الغنوشي والعريض أمام القضاء التونسي بتهمة «تسفير الشباب إلى بؤر التوتر»

صورة من يوليو الماضي لعنصرين أمنيين في أحد شوارع تونس (أ.ف.ب)
صورة من يوليو الماضي لعنصرين أمنيين في أحد شوارع تونس (أ.ف.ب)
TT

الغنوشي والعريض أمام القضاء التونسي بتهمة «تسفير الشباب إلى بؤر التوتر»

صورة من يوليو الماضي لعنصرين أمنيين في أحد شوارع تونس (أ.ف.ب)
صورة من يوليو الماضي لعنصرين أمنيين في أحد شوارع تونس (أ.ف.ب)

من المنتظر أن يمثل كل من راشد الغنوشي رئيس «حركة النهضة»، والقيادي فيها علي العريض، أمام «الوحدة الوطنية لجرائم الإرهاب، والجرائم المنظمة الماسة بسلامة التراب الوطني»، في موضوع ما يعرف بملف تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة. في حين، تتهم أطراف سياسية يسارية على علاقة بملف الاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس سنة 2013 (اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، قيادات الحركة التي كانت متزعمة للمشهد السياسي في عامي 2012 و2013، بـ«المسؤولية السياسية والأخلاقية عن التحاق نحو 12 ألف شاب تونسي بالتنظيمات الإرهابية، نتيجة غض بصرها عن شبكات تسفير هؤلاء للقتال ضد النظام السوري».
وتوقع أكثر من طرف سياسي وحقوقي تونسي، أن يتجاوز عدد المتهمين في هذا الملف المعقد حدود المائة متهم، من بينهم سياسيون بارزون وقيادات أمنية وأئمة يشرفون على المنابر في المساجد وموظفون من مختلف الإدارات والرتب الوظيفية.
وفي هذا السياق، نفى نور الدين البحيري القيادي في «النهضة» ووزير العدل السابق، ما تم ترويجه عن استدعائه من قبل وحدة مكافحة الإرهاب في ملف تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر. واعتبر هذه الإشاعة «مسرحية» على حد قوله، «هدفها إلهاء التونسيين عن الزيادة في أسعار المحروقات التي تزامنت مع الإعلان عن استدعاء الغنوشي والعريض للتحقيق معهما، وكذلك ضمن أساليب التغطية على ارتفاع عدد الموتى غرقاً جراء الهجرة غير الشرعية، وانهيار القدرة الشرائية، واتساع دائرة الفقر المجحف والفساد والجريمة»، على حد قوله.
ومن المنتظر أن يقع ختم الأبحاث في ملف تسفير الشباب إلى بؤر التوتر يوم غد (الثلاثاء)، لتقع إحالته على النيابة العامة لتصدر أحكامها القضائية المتطابقة مع التهم الموجهة لأكثر من 100 متهم في هذا الملف.
وشملت التوقيفات في هذا الملف، شخصيات أمنية سابقة، على غرار فتحي البلدي، وعبد الكريم العبيدي، وفتحي بوصيدة، والنائب البرلماني السابق رضا الجوادي، ومحمد العفاس عن «حزب ائتلاف الكرامة»، والشيخ البشير بلحسن. كما تم الإبقاء على إيقاف محمد الفريخة، النائب البرلماني عن «حركة النهضة»، وصاحب شركة طيران خاصة، بتهمة «تنظيم رحلات جوية بين تونس وتركيا للشباب الراغب في الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية في سوريا». وتجاوزعدد الموقوفين العشرة أشخاص، في انتظار تواصل التحقيقات في ملف القضية، بالتنسيق مع النيابة العامة في المكتب القضائي لمكافحة الإرهاب.
وتجدر الإشارة إلى أن القضية انطلقت، إثر شكوى تقدمت بها فاطمة المسدي النائبة السابقة عن «حركة نداء تونس»، إلى القضاء العسكري قبل أن يتخلى عنها لفائدة المكتب القضائي لمكافحة الإرهاب، بسبب وجود مدنيّين من بين المشتبه بهم والمتهمين. وكانت المسدي تعارض إشراك ممثلي الإسلام السياسي، وبخاصة «حركة النهضة» ومؤيديها في الحياة السياسية. ووقفت ضد التحالف الذي أبرمه «الشيخان» راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي لتقاسم السلطة بعد انتخابات 2014.
