الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني يؤكد حق الحكومة المستقيلة في تولي صلاحيات رئيس الجمهورية

في دراسة دستورية تنفرد «الشرق الأوسط» بنشرها

الرئيس نجيب ميقاتي يترأس اجتماعاً للحكومة قبل تحولها الى تصريف الاعمال (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي يترأس اجتماعاً للحكومة قبل تحولها الى تصريف الاعمال (دالاتي ونهرا)
TT

الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني يؤكد حق الحكومة المستقيلة في تولي صلاحيات رئيس الجمهورية

الرئيس نجيب ميقاتي يترأس اجتماعاً للحكومة قبل تحولها الى تصريف الاعمال (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي يترأس اجتماعاً للحكومة قبل تحولها الى تصريف الاعمال (دالاتي ونهرا)

أكد الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني القاضي محمود مكية، في دراسة دستورية خاصة حصلت عليها «الشرق الأوسط»، حق حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في تولي مهمات رئيس الجمهورية، في حال لم يتمكن البرلمان اللبناني من انتخاب خلف للرئيس ميشال عون مع انتهاء ولايته في آخر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
ويشير مكية إلى أن الفقه والاجتهادين اللبناني والفرنسي استقروا على اعتبار أن صلاحيات رئيس الجمهورية، تُمارس من قِبل مجلس الوزراء كهيئـــة جماعية، وباســــتطاعة المجلـــس المنوط به صلاحيات رئيس الجمهورية مؤقتاً أن يُمارس دون أي قيد كل الصلاحيات التي يُمارسها دستورياً رئيس الجمهورية.
وعن صلاحية الحكومة التي تتولى تصريف الأعمال في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، يقول مكيه إنه تحاشياً للوقوع في فراغ الحُكم، وحرصاً على سلامة الدولة يحق للحكومة المُستقيلة أن تتولى صلاحيات الرئاسة الأولى وكالة إلى أن يتمكن المجلس من اختيار رئيس جديد.
أما الحجة بأن الحكومة مستقيلة فلا يتوافق مع المفهوم الخاص بتصريف الأعمال باعتبار أنه يقتضي على هذه الحكومة أن تُبادر إلى اتخاذ كل الإجراءات التي تتطلبها الحالة القائمة، مهما كان لهذه الإجراءات من ذيول ونتائج، وذلك بشرط واحد، وهو أن تكون مُضطرة لذلك، حفظاً للمصلحة العامة. وهنا نص الدراسة:
مع قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وبداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد والحديث عن الفراغ في سُدة الرئاسة الأولى بفعل تعذّر أو بالأحرى التمنُّع عن ممارسة الواجب الدستوري بانتخاب رئيس جديد للبلاد، رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، لحجج وأسباب مُتنوّعة وجميعها غريبٌ عن منطق الدولة وتُخالف واجب النواب بعدم تعطيل ممارسة الهيئة العامة لواجبها الدستوري، يدور النقاش حول الصلاحيات التي أناطها الدستور برئيس الجمهورية وتحديداً الجهة التي تنتقل إليها ممارسة تلك الصلاحيات، والأهمّ عن الكيفيّة التي تُمارس بها.
فالدستور اللبناني ذكر بوضوح صلاحيات رئيس الجمهورية في الأحوال العاديّة وعلاقته بالحكومة ورئيسها، إلا أنّ نصوصه المُتعلّقة بدور الرئيس في تشكيل الحكومة تحتمل التأويل فكَثُرت التحليلات والنظريّات وطغى على أكثرها الخلفية الحزبية والطائفية وأثّر سلباً على تشكيل الحكومات هذا إن شُكّلت، كما يتبيّن أيضاً أن الدستور أغفل بيان دور الرئيس في العلاقة مع حكومة مُستقيلة أو مُعتبرة مُستقيلة أو قبل نيلها الثقة، ما حدا بالفقه والاجتهاد، وتحاشياً للفراغ، وتأميناً لاستمرارية سير المرافق العامة، إلى اللجوء إلى ما تُسمى الموافقات الاستثنائيّة، وهي تصدر عن رئيسَي الجمهورية والحكومة نيابةً عن مجلس الوزراء وتُعرض لاحقاً على هذا الأخير للموافقة عليها على سبيل التسوية.

