرملين، الاثنين، إلى التخفيف من حدة اندفاعة سياسيين وبرلمانيين روس بدأوا خلال الفترة الأخيرة الحديث بشكل نشط عن ضرورة استخدام سلاح نووي تكتيكي لحسم المعركة في أوكرانيا. وقال الناطق الرئاسي دميتري بيسكوف، إن «استخدام السلاح النووي سيكون فقط وفقاً لبنود العقيدة النووية».
وكان عدد من السياسيين، بينهم الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف وجّهوا انتقادات لأداء المؤسسة العسكرية على خلفية الانتكاسات التي مُني بها الجيش الروسي في عدد من المناطق، ودعوا إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي لحسم الوضع ميدانياً.
وأوضح بيسكوف في تصريحات رداً على سؤال حول تلك الدعوات «إن جميع الأسباب التي تؤدي لاستخدام مثل هذه الأسلحة منصوص عليها وفق بنود العقيدة النووية، ولا يمكن أن يكون هناك اعتبارات أخرى لاستخدامها».
وتنص العقيدة النووية على أن روسيا يمكنها استخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي رداً على تهديد مباشر لأمنها القومي وسيادتها وأراضيها. ويحمل هذا المبدأ إشارة إلى أن السلاح النووي لا يمكن استخدامه في مواجهات خارج الأراضي الروسية، لكنه يبقى احتمال استخدامها إذا تم تهديد القوات الروسية بشكل جدي في المناطق التي جرى ضمها حديثاً.
من ناحية أخرى، علق بيسكوف على طلب زيلينسكي للانضمام إلى حلف «الناتو» بشكل عاجل وسريع، وقال «لقد سمعنا تصريحات الرئيس زيلينسكي، كما رأينا ردود فعل مختلفة من (الناتو)، هناك دول تدعم هذا الخيار للانضمام السريع، وهناك دول لا تدعمه... نتابع هذا الأمر ونود أن نذّكر أن توجه أوكرانيا لطلب العضوية في (الناتو) كان أحد أسباب بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا». وأشار إلى الأنباء المتداولة حول إمكانية تشكيل تحالفات غربية جديدة لمواجهة روسيا والصين، مشدداً على أن تشكيل تكتلات جديدة لن يسهم بالطبع في الاستقرار ونزع فتيل التوترات على المسرح العالمي.
في الوقت ذاته، سعى الناطق الرئاسي إلى استرضاء الرئيس الشيشاني وقال، إن «حاكم جمهورية الشيشان الروسية، رمضان قاديروف، وشعب الشيشان يساهمون في العملية العسكرية الخاصة بشكل بطولي وفعّال».
من جهة أخرى، نشرت موسكو رسمياً النصوص الكاملة لمعاهدات ضم أربع مناطق جديدة إلى الكيان الروسي، بعد انتهاء استحقاق مصادقة المحكمة الدستورية العليا على «شرعية» عملية الضم ومطابقتها للدستور الروسي. وتم نشر الوثائق الاثنين على المنصة الإلكترونية للوثائق الرسمية، وانتقل ملف الضم إلى مجلس الدوما (النواب) الذي صادق عليه بسرعة وبالإجماع؛ ما يمهّد لمصادقة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الثلاثاء، وهي الخطوة التي تعدّ نهائية لدخول قرارات الضم حيز التنفيذ.
ووفقاً لنصوص المعاهدات الأربع، فإن حدود المناطق الأربع التي تم ضمها إلى روسيا، سوف تحدد بناءً على الوضع «عند تأسيس» كل مناطق و«في يوم انضمامها إلى الاتحاد الروسي». وتترك هذه الصياغة المطاطة الباب مفتوحاً أمام الكرملين للتعامل مع كل منطقة على حدة وفقاً للفهم الذي تنطلق منه لطبيعة الحدود الإدارية لكل إقليم. فهي من جانب تفتح على مواصلة العمليات العسكرية بهدف «تحرير الأراضي الروسية» التي ما زالت تقع تحت السيطرة الأوكرانية، في منطقة دونيتسك، الذي تقر موسكو بحدوده وفقاً لإعلان «الاستقلال» الذي وضعه الانفصاليون منذ العام 2014، وهذا يبرر تأكيد الكرملين قبل يومين أن المعارك سوف تتواصل في هذا الإقليم لحين استكمال «تحرير كل أراضيه»، لكن المفهوم نفسه قد لا ينطبق على زابوروجيا وخيرسون وهما إقليمان أعلنا انفصالاً من جانب واحد عن أوكرانيا وظلت مسألة حدودهما معلقة. البند الثاني المهم في النصوص المعلنة يتعلق بحدود الدولة الروسية الجديدة، وتضع الوثائق «الحدود الحالية» لكل إقليم «مع البلدان الأخرى» كحدود للدولة الروسية.
وتنص الوثائق أيضاً على دخول الأطراف مرحلة انتقالية تستمر حتى الأول من يناير (كانون الثاني) 2026، وسيتم استخدام المرحلة الانتقالية «لحل قضايا الخدمة العسكرية الإلزامية». ويشكل هذا البند محاولة لتهدئة مخاوف سكان الأقاليم من مسارعة موسكو لتجنيد الشبان فيها وزجهم في المعارك الجارية حالياً. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أثار هذه النقطة في إطار تحذيره المناطق الأربع من تداعيات خطوة الانفصال عن أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، سوف تستخدم «المرحلة الانتقالية» لحل قضايا دمج المناطق الجديدة في الأنظمة الاقتصادية والمالية والائتمانية والقانونية لروسيا، وكذلك في نظام الهيئات الحكومية.
في مقابل التمهل في تلك القضايا، فإن وثائق الضم التي وقّعها مع الرئيس الروسي قادة الانفصاليين في المناطق الأربع نصت بوضوح على أن التشريعات الروسية وغيرها من الإجراءات القانونية المعيارية تغدو فعالة فوراً في المناطق التي تم ضمها «منذ يوم قبولها في روسيا».
ونصت معاهدتا ضم خيرسون وزابوروجيا على أن القوانين المعيارية السارية حالياً تعد لاغية في حال تعارضت مع دستور روسيا. وهذا الأمر خلافاً للوضع في دونيتسك ولوغانسك، حيث أجرت روسيا عملاً كبيراً خلال السنوات الماضية لجعل قوانينها المحلية تتطابق مع قوانين روسيا. وأكدت المعاهدات، أن «الوثائق الرسمية الحالية لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك تبقى سارية حتى نهاية الفترة الانتقالية أو اعتماد الإجراءات القانونية الروسية ذات الصلة». كما تواصل «حكومتا دونيتسك ولوغانسك تسيير الأعمال حتى تشكيل مكاتب جديدة للرؤساء المؤقتين للجمهوريتين».
في المقابل، «يجب على حكومتي منطقتي خيرسون وزابوروجيا تشكيل هيئتي حكم مؤقتين وفقاً للقانون الروسي».


