انضمت غالبية المدن الكبرى في إيران إلى الاحتجاجات الغاضبة إثر موت شابة أثناء احتجازها بمركز للشرطة الإيرانية، فيما لوح رئيس البرلمان الإيراني بـ«مواجهة حازمة» مع «أعمال الشغب»، وفيما أعلن رئيس بلدية طهران عن اعتقال مواطني 3 دول أجنبية، اعترفت السلطات بوقوع 3 قتلى في محافظة كردستان.
وتوفيت مهسا أميني (22 عاماً) بعدما دخلت في غيبوبة في أعقاب إلقاء «شرطة الأخلاق» القبض عليها في طهران الأسبوع الماضي، بسبب «سوء الحجاب»، وقالت السلطات إنها كانت تعاني من مشكلات صحية سابقة؛ الأمر الذي نفته أسرتها بشدة.
وامتدت الاحتجاجات إلى بازار طهران، بينما تحدى الطلاب القبضة الأمنية لقوات الشرطة والباسيج في كبريات جامعات طهران. ومع حلول المساء، عادت الحشود مجدداً إلى ميدان «ولي عصر» وسط العاصمة، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع واستخدمت الهراوات لتفريق المتظاهرين. وعلى بعد أمتار قليلة، رفع المحتجون لافتة عملاقة تخص مهسا أميني، فوق جسر على طريق سريعة، حسب فيديو متداول على شبكات التواصل.
وانضمت مدن شيراز وبندر عباس (جنوباً) وكرمانشاه (غرباً) وساري وجرجان (شمالاً) وقم ويزد وأراك (وسط) وتبريز وزنجان وهمدان في غرب البلاد، إلى الاحتجاجات. وتدوولت صور على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر آثار جروح جراء إصابات متظاهرين بشظايا بنادق صيد وخراطيش. وأكدت منظمات معنية بتتبع حالة حقوق الإنسان في كردستان إيران أن 5 على الأقل قتلوا بنيران قوات الأمن في المحافظة الواقعة غرب إيران. ولكن السلطات اعترفت بوقوع 3 قتلى في محافظة كردستان.
ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن المحافظ، إسماعيل زاري كوشا، قوله إن «الثلاثة قتلوا في ظروف مشبوهة» في إطار «مخطط للعدو».
وقال نائب قائد الشرطة في مقاطعة جيلان بشمال إيران إن الشرطة اعتقلت 22 محتجاً بتهمة إتلاف ممتلكات عامة. وذكرت منظمة «هه نغاو» الحقوقية أن 13 مدينة شهدت احتجاجات، الاثنين، وجرى اعتقال 250 شخصاً.
وأعلن رئيس بلدية طهران اعتقال 3 أجانب في العاصمة الإيرانية فيما يتعلق بالاضطرابات الجارية.
وقال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، في مستهل جلسة البرلمان، الثلاثاء، إن «الأعداء يحاولون ركوب أمواج أي حدث مثل السابق، سعياً وراء إثارة الفوضى والشغب». وأضاف: «من المؤسف أن البعض في الداخل، عن قصد أو إهمال، يتحركون في إطار ما يريد الأعداء».
بدوره، هاجم النائب المتشدد، رضا تقي بور، من وصفهم بـ«دعاة التنوير»، متهماً إياهم بالمشاركة في «حرب إعلامية» تشنها جهات خارجية ضد إيران.
أما النائب عبد الحسين روح الأميني، الذي فقد أحد أبنائه في احتجاجات «الحركة الخضراء» عام 2009، فقد وجه إنذاراً شفهياً للحكومة. وقال: «أوصي الأشخاص الذين يتابعون القضية بعدم الانحراف عن طريق الإنصاف».
وقال النائب جلال رشيدي كوشي لوكالة أنباء «إيسنا» الإيرانية إن هذه الشرطة «لا تحقق أي نتيجة سوى إلحاق الضرر بالبلاد»، مضيفاً: «المشكلة الرئيسية تكمن في أن بعض الأشخاص لا يريدون رؤية الحقيقة».
واتهم محافظ طهران، محسن منصوري، متظاهرين بمهاجمة الشرطة وتدمير ممتلكات عامة خلال الاحتجاجات. وقال في تغريدة على «تويتر»: «العناصر الرئيسية لتجمعات الليلة في طهران كانت منظمة ومدربة ومخططاً لها بشكل كامل لإحداث اضطرابات في طهران»، وأضاف: «حرق العلم وسكب الديزل على الطرقات وإلقاء الحجارة ومهاجمة الشرطة وإضرام النار في الدراجات النارية وصناديق القمامة وإتلاف الممتلكات العامة... إلخ... ليس من عمل الناس العاديين» وفق «رويترز».
في تهديد مباشر إلى أسرة الفتاة، قال قائد «الحرس الثوري» في محافظة كردستان إنه على «أسرة مهسا أميني أن تعزل صفها عن الأعداء».