                                                              القاضي محمود مكية
وما بين صلاحيات الرئيس في الأحوال الطبيعية والعادية، وصلاحياته الاستثنائية عند استقالة الحكومة أو عدّها في حكم المُستقيلة أو قبل نيلها الثقة، حدّد الدستور بشكل واضح لا يحتمل أي شكّ أو تأويل، الجهة التي تنتقل إليها صلاحيات الرئيس في حال خلوّ سُدّة الرئاسة لأي عِلّة كانت فنصّت المادة «62» منه على أن تُناط في هذ الحالة، صلاحيات الرئيس وكالةً بمجلس الوزراء.
ومن بدهيّات القول إن المرجع الأول والأخير في تحديد الصلاحيات هو الدستور الذي تسمو أحكامه على غيره من القواعد القانونيّة بوصفه القانون الأساسي في الدولة من خلال وضعه للإطار السياسي والاجتماعي والاقتصادي لها، فضلاً عن كونه الجهة الوحيدة التي تُنشئ السلطات الحاكمة وتُحدّد اختصاصاتها بحيث يتوجب على هذه السلطات احترام أحكامه لكونه السند الشرعي لوجودها. ومن خلال هذه المُقاربة، أي الركون إلى الدستور ونصوصه والاستئناس بالاجتهادات القضائّية وآراء الفقهاء، يقتضي البحث في المواضيع التالية:
أولاً- في صلاحيات رئيس الجمهورية في الأحوال العاديّة ودوره في تشكيل الحكومة
حسب المادة -49- من الدستور رئيس الجمهوريّة هو «رئيس الدّولة ورمز وحدة الوطن» ويتولّى مُهمّة «السهر على احترام الدستور والمُحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه». وبذلك، ومع التعديل الدستوري الصادر بتاريخ 21 - 9 - 1990 لم يعد رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة الإجرائية التي انتقلت بموجب المادة -17- إلى مجلس الوزراء مُجتمعاً وممثلاً لجميع الطوائف.
غير أن رئيس الجمهورية بقي يتمتّع بموقع مُتقدّم بوصفه حَكَماً بين السلطات ومؤتمَناً على الدستور واحترام القوانين ومرجعيّة وطنيّة خصّها الدستور وحدها، نظراً لدورها، بأداء قسَم الإخلاص للأمة والدستور.
وإنه انطلاقاً من النصوص الدستورية (المادة -51- وما يليها) وخلافاً لما يظُنّه البعض، فإنّ تعديل العام 1990 جعل منه قطباً دستورياً وفاعلاً مؤثراً وسلطة فوق كل السلطات تُمكنّه من مراقبة عملها والتدّخل عند الضرورة لفرض احترام القوانين ودستوريتها.
فمن مُراجعة الدستور يتبدّى وجود نصيّن حدّدا الإطار الدستوري لمُهمّة كلّ من الرئيسين ورسمتا دائرة تحرّكهما في مسألة تشكيل الحكومة. فالمادة -53- نصّت على أن يُصدر رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، أمّا المادة -64- والمُتعلقة بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء فقد نصّت على أن يوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة، وقد أعطته الفقرة الثانية من هذه المادة الدور الأساسي في عملية التأليف بعد أن خصّته بمهمّة إجراء الاستشارات النيابيّة لاختيار الوزراء.
ومن هنا فإن النصّ الدستوري، أوجب على كلٍّ من الرئيسين، ومن حيث المبدأ التعاون في إنجاز هذه المهمّة، فدور رئيس الحكومة مُستمَدّ من المبادئ الدستوريّة، وأوّلها الثقة التي منحته إيّاها الأكثريّة النيابيّة، وثانيها مسؤوليّة الحكومة أمام مجلس النواب كون قيام الحكومة وبقاؤها يفرضان حيازة ثقة مجلس النواب واستمرار هذه الثقّة. أما دور رئيس الجمهورية فهو دور المُؤازر والداعم والمُسهّل لمُهمّة رئيس الحكومة، يُراقب عن كثب عمل الوزارات فيُرشد ويُنبّه، وعند الضرورة يتدخّل لتصويب الأداء واضعاً دائماً نُصب عينيه مصلحة البلاد العُليا.
