عالم مصري يعيد الاعتبار لـ«الحمض النووي الخردة»

أثبت أهميته في حماية الخلايا

شريف الخميسي داخل معمله في جامعة شيفيلد (الشرق الأوسط)
شريف الخميسي داخل معمله في جامعة شيفيلد (الشرق الأوسط)
TT

عالم مصري يعيد الاعتبار لـ«الحمض النووي الخردة»

شريف الخميسي داخل معمله في جامعة شيفيلد (الشرق الأوسط)
شريف الخميسي داخل معمله في جامعة شيفيلد (الشرق الأوسط)

بينما كان العالم المصري شريف الخميسي، أستاذ الطب الجيني، ورئيس قسم الأبحاث في جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة، يدرس التعبير الجيني لمجموعة من الخلايا العصبية المأخوذة من «المخيخ»، لفت انتباهه وجود كميات كبيرة من بروتين، من المفترض أنه يرتبط بتجدد الخلايا وانقسامها، لذلك يوجد بكثرة في الخلايا المتجددة بالجسم، وليس من بينها الخلايا العصبية في الدماغ؛ حيث يُولد الإنسان بمجموعة من الخلايا تستمر معه طول العمر.
كان العثور على هذا البروتين المسمى «البروتين الانقسامي للجهاز النووي (NuMA)»، في خلايا المخيخ، وهو جزء من الدماغ مسؤول عن ضبط النشاط الحركي للإنسان، مثيراً لفضول الخميسي، الذي تساءل عن أسباب احتياج الخلايا العصبية لهذا البروتين، بينما هي لا تتكاثر، ودفعه البحث عن إجابة، إلى اكتشاف السر، الذي أعطى مزيداً من الاهتمام لما يسمى بـ«الحمض النووي الخردة» أو «junk DNA».
وأخذت مناطق الجينوم المشفرة إلى بروتينات، التي يطلق عليها «الجينوم المشفر»، كثيراً من اهتمام العلماء، رغم أنها تمثل نحو 2 في المائة فقط من إجمالي الجينوم البشري بأكمله، لأن التغييرات (الطفرات)، التي تحدث فيها تمثل نحو 85 في المائة من المتغيرات الوراثية المسببة للأمراض.
ويطلق على باقي أجزاء الجينوم، التي تمثل 98 في المائة من الجينوم البشري (الجينوم غير المشفر) أو «الحمض النووي الخردة»، لأنها لا تتداخل بقوة في آلية إنتاج البروتينات، وتقتصر قيمتها فقط على تكملة المادة الوراثية.

غير أن العلماء توصلوا مؤخراً لاكتشافات أبرزت أهمية «الحمض النووي الخردة»، إذ وجدوا أن له دوراً تنظيمياً يتحكم في آلية أجزاء من الجينوم المشفر، منها أنه يحوي تسلسلات تعمل كعناصر تنظيمية، تحدد متى وأين يتم تشغيل الجينات وإيقاف تشغيلها وتحويل المعلومات من الجينات إلى بروتينات، وقادت دراسة الخميسي لدور البروتين (NuMA) في المخيخ، المنشورة أمس (الأربعاء) في دورية «نيتشر»، إلى إعطاء مزيد من الأهمية لهذا النوع من الحمض النووي.
يقول الخميسي لـ«الشرق الأوسط»: «وجدنا أن هذا البروتين يؤدي وظيفة مهمة، هي الحماية من الكسور التي تصيب الحمض النووي الخردة في الخلايا العصبية، وبالتالي يضمن بقاءها لأطول فترة ممكنة، باعتبارها خلايا لا يمكن تعويضها لأنها غير متجددة».
وشبّه الخميسي الدور الذي يلعبه هذا البروتين، بدور المايسترو في الفرقة الموسيقية؛ حيث إنه يقود آلية إصلاح المادة الوراثية في أجزاء الحمض النووي الخردة بمعاونة مجموعة من البروتينات، أبرزها «TDP1» و«XRCC1»، وهي بروتينات معروف بالفعل أن لها دوراً في إصلاح الحمض النووي التالف في نواة الخلية.
ووفق ما رصده في دراسته، بمجرد حدوث ضرر في الحمض النووي، فإن وظيفة بروتين «NuMA»، تتمثل في أنه يستدعي بروتيني «TDP1» و«XRCC1»، بالإضافة إلى بروتينات أخرى مهمة، للأجزاء التالفة من «الحمض النووي الخردة» ليتم إصلاحها، وهذه الخطوة لم تكن معروفة من قبل.