مقالات ذات صلة

شولتس في زيارة مفاجئة لأوكرانيا... ويعلن عن مساعدات عسكرية جديدة

أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله إلى أوكرانيا (حسابه عبر منصة إكس)

شولتس في زيارة مفاجئة لأوكرانيا... ويعلن عن مساعدات عسكرية جديدة

وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أوكرانيا، الاثنين، في زيارة لم تكن معلنة مسبقاً للتأكيد على دعم برلين لكييف في حربها ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تحليل إخباري فون دير لاين بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على تشكيلة المفوضية الجديدة بستراسبورغ في 27 نوفمبر (رويترز)

تحليل إخباري المفوضية الأوروبية الجديدة تباشر مهامها وسط هواجس أمنية واقتصادية

يمرّ الاتحاد الأوروبي بأصعب المراحل منذ تأسيسه بسبب الانقسام غير المسبوق تحت وطأة الانحسار الاقتصادي والسياسي في ألمانيا وفرنسا.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا زيلينسكي وكالاس في كييف الأحد (أ.ف.ب)

زيلينسكي يرهن التفاوض مع روسيا بـ«ضمانات غربية» واستمرار الدعم العسكري

وصل رئيس المجلس الأوروبي ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إلى كييف الأحد مستغلين اليوم الأول من توليهما منصبيهما الجديدين لدعم أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (كييف)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال حديثه في منتدى إعلامي في إسطنبول السبت (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من خروج حرب روسيا وأوكرانيا عن السيطرة

حذرت تركيا من مخاطر خروج الحرب بين روسيا وأوكرانيا عن السيطرة لتؤثر على المنطقة المحيطة والعالم في ظل التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

TT

بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز)

يفي جو بايدن قبل انتهاء ولايته بوعد قطعه بزيارة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال فترة رئاسته، عبر التوجه هذا الأسبوع إلى أنغولا في زيارة تهدف إلى تأكيد الطموحات الأميركية في هذه القارة بمواجهة الاستثمارات الصينية الزائدة. ويصل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته إلى لواندا، الاثنين، في زيارة تستمر حتى الأربعاء، قبل أن يخلفه دونالد ترمب في البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني). وكان من المقرر أن يقوم الرئيس الديمقراطي، البالغ عمره 82 عاماً، بهذه الزيارة في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه اضطر إلى إلغائها بسبب إعصار ضرب ولاية فلوريدا.

زيارة غير مسبوقة

وستكون هذه أول زيارة لرئيس أميركي إلى البلد النفطي المطل على المحيط الأطلسي. وقال مسؤول أميركي كبير، في حديث مع صحافيين إن «هذه الخطوة ليست متأخرة ولا من دون مغزى»، مضيفاً: «أعتقد بأنه بعدما بقينا سنوات خارج اللعبة، أعادنا الرئيس بايدن إليها». وسيبحث بايدن في لواندا استثمارات أميركية مختلفة في المنطقة، بدءاً بمشروع ضخم للسكك الحديدية يُعرف بـ«ممر لوبيتو»، يربط ميناء لوبيتو الأنغولي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع خط يتفرع عنه ويصل إلى زامبيا. والمشروع الممتد على مسافة 1300 كيلومتر، ويُنفذ بتمويل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيشكل رابطاً استراتيجياً بين الميناء ومناجم الكوبالت والنحاس المعدنين الأساسيين لصنع منتجات التكنولوجيا المتطورة، ولا سيما بطاريات الجوالات الذكية، ويصفه بايدن بـ«أكبر استثمار أميركي في السكك الحديدية في أفريقيا على الإطلاق». وسيلتقي بايدن رئيس أنغولا جواو لورنكو، ويلقي كلمة يتناول فيها الصحة العامة والزراعة والتعاون العسكري، والحفاظ على الإرث الثقافي. وقال هيتور كارفالو، الخبير الاقتصادي في جامعة «لوسيادا» في لواندا، إنه «رغم أن الرئيس بايدن شارف على الخروج من البيت الأبيض، فإنه سيمثل الولايات المتحدة بكل ما لديها من وزن جيو - سياسي وجيو - اقتصادي»، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحضت منظمات حقوقية بايدن على طرح مسألة سجل أنغولا على صعيد حقوق الإنسان خلال زيارته. وقد أفادت منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته مؤخراً، بأن الشرطة الأنغولية «قتلت ما لا يقل عن 17 متظاهراً، بينهم قاصر في سياق حملة القمع» التي تمارسها ضد المعارضة. كما حضت «منظمة العفو» بايدن على أن يطلب من حكومة أنغولا «الإفراج فوراً عن خمسة معارضين معتقلين بصورة اعتباطية منذ أكثر من سنة». وقال المسؤول الأميركي بهذا الصدد إن بايدن «لم يتهرب يوماً من تناول التحديات المطروحة على الديمقراطية، ومن التزامه حيال الديمقراطية».

نفوذ الصين

يسعى بايدن لتأكيد الطموحات الأميركية في أفريقيا بوجه النفوذ الصيني المتنامي. وقال المسؤول للصحافيين إن الحكومات الأفريقية تبحث عن بديل للاستثمارات الصينية، في ظل ما تتضمنه من عواقب، ولا سيما «العيش في ظل ديون فادحة لأجيال». ويبلغ دين أنغولا تجاه الصين 17 مليار دولار، ما يشكل نحو 40 في المائة من إجمالي ديون البلد.

ويبدو أن لورنكو أيضاً يسعى لتنويع شراكات بلاده خارج الصين وروسيا. وفي هذا السياق، صوتت أنغولا في 2022 لصالح قرار في الأمم المتحدة يندد بالغزو الروسي لأوكرانيا. وعلقت سيزالتينا أبرو، عالمة الاجتماع في جامعة «أنغولا الكاثوليكية»، أن زيارة بايدن تُشكل بالتأكيد بالنسبة لرئيس أنغولا «تحقيقاً لحلمه بأن يكون هو من جاء بأول رئيس أميركي إلى أنغولا». لكن من غير المعروف إن كانت الاستثمارات الأميركية في أفريقيا ستستمر في عهد ترمب. وقالت أبرو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إن أبدى ترمب اهتماماً بأفريقيا وأنغولا مماثلاً لما أبداه في ولايته الأولى، فستشهد البرامج التي أطلقها بايدن انتكاسة». لكن أليكس فاينز، الباحث في معهد «تشاتام هاوس»، أكد أن على الرئيس المنتخب أن يتنبه إلى أن «أمام أنغولا ودول أخرى مثلها، شركاء كثر يمكنها الاختيار بينهم، في عالم يشهد منافسة زائدة من أجل الوصول إلى موارد أفريقيا الحيوية».