وتدقّ المسألة عندما يَحتدم النقاش (وهو بالواقع خلاف) بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول موضوع تشكيل الحكومة وتَبرز إلى الواجهة مسألة الصلاحيات، والنتيجة تكون إمّا تعطيل تشكيل الحكومة مع ما يَستتبع في بعض الأحيان من اعتذار رئيس الحكومة (المُكلّف) عن التشكيل، وإما القبول بالشروط والشروط المُضادة من خلال تَسويات مُقنّعة تتبدّد مفاعيلها عند أول استحقاق وتَنعكس بنهاية المطاف سلباً على عمل الحكومة وأدائها على النحو الذي يَشهده الواقع السياسي في لبنان.
وعليه، وانطلاقاً من نصّ المادتين المومأ إليهما وروحيّتهما، يستهِلّ رئيس الحكومة المُكلّف عملية التأليف بإجراء استشارات مُشابهة لتلك التي يُجريها رئيس الجمهورية مع النواب لتسمية رئيس الحكومة، وغالباً ما تأتي مطالب الكتل النيابيّة مُتضاربة، فيبرز هنا دور رئيس الجمهورية، من موقعه المُتميّز كحكم في الصراع السياسي، في تقديم النّصح والتوجيهات الكفيلة بتذليل الصعوبات وتسهيل الوصول إلى الحلول التوافقية.
(التشاور بين رئيسي الجمهورية والحكومة هو الشرط الأساسي في عملية التشكيل أما الشراكة فتكون فقط في توقيع المراسيم)
وبذلك يكون التشاور بين كلّ من الرئيسين هو الشرط الأساسي في عملية التشكيل، أما الشراكة، فتكون في توقيع المراسيم. هذه هي الفسحة التي تُتيح لرئيس الجمهورية والرئيس المُكلّف التوافق على التشكيلة وتعديلها أو تغييرها، انطلاقاً مما يتقدم به صاحب الصلاحية الحصرية.
وتزداد الأمور تعقيداً عندما يمتنع رئيس الجمهورية عن التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة بسبب التباين في الرأي مع رئيس الحكومة حول التركيبة الوزارية، وقد تعدّدت الحالات التي لجأ فيها الرئيس المُكلّف إلى الاعتذار تجنّباً لتفاقم الأزمة السياسية والدستورية التي قد تنشأ، علماً بأنه لا صلاحية لرئيس الجمهورية بإلزام رئيس الحكومة المُكلّف بالتأليف أو بالاعتذار. إذ بعد التكليف وتسمية رئيس الحكومة، لا سلطة ولا صلاحية لأي جهة بسحب التكليف أو وضع حدّ له، فاختيار رئيس الحكومة من النواب، ليس تفويضاً يُمكن سحبه، وليس تعييناً يُمكن العودة عنه.
(قبول استقالة حكومة مُستقيلة يؤشر لوجود نية تخريبية تهدد النظام بالسقوط ويعرّض الحكومة، رئيساً وأعضاء، للمساءلة بتهمة الإخلال بالواجبات)
ومن نافل البحث ما يتردد عمّا يُحكى، وبنيّة منعها من تصريف الأعمال، بأنه يمكن إصدار مرسوم بقبول استقالة الحكومة المستقيلة، ذلك أنه وبصرف النظر عن أن وجود نية كهذه ومن حيث المبدأ يعني وجود نية بتكريس الفراغ مع ما يترتب على ذلك من فوضى واستباحة لجميع مقومات الدولة ومرتكزاتها وإخلال بانتظام أداء المؤسسات الدستورية الذي يشكّل الركن الأساسي للانتظام العام، يبقى أن هذا الإجراء وإن كان يؤشر لوجود نية تخريبية، يجافي أولاً قواعد المنطق الدستوري السليم.
فمرسوم قبول الاستقالة في الحالات التي حددتها المادة -69- يرتدي الطابع الإعلاني وليس الإنشائي مع ما يترتب على ذلك من نتائج أهمها أن تصريف الأعمال الذي كرّسته المادة-64- يُمسي من واجبات الحكومة المستقيلة أو التي تعد في حكم المستقيلة، وإنّ امتناعها عن القيام بها، ومهما كانت حجتها أو تحت أي ذريعة كانت، يشكّل إخلالاً بالواجبات المترتبة عليها ويعرّضها، رئيساً وأعضاء، للمساءلة الدستورية بتهمة الإخلال بالواجبات كما نصت على ذلك صراحةً المادة -70- من الدستور.
ثانياً- في صلاحيات رئيس الجمهورية خلال فترة تصريف الأعمال