وكانت المسدي قد قدمت شهادتها يوم 7 فبراير (شباط) الماضي، وقدمت «جميع المعطيات التي لديها إلى القضاء»، على حد قولها. ووجهت اتهاماتها مباشرة إلى قيادات في «حركة النهضة»، مؤكدة أنها «من يقف وراء ملف التسفير». والمسدي كذلك شاركت في لجنة التحقيق البرلمانية حول التسفير، التي توصلت إلى مجموعة من النتائج، قبل اتخاذ رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي قراراً بحلها نتيجة للخلافات السياسية الحادة، التي خلفتها عملية مناقشة الملف تحت قبة البرلمان التونسي.
وكشفت المسدي عن معطيات مهمة إلى الجهات القضائية التونسية. وأكدت أنها تتمحور حول أربع نقاط أساسية، وهي تشمل «قائمة الأشخاص المتورطين في التسفير وأبرزهم الأئمة الذين كانوا يقومون بالدعوة للالتحاق ببؤر التوتر ودورهم في ذلك»، و«قائمة الجمعيات المشبوهة ودورها في التمويل»، و«قائمة السياسيين ودورهم كفاعليين أصليين في توفير الدعم السياسي والمالي»، علاوة على «قائمة الإطارات الأمنية ودورها في تسفير الشباب، خصوصاً منهم المكلفين بأمن المطارات».
يذكر أن ملف تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر، قد تحول إلى صراع سياسي حاد بين طرفين: أحدهما، وهو مكون من الأحزاب اليسارية الرافضة لوجود ممثلي الإسلام السياسي في المشهد، ويؤكد في تصريحات عدّة، «ضلوع هؤلاء، في التسفير والحصول على تمويلات خارجية لتصدير الإرهاب، وحض الشباب على الالتحاق بجبهات القتال». والطرف الثاني المقابل، ينفي بشدة تلك الاتهامات، ويؤكد أن «السياق التاريخي لثورات الربيع العربي، هو الذي كان وراء شبكات التسفير العابرة للحدود». وتتهم قيادات «حركة النهضة» أطرافاً سياسية مناوئة لممثلي الإسلام السياسي في تونس، «بالزج بهم في هذا الصراع، الذي قد يفضي إلى تحميلهم المسؤولية وإخراجهم من المشهد السياسي، وذلك من خلال الربط بين فترة حكم حركة النهضة خلال سنتي 2012 و2013 ومسؤوليتها السياسية في غض النظر عن عمليات التسفير، وكذلك الاغتيالات السياسية الناجمة عن تحشيد الشباب التونسي ودفعه للاتحاق بالتنظيمات الإرهابية، وتنفيذ الاغتيالات»، على حد تعبيرها.
على صعيد آخر، طالب ناجي جلول القيادي السابق في حزب «حركة نداء تونس» الذي أسسه الباجي قائد السبسي، المستشفى العسكري، «بالكشف عن محتوى التقرير الطبي المتعلق بمعاينة وفاة الرئيس الراحل»، معتبراً أنه «هو المؤهل للحسم في ملف الوفاة»، على حد قوله.
وعبر جلول الرئيس الحالي لحزب «الائتلاف الوطني»، عن رفضه الانخراط في الجدل السياسي المتعلق بوفاة قائد السبسي، وقبوله بالتقرير الطبي الذي سينشره المستشفى العسكري الذي كان مسرحاً لوفاته في شهر يوليو (تموز) 2019.
يذكر أن وزارة العدل التونسية قد أعلنت نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021 عن فتح تحقيق في وفاة الرئيس السابق، بعد ما تم بثه في برنامج تلفزيوني عن شبهة وفاته «مقتولاً».
وكان الشيخ محمد الهنتاتي، وهو شخصية إعلامية معروفة بإثارتها الجدل، قال في حديث تلفزيوني، إن السبسي «مات مقتولاً في المستشفى والرئيس قيس سعيد يعلم ذلك»، متهماً «حركة النهضة بالوقوف وراء مقتله». وقال آنذاك: «أطالب وزارة الدفاع بكشف الحقيقة أمام الشعب التونسي».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.