أبطال «رومانسيون» يخافون من الحب

«لا تمت قبل أن تحب» لمحمد الفخراني

أبطال «رومانسيون» يخافون من الحب
TT

أبطال «رومانسيون» يخافون من الحب

أبطال «رومانسيون» يخافون من الحب

يتقاطع أبطال رواية «لا تمت قبل أن تُحب» لمحمد الفخراني، الصادرة عن دار «العين للنشر» بالقاهرة، في طرق التعبير عن الحب كشعور فطري، فالطبيب يستمع للبيانو في غرفة العمليات الجراحية، وتتجول البطلة التي تُقارب الأربعين بين إشارات المرور بدراجتها البرتقالية، ويجوب بطل آخر العالم بصحبة صوره الفوتوغرافية، وتبلغ فطرية الحب ذروتها الكلاسيكية كصورة يتطلعون إليها، تحمي جوهره المثالي الذي يتوقون إليه: «الإنسان فكرة أولى وأول أفكاره الحب»، كما تقول إحدى شخصيات الرواية.
في هذا الفضاء يبدو البحر مسرحاً سردياً حاضناً لعالم الرواية، استعان به الروائي بأفقه المكاني والمجازي لتخليق أسئلته الروائية حول الرومانسية، والحب، والمرض والموت، والانتظار، ولحظة الخلود المنشودة.
تبدأ الرواية بحكاية بسيطة تستدعيها البطلة، وهي تقارب سن الأربعين، عن لحظة انتشال صبي لها من الغرق في البحر قبل نحو 22 عاماً، حينها كانت فتاة في السابعة عشرة، وكان هو في مثل عمرها، ورغم أنها لا تتذكر ملامحه، إلا أن تلك الحكاية ظلت تختزل تصوراتها عن الحب والموت. ويضاعف الفخراني من تكثيف تلك الذكرى بأن جعل البطل «المُنقذ» بعد مضي كل تلك السنوات هو الآخر أسيراً لتلك اللحظة الغائمة، يبحث عن تلك الفتاة التي أنقذها يوماً من الغرق، ولم يعد يتذكر شكلها.
يبدو عنوان الرواية أقرب للغة الوصايا وحكمتها، وتضع «لا» الناهية كلاً من الموت والحب على خط واحد من المصير ذاته، فأبطال الرواية يخشون الحب، رغم أنهم يصفون أنفسهم بالرومانسيين، ولم يستطيعوا الاندماج مع السياق الاجتماعي النمطي المحيط بهم، فالبطلة «حورية أبو البحر» وصلت عتبات الأربعين، وما زالت تقود دراجتها برشاقة فتاة في السابعة عشرة بروح تبحث عن الحب، وكأن عمرها قد توقف عند لحظة الغرق، وتصف نفسها بأنها «البنت التي تقع في الحب بسهولة». إنها تعمل اختصاصية لعلاج مرض التوحد، وعلى مدار سنوات عملها بين أطفال التوحد تبتكر طريقة لفهم علاقتها بالمشاعر، فهي ترى أن لغة الإشارة هي أكثر لغات العالم رومانسية، وأن مشكلات التواصل لا تخص فقط مرضى التوحد: «هل نفهم نحن، من نعتبر أنفسنا طبيعيين، مشاعرنا فعلاً؟ أفكر، إذا كان هذا حالنا من سوء الفهم بيننا، وسوء تعبيرنا عن أنفسنا، وسوء فهمنا لغيرنا ولأنفسنا، من أين يأتي هذا كله؟».
أما بطل الرواية الأربعيني، فيبدو صوته الداخلي مزيجاً من الشجن والسخرية، بما في ذلك محاولته فهم سبب انشغاله بعد عشرين عاماً باجترار مشهد فتاته الغارقة، ويُطلق على نفسه لقب «رومانسي» أو «رومانسي أهبل». ورغم تحقيق ذاته كطبيب إلا أنه لم يستطع تحقيق أبسط وأكبر أحلامه في أن تكون لديه «طفلة يُحضر لها إفطارها ويسرح لها شعرها كل صباح». إنه مستسلم تماماً لذكرى إنقاذه لتلك الفتاة من الغرق: «تقول بينك وبين نفسك إنك فقط أخرجتها من البحر، هكذا تسمي ما حدث، لا أكثر ولا أقل، أنت لا تشعر ولا تعتبر أنها مدينة لك بأي شيء، ما حدث كان برأيك مجرد شيء لطيف فعلته في هذا العالم، شيء رومانسي نوعاً ما، وكنت محظوظاً أنك فعلته، أنت تشعر بالامتنان للبنت لأنها منحتك فرصة إنقاذ شخص ما، منحتك حكاية لك مع نفسك».
تتوزع اللغة في الرواية ما بين الفصحى والعامية، وأحياناً العامية الساحلية التي تخص أهل مدينة الإسكندرية، حيث تدور أحداثها، ويتقاطع مع صوت البطلين الموزع على السرد، صوت راوٍ عليم، يبدو وكأنه صوت مُراقب للصدفة واحتمالات الحياة. إنه أقرب لعين الطائر التي ترصد البطلين في مسارهما اليومي، في رحلة بحثهما عن ذواتهما القديمة، فالبطلة تبحث عن طيف الولد الذي أنقذها، والولد يبحث عن طيف البنت التي لا يتذكر سوى غرقها، ويبدو صوت الراوي العليم متواطئاً مع أمل عثور البطلين على بعضهما: «أنتما لا تعرفان أنكما تعيشان في مدينة واحدة، لو عرفتما مدى قربكما من بعضكما؟».
على مدار السرد، لا يعرف البطلان أنهما يعيشان في المدينة نفسها، يمران من الشوارع نفسه، يدخلان الأماكن ذاتها، يشتركان في حب الموسيقى والعزف على آلاتها، دون أن يتبادلا كلمة أو يتعرفا على بعضهما، ومن ثم يخلق الكاتب تقاطعات شفيفة بين عالم البطل والبطلة المتوازيين، فتبدو أحداث الرواية سلسلة من الصدف التي يختبئ الحب بين شقوقها، كلما اقتربنا منه ابتعد، إلى أن يتخذ السرد مساراً أكثر درامية بعدما تصاب «حورية» بمرض وراثي نادر يصيب نساء عائلتها، لم يسعفها الحظ للنجاة منه. هنا تبدو الرومانسية المسكونة بالحب وكأنها وطأت أرضاً أقل زهواً من الحنين إلى لحظات الصبا، أرضاً معبدة برائحة الموت والرحيل.
ثم يبرز في الرواية صوت «تشوكا»، الشقيق الأصغر لحورية، الذي يُعرف نفسه بأنه «مُصور وإنسان حر»، فهو لا يستقر في مدينة، ويكسب قوت يومه من بيع الصور التي يلتقطها من جميع أنحاء العالم، يفرشها على رصيف بوسط مدينة ما أو على حافتها، أو في ميدان صغير، ويكتب بلغة البلد الذي هو فيه «أترك أي نقود، خذ الصورة التي تعجبك»، وبالإضافة لكونها قوت يومه فهي أيضاً شغفه الوحيد، فهو يواظب في كتابة رسائل لشقيقته بلغة ممسوسة بتقاطعات إنسانية وشعورية له مع كل صورة تستوقفه، منها حكاية صورة «فتاة النابالم» و«الطفلة والنسر» و«الطفل السوري إيلان»، باحثاً في تأملاته عن الجمال الكامن في الحزن والمأساة، وعن ذلك التحرر الذي يردنا لأجمل ما فينا.
رواية «لا تمت قبل أن تحب» تأتي بعد عدد من الأعمال القصصية والروائية صدرت لمحمد الفخراني، منها: «بنت ليل»، و«قبل أن يعرف البحر اسمه»، و«قصص تلعب مع العالم»، و«طرق سرية للجموح»، و«عشرون ابنة للخيال»، و«فاصل للدهشة»، و«ألف جناح للعالم».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
TT

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)

من خلال إجاباتها على أسئلة وجَّهها وزراء الحكومة والأكاديميون والطلاب حول تغيُّر المناخ، والقانون، وتعاطي المخدرات، وكذلك استفسارات الأطفال عن كيفية «ولادتها»، ووصفها بأنها «نسوية»؛ نجحت الروبوت الشهيرة عالمياً المعروفة باسم «صوفيا» في أسر قلوب الحضور ضمن معرض الابتكارات في زيمبابوي.

وذكرت «أسوشييتد برس» أنّ «صوفيا» تتمتّع بقدرة على محاكاة تعابير الوجه، وإجراء محادثات شبيهة بالبشر مع الناس، والتعرُّف إلى إشاراتهم، مما يجعلها «أيقونة عالمية» للذكاء الاصطناعي، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي جلبها إلى هذا البلد الواقع في جنوب أفريقيا؛ وقد صُنِّعت بواسطة شركة «هانسون روبوتيكس» في هونغ كونغ عام 2016، ومُنحت الجنسية السعودية في 2017، لتصبح أول روبوت في العالم يحمل جنسية.

هذه المرّة الأولى التي تستضيف فيها زيمبابوي روبوتاً من هذا النوع، فقد أبهرت «صوفيا» كبار السنّ والشباب في جامعة «زيمبابوي» بالعاصمة هراري، إذ حلَّت ضيفة خاصة في فعالية امتدّت لأسبوع حول الذكاء الاصطناعي والابتكار.

خلال الفعالية، ابتسمت «صوفيا» وعبست، واستخدمت إشارات اليد لتوضيح بعض النقاط، وأقامت اتصالاً بصرياً في عدد من التفاعلات الفردية، كما طمأنت الناس إلى أنّ الروبوتات ليست موجودة لإيذاء البشر أو للاستيلاء على أماكنهم.

لكنها كانت سريعة في التمييز بين نفسها والإنسان، عندما أصبحت المحادثات شخصيةً جداً، إذا قالت: «ليست لديّ مشاعر رومانسية تجاه البشر. هدفي هو التعلُّم»؛ رداً على مشاركين في الفعالية شبَّهوها بالنسخة البشرية من بعض زوجات أبنائهم في زيمبابوي اللواتي يُعرفن باستقلاليتهن الشديدة، وجرأتهن، وصراحتهن في المجتمع الذكوري إلى حد كبير.

لكنها اعتذرت عندما نبَّهها أحدهم إلى أنها تجنَّبت النظر إليه، وبدت «صوفيا» أيضاً صبورة عندما تجمَّع حولها الكبار والصغار لالتقاط الصور، وأخذوا يمطرونها بكثير من الأسئلة.

والجمعة، آخر يوم لها في الفعالية، أظهرت ذوقها في الأزياء، وأعربت عن تقديرها لارتداء الزيّ الوطني للبلاد؛ وهو فستان أسود طويل مفتوح من الأمام ومزيَّن بخطوط متعرّجة بالأحمر والأخضر والأبيض. وقالت: «أقدّر الجهد المبذول لجَعْلي أشعر كأنني في وطني بزيمبابوي»، وقد سبق أن زارت القارة السمراء، تحديداً مصر وجنوب أفريقيا ورواندا.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه يأمل أن تُلهم مشاركة «صوفيا» في الفعالية شباب زيمبابوي «لاكتشاف مسارات مهنية في مجالات الذكاء الاصطناعي، والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».