تأميناً لسير عجلة الدّولة ومنعاً لحدوث أي فراغ، تبقى الحكومة مُولجة بتصريف الأعمال على النّحو الذي لَحظته المادة -64- من الدستور وقد جاء ذلك مُنسجماً مع مبادئ النظام البرلماني التي أعاد التعديل الدستوري العمل بها، والتي تربط ممارسة الحكومة سُلطتها بدوام مسؤوليّتها أمام البرلمان وتجعل من استقالة الحكومة أو عدّها مُستقيلة خارج نطاق هذه الرقابة. كما جاء متوافقاً أيضاً مع وجوب تلافي اتّخاذ الحكومة لتدابير قد تُلزم الحكومة الجديدة وتقيّد من حريّتها في انتهاجها السياسة التي تراها أفضل.
وقد جرت العادة، وفي كلّ مرّة تدخل فيها الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، أن يُصدر رئيس مجلس الوزراء تعميماً يبيّن فيه الأعمال الإداريّة العاديّة التي تنحصر مبدئياً بالأعمال اليوميّة التي يعود للسلطة الإداريّة المُختصّة إتمامها، والأعمال التصرفيّة، وهي التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرّف باعتمادات مهمّة أو إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة، وهذه الأعمال تخرج بطبيعتها عن نطاق «الأعمال العاديّة» ولا يجوز لحكومة مُستقيلة القيام بها.
وهنا تبرز الإشكاليّة بالنسبة لمسألة التئام مجلس الوزراء بهيئة تصريف الأعمال ليُقرّر توفّر أو عدم توفّر «حالة الضرورة»، فبين الرأي القائل بأنّ في الدّعوة لعقد جلسة للمجلس خرقاً للدستور وتالياً مُخالفة للنّهج الذي سارت عليه سابقاً مُعظم الحكومات المُعتبرة مُستقيلة، والرأي الثاني غير المُلزم لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، الذي يُفيد بإمكانية انعقاد مجلس الوزراء حتى ولو كانت الحكومة مُستقيلة وفي فترة تصريف الأعمال، تبقى العبرة ليس في التئام مجلس الوزراء، بل في طبيعة القرار أو التدبير الواجب اتّخاذه والذي يفرضه مبدأ استمراريّة الدولة، بحيث يبقى التدبير المُتّخذ، وفي كل الأحوال، عملاً تصرفيّاً خارجاً من حيث المبدأ عن حدود تصريف الأعمال.
إلا أنّه وفي سبيل تخطّي هذه الإشكالية، درجت العادة على أن يتمّ اللجوء إلى آلية استقرّ التعامل بها من حكومات تصريف الأعمال، ويُستعاض فيها عن موافقة مجلس الوزراء بموافقة استثنائية تصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء يُصار بعدها إلى عرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية.
ورغم الملاحظات على هذه الآلية ومنها افتقارها إلى السند القانوني والدستوري الذي يسمح لكلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة باختصار السلطة الإجرائية في شخص كلّ منهما، ومساسها بركائز النظام البرلماني، فكيف يولّى رئيس الجمهورية غير المسؤول، وهو ليس شريكاً في اتّخاذ القرارات، صلاحية اختزال مجلس الوزراء مُجتمعاً برمّته، يبقى القول بأن البتّ بالأمور التي تتسّم بطابع العجلة الماسّة والضرورة خلال فترة تصريف الأعمال، ترى ما يُبرّرها في نظريّة الظروف الاستثنائيّة، التي أطلقها مجلس شورى الدولة الفرنسي والتي تُجيز الخروج عن القواعد المُتّبعة في الظروف العاديّة، بحيث يُعد بعض التدابير الإداريّة الخارقة للقواعد القانونية العادية شرعية في بعض الظروف، بوصفها ضروريّة لتأمين النظام العام وحسن سير المرافق العامة.
مع التوضيح في هذا السياق أن الحلّ الاستثنائي لا يكون بما تُسمّى «الموافقة الاستثنائية» (وهو ابتكار غريب عن العلم الدستوري والقانوني وعن اجتهاد المحاكم) بل من خلال صدور القرار المطلوب عن «سلطة بديلة»، فالقرارات التي تستوجب اتّخاذ قرار بشأنها من مجلس الوزراء، وبسبب الظروف الاستثنائية، تصدر ليس عن هذا المجلس بل عن سلطة بديلة مؤلفة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المُختّص.
ثالثاً- في انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية عند خلوّ سُدة الرئاسة
انسجاماً مع مبدأ الحفاظ على النظام القانوني واستمرار عمل المؤسسات العامة، عالج الدستور مسألة شغور سُدّة الرئاسة، فنصّت المادة -62- منه على أن صلاحيات رئيس الجمهورية تُناط وكالةً بمجلس الوزراء في حال خلوّ منصب الرئاسة لأي علّة كانت.
هذا وقد استقرّ كلٌّ من الفقه والاجتهادين اللبناني والفرنسي على اعتبار أنّ صلاحيات رئيس الجمهوريّة، واستناداً للمادة -62- من الدستور تُمارَس من مجلس الوزراء كهيئة جماعيّة، وباستطاعة المجلس المُناطة به صلاحيات رئيس الجمهورية مؤقتاً أن يُمارس دون أي قيد كل الصلاحيات التي يُمارسها دستورياً رئيس الجمهورية.
لكن السؤال يُطرح حول مدى صلاحية الحكومة التي تتولى تصريف الأعمال في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة في حال خلوّ سدّة الرئاسة. فإنه وعملاً بمبدأ استمراريّة المرفق العام وتحاشياً للوقوع في الفراغ أو في فراغ الحُكم، وحرصاً على سلامة الدولة يحقّ للحكومة المُستقيلة أن تتولّى صلاحيات الرئاسة الأولى وكالةً إلى أن يتمكّن المجلس من اختيار رئيس جديد.
وقد رأى الفقه أن التردّد في تطبيق المادة -62- من الدستور بحجة أن الحكومة مُستقيلة، لا يتوافق مع المفهوم الخاص بـ«تصريف الأعمال»، باعتبار «أنّه يقتضي على هذه الحكومة أن تُبادر، وجوباً، إلى اتخاذ كل الإجراءات التي تتطلّبها الحالة القائمة، مهما كان لهذه الإجراءات من ذيول ونتائج، وذلك بشرط واحد، وهو أن تكون مُضطرّة، حفظاً للمصلحة العامة، وهي القاعدة السياسية المعروفة لدى الرومان، بقولهم: salus populi suprema lex esto، أي إنّه يقتضي أن تكون سلامة الشعب القانون الأسمى».
(التمايز الواضح بين صلاحيات الحكومة المُكلّفة تصريف الأعمال والصلاحيات الخاصة برئيس الجمهورية يجعل كلّ منهما خاضعاً لأصول خاصة ترعاه)
ومن هنا فإن مجلس الوزراء المُكلّف تصريف الأعمال يُمارس صلاحياته (الخاصة به) بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، ويُمارس كل الصلاحيات الخاصة بالرئيس كاملة بالوكالة عنه في حال خلوّ سُدة الرئاسة، إلا تلك التي من شأن ممارستها إيجاد فراغ كامل في المؤسسات الدستورية ونعني بذلك بشكل خاص حلّ مجلس النواب بحيث من غير المقبول أن نكون أمام مشهديّة يتزامن فيها الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية مع حكومة مُستقيلة ومجلس نيابي تمّ حلّه.
واستناداً إلى المادة -62- المذكورة فإن مجلس الوزراء وعند خلوّ سدّة الرئاسة، سيُمارس وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية، وإنّ الأعمال والقرارات التي سيتّخذها ستتمتّع بصفة النفاذ المُباشر على اعتبارها تماماً كأنها صادرة عنه.
أمّا بالنسبة لكيفية إصدار تلك القرارات، فقد تصدّى مجلس شورى الدولة لمسألتي الأكثرية الواجبة وآلية إصدار المُقرّرات وكانت قراراته الكثيرة حاسمة وتوّجت بقرار صادر عن مجلس القضايا عُدّ بموجبه أنّه يقتضي تطبيق المبادئ العامة للأصول التي تفرض تطبيق نظام اتخاذ القرارات من الأكثريّة، وأن الأخذ بالرأي المُخالف يؤدّي إلى إعطاء الأكثرية والأقلية القوّة ذاتها في اتخّاذ القرارات وبالتالي إعطاء الأقليّة حق شلّ العمل الحكومي برمّته.
وختاماً، يبقى القول إن التعديل الدستوري في عام 1990 أعطى صلاحيات رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء الذي تتمثّل فيه كل الطوائف اللبنانية وتتحقّق فيه المُشاركة وفقاً لميثاق العيش المُشترك في إطار دولة مدنيّة عادلة وقادرة ترتكز على المساواة والعدالة الاجتماعية بمُختلف أبعادها الطبقيّة والمناطقية والطائفية بعيداً عن التلطي وراء النظام الطائفي الذي يستغله البعض لإثارة حساسيات، بخلفية طائفيّة وحتى مذهبية، في الأوقات التي تُناسبه لتشكّل درعاً يَحتمي خلفها ويُحقّق مكاسب خاصة على حساب الميثاق الوطني والوحدة الوطنية وبناء دولة القانون والمؤسسات.
المُحزن أنّه أمام كثرة المُناكفات والخلافات والمُشاحنات والتي شارك فيها الجميع من دون استثناء، وما رافقها من ابتداع لتفسيرات ومخارج مُبتكرة (ثلت ضامن، ثلث معطّل، ميثاقية، توافقية...) أُصيب النظام في مقتل ولم يعد قادراً على الصمود وأصاب معه الدستور الذي أصبح وجهة نظر تتغير النظرة إلى نصوصه حسب المواسم والمصالح والمُناسبات، ففقدَ أهم خصائصه كناظمٍ لبنية المؤسسات الحكومية والسياسية وعملها كما فقدَ عملياً الشرعية العامة سنده الأساسي وأصبح تفسيره المُتلّون والمُتبدّل نهجاً يُنشده الكثيرون أملاً إمّا باستعادة صلاحيات «مسلوبة» وإما تحقيق «مكاسب» جديدة وإما الحصول على «امتيازات» مفقودة.
وبعيداً عما يُسمّى الرئيس «القوي»، وهي صفة تُسيء حتماً لموقع رئاسة الجمهورية وتُجرّدها من هيبتها أولاً وقبل أي أمر آخر، يُطرح السؤال بأنّ هذا الرئيس المُسمى «قوي» هو قوي على مَن؟! ومع من هي تلك المعركة التي يتمتّع فيها الرئيس بمواصفات المحارب «القوي»؟! وهل قوة الرئيس أو ضعفه هما مصدر صلاحياته أم أنّ نصوص الدستور هي التي جعلته رئيساً لدولة يقتضي أن يكون مؤتمناً على قوّتها وليس حريصاً على قوته؟!
ونسأل إذا كان منطق «القوة» وما تسمّى «المواجهة» هو الذي سيحكم الحياة السياسية في البلاد وليس نصوص الدستور، فمن يضمن أن تُطالب كل الطوائف التي كرّس الدستور تمثيلها برجالاتها «الأقوياء»، وحينها نُصبح في ساحة معركة جميع المُتحاربين فيها من الأبطال والأقوياء، والبقاء لله والسلام على وطن النجوم.
بالانتظار سيبقى رئيس الجمهورية اللبنانية، دون خجل أو وجل أو مِنّة، بل حسب الدستور، رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، وسيبقى هذا الموقع لما أُريدَ له بأن يكون أسمى وأعلى من كل المراكز وفوق كل الصلاحيات، ومن ينادي، بخلاف ذلك بذريعة الصلاحيات وما شابه من تفاهات وهرطقات دستورية، يُلحِق بهذا الموقع، ولغايات ظرفية ومصالح ضيقة، أفدح ضرر يطال مكانته وهيبته قبل أي أمر آخر، ويُقحمه في زواريب الخلافات السياسية اليومية ويجعله طرفاً فيها فينتقل من موقع المُلهم والحَكَم ومن كونه سلطة أرادها الدستور أن تكون فوق كل السلطات إلى موقع الطرف المُشارك مع ما يترتّب على ذلك من نتائج أهمّها تحميله مسؤولية أي تعثر أو فشل نيابةً عن السلطة الإجرائية غير المنوطة به أصلاً، والتنبيه واجب لمن يعتبر ويرتدع وإلا فليتحمل من يتحمّل التبعات وحينها قد تُصبح العودة إلى تطبيق أحكام الدستور وجهة نظر ويُصبح معها البحث في صلاحيات الرئيس، رئيس الجمهورية اللبنانية، من الماضي.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
TT

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

قال المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا، الجمعة، إن هناك تقارير عن عمليات نزوح واسعة من مناطق في ريف حلب الغربي ومناطق داخل المدينة مع إعلان فصائل مسلحة دخولها مدينة حلب.

وأضاف المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا أن بعض العائلات نزحت من حلب وإدلب إلى أماكن إيواء جماعية في حماة.

وأشار المكتب إلى أنه تم إغلاق مطار حلب الدولي، وتعليق جميع الرحلات، مضيفاً أن «الوضع الأمني في حلب يتدهور بشكل سريع».

وسيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة أخرى على مدينة سراقب في محافظة إدلب، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، في إطار هجوم واسع تشنّه في شمال سوريا دخلت خلاله مدينة حلب.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أهمية سراقب (شمال غربي) أنها تمنع أي مجال للنظام من التقدم إلى حلب، وتقع على عقدة استراتيجية تربط حلب باللاذقية (غرب) وبدمشق».

دخلت مجموعات مسلحة بينها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا، الجمعة، مدينة حلب في شمال سوريا، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بعد قصفها في سياق هجوم مباغت وسريع بدأته قبل يومين على القوات الحكومية، هو الأعنف منذ سنوات.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الفصائل «دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية» لكبرى مدن الشمال السوري.

وأضاف أنّها سيطرت على خمسة أحياء في ثانية كبرى مدن البلاد، مشيراً إلى أنّ الجيش السوري «لم يبدِ مقاومة كبيرة».

وهي المرة الأولى التي تدخل فيها فصائل مسلحة إلى حلب منذ استعاد الجيش السوري السيطرة الكاملة على المدينة عام 2016.

وأفاد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في حلب بوقوع اشتباكات بين الفصائل، والقوات السورية ومجموعات مساندة لها.

كذلك، قال شاهدا عيان من المدينة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهما شاهدا مسلحين في منطقتهما، وسط حالة من الهلع.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 277 شخصاً، وفقاً للمرصد، غالبيتهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 28 مدنياً قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم الجيش في المعركة.

وبدأ الهجوم خلال مرحلة حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط مع سريان وقف إطلاق نار هش في لبنان بين إسرائيل و«حزب الله» الذي يقاتل منذ سنوات إلى جانب الجيش النظامي في سوريا.

ومع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل سيطرت على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال، وفقاً للمرصد السوري، في أكبر تقدّم منذ سنوات تحرزه المجموعات المسلحة السورية.

وكان المرصد أفاد، الخميس، بأنّ مقاتلي «هيئة تحرير الشام» وحلفاءهم تمكّنوا من قطع الطريق الذي يصل بين حلب ودمشق.

وتعرّض سكن جامعي في مدينة حلب الجمعة للقصف، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بحسب وكالة «سانا» الرسمية.

وأدت المعارك إلى نزوح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر (51 عاماً)، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورمايات مدفعية وأحياناً أصوات طائرات»، مضيفاً: «نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا».

وقال ناصر حمدو البالغ (36 عاماً) من غرب حلب، في اتصال هاتفي مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نتابع الأخبار على مدار الساعة، وقطع الطريق يثير قلقنا اقتصادياً لأننا نخشى ارتفاع أسعار المحروقات وفقدان بعض المواد».

ووصلت تعزيزات من الجيش إلى حلب، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري.

وقبل إعلان المرصد دخول «هيئة تحرير الشام» إلى المدينة، أشار المصدر الأمني إلى «معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب». وأضاف: «وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصاً على سيره، لكن نستطيع القول إن حلب آمنة بشكل كامل ولن تتعرض لأي تهديد».

وتابع: «لم تُقطع الطرق باتجاه حلب، هناك طرق بديلة أطول بقليل»، متعهداً بأن «تفتح كل الطرق قريباً».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 20 غارة على إدلب وقرى محيطة بها، وفق المرصد السوري، أدّت إلى مقتل شخص.

بدوره، أعلن الجيش الروسي، الجمعة، أن قواته الجوية تقصف فصائل «متطرفة».

عناصر تتبع فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

ونقلت وكالات أنباء روسية عن متحدث باسم مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية في سوريا قوله إن «القوات الجوية الروسية تنفذ هجمات بالقنابل والصواريخ على معدات وعناصر جماعات مسلحة غير شرعية ونقاط سيطرة ومستودعات ومواقع مدفعية تابعة للإرهابيين»، موضحاً أنها «قضت» على 200 مسلح خلال الـ24 ساعة الماضية.

ودعت تركيا، الجمعة، إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معقل المعارضة المسلّحة في شمال غربي البلاد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، عبر منصة «إكس»، إنّ الاشتباكات الأخيرة «أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية».

أطراف دولية

يعد القتال الناجم عن هذا الهجوم، الأعنف منذ سنوات في سوريا، التي تشهد منذ عام 2011 نزاعاً دامياً عقب احتجاجات شعبية أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص ودفع الملايين إلى النزوح، وأتى على البنى التحتية والاقتصاد في البلاد.

وفي عام 2015، تدخلت روسيا إلى جانب الجيش السوري، وتمكنت من قلب المشهد لصالح حليفها، بعدما خسر معظم مساحة البلاد.

وخلال شهرين من الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، كثّفت الدولة العبرية ضرباتها للفصائل الموالية لإيران في سوريا.

وقدمت هذه الفصائل، وأبرزها «حزب الله»، دعماً مباشراً للقوات السورية خلال الأعوام الماضية، ما أتاح لها استعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد.

والجمعة، عدّ المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الوضع في حلب «انتهاك لسيادة سوريا». وأعرب عن دعم بلاده «للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري».

وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في بيان، «على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب»، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.

في إدلب، عدّ رئيس «حكومة الإنقاذ» التي تدير مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» محمد البشير، الخميس، أن سبب العملية العسكرية هو حشد النظام «في الفترة السابقة على خطوط التماس وقصفه مناطق آمنة، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الآمنين».

وتسيطر «هيئة تحرير الشام» مع فصائل مسلحة أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.

ويسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس (آذار) 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته كل من موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المسلحة، وأعقب هجوماً واسعاً شنّته القوات السورية بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.

وشاهد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، مقاتلين من فصائل عدة في مدينة الأتارب يتقدمون إلى مشارف مدينة حلب، في ظل انسحاب الجيش ودخول دبابات وآليات تابعة للفصائل المعارضة.

وقال مقاتل ملثّم، لمراسل «وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا مُهجَّر منذ خمس سنوات، والآن أشارك في المعارك، وإن شاء الله سنعيد أرضنا وبلدنا اللذين أخذهما النظام، وندعو إخوتنا الشباب الجالسين في منازلهم للانضمام إلينا كي نعيد البلد».