بوساطة مدنيين... بوركينا فاسو تتفادى السيناريو الأسوأ

قادتها شخصيات دينية واجتماعية... ورعاها الجيش

العقيد بول هنري داميبا (أ.ف.ب)
العقيد بول هنري داميبا (أ.ف.ب)
TT

بوساطة مدنيين... بوركينا فاسو تتفادى السيناريو الأسوأ

العقيد بول هنري داميبا (أ.ف.ب)
العقيد بول هنري داميبا (أ.ف.ب)

نجحت مجموعة من الشخصيات الدينية والاجتماعية، اليوم (الأحد)، في قيادة وساطة بين زعيم الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري، والرئيس المنصرف العقيد بول هنري داميبا، أسفرت عن توقيع الأخير على وثيقة استقالته من رئاسة البلاد، ولكنه قدم سبعة شروط، من أهمها ضمان سلامته، وعدم ملاحقته، والالتزام بالاتفاق مع مجموعة «إيكواس» حول تسليم السلطة في يوليو (تموز) 2024.
الشخصيات التي قادت الوساطة برعاية وثيقة من قيادة الجيش، عقدت مؤتمراً صحافياً مساء اليوم، أعلنت فيه أن العقيد داميبا «بادر إلى اقتراح تقديم استقالته، تفادياً لصدامات ستكون خسائرها البشرية والمادية خطيرة»، ولكنه قبل توقيع استقالته طرح على الطاولة سبعة شروط طلب التعهد بتنفيذها، وحمل الوسطاء هذه الشروط إلى زعيم الانقلاب الذي التزم على الفور بتنفيذها.
وطالب داميبا في قائمة الشروط بضمان سلامته الشخصية، وحفظ جميع حقوقه هو وجميع معاونيه المقربين، بالإضافة إلى عدم ملاحقة أعضاء المجلس العسكري الذي كان يحكم البلاد إلى جانبه، وضمان أمنهم وسلامتهم، مع العمل على تعزيز وحدة المجلس العسكري وتضامنه.
واشترط العقيد داميبا وهو يودع السلطة، «مواصلة العمليات الميدانية ضد الإرهاب»، والاستمرار في العمل على مشروع «المصالحة الوطنية» الذي شرع فيه، واحترام الالتزامات التي اتخذتها بوركينا فاسو تجاه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والتي تقضي بتسليم السلطة للمدنيين في أجل أقصاه أول يوليو 2024.
وفور إعلان استقالة العقيد داميبا، خرجت مظاهرات تحتفل بالخبر في العاصمة واغادوغو والعديد من مدن البلاد، فيما صدر بيان يتم بموجبه تعيين النقيب إبراهيم تراوري رئيساً انتقالياً للبلاد، وجاء في البيان الذي تلاه ضابط عبر التلفزيون الحكومي، أن «النقيب إبراهيم تراوري سيتولى تسيير أمور الدولة حتى تختار القوى الحية للأمة رئيساً جديداً، ويؤدي اليمين الدستورية». وهكذا حُسم الجدل حول من يحكم بوركينا فاسو، وانتهت حالة الغموض ولحظة الشك التي كادت تدخل البلاد في أتون صراع أجنحة الجيش.
في غضون ذلك، خرج النقيب تراوري ضمن موكب عسكري تحيط به مدرعات الجيش، فكان محل احتفاء شعبي كبير، حين أحاطت به مجموعة من المتظاهرين المتحمسين، للتعبير عن تأييدهم لزعيم الانقلاب العسكري، ولكن في نفس الوقت كانوا يحملون الأعلام الروسية، وشعارات مناهضة لفرنسا، وتطالب بطردها من بلادهم.
ورافق المتظاهرون الموكب العسكري في الشوارع، وكان الزعيم الجديد للبلاد يلوّح بيديه للمتظاهرين، فيما قام بعضهم بتكسير لافتات للإشهار في الشوارع؛ لأنها كانت تحمل شعار مجموعة «بولوري» الفرنسية، وهي مجموعة اقتصادية عائلية تحظى بنفوذ قوي في غرب أفريقيا، ويرى فيها كثير من الأفارقة الذراع الاقتصادية لفرنسا.
ومع إعلان استقالة العقيد داميبا، بدأ الهدوء يعود تدريجياً إلى العاصمة واغادوغو، فيما عقد رئيس البلاد الجديد، النقيب إبراهيم تراوري، اجتماعاً مع الأمناء العامّين لجميع الوزارات، وكلفهم بتسيير وزاراتهم في انتظار تعيين حكومة جديدة، كما ناقش معهم إيجاد آلية لضمان تموين المدن التي يحاصرها الإرهابيون، بالمواد الغذائية والمحروقات.
والنقيب الشاب، وإن كان محل دعم شعبي واسع الآن، في انتظاره تحديات كبيرة، لن تختلف كثيراً عن تلك التي عصفت بسلفه؛ فالتهديد الإرهابي يزداد في مناطق واسعة من شمال وشرق البلاد؛ إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 40 في المائة من الأراضي خارج سيطرة الحكومة، ولكن أكبر التحديات وأكثرها خطورة تكمن في العاصمة؛ حيث معادلة سياسية معقدة جداً، وجيش منقسم.
كما أن المزاج الشعبي في بوركينا فاسو متقلب جداً؛ فالمتظاهرون المؤيدون اليوم للنقيب تراوري، يمكن أن ينقلبوا عليه بعد أيام قليلة، وعند أول قرار لا يعجبهم، فالتسرع هو السمة الغالبة في الشارع، مع عدم إدراك حجم التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه بلدهم الفقير والهش، إلا أن الملف الأهم الذي ينتظر النقيب الشاب، هو ملف صراع روسيا والغرب؛ حيث يبدو أن بوركينا فاسو المهددة في وجودها، أصبحت ساحة لصراع روسيا وفرنسا، ومن الواضح أن الحكام الجدد في واغادوغو في جعبتهم قرارات قد لا تعجب الفرنسيين، أصحاب النفوذ التقليدي والمتجذر في مستعمرتهم السابقة.


