لبنان: اقتحامات البنوك تعكس استمرار «مُعاناة» لم تعد تُحتمل و«فشلاً ممنهجاً»

جنود من الجيش اللبناني يقفون في حراسة أحد المصارف ببيروت (إ.ب.أ)
جنود من الجيش اللبناني يقفون في حراسة أحد المصارف ببيروت (إ.ب.أ)
TT

لبنان: اقتحامات البنوك تعكس استمرار «مُعاناة» لم تعد تُحتمل و«فشلاً ممنهجاً»

جنود من الجيش اللبناني يقفون في حراسة أحد المصارف ببيروت (إ.ب.أ)
جنود من الجيش اللبناني يقفون في حراسة أحد المصارف ببيروت (إ.ب.أ)

الأسلوب الأسهل للتشكيك في أي ظاهرة هو اتهامها بالارتباط بجهات أجنبية والعمل ضمن جدول أعمال أمني مشبوه ومدفوع لإفشال مشاريع نبيلة وإحباط خطوات تاريخية. وهذا ما قامت به السلطة الحاكمة في لبنان رداً على اقتحام بعض المودعين لفروع مصارف تمتنع عن إعادة الأموال إلى أصحابها الشرعيين.
اتهام المودعين الذين قرروا «تحصيل الحق بالذات» أي خارج العملية القضائية، بالتحرك وفق إملاءات أجهزة استخبارات وسفارات أجنبية، كان له محبذون بين صحافيين عُرفوا بدفاعهم عن المصارف وعن المنظومة الحاكمة. وسار البعض في طريق التلميح إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تحقق في وجود خطة منسقة ومعرفة سابقة بين منفذي الاقتحامات التي جرت يوم الجمعة 16 سبتمبر (أيلول) في عدد من المناطق اللبنانية.
ممثلو السلطة في وزارة الداخلية وفي النيابة العامة التمييزية لم يفاجئوا أحداً بانحيازهم إلى أصحاب المصارف والتلويح بملاحقة المودعين الذين يستعيدون بعضاً من حقوقهم بالقوة. فمدعي عام التمييز، على سبيل المثال، يتهرب من التحقيق معه في جريمة تفجير مرفأ بيروت في أغسطس (آب) 2020، ومنع ملاحقة المصارف التي تحتجز أموال اللبنانيين من دون وجه حق. في حين أن وزير الداخلية يدين بالولاء إلى أحد كبار رموز الفساد في السلطة وهو الذي عينه في منصبه الحالي.
أما جمعية المصارف، فعادت إلى أسلوبها القديم في إخضاع اللبنانيين وتأليبهم ضد المودعين بإعلانها الإضراب عن العمل لثلاثة أيام ابتداء من يوم الاثنين 19 سبتمبر (أيلول)، ما سيؤدي إلى حرمان مئات آلاف الموظفين من القدرة على سحب الفتات القليل من رواتبهم الموطنة في المصارف. اعتماد المصارف هذا النهج في كل مرة كان يظهر ما يفضح تمسكها بالامتناع عن إصلاح نفسها والإصرار على المضي في تجاهل النتائج الكارثية لانعدام إحساسها بالمسؤولية أمام المجتمع، ما دام أن من في السلطة هم من الشركاء والمساهمين في المصارف. فالإغلاق الذي استمر أسبوعين بعد اندلاع تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أتاح للمصارف ولكبار النافذين في مجالي المال والسياسة (المتداخلين والمتضافرين) إخراج مليارات عدة من الدولارات (ثمة خلاف حول حجمها) من لبنان الذي كان بدأ معاناة الاختناق. ومنعت المصارف منذ ذلك الحين، على صغار ومتوسطي المودعين استرجاع أموالهم أو تحويلها لأبنائهم الذين يدرسون في الخارج أو استخدامها حتى لعلاج أنفسهم وأقاربهم.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1571185967087722497
والحالة الأخيرة كانت ما حمل الشابة سالي حافظ على اقتحام فرع مصرفي في بيروت بمساعدة بعض أصدقائها للحصول على كلفة علاج شقيقتها المصابة بالسرطان والتي رفض المصرف النظر في حالتها مستخدماً المماطلة والكلام الفارغ عن التضامن الإنساني.
بيد أن ما قامت به سالي حافظ هو التعبير الدقيق عن فقدان الأمل من تبلد المنظومة الحاكمة التي تشكل المصارف جزءاً رئيسياً منها، أمام مآسي صغار المودعين الذين اعتقدوا - أو خدعوا - أن المصارف ستؤمن لهم ملجأ أميناً في ساعات الشدة كمثل الإصابة بمرض مستعصٍ مثلما أصاب شقيقة سالي.
والحال أن القانون يفرض على كل مصرف إعادة كامل أموال المودع في وقت متفق عليه (إذا كانت في حساب جارٍ تعاد فوراً، وإذا كانت مجمدة يسترجعها صاحبها عند بلوغ أجلها... إلخ...). كانت المصارف ورعاتها السياسيون ينتفضون عند كل منعطف يبشر بالبدء بمحاسبتهم. تعطيلهم قرار مجلس شورى الدولة المعترض على عدم قانونية تعاميم حاكم مصرف لبنان المتلاعب بقيمة الأموال التي يحق للمودع استرجاعها، مثال صارخ.
المهم أن الموجة الأخيرة من الاقتحامات التي ترافقت مع التدهور اليومي والقياسي لسعر الليرة اللبنانية، تُعلن أن مرحلة المعاناة المستمرة منذ ثلاث سنوات لم تعد تحتمل، وأن الفشل المتعمد والممنهج والعقبات الموضوعة أمام كل الحلول المقترحة من الخبراء المحليين والدوليين، صارت نتائجها أمام كل ذي بصر، وهي لبنان الذي دخل نفق الانهيار ما زال تحت سيطرة الجماعة ذاتها التي أوصلته إلى الهاوية، والتي تحول بكل السبل ولو بالتهديد بحرب أهلية دون اتخاذ أبسط خطوات الإنقاذ. بل إن الأمور وصلت إلى حد المهزلة عن بعض من اتهم صندوق النقد الدولي بتبني ميول يسارية في مقاربته للكارثة اللبنانية، عندما رفض الصندوق السير في فضيحة التذاكي على قانون السرية المصرفية وضرورة رفعها بمفعول رجعي حتى تستقيم أي عملية إصلاحية.
تعميق الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية التي تؤدي فيها منظومة الفساد والمصارف رقصة الموت على جثث عدد لا يحصى من المرضى والطلاب والأسر التي ألقيت إلى وهاد الفقر، يبدو متلائماً مع مسار سياسي يهدف إلى إبقاء لبنان أرضاً مستباحة لحفنة من الخارجين عن القانون ومدعي الحرص عليه في آن واحد.