بدورها؛ ذكرت شبكة حقوق الإنسان في كردستان أن السلطات مارست ضغوطاً على أسر 3 من قتلى الاحتجاجات في كردستان. وأشارت إلى دفن القتلى الثلاثة فجر أمس، وبحضور القوات الأمنية.
وقد واجهت «شرطة الأخلاق» في الأشهر الأخيرة انتقادات بسبب استخدامها العنف في تدخلاتها. وانقسمت الصحف الإيرانية حول الحادث. وعلقت صحيفة «إيران» الحكومية في عددها الصادر الثلاثاء على الاحتجاجات، وقالت إن «الفوضويين ومثيري الشغب هاجموا مقار وسيارات الشرطة في مدينة ديواندره بمحافظة كردستان». وقالت الصحيفة إن «بعض الأشخاص رددوا هتافات خارجة على الأعراف في جامعات طهران وأمير كبير وعلامة طباطبايي وبهشتي».
بدورها، دعت صحيفة «همشهري»؛ التابعة لبلدية طهران، إلى ملاحقة «من ينشرون الإشاعات دون تسامح». وأبرزت المواقع المحافظة تعليق نرجس سليماني، ابنة الجنرال قاسم سليماني، التي طالبت الأجهزة المعنية بإعداد تقرير حول الحادث لمعرفة التفاصيل.
وحاولت «اللجنة العليا للثورة الثقافية»، الخاضعة لمكتب المرشد الإيراني، والمسؤولة عن رسم السياسات الثقافية، النأي بنفسها عن قوانين الحجاب. وقالت إن «موت مهسا أميني أثناء اعتقالها لدى (شرطة الأخلاق) تسبب في جرح مشاعر كثير من الإيرانيين. نطالب بتحقيق مفصل وشامل». وأشار البيان إلى أن مجموعة القوانين التي أقرت بشأن الحجاب منها 10 في المائة تشمل الجانب الرقابي، و90 في المائة تتعلق بالتعليم والتوعية».
وقالت سليماني؛ وهي عضو في مجلس بلدية طهران: «ننتظر تقرير الأجهزة حول السيدة أميني لمعرفة ما حدث لها».
وجاء تعليق ابنة سليماني بعدما تفاعلت المواقع الإصلاحية مع تصريحات فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، التي عدّت «السياسة المتبعة خاطئة للغاية؛ لأنهم يتصورون أنه إذا تنازلنا أمام (قانون) الحجاب، فيجب أن نتنازل عن كل شيء». وأعربت عن تأييدها موقف المرجع الإيراني أسد الله بيات زنجاني الذي ندد بـ«كل السلوكيات والأحداث» التي كانت وراء «هذا الحادث المؤسف»، واصفاً إياها بأنها «غير مشروعة» و«غير قانونية». وأضاف أن «القرآن يمنع بوضوح المؤمنين من استخدام القوة لفرض القيم التي يعدّونها دينية وأخلاقية».
وأعرب العديد من صانعي الأفلام والفنانين والرياضيين والشخصيات السياسية والدينية، عن غضبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاة الشابة.
وفي أحدث موقف، قال المخرج السينمائي بهمن قبادي للفنانين والشخصيات العامة الإيرانية: «لا يحق لكم الصمت بينما تشاهدون فيديوهات عن قمع الناس». وتابع قبادي، عبر تسجيل فيديو في حسابه على «إنستغرام»: «لا يمكن خداع الناس بترديد شعارات»، وخاطب زملاءه الفنانين قائلاً: «من لديهم ملايين المتابعين يجب أن يسددوا ديونهم إلى الناس... فكر أن مهسا زوجتك أو أختك أو ابنتك. أمسك قلماً وأعلن احتجاجك وساند الناس».
نظمت مئات الإيرانيات الغاضبات وقفات احتجاجية خارج البلاد للتضامن مع حراك مواطنيهم. وانتشرت تسجيلات فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي من وقفات احتجاجية في كندا والولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وألمانيا شارك فيها مئات الإيرانيين، وسط حضور لافت للناشطات.
ودعا بعض الناشطين والفنانين الإيرانيين؛ على رأسهم نجما البوب داريوش إقبالي وإبراهيم حامدي (أبي)، إلى وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك بالتزامن مع مشاركة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكتبت الصحافية والناشطة النسوية مسيح علي نجاد على «تويتر» أن المغني الشهير «أبي» سينضم إلى المحتجين في نيويورك احتجاجاً على حضور رئيسي. وناشد الفنان؛ الذي يحظى بشعبية واسعة، مواطنيه وأهالي نيويورك الانضمام إلى الوقفة الاحتجاجية و«عدم السماح لقاتل آلاف الإيرانيين بالتحدث في الأمم المتحدة».