يقول الخميسي إن «أي تعطل في هذه الآلية التي تحدث بشكل طبيعي يتسبب في طفرات تؤدي إلى عطب في البروتينات، تنتج عنه أمراض الجهاز العصبي؛ حيث أثبتنا من خلال التجارب أن الخلايا العصبية تموت، إذا لم يعمل بروتين (NuMA) على إصلاح المادة الوراثية في أجزاء الحمض النووي الخردة بشكل جيد وفق الآلية التي اكتشفناها».
ويوضح أن هذه النتائج تغير المفاهيم المتعلقة بالأمراض ذات الأصل الوراثي كونها تكشف أهمية التركيز على الجينوم الكامل، وليس المشفر فقط؛ حيث إن سلامة «الحمض النووي الخردة» ضرورة لسلامة «الحمض النووي المشفر».
وعن انعكاس ذلك على علاج الأمراض، يقول الخميسي: «كنا محظوظين بالعثور على الآلية الجديدة في خلايا المخيخ، لكنها توجد في الخلايا بأعضاء الجسم الأخرى، ومن ثم يمكن استغلال هذا الاكتشاف في التوصل لأدوية تستهدف عدداً كبيراً من الأمراض».
ويضيف: «خلايا عضلات القلب على سبيل المثال، باعتبارها من الخلايا التي لا تتكاثر مثل خلايا المخيخ، يمكن دراسة تأثير عدم كفاءة هذه الآلية في تدهورها».
في المقابل، بدلاً من أن نحافظ على وجود هذه الآلية، يمكن أن تعمل الأدوية على تغييبها في الخلايا السرطانية، عبر تعطيل اتصال بروتين «NuMA» مع البروتينات الأخرى التي تُعاونه، وبالتالي يساعد ذلك على تسريع موت تلك الخلايا.
ويعدّ الخميسي نشر تفاصيل هذه الآلية في «نيتشر» بمثابة اعتراف علمي رفيع المستوى بقيمة هذا الاكتشاف، بسبب ضوابط النشر العلمي في هذه الدورية العلمية الرائدة، التي لا تقبل سوى أقل من واحد في المائة مما تتلقاه من أبحاث.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
TT

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)

حث الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة، السبت، الطلاب المبتعثين في برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» في اليابان، على أهمية التأهيل العلمي والأكاديمي في التخصصات الثقافية للإسهام بعد تخرجهم في رحلة تطوير المنظومة الثقافية في بلادهم.

وأكد الأمير بدر بن عبد الله، خلال لقائه عدداً من الطلاب المبتعثين في مقر إقامته في طوكيو، دعم القيادة السعودية لكل ما من شأنه تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة.

ويُقام البرنامج التدريبي بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركة «مانجا للإنتاج»، التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، الذي يستهدف موهوبي فن المانجا ضمن برنامج تدريبي احترافي باستخدام التقنيات اليابانية؛ منبع هذا الفن.

حضر اللقاء الدكتور محمد علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، والدكتور عصام بخاري الرئيس التنفيذي لشركة «مانجا للإنتاج»، وعددٌ من الطلاب والطالبات المبتعثين لدراسة فن المانجا في أكاديمية كادوكاوا، إحدى أكبر الأكاديميات في اليابان، التي تهتم بتدريب واستقطاب الخبرات والمهتمين بصناعة القصص المصورة.

يشار إلى أن البرنامج التدريبي يتضمن 3 مراحل رئيسية، بدءاً من ورش العمل الافتراضية التي تقدم نظرةً عامة حول مراحل صناعة القصص المصورة، تليها مرحلة البرنامج التدريبي المكثّف، ومن ثم ابتعاث المتدربين إلى اليابان للالتحاق بأكاديمية كادوكاوا الرائدة في مجال صناعة المانجا عالمياً.

كما تم ضمن البرنامج إطلاق عدد من المسابقات المتعلقة بفن المانجا، وهي مسابقة «منجنها» لتحويل الأمثلة العربية إلى مانجا، ومسابقة «مانجا القصيد» لتحويل القصائد العربية إلى مانجا، ومؤخراً بالتزامن مع عام الإبل 2024 أُطلقت مسابقة «مانجا الإبل» للتعبير عن أصالة ورمزية الإبل في الثقافة السعودية بفن المانجا.

وتجاوز عدد المستفيدين من البرنامج 1850 متدرباً ومتدربة في الورش الافتراضية، وتأهل منهم 115 للبرنامج التدريبي المكثّف، أنتجوا 115 قصة مصورة، وابتُعث 21 متدرباً ومتدربة إلى اليابان؛ لصقل مواهبهم على أيدي خُبراء في هذا الفن، إضافة إلى استقبال 133 مشاركة في مسابقة «منجنها»، وما يزيد على 70 مشاركة في مسابقة «مانجا القصيد»، وأكثر من 50 مشاركة في «مانجا الإبل».

يذكر أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تقدم برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» بالتعاون مع شركة «مانجا للإنتاج»، بهدف تأسيس جيل مهتم بمجال صناعة المانجا، وصقل مهارات الموهوبين، ودعم بيئة المحتوى الإبداعي في المملكة.