مقالات ذات صلة

عمال لبنان يتوعدون بـ«مواجهة»... وميقاتي عاجز عن تقديم المزيد

المشرق العربي عمال لبنان يتوعدون بـ«مواجهة»... وميقاتي عاجز عن تقديم المزيد

عمال لبنان يتوعدون بـ«مواجهة»... وميقاتي عاجز عن تقديم المزيد

أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، أن إمكانات حكومته حتّمت أن تكون التقديمات «أفضل الممكن»، وذلك في ظل شكوى العمال من الضائقة المعيشية، والتصعيد التي تعلن عنه القطاعات العمالية احتجاجاً على تدهور قيمة العملة والرواتب، وتوعّد العمال في التحركات الميدانية لمناسبة اليوم العالمي للعمال، بـ«المواجهة». وتوجه ميقاتي للعمال بالقول «ندرك الظروف الصعبة التي تعيشونها، ونقدّر التضحيات التي تبذلونها في سبيل الحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها وإداراتها»، مضيفاً أن «ما اتخذته الحكومة من إجراءات أخيراً ليس سوى القليل مما تستحقونه، لكن الإمكانات التي تعرفونها حتّمت أن تكون التقديمات بأفضل الممك

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبعدون من لبنان... تنتظرهم حواجز النظام

المبعدون من لبنان... تنتظرهم حواجز النظام

يتربص بالباحثين السوريين عن ملاذ آمن هرباً من الأوضاع الكارثية داخل سوريا، مهربون يتقاضون مبالغ مادية لتهريب من يريد إلى لبنان، ووفقاً لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن العشرات من السوريين الذين دخلوا لبنان خلسة، تم ترحيلهم من قبل السلطات اللبنانية خلال الأيام والأسابيع القليلة الفائتة. وحسب «المرصد»، فإن أجهزة النظام الأمنية وحواجزه على الحدود السورية - اللبنانية، اعتقلت أكثر من 39 شخصاً من الذين جرى ترحيلهم من الأراضي اللبنانية منذ مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي، بذرائع كثيرة، غالبيتها لتحصيل إتاوات مالية بغية الإفراج عنهم. وقبل أيام معدودة، اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، شابين يتح

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي انتعاش القطاع السياحي في لبنان... ونسبة الحجوزات 70 %

انتعاش القطاع السياحي في لبنان... ونسبة الحجوزات 70 %

أعلن الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي أن «لبنان قادم على موسم صيف واعد»، وقال «نسبة الحجوزات بلغت 70 في المائة»، متوقّعاً أن يُدخل عيد الفطر 500 مليون دولار، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». ونقلت صحيفة محلية اليوم عن بيروتي قوله إن «القطاع السياحي يُناضل وحيداً وما زال يضخ الأموال إلى البلد»، مشيرا إلى أن «المطاعم تستعيد عافيتها، على عكس الفنادق».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جرحى باشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في بيروت

جرحى باشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في بيروت

وقعت اشتباكات في محيط السراي الحكومي بالعاصمة اللبنانية بيروت، اليوم الثلاثاء، بين المتظاهرين والقوى الأمنية وأسفرت عن سقوط جرحى. وشهدت ساحة رياض الصلح في بيروت اعتصامات نفّذها عدد من اللجان النقابية للمطالبة بتصحيح الأوضاع المالية، وذلك بالتزامن مع انعقاد جلسة لحكومة تصريف الأعمال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنان يرحب بالبيان السوري - السعودي ويثمّن رغبة البلدين في عودة النازحين لوطنهم

لبنان يرحب بالبيان السوري - السعودي ويثمّن رغبة البلدين في عودة النازحين لوطنهم

رحبت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، في بيان اليوم (الجمعة)، بالبيان السعودي - السوري المشترك في ختام لقاء وزيري خارجية البلدين في جدة. ووفق وكالة الأنباء الألمانية، ثمّنت الوزارة في بيانها «رغبة المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية في العمل على تهيئة الظروف المناسبة والمساعدة على تحقيق عودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين إلى وطنهم»، معلنة عن «استعدادها للتعاون من أجل إنهاء معاناة النازحين في لبنان». وأشارت إلى أن لبنان يدعم «ويشجع المساعي والجهود العربية الحميدة كافة للوصول إلى حل عربي للأزمة السورية في إطار حل سياسي يحفظ وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقرارها»، مضيفةً أن

«الشرق الأوسط» (بيروت)

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)
صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)
TT

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)
صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)

أعلن رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، اليوم (الأحد)، أنّه طلب الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني، وفق ما أودته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأكد روبير بوتي، رئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، أنّه بعد تحقيقات أُجريت عن بُعد حتى الآن، «تمّ توثيق مئات مراكز الاعتقال (...) كلّ مركز أمن، كل قاعدة عسكرية، كل سجن، كان له مكان احتجاز أو مقبرة جماعية خاصة به».

وأضاف للوكالة: «سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن نعرف الحجم الكامل للجرائم المرتكبة».

ويقع مقر الآلية الدولية المحايدة والمستقلة في جنيف، وهي مسؤولة عن المساعدة في التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم الأكثر خطورة بموجب القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ بداية الحرب في عام 2011.

ولم تسمح دمشق لهؤلاء المحققين التابعين للأمم المتحدة بالتوجه إلى سوريا في السابق.

وقال روبير بوتي إنّ فريقه طلب من السلطات الجديدة «الإذن للمجيء إلى سوريا لبدء مناقشة إطار عمل لتنفيذ مهمّتنا».

وأضاف المدعي العام والقانوني الكندي: «عقدنا لقاء مثمراً وطلبنا رسمياً... أن نتمكّن من العودة وبدء العمل، ونحن في انتظار ردّهم».

وفقاً لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قُتل أكثر من 100 ألف شخص في سجون الحكومة السورية السابقة منذ عام 2011.

ومنذ فتح أبواب السجون بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، برزت مخاوف بشأن وثائق وغيرها من الأدلة المتّصلة بالجرائم.

وقال بوتي إنّ هناك في سوريا «ما يكفي من الأدلة... لإدانة هؤلاء الذين يجب أن نحاكمهم» ولكن الحفاظ عليها «يتطلّب الكثير من التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة».

واستُخدمت الأدلة التي تمّ جمعها عن بُعد من قِبَل الآلية الدولية المحايدة والمستقلّة في نحو 230 تحقيقاً خلال السنوات الأخيرة، تمّ إجراؤها في 16 ولاية قضائية، خصوصاً في بلجيكا وفرنسا والسويد وسلوفاكيا.