ما بين القاهرة، وروما، والفاتيكان، وأبوظبي، ونور سلطان، وأخيراً المنامة، تتكرر اللقاءات بين بابا الفاتيكان فرنسيس، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، لتعزز ثقافة الحوار والتعايش وتقاوم «الكراهية». ودائماً ما تناقش لقاءات البابا والشيخ قضايا «مجابهة الأفكار (المتطرفة)، والتعاون من أجل الأخوة الإنسانية والسلام العالمي». ويؤكد الطيب وفرنسيس على أن «العودة لتعاليم الأديان هي السبيل لنجاة العالم من التشدد والانقسام».
وقال مصدر في مشيخة الأزهر بالقاهرة إن «علاقة الأزهر والفاتيكان تظل نموذجاً (فعالاً وحقيقياً) لنشر التسامح والسلام ومكافحة (التطرف والكراهية) والحروب والصراعات». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «اللقاءات بين الدكتور الطيب والبابا فرنسيس تحمل كثيراً من الدلالات والمعاني بشأن إعلاء قيمة الإنسان واحترام حرية المعتقد»، موضحاً أن «المتابع لدور الأزهر والفاتيكان خلال السنوات الماضية، يلاحظ كثيراً من النقاط المشتركة والرؤى الموحدة، بخصوص نشر قيم السلام والمساواة والحوار».
ورسم الطيب علاقته بفرنسيس حينما قال خلال آخر ملتقى جمعه مع بابا الفاتيكان في العاصمة الكازاخية «نور سلطان» الشهر الجاري، إنه «رغم اختلافه مع البابا فرنسيس (ديناً وعرقاً وتاريخاً ووطناً) ورغم أن آراء (متشددة) هنا وهناك حاولت أن تعرقل وما زالت - بل حرمت أحياناً - مجرد التقاء شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية؛ فإنهما حين اجتمعا، شعر كل منهما بأنه يعرف صاحبه منذ سنين عدة، ثم التقت القلوب على المودة المتبادلة، وعلى الصداقة والإخلاص، وكان توفيق الله تعالى كبيراً في إتمام وثيقة (الأخوة الإنسانية)، تلكم التي جاءت كأول ميثاق إنساني بين المسيحيين والمسلمين في عصرنا الحديث؛ لتتأكد النظرية التي يؤمن بها الأزهر دائماً، ويدعو إليها في كل مكان».
بدأت لقاءات الطيب وفرنسيس في الفاتيكان مايو (أيار) 2016 ثم بالقاهرة أبريل (نيسان) 2017... ومن أبرز هذه اللقاءات في الفاتيكان أعوام 2017 و2018 و2021، وفي أبوظبي عام 2019، وفي كازاخستان 2022 بخلافات الاتصالات الهاتفية التي تجمعهما بشكل دائم.
واللقاء القادم لفرنسيس والطيب سيكون عبر محطة ملتقى البحرين للحوار الذي يحمل عنوان «حوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني» مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، الذي تنظمه البحرين بالشراكة مع مجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر، بحضور أكثر من 200 شخصية دينية حول العالم يمثلون كافة الأديان والمذاهب... وتلقى (مساء الثلاثاء) الطيب وفرنسيس دعوة من العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة لحضور الملتقى.
البابا فرنسيس أكد في وقت سابق أن «الأخوة الإنسانية تقودنا إلى الانفتاح على الجميع، وأن نتبين أننا كلنا إخوة، لنتشارك الحياة ونمد يد العون لبعضنا، ولنحب الآخرين ونتعرف عليهم». وأشار إلى أن «الأخوة هي الحل للقضاء على الحروب، وتدمير الشعوب، وحرمان الأطفال من الغذاء، وتراجع مستوى التعليم»، موضحاً أن «طريق الأخوة، طريق طويل وصعب؛ لكنه (قارب النجاة) للإنسانية جمعاء».
ويتفق معه الدكتور الطيب بقوله إن «طريق السلام والحوار طريق شاق وصعب؛ لكن السير فيه وبذل الجهود واجب على الجميع، والعالم لن يستقر باقتصاد السلاح، الذي يقوم على إشعال الفتن والحروب وإزهاق الأرواح، لكنه بحاجة ملحة إلى قيم الإخاء والتعايش السلمي واحترام الآخر».
ووقع الطيب وفرنسيس وثيقة «الأخوة الإنسانية» برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، في أبوظبي 4 فبراير (شباط) 2019، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع في ديسمبر (كانون الأول) 2020 قدمته «المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين»، ليكون 4 فبراير «يوماً دولياً للأخوة الإنسانية».
ووفق وزارة الخارجية المصرية حينها، فإن «القرار جاء تقديراً لذكرى يوم توقيع وثيقة (الأخوة الإنسانية والسلام العالمي والعيش المشترك) في أبوظبي، وهي الوثيقة التي تمثل حدثاً تاريخياً يحمل رسالة سلام ومحبة وإخاء إلى العالم، وتحث الشعوب على التسامي بالقيم البشرية ونبذ التعصب...»، وتركز الوثيقة على عدد من النقاط المهمة، من أبرزها «التأكيد على أن الأديان لم تكن قط مثيرة للعنف وإراقة الدماء».
وبحسب الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ميغيل أنخيل موراتينوس، فإن «وثيقة (الأخوة الإنسانية) بما تمثله من رمزية دينية، ممثلة في الدكتور الطيب والبابا فرنسيس، جاءت في وقت مهم وحرج، خاصة في ظل ما يعانيه العالم من حروب واقتتال وصراعات، وانتشار لأمراض التعصب و(الكراهية) وتغليب للمصلحة الفردية والنزعة المادية».
أما الأمين العام لمجلس الحكماء المسلمين، محمد عبد السلام، فقد قال إن «وثيقة (الأخوة الإنسانية) شكلت نداء الأمل الذي حمل شعار السلام العالمي والعيش المشترك، منذ أن أطلقها الدكتور الطيب والبابا فرنسيس، لتكون خطوة نوعية وبناءة في طريق مد الجسور بين أبناء الديانات كلها عبر العالم»، مضيفاً أن «الحوار بين الشرق والغرب يعزز السلام المجتمعي، ويحمي المجتمعات من أفكار التنظيمات (المتطرفة)».
الفاتيكان والأزهر... لقاءات متكررة تُعزز التعايش وتقاوم «الكراهية»
فرنسيس والطيب يشاركان في «حوار الشرق والغرب» بالمنامة
الفاتيكان والأزهر... لقاءات متكررة تُعزز التعايش وتقاوم «الكراهية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة