سنوات السينما

ملصق «كازابلانكا»
ملصق «كازابلانكا»
TT

سنوات السينما

ملصق «كازابلانكا»
ملصق «كازابلانكا»

1942: Casablanca
حب وهروب في المغرب

«كازابلانكا» دراما عاطفية في زمن الحرب العالمية الثانية من بطولة همفري بوغارت في دور أميركي اسمه ريك، كان افتتح ملهى في مدينة الدار البيضاء يؤمها (غالباً) الأجانب الذي يعيشون في الجوار. حانة محترمة مع عازف بيانو (دولي ولسون) يزورها في غارات مفاجئة رجال المخابرات النازية والمتعاونون الفرنسيون.
ذات يوم تصل امرأة اسمها إلسا (إنغريد برغمن) متزوّجة من يهودي هارب من الغستابو اسمه فيكتور (بول هرريد) وتطلب من ريك تسهيل هروبهما من المغرب إلى مكان آمن. ريك لا يريد المتاعب مع البوليس الفرنسي أو الغستابو. لقد سُمح له بالعمل والبقاء لأنه لا يملك أجندة سياسية، لكن المشكلة هي أنه كان على علاقة مع إلسا عندما كان يعيش في باريس، وذلك قبل زواجها... أمام هذا الخيار الصعب كان عليه أن يتخذ الموقف الذي سيغيّر من ذلك الحياد.
«كازابلانكا»، كان عملية صعبة التركيب ولها خلفية بعيدة جداً عن الرغبة في تصوير المدينة أو لا. لم يكن في أساسه عن المدينة، بل عن أحداث تم اختيار كازابلانكا مكاناً لها مع الحفاظ على امتدادات جغرافية خارجية. ذلك أن حكايته تتعاطى شخصيات ألمانية وفرنسية وفي خلفية تلك الحكايات قصّة حب لم تمت عواطفها بعد.
لم يُكتب السيناريو من تلقاء نفسه ولا هو اقتباس لكتاب. تاريخ الفيلم، في الواقع، يعود إلى رحلة قام بها المسرحي الأميركي موراي بانت وزوجته أدريان سنة 1938 إلى أوروبا وتوقفت في بلدة صغيرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث وجدا ملهى عائلياً يعزف فيه رجل أسود على البيانو. نظر الكاتب حوله ولاحظ وجود فرنسين وألمان وأقوام أخرى تحت سقف المكان فنظر إلى زوجته وقال لها: «يا له من موقع صالح كفكرة مسرحية».
بعد عامين وُلدت المسرحية في نيويورك بعنوان «الجميع يأتي إلى ملهى ريك»، تبعاً لاسم الملهى، لكن الكاتب نقل الأحداث من الساحل الجنوبي لفرنسا إلى الساحل الشمالي للمغرب وضمّنها مغامرة ريك الذي يحاول الحفاظ على ملهاه المهدد بالغلق إذا ما تأكد للغاستابو إنه يتعامل مع مطلوبين.
حكاية صنع الفيلم تكاد تفوز على الفيلم بدوره. هو بالتأكيد فيلم جيد قام به مايكل كورتيز مستنداً على سيناريو كان العاملون عليه يكتبونه خلال وقت التصوير، إلا أنه ليس في الواقع ذلك الفيلم الذي يقول الكثير، باستثناء أن الألم الناتج عن الذكريات العاطفية السابقة وكيف انتهت تواجه خشية صاحب الملهى من خطر مساعدة زوج إلسا على الهرب. بالطبع سيقوم في النهاية بمساعدتها بعدما يؤمن له ضابط فرنسي متعاون الحماية.
السيناريو الذي كان يُكتب خلال التصوير تعرّض في المشاهد الأخيرة لحالة ضياع بين نهايتين، واحدة سعيدة وأخرى حزينة والاختيار كان للأولى. ومع أن الكاتبان جوليوس وفيليب أبستين كانا انتهيا من الكتابة عندما بوشر بتصوير الفيلم إلا أن كتابتهما لم تكن جيدة ولا منحت المخرج الثقة بأنه سيستطيع استخراج عمل جيد منه. هذا دفع باتجاه كتابة نسخ أخرى بينما الفيلم في التصوير.
هذه المشاكل لا تبدو واضحة في الفيلم، لكن إنغريد برغمن عانت في الواقع من عدم معرفتها إذا ما كانت ستذرف دموع الفراق أو سينتهي الأمر بها وقد عادت إلى حبها الأول. المشاكل تراكمت في أكثر من اتجاه آخر، لكن ما أنقد الفيلم من السقوط التجاري هو دخول قوات الحلفاء في العام ذاته الحرب في شمال القارة الأفريقية، مما أفاد الفيلم جماهيرياً عندما بوشر بعرضه في صيف 1943.
تم اعتماد الفيلم كأحد كلاسيكيات السينما الأميركية، لكنه في الواقع لا يعدو أكثر من فيلم عاطفي المنحى مع دعاية مبيّتة لحال الهارب من الغستابو مع عثرات إخراجية. كل هذا لم يمنع من تتويجه كأحد أفضل أفلام التاريخ.


مقالات ذات صلة

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

سينما من «قرار تنفيذي» (ناشيونال جنرال بيكتشرز)

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

استجابة لأمرٍ تنفيذيٍّ أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رُفعت السرية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال ثلاثة من السياسيين الأميركيين وهم جون كيندي وشقيقه روبرت....

محمد رُضا (لندن)
سينما «عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)

شاشة الناقد: فيلمان في «مهرجان برلين»

«عندما يومض البرق فوق البحر» مأخوذ من عبارة لصبي ترد قبل نهاية الفيلم، يصف بها أحلامه في بلدة أوديسا غير البعيدة عن لهيب الحرب بين أوكرانيا وروسيا.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الدشاش» شهد عودة محمد سعد إلى السينما بعد سنوات (الشركة المنتجة)

إيرادات هزيلة للسينما المصرية خلال موسم رمضان

طقوس موسم رمضان واجتذاب المسلسلات للناس وراء هذا الانخفاض الملحوظ في الإيرادات السينمائية، والذي يُتوقّع استمراره حتى موسم عيد الفطر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق محمد سامي (فيسبوك)

المخرج المصري محمد سامي يعلن اعتزاله... ومطالبات بتراجعه

أعلن المخرج المصري محمد سامي، اليوم (الخميس) اعتزاله الإخراج التلفزيوني بعد رحلة استمرت نحو 15 عاماً، قدم خلالها العديد من الأعمال الفنية الدرامية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إسماعيل ياسين ونجله الراحل ياسين (الشرق الأوسط)

المخرج عمرو سلامة يجدد أزمة انتقاد رموز الفن المصري

جدّد حديث المخرج المصري عمرو سلامة عن الفنان المصري الراحل إسماعيل ياسين خلال حضوره ضيفاً على «ليك لوك 3» أزمة انتقاد رموز الفن المصري.

داليا ماهر (القاهرة )

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
TT

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)

استجابة لأمرٍ تنفيذيٍّ أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رُفعت السرية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال ثلاثة من السياسيين الأميركيين وهم جون كيندي وشقيقه روبرت، والداعية مارتن لوثر كينغ (لا شيء حتى الآن عن مالكوم إكس).

أشهر هذه الشخصيات (وكلّها مشهورة) هو جون كيندي الرئيس الأميركي الـ35 الذي اغتاله لي هارڤي أوزوالد أثناء مرور الرئيس مع زوجته جاكلين، في سيارة مكشوفة خلال استعراضٍ في أحد شوارع مدينة دالاس بولاية تكساس في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1963.

كلينت إيستوود «في خط النار» (كولمبيا)

أسئلة ساخنة

اغتيل جون كيندي بعد 62 عاماً على آخر اغتيال تعرض له رئيس أميركي، ففي 14 سبتمبر (أيلول) سنة 1901 اغتيل الرئيس ويليام مكينلي. قبله اغتيالان، الأول والأهم اغتيال إبراهام لينكولن (سنة 1865)، والثاني اغتيال الرئيس جيمس غارفيلد (سنة 1881). في حين لم يثبت أن دوافع قتل مكينلي وغارفيلد كانت سياسية، فإن اغتيال لينكولن كان سياسياً بامتياز كونه كَسِب حرب تحرير العبيد التي دامت 4 سنوات (1861-1865) مما جلب عليه احتجاجات عديدة من مصادر مختلفة.

بيد أن اغتيال كيندي حمل ألغازاً وتفسيرات واتهامات عدّة: من وقف وراء الجريمة؟ من دفع لاغتيال أوزوالد؟ هل صحيح أن أوزوالد لم يكن وحده وربما لم تكن الرصاصات القاتلة من بندقيَّته؟ من وقف وراء الجريمة: «إف بي آي»؟ «سي آي إيه»؟ دولة عميقة؟ دولة أجنبية؟ ومن ثَمَّ بالطبع لماذا؟

هذه كلها موضوعات لم يكن من الممكن أن تمرَّ عليها السينما من دون أن تفيها حقها عبر أعمال تسجيلية ودرامية بلغ عددها منذ ذلك الحين أكثر من 30 فيلماً.

دونالد سذرلاند وكيڤن كوستنر في «جي أف كي»‫ (وورنر)‬

مؤامرات عديدة

أشهر هذه الأفلام هو «JFK» الذي حققه أوليڤر ستون في عزِّ شهرته ونشاطه سنة 1991. هو فيلم يطرح بأسلوب تقريري احتمالات ونظريات مؤامرة عبر تحقيقات المدّعي العام جيم غاريسُن الذي لعب دوره كيڤن كوستنر. نيَّة المخرج هي ألا يوجِّه إصبع اتهام لأحد بمفرده، لذلك جاء الفيلم بجملة من نظريات المؤامرة وكل منها قابل للنقاش إن لم نقل قابل للتصديق. لكن شيئاً واحداً يبرز من خلال كل ذلك وهو أن التحقيق الرسمي المُعلن أخفى أكثر مما أظهر، لذلك لا يمكن الوثوق به.

رحلة ستون تمرُّ بكل هذه المحطات كما لو أنه يريد الإيعاز بغياب الحقيقة ما يؤيد منحاه من أن التقارير الرسمية حول الحادث لم تكن كافية وبالتالي صادقة.

في كل الأحوال جهد كبير ذاك الذي قام به المخرج حاشداً في ثلاث ساعات وربع الساعة، كل استنتاج ممكن وكل احتمال وارد من دون تحبيذ نظرية على أخرى.

قبل هذا الفيلم، حقّق ديڤيد ميلر فيلماً بعنوان «قرار تنفيذي» (Executive Action) سنة 1973. فيه لم يحاول المخرج الالتفاف على الموضوع، بل سبر غور حكاية تتحدث عن أن الاغتيال كان تنفيذاً لجهات سياسية حكومية أرادت التخلّص من كيندي لمآربها السياسية الخاصّة.

الاتهام نفسه قاد فيلم «ج ف ك: قضية المؤامرة» (JFK‪:‬ The Case for conspiracy) سنة 1993. هذا فيلم تسجيلي حقَّقه روبرت ج. غرودن تتبّع خطوات النائب العام غاريسُن في احتمال أن الاغتيال كان مؤامرة حكومية نُفِّذت بدقة ونجاح. الجيد هنا أن الفيلم يقرأ لنا فقرات من التقرير الرسمي الذي صدر عن الحادثة ويبحث في حقيقتها مناوئاً إياها أو، في مشاهد معيّنة، باعثاً الريب فيما تدَّعيه.

محاكمة افتراضية

في «محاكمة لي هارڤي أوروالد» (The Trial of Lee Harvey Oswald) لديڤيد غرين (1977) خطوة صوب الافتراض بكل مشهد في الفيلم. هذا لأن غرين يتحدث عن محاكمة لم تقع لأوزوالد أساساً، إذ اغتيل قبل أن يُحاكم. ما يقوم به الفيلم هو تخيّل ما الذي كان الوضع عليه لو قُدّم أوزوالد للمحكمة. ما كان سيُدلي به وكيف كان سيعترف بما قام به والجهات التي أوعزت له بذلك.

كون هذا الفيلم خيالي بالكامل لم يدفعه لتبوأ مكانة خاصة بين الأفلام التي دارت حول هذا الموضوع، بيد أن هذه الخاصية له هي نفسها موقع قوّته لأن الفيلم يُدلي - عبر أوزوالد - بما كان متوقعاً أن يقوله مفجِّراً حقائق مخفية.

جاك روبي، الذي صفّى أوزوالد، كان بدوره موضوع فيلمين على الأقل هما، «روبي وأوزوالد» لميل ستيوارت (1978) و«روبي» لجون ماكنزي. هذا الثاني يفتح صفحة جديدة حول الموضوع من حيث إنه يدور حول من صفّى أوزوالد وأسباب ذلك. في مجمله دفاع عن (ج ف ك)، لكنه لا يدور فعلياً عن الرئيس الأميركي بل عن روبي الذي كان يعرف أوزوالد من قبل اغتيال الرئيس.

ماكنزي آخر (ديڤيد ماكنزي) أخرج في 1999 فيلماً مختلفاً عن تلك الأفلام السابقة بعنوان «The Secret KGB‪:‬ JFK Assassination Files»، وما يعرضه هو الإيحاء بأن المخابرات الروسية هي من وقفت وراء عملية الاغتيال.

هذا يناوئ فيلماً لروب راينر حققه سنة 2016 عنوانه «LBJ» يوحي بأن الرئيس الذي خلف كيندي، ليندون ب. جونسون، كان على خلاف دائم مع جون كيندي مفترضاً أنه قد يكون متورِّطاً بدوره في عملية التخلص منه.

بعيداً عن كل ذلك، ولمن يرغب في تنشيط ملكية الخيال أخرج الألماني وولغانغ بيترسن «In the Line of Duty» (في خط الواجب)، 1993. ليس عن جون كيندي بل عن أحد حراسه (كلينت إيستوود) الذي يُعدُّ نفسه أخفق في حماية الرئيس كيندي إذ كان أحد المكلّفين بحراسته بصفته أحد رجال الأمن الخاص. الآن هناك خطّة أخرى لقتل رئيس جديد وعليه أن ينبري لينجز بما لم يستطع القيام به من قبل.