مقالات ذات صلة

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

العالم «مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

بدأت بوركينا فاسو التحقيق في «مذبحة» وقعت في قرية الكرمة شمال البلاد، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينابية. وقُتل نحو 136 شخصاً في الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان) واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين»، في حين ندّدت الحكومة بالهجوم على القرية، في بيان صدر في 27 أبريل، دون ذكر تفاصيل عن الضحايا، قائلة إنها «تواكب عن كثب سير التحقيق الذي فتحه المدعي العام للمحكمة العليا في واهيغويا، لامين كابوري، من أجل توضيح الحقائق واستدعاء جميع الأشخاص المعنيين»

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

أعلن الجيش في بوركينا فاسو أن 33 من جنوده قتلوا في هجوم نفذته مجموعة إرهابية على موقع عسكري، يقع في شرق البلاد، وذلك في آخر تطورات الحرب الدائرة على الإرهاب بهذا البلد الأفريقي الذي يعاني من انعدام الأمن منذ 2015. وقال الجيش في بيان صحافي إن مجموعة من المسلحين هاجمت فجر الخميس موقعاً عسكرياً في منطقة أوجارو، شرق البلاد، على الحدود مع دولة النيجر، وحاصروا وحدة من الجيش كانت تتمركز في الموقع، لتقع اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وأعلن الجيش أن الحصيلة تشير إلى مقتل 33 جندياً وإصابة 12 آخرين، لكنهم في المقابل قتلوا ما لا يقلُّ عن 40 من عناصر المجموعة الإرهابية التي ظلت تحاصرهم حتى وصلت تعزيزات فكت عن

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الجماعات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، والتي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، بحسب مصدر قضائي، الاثنين، ذكر لوكالة «الصحافة الفرنسية»، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن «الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما في شمال إقليم ياتنغا»، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع ا

العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الهجمات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، التي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالاها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، حسب مصدر قضائي (الاثنين) ذكر لوكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما شمال إقليم ياتنغا، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع المتنوعة خ

أفريقيا مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

قال مسؤول من بلدة أواهيجويا في بوركينا فاسو، أمس الأحد، نقلاً عن معلومات من الشرطة إن نحو 60 مدنياً قُتلوا، يوم الجمعة، في شمال البلاد على أيدي أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية. وأضاف المدعي العام المحلي لامين كابوري أن تحقيقاً بدأ بعد الهجوم على قرية الكرمة في إقليم ياتنجا في المناطق الحدودية قرب مالي وهي منطقة اجتاحتها جماعات إسلامية مرتبطة بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش» وتشن هجمات متكررة منذ سنوات. ولم يذكر البيان مزيداً من التفاصيل بشأن الهجوم، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مارس (آذار) أن هجمات الجماعات المسلحة على المدنيين تصاعدت منذ عام 2022 ب

«الشرق الأوسط» (واغادوغو)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
TT

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا، مبدياً قلقه بشأن «التصعيد» الراهن.

ومنذ فوز الملياردير الجمهوري في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخشى الأوروبيون أن تقلّص الولايات المتّحدة دعمها لأوكرانيا في هذا النزاع، أو حتى أن تضغط عليها لتقبل باتفاق مع روسيا يكون على حسابها.

واختار الرئيس المنتخب الذي سيتولّى مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، كل أعضاء حكومته المقبلة الذين لا يزال يتعيّن عليهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.

وفي مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة «فوكس نيوز»، قال والتز إنّ «الرئيس ترمب كان واضحاً جداً بشأن ضرورة إنهاء هذا النزاع. ما نحتاج إلى مناقشته هو مَن سيجلس إلى الطاولة، وما إذا كان ما سيتمّ التوصل إليه هو اتفاق أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، وما الذي سيكون عليه الإطار للتوصل إلى ترتيب».

وأضاف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ «هذا ما سنعمل عليه مع هذه الإدارة حتى يناير، وما سنواصل العمل عليه بعد ذلك».

وأوضح والتز أنّه «بالنسبة إلى خصومنا الذين يعتقدون أنّ هذه فرصة لتأليب إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن فريق الإدارة المقبلة «قلق» بشأن «التصعيد» الراهن للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، صدر عن مقرّبين من الرئيس المنتخب تنديد شديد بقرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع.

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترمب أسئلة كثيرة حول جدوى المبالغ الهائلة التي أنفقتها إدارة بايدن على دعم أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في 2022.

ووعد الملياردير الجمهوري مراراً بإنهاء هذه الحرب بسرعة، لكن من دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك.

وبشأن ما يتعلق بالشرق الأوسط، دعا المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي للتوصّل أيضاً إلى «ترتيب يجلب الاستقرار».

وسيشكّل والتز مع ماركو روبيو، الذي عيّنه ترمب وزيراً للخارجية، ثنائياً من الصقور في الإدارة المقبلة، بحسب ما يقول مراقبون.

وكان ترمب وصف والتز، النائب عن ولاية فلوريدا والعسكري السابق في قوات النخبة، بأنه «خبير في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي».