اختبار «طول الأنفاس» مستمر بين الحزبين الرئيسيين في كردستان

(تحليل إخباري)

أربيل تشهد حواراً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول تنظيم الوضع الداخلي في إقليم كردستان (رويترز)
أربيل تشهد حواراً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول تنظيم الوضع الداخلي في إقليم كردستان (رويترز)
TT

اختبار «طول الأنفاس» مستمر بين الحزبين الرئيسيين في كردستان

أربيل تشهد حواراً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول تنظيم الوضع الداخلي في إقليم كردستان (رويترز)
أربيل تشهد حواراً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول تنظيم الوضع الداخلي في إقليم كردستان (رويترز)

سرّبت مصادر كردية مختلفة، خلال الأسبوع الماضي، معلومات بدت متماسكة عن اتفاق «سلس» بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان بشأن منصب الرئيس العراقي. لم يكن الأمر سوى محاولات لاختبار طول النفس بين زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.
وكشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق، أن الحزبين قررا التفاوض على «تنظيم الوضع الداخلي في الإقليم»، وترك منصب رئيس الجمهورية «كتحصيل حاصل لهذه المفاوضات، وليس مقدمة شرطية لها».
وبالفعل، شعر قادة الحزبين بأن تقدماً أحرزته هذه الطريقة من التفاوض، التي تقتضي التركيز على مبدأ سياسي قديم: الذهاب إلى بغداد كجبهة واحدة مع حزمة شروط.
وسرعان ما قفز كرسي الرئاسة في قصر السلام ببغداد على طاولة بارزاني وطالباني، وسرّب أعضاء من الصف الثاني في الحزبين «أجواء عناد» تسحب الجميع إلى «عقدة المنصب»، وليس التفاوض على وضع الإقليم.
السليمانية، معقل الاتحاد الوطني التي لا تريد أن تخسر معركة طويلة من إثبات الوجود، تحاول، كما يبدو، مناورة بغداد وأربيل في الوقت نفسه؛ منصب الرئيس «ماركة مسجلة» باسم الاتحاد، في إشارة إلى تولي منتمين إلى هذا الحزب منصب رئيس الجمهورية منذ عام 2006 وحتى اليوم (جلال طالباني، فؤاد معصوم وبرهم صالح).
في بغداد، يضغط «الإطار التنسيقي» الشيعي على الاتحاد الوطني الكردي لاتخاذ قرار سريع «مهما كلف الأمر»، بالذهاب إلى البرلمان بمرشح سيحظى بأصوات القوى الشيعية.
أما في أربيل، معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني، فلا يبدو أن هذا الحزب تراجع عن رغبته في منصب رئيس الجمهورية، فيما يقدم مرونة نسبية للتفاوض على الثمن السياسي لهذا الإصرار.
يقول قيادي في حزب بارزاني: «الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني يدركان أن الذهاب إلى البرلمان بمفردهما لن يتم على الإطلاق».
وفرضت هذه المعادلة المركبة على «الإطار» التفاوض مع بارزاني على شكل الحكومة، وفك عقدة رئيس الجمهورية، كما أجبرت الاتحاد الوطني على الاستعداد للسيناريو البديل، بل واستثماره قدر ما يستطيع. وفتح الحزبان الكرديان نقاشات أولية بشأن إمكانية إجراء تغييرات سياسية وإدارية في الإقليم، أبرزها الشراكة في إدارة ملف النفط، وإدارة المناطق المتنازع عليها، وتدوير المناصب التنفيذية في الإقليم.
ويعرف أعضاء من حزب بارزاني أن أي تعديل في المواقع الحكومية العليا سيكون أمراً صعباً، بل سيُعد مغامرة خطيرة بالنسبة للحزب ومصالحه في الإقليم، ولهذا ينخرط هؤلاء في نقاش داخلي صعب حول إمكان السير بـ«تغييرات محتملة» في المواقع، مع الحرص على تجنب حصول مخاطر سلبية على الحزب الذي يقود الحكومة الكردية في أربيل.
وحتى بعد النقاش «الإيجابي» بين الحزبين الكرديين، يتحدث سياسيون أكراد عن «استحالة» تراجع حزب بارزاني عن مطالبته بمنصب رئيس الجمهورية. لكن هذا الإصرار الذي طالما كرّس الأزمة بين الحزبين الكرديين، قد يكون مفتاحاً لمعادلة جديدة بين الطرفين، لكنها تحتاج إلى «شجاعة غير مسبوقة»، بحسب ما يقول سياسيون أكراد.


مقالات ذات صلة

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي أربيل تتكبد 850 مليون دولار شهرياً

أربيل تتكبد 850 مليون دولار شهرياً

كشف مصدر مسؤول في وزارة المالية بإقليم كردستان العراق، أن «الإقليم تكبد خسارة تقدر بنحو 850 مليون دولار» بعد مرور شهر واحد على إيقاف صادرات نفطه، وسط مخاوف رسمية من تعرضه «للإفلاس». وقال المصدر الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط»: إن «قرار الإيقاف الذي كسبته الحكومة الاتحادية نتيجة دعوى قضائية أمام محكمة التحكيم الدولية، انعكس سلبا على أوضاع الإقليم الاقتصادية رغم اتفاق الإقليم مع بغداد على استئناف تصدير النفط».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي استنكار عراقي لـ«قصف تركي» لمطار السليمانية

استنكار عراقي لـ«قصف تركي» لمطار السليمانية

فيما نفت تركيا مسؤوليتها عن هجوم ورد أنه كان بـ«مسيّرة» استهدف مطار السليمانية بإقليم كردستان العراق، أول من أمس، من دون وقوع ضحايا، وجهت السلطات والفعاليات السياسية في العراق أصبع الاتهام إلى أنقرة. وقال الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، في بيان، «نؤكد عدم وجود مبرر قانوني يخول للقوات التركية الاستمرار على نهجها في ترويع المدنيين الآمنين بذريعة وجود قوات مناوئة لها على الأراضي العراقية».

المشرق العربي نجاة مظلوم عبدي من محاولة اغتيال في السليمانية

نجاة مظلوم عبدي من محاولة اغتيال في السليمانية

نجا قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، مساء أمس، من محاولة اغتيال استهدفته في مطار السليمانية بكردستان العراق. وتحدث مصدر مطلع في السليمانية لـ «الشرق الأوسط» عن قصف بصاروخ أُطلق من طائرة مسيّرة وأصاب سور المطار.

المشرق العربي الحزبان الكرديان يتبادلان الاتهامات بعد قصف مطار السليمانية

الحزبان الكرديان يتبادلان الاتهامات بعد قصف مطار السليمانية

يبدو أن الانقسام الحاد بين الحزبين الكرديين الرئيسيين «الاتحاد الوطني» و«الديمقراطي» المتواصل منذ سنوات طويلة، يظهر وبقوة إلى العلن مع كل حادث أو قضية تقع في إقليم كردستان، بغض النظر عن شكلها وطبيعتها، وهذا ما أحدثه بالضبط الهجوم الذي استهدف مطار السليمانية، معقل حزب الاتحاد الوطني، مساء الجمعة.

فاضل النشمي (بغداد)

أكراد سوريا يبدون انفتاحاً تجاه السلطة السورية الجديدة رغم مخاوفهم

أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)
أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

أكراد سوريا يبدون انفتاحاً تجاه السلطة السورية الجديدة رغم مخاوفهم

أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)
أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)

منذ إعلان الفصائل المعارضة إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد، يبدي أكراد سوريا انفتاحاً متزايداً إزاء السلطة السياسية الجديدة في دمشق، رغم مخاوفهم من أن يفقدهم التغيير المتسارع، وفق محللين، مكتسبات حققوها خلال سنوات النزاع.

في بادرة حسن نية، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية، الخميس، قرارها رفع علم الاستقلال السوري، الذي رفعه السوريون منذ خروجهم في مظاهرات سلمية مناهضة لدمشق عام 2011، على جميع مقراتها ومؤسساتها، معتبرة أنه «يحق للسوريين الاحتفاء بانتصار إرادتهم في إسقاط هذا النظام الجائر».

وجاء قرار الإدارة الذاتية بعد تأكيد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، جناحها العسكري، أن «التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة... تضمن حقوق جميع السوريين».

مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) (رويترز)

بعدما عانوا خلال حكم عائلة الأسد من تهميش وقمع طوال عقود، حُرموا خلالها من التحدث بلغتهم وإحياء أعيادهم، وتم سحب الجنسية من عدد كبير منهم، بنى الأكراد خلال سنوات النزاع إدارة ذاتية في شمال شرقي سوريا ومؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية، بعدما شكّلوا رأس حربة في قتال «تنظيم داعش».

ويخشى الأكراد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من خسارة مكتسباتهم.

ويقول الخبير في الشأن الكردي، موتلو جيفير أوغلو، لوكالة «فرانس برس»، إن مصير السلطات الكردية في سوريا «ما زال غير مؤكد»، على وقع «ديناميات تتغير بسرعة في الميدان».

ويواجه الأكراد كذلك «ضغطاً متزايداً من الحكومة التركية والفصائل العاملة بإمرتها»، التي شنّت في الأيام الأخيرة هجمات دامية على منطقتين ذواتي غالبية عربية في شمال سوريا، كانتا تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي أخلت مقاتليها منهما تباعاً.

ولطالما أثار وجود قوات يقودها الأكراد في مناطق يشكل المكون العربي فيها أكثرية، حساسية. وقد سعت «قوات سوريا الديمقراطية» إلى التخفيف منها عبر تشكيل مجالس عسكرية تضم مقاتلين محليين بغالبيتها.

وشنّت الفصائل الموالية لأنقرة هذا الأسبوع هجوماً ضد مجلس منبج العسكري، التابع لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، أسفر عن مقتل نحو 220 عنصراً من الطرفين. وأعلن عبدي، الأربعاء، التوصل إلى هدنة برعاية أميركية. وقال في بيان: «هدفنا هو وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية من أجل مستقبل البلاد».

لكن في الشارع، يبدي سوريون أكراد مخاوفهم، مع قيادة «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» قبل فكّ ارتباطها بـ«تنظيم القاعدة») السلطة الجديدة في دمشق.

في مدينة القامشلي، يقول علي درويش، البالغ 58 عاماً، لوكالة «فرانس برس»، باللغة الكردية: «سلبيات الفصائل الموجودة في دمشق كثيرة، فهم لا يعترفون بالأكراد، والآن يريدون تبييض صفحاتهم أمام المجتمع الدولي».

ويضيف: «لكن لدينا الأمل أن نحافظ على مناطقنا... وأن تبقى آمنة، وأن تكون هناك حلول مستقبلية إيجابية».

مقاتلون أكراد في بلدة تل أبيض السورية (أرشيفية - رويترز)

وتوجّه السلطة الجديدة رسائل طمأنة إلى الأقليات في سوريا، التي كان بشار الأسد قدّم نفسه حامياً لها خلال سنوات النزاع بمواجهة هجمات مجموعة متطرفة ومتشددة، كان أبرزها «تنظيم الدولة الإسلامية».

وخاضت «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، معارك ضارية ضد «داعش» في شمال سوريا وشرقها. وتمكنت من إسقاط خلافته ودحره من آخر مناطق سيطرته عام 2019.

وأكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، خلال زيارته لتركيا، أنّه «من الضروري» العمل ضدّ «داعش» في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، بعدما شدّد الخميس على أن دور مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» «حيوي» لمنع عودة هذا التنظيم.

وتبذل تركيا - وفق محللين - كل ما بوسعها لجعل الأكراد في موقع ضعيف في سوريا، على ضوء الأحداث الأخيرة.

ويقول جيفير أوغلو: «يواجه الأكراد السوريون تحديات كبرى، أبرزها الأعمال العدائية التركية المستمرة تجاههم».

ومنذ عام 2016، نفّذت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا وتمكنت من السيطرة على شريط حدودي واسع.

وتعدّ أنقرة الوحدات الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه منظمة «إرهابية» ويخوض تمرداً على أراضيها منذ عقود.

كما صرّح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بعد محادثات مع بلينكن، الجمعة، أن «أولوياتنا تقضي بضمان استقرار سوريا في أسرع وقت ممكن، ومنع انتشار الإرهاب، ومنع (داعش) و(حزب العمال الكردستاني) من السيطرة»،

دبابات تركية تقصف عناصر من المسلحين الأكراد في ريف حلب (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

ويرى جيفير أوغلو أن «كل الهجمات والتهديدات التركية ضد الأكراد هي محاولة مباشرة أو غير مباشرة لتقويض الإدارة الذاتية الكردية وتوسيع السيطرة التركية في شمال سوريا».

وقد تصطدم مساعي أنقرة بمعارضة حلفائها الغربيين إذا ما عزمت على القضاء على الإدارة الذاتية الكردية وتجريد الأكراد من مكتسباتهم.

ومع تفاؤله بالإطاحة بالأسد، يقول خورشيد أبو رشو (68 عاماً) لوكالة «فرانس برس» في القامشلي: «نتمنى بناء دولة ديمقراطية، تكون فيها حقوق الأفراد والأديان كلها مصانة»، متابعاً: «نريد دولة فيدرالية، وليست ديكتاتورية».

ويضيف: «في جسدي ندبات من الحرب في هذه البلاد، ولن أقبل إلا بدولة ديمقراطية».