سوريا والأكراد... و«دستور العصافير»

(تحليل إخباري)

جانب من تشييع عضو في «قوات سوريا الديمقراطية» بمدينة القامشلي في 25 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
جانب من تشييع عضو في «قوات سوريا الديمقراطية» بمدينة القامشلي في 25 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

سوريا والأكراد... و«دستور العصافير»

جانب من تشييع عضو في «قوات سوريا الديمقراطية» بمدينة القامشلي في 25 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
جانب من تشييع عضو في «قوات سوريا الديمقراطية» بمدينة القامشلي في 25 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

يروي قيادي كردي سوري أن أحد محاوريه في دمشق قال في إحدى جلسات التفاوض، ما مفاده، إنه إذا تم إدراج اللغة الكردية في الدستور السوري، فهل هذا يعني أن يأتي اليوم الذي تدرج فيه لغة العصافير في الدستور؟ من جهته؛ علق عضو في الوفد الكردي بأنه لا مانع من ذلك إذا كانت لغة العصافير مفهومة.
هذا الجدل الدستوري يختصر العلاقة بين دمشق والقامشلي. خلال الجولات وعبر السنوات لم يقترب الطرفان كل منهما من الآخر؛ بل إن الفجوة تعمقت والريبة تفاقمت والعقيدة تشربت من الخلاف القومي. حالياً، ينظر المسؤولون السوريون بكثير من الشك إلى «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» ومكونها الرئيسي في «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تسيطر بدعم أميركي على ربع مساحة البلاد ومعظم ثروات العباد، إلى حد اتهامها بـ«الخيانة» و«التآمر مع الاحتلال الأميركي، لتقسيم البلاد» وامتلاك «نزعات انفصالية». أما المسؤولون الأكراد؛ فيتهمون «النظام السوري بالسعي إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2011» و«عدم التخلي عن عقلية بعثية شوفينية» ورفض تقديم أي تنازل سياسي حقيقي لهم.
عملياً؛ دمشق مصرة على أن يوقع قادة «قسد» وجناحها السياسي «مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)» وثيقة تتضمن التزام أربعة بنود: الاعتراف بالرئيس بشار الأسد رئيساً للبلاد كلها، والتمسك بوحدة الأراضي والسيادة السورية، واحترام العلم السوري رمزاً وحيداً للبلاد، ودعم الجيش العربي السوري وانضمام «قسد» إليه.
هذه «الوثيقة الرباعية» معلقة على بوابة قاعدة التفاوض في انتظار التوقيع، فيما يواصل وفد القامشلي التمسك بـ«الإدارة الذاتية» والاعتراف بها ضمن وحدة الأراضي السورية، وتكييف ذلك مع القوانين؛ بما في ذلك قانون الإدارة المحلية رقم «107»، وضم بند إلى الدستور يتضمن الاعتراف باللغة الكردية، والحفاظ على استقلالية «قسد» في «الجيش السوري المستقبلي»، إضافة إلى التوزيع العادل للثروات الاستراتيجية التي تسيطر «قسد» حالياً عليها وتطالب السلطات المركزية في العاصمة باستعادتها.
في العمق؛ تراهن دمشق على الزمن: سيأتي اليوم الذي ينسحب فيه الأميركيون من شمال شرقي سوريا كما انسحبوا من أفغانستان. سيأتي اليوم الذي تخون فيه واشنطن الأكراد، كما خانتهم عبر التاريخ وتخلت عن حلفاء آخرين. تراهن أيضاً على حلفائها في طهران وموسكو وخصومها في أنقرة.
أيضاً يعوّل الأكراد على الوقت والحلفاء. مع مرور الزمن؛ ستتحول حقائق الواقع المؤقتة إلى «حلول دائمة». كما يشربون من قوتهم العسكرية والعصب التنظيمي والمدد الآيديولوجي... والقلق الغربي من عودة «داعش» في العراق وسوريا.
جديد مسار دمشق - القامشلي يأتي مما يحصل على خط الخصوم دمشق - أنقرة. رياح التطبيع التي تهب بنفحات روسية بين سوريا وتركيا، محط اهتمام وقلق من الأكراد. هناك شروط كثيرة قدمها مسؤولو الأمن في البلدين خلال مفاوضات سرية في موسكو. دمشق تريد جدولاً زمنياً للانسحاب التركي، واستعادة إدلب، ووقف دعم الفصائل، وفتح طريق حلب - اللاذقية، واستعادة معبر باب الهوى في إدلب، ودعم إعمار سوريا وعودتها للمنظمات العربية والدولية، والالتفاف على العقوبات الغربية. أنقرة تريد العمل ضد «حزب العمال الكردستاني» وجناحه السوري «الوحدات» الكردية، والتعاون بين أجهزة الأمن لضبط الحدود، وعودة اللاجئين السوريين، وإنشاء مناطق آمنة بعمق 30 كيلومتراً، وتسهيل عمل اللجنة الدستورية السورية.
هناك مطالب ومطالب مضادة... هناك خلافات عميقة؛ لكن المتفق عليه هو ارتفاع منسوب القلق من الأكراد وتنامي الاستعداد للتنسيق ضد «الكيان الكردي الانفصالي» الذي يهدد «كيان الدول المجاورة». وهناك معلومات عن اتفاق سري سوري - تركي - إيراني برعاية روسية على هامش القمة الثلاثية في طهران خلال يوليو (تموز) الماضي، لتبادل المعلومات الأمنية، مما سمح بتصاعد ضربات المسيّرات (الدرون) التركية ضد قياديين في «قسد» و«العمال الكرستاني» بعمق 30 كيلومتراً؛ بل إن بعض الضربات أصاب أطراف القواعد الأميركية شرق الفرات... وسط صمت أميركا غير الراغبة في إغضاب أنقرة؛ اللاعب الذي يتنامي دوره في الحرب الأوكرانية. أيضاً؛ نشطت وساطة موسكو بين دمشق والقامشلي. وساطة على الطريقة الروسية. هي تدعو الأكراد؛ وتحديداً قائد «قسد» مظلوم عبدي إلى المجيء إلى دمشق للقبول بالمطالب السورية والتوقيع على «الوثيقة الرباعية» وتنسيق الانتشارات العسكرية بين «قسد» والجيش السوري شرق الفرات.
وفي موازاة انسداد النقاش الدستوري والسياسي السوري - الكردي ما وراء «دستور العصافير»، تسعى موسكو إلى فتح نقاش بين الحكومة السورية والمعارضة من البوابة الدستورية. وآخر اقتراحات روسيا هو التخلي عن جنيف مكاناً لاجتماعات اللجنة الدستورية بتسهيل أممي من المبعوث الدولي غير بيدرسن، وعقدها في شكل متسلسل في أنقرة وموسكو وأصفهان... مدن تابعة في الدول الثلاث الضامنة «مسار أستانة» الذي اخترعته موسكو منافساً لـ«مسار جنيف». الهدف؛ ليس العبور إلى ما وراء «دستور العصافير»، بل أن يتحول النقاش الدستوري منصة للتطبيع بين دمشق وأنقرة... وإقصاء واشنطن وحلفائها عن المسار السياسي السوري.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.