لا يكفي أن تكون الشخصيات خليجية لتصبح المسلسلات خليجية بالضرورة. هذا يتضح، مرّة أخرى، وبعد المسلسلات التي شوهدت في الأعوام السابقة، في مسلسل بعنوان «دبي - لندن - دبي» (يبث على محطة دبي الأولى) من إخراج جمعان الرويعي.
كل الرغبات في أماكنها الصحيحة. لكن التنفيذ شيء آخر. لدينا هنا حكاية مجموعة من الشباب الإماراتي الذي أمّ لندن للدراسة. أحدهم لديه طموحات عليا ورغبة في العمل هناك وتأسيس مستقبله. ما يعيقه هو أن عائلته تريد عودته. ينتقل المسلسل على نحو متواصل بين ما يحدث مع عائلته وما يحدث معه. وشكرًا لصديقه منصور الذي هو بمثابة لوحة الكتابة فكل ما لدى بطل المسلسل قوله لإيضاح مواقفه يقوله لمنصور بذلك يفهم المشاهد ما يعتمر في ذاته.
أمثال هذا المسلسل ما زالت تعمد إلى المعالجة الخالية من الإبداع ذاتها التي كان على المحطات المنتجة تجاوزها من البداية. التأثير المباشر لها، معالجة وتنفيذًا وكتابة وموسيقى، متأت من مشاهدة الكثير من المسلسلات المصرية… ليس كل المسلسلات فالكثير منها تجاوز هذه المآزق والمحن وبات أكثر سلاسة وجذبًا للاهتمام.
الشخصيات الماثلة تتكلم اللهجة الإماراتية لكنها قد تكون - في مسلسل آخر - كويتية أو مغربية أو لبنانية. ما يمنح المسلسل هويّـة البلد النابع منه هو المعالجة وليس النص. أو في أفضل الأحوال ليس النص وحده.
أفضل منه المسلسل الكوميدي «شبيه الريح» (أبوظبي) للمخرج بطال سليمان وبطولة عبد الله زيد. هذا مسلسل كوميدي عن أستاذ سابق اسمه
معروف يعود إلى التدريس بعدما انقطع عنه. خلال سنوات الغياب تغيّـرت المناهج وأساليب التعليم وفاته قطار المواصلة. الآن عليه أن يبرهن أنه ما زال صالحًا للتعليم. لكن المشاكل تبدأ من اليوم الأول لعودته. ليس أن المسلسل عمل فني ناضج ولا حتى هو ممتلئ بحسنات التنفيذ، لكنه لا يرمي إلى تأسيس نفسه كدراسة سلوك، بل يعمد سريعًا إلى التخصص في معالجته الكوميدية. لم أشاهد الكثير من أداءات الممثل عبد الله زيد سابقًا، لكنه يعرف ما يريد ويحققه ولو أنه في أحيان يزيد من الجرعة التي كانت كافية لإيصال ما يريد. أفضل منهما معًا، مسلسل إماراتي آخر هو «لو أني أعرف خاتمتي» (محطة أبوظبي): دراما مشحونة بالمواقف المتوترة والنزاعات بين بطل المسلسل (الممثل القطري غازي حسين) وأفراد عائلته يتخللها علاقته بزوجته من ناحية وبابنه سيف من ناحية أخرى. ليس من السهل تصديق مشهد يبكي فيه الممثل (وفي هذه الحال الزوجة في مشهد يقع في الجزء الرابع) لكن الجميع يحاول فعلاً الإسهام بأفضل ما لديه.
هناك مستوى جيّـد في هذا الإنتاج قام به كل من هيفاء حسين والممثل الجيد حبيب غلوم (له دور مساند هنا) والإخراج من أحمد يعقوب المقلّـة يملك ما هو مفقود في مسلسلات أخرى: الهوية المحلية. على ذلك، تمر تلك الانتقالات من الزمن الحاضر إلى الماضي على نحو غير مريح ومثل كل «فلاشباك» في معظم الأعمال، على كل شيء أن يتوقف لجلاء الموقف المعترض الذي وقع قبل بضعة أشهر مثلاً.
ليس أنه ليس هناك تقدّم في مستوى الأعمال الخليجية عمومًا، لكنه لا يزال دون لفت النظر ولأسباب من بينها ما هو إنتاجي صرف.
ثم إن هناك حلاً لمشكلة المستوى في الأعمال الخليجية (خصوصًا في البحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت) وهو يتطلب جلب المخرجين الخليجيين الذين برهنوا على مكانتهم في السنوات العشر الأخيرة سينمائيًا. هؤلاء سيحملون إلى المسلسلات النفس الخليجي الصحيح. الهوية الفنية والاجتماعية المطلوبة وسيحوّلون النص إلى معالجة مثيرة للاهتمام.
بالطبع هناك مسألة عالقة بين الطرفين: المحطات التلفزيونية لا تتقدّم إلى هؤلاء المخرجين لتعرض عليهم أعمالاً، والمخرجون، بدورهم، ينظرون إلى العمل التلفزيوني نظرة فوقية (هل ألومهم؟).
لكن تصوّر لو أن خالد الصديق وعامر الزهيري من الكويت ونوّاف الجناحي ووليد الشحي من الإمارات وبسام الذوادي أو محمد راشد بوعلي، وكلهم وسواهم اجتازوا مرحلة البداية وثغراتها، اشتغلوا على المسلسلات الرمضانية وكيف سيكون الحال آنذاك؟!
شاشات: حل مقبول للمسلسلات الخليجية
شاشات: حل مقبول للمسلسلات الخليجية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة