الأستار... رحلة بالصور مع البيت العتيق

كتاب للمصور السعودي عادل القريشي في حب الكعبة

لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة  -  باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة - باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
TT

الأستار... رحلة بالصور مع البيت العتيق

لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة  -  باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة - باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)

بشغف وحب أمضى المصور السعودي عادل القريشي أربعة أعوام يصور لقطات كتابه الثاني، ومن خلاله هامت كاميرته بالكعبة وبعناصرها. وأخيراً، نشرت صوره في كتابين من القطع الكبير تحت عنوان «أستار». تصفح الكتاب يحتاج إلى وقت وتأنٍ، فقراءة كتاب بهذا الحجم سواء من ناحية الحجم الفعلي أو من ناحية الموضوع، يحتاج إلى فسحة من التأمل والهدوء.
- البدايات
يبدأ القريشي كتابه بتتبع رحلة أستار الكعبة من ولادتها في «شِلل» من خيوط الحرير السوداء الملتفة حول بعضها، نراها في لقطة بديعة تأخذ بيدنا للبدايات ونتبع الخيوط وهي تنتظم جنباً لجنب ليخرج القماش كما نراه كاسياً ذلك العمران المقدس. تشدني لقطات «شلل» الخيوط السوداء، رغم طغيان اللون الأسود فإن هناك حركة تميز بين الخيوط بلمعة خاصة وبخيط أبيض وحيد يضم أطرافها كم تضم الشرائط ضفائر الشعر.
ننطلق من البدايات إذن، وهنا أسأل القريشي عن الكتاب وهو الثاني له بعد كتاب «الأغوات»، كيف جاءت الفكرة؟ يقول «جاءتني الفكرة بينما كنت أصور في الحرم المدني وأنا أعمل على كتاب (الأغوات). بدا بديهياً أن يكون مشروعي التصويري الثاني عن الكعبة».

الباب والمفتاح  -  عملية تغيير الكسوة في يوم عرفة (تصوير: عادل القريشي)

الكعبة موضوع ضخم جداً، ولكنه أيضاً موضوع غطته ملايين الكاميرات في العالم، يعرف أنها «أكثر مبنى صُوّر في العالم»، ولكنه قرر أن يقدم رؤيته الخاصة وأن تكون صوره مرتبطة بالبيت العتيق كرمز للوحدانية، واختار لتوقيته يوم عرفة في موسم الحج. ولهذا؛ استغرقت عملية التصوير أربعة أعوام، من يوم عرفة ليوم عرفة تدربت عدسات الكاميرا على الصبر.
يقول «الكعبة تحدٍ كبير لي كمصور، أكثر مبنى صور في التاريخ، ولم أكن أعتقد أن أستطيع إنتاج كتاب واحد عن الكعبة، ولكن في النهاية أنتجت كتابين».
وأضاف «لأن الموضوع محصور في شيء يراه الناس كل يوم، فكرت أن الناس متعودة على رؤية الكعبة والكسوة عليها مشدودة ومنسدلة بأحسن طريقة، بينما في يوم عرفة تظهر الكسوة الجديدة وكأنها متموجة فأعجبتني هذه الزاوية لأنطلق منها».
أسأله عن الفترة الطويلة التي قضاها في إعداد الكتاب وخاصة مرحلة التصوير، يجيب ببساطة «بطبيعتي أحب أن آخذ وقتي في التصوير. كنت أنتظر من عام للتالي لأحصل على اللقطات التي أريدها». ورغم أن الكتاب أيضاً يضم صوراً للمعتمرين والمصلين في أيام مختلفة يشير إلى أن جل التصوير كان في أيام عرفة «تركيزي كان على موسم الحج».
الصور تتعامل بحب وافتتان مع عملية تغيير الكسوة، مع الأستار وهي ترفع عن البناء المقدس، صوره ترينا الأستار وهو مبرومة تمسها الحبال لتسدلها بينما يرفع المصلون أكفهم بالدعاء. في لقطات أخرى نرى تفاصيل للحركة الدائبة في عملية تغيير الكسوة عبر لقطات للعمال على سطح الكعبة يخيطون أستارها. تلتقط عدسة الكاميرا التفاصيل بدقة في أحيان وفي أحيان أخرى تبدو التفاصيل غائمة كأن المصور يستخدم فرشاة الرسام، ليحول صفوف العابدين لأمواج بشرية مجتمعة في طقس واحد. في صورة فائقة الإبداع والتعبير نرى الكعبة وهي تقف شامخة مزهوة بثوبها الأغلى وتحتها ما يشبه الأمواج البشرية، غائبة الملامح الشخصية ولكنها منتظمة في الموج البشري النابض بالحب والدعاء.
في صور أخرى يتفنن المصور في استخدام الضوء للتعبير عن القدسية والروحانية، مثل صور للباب يتألق ويضيئ ملقياً ما يشبه الشعاع الذهبي على المعتمرين والمصلين، وفي صورة ثانية يبدو وكأن الضوء قد ألقى ستارة من الضوء على الأشخاص والبناء.


قماش كسوة الكعبة قبل خياطته  -  ضفائر من خيوط الحرير السوداء في مصنع الكسوة

- البداية خيط من الحرير
أعود مع القريشي للمرحلة الأولى من مشروعه الضخم، أسأله إن كان زار مصنع الكسوة في مكة المكرمة «ماذا كان في بالك والغرض من الذهاب، العاملون أم عملية الحياكة؟»، يجيب بأن هدفه من الزيارة لم يكن لتسجيل عملية الحياكة «لم أرغب في تصوير (مكننة) حياكة الكسوة؛ فذلك كان سيدخل الكتاب في روح مختلفة». هدفه كان رؤية القماش وأن يجد صيغاً جديدة لتصويره «كنت أريد الخروج بصور غير مألوفة للكسوة، أردت تصويرها وهي لفائف من القماش المطوي في طبقات متتابعة (قمت بنفسي بطي قطعة من القماش لأصل إلى صورة هامة في سرد القصة)».
تابع المصور بعدسته رحلة الخيوط الحريرية السوداء التي تتحول لتصبح «لفات» من القماش تحاك مع مثيلاتها قبل يضاف لها التطريز الذهبي في مرحلة لاحقة. تلفتني صورة لـ«رول» القماش الأسود المطبوع بالآيات القرآنية وهي مفروده على صفحتين متقابلتين، مكونة ما يشبه الطريق أو الصراط.
- وراء الكواليس
تعرض لقطات تالية الآيات المطرزة بخيوط الفضة والذهب، لقطات مقربة جداً بحيث نشعر بأننا نسمع تنفس الخطاط، هنا نرى كل خيط وكل غرزة، وأيضاً نلمح اسم «عبد الرحيم أمين» في الأسفل، وكأن اللقطة تأخذنا للشخص الذي قضى أيامه ممسكاً بالإبرة والخيط ليطرز الآيات القرآنية على القماش وهي نظرة لكواليس حياكة الكسوة.
لاسم عبد الرحيم أمين قصة يسردها لنا القريشي قائلاً «أردت التركيز على هذا الاسم من خلال اللقطة المقربة»، ويشرح «بعد جولة التصوير الأولى للكعبة قمت بتكبير الصور ووجدت اسمه، ثم عدت لصور قديمة تعود لأكثر من أربعين عاماً ووجدت الاسم موجوداً ما يعني أنه شخص كبير في السن، وراودتني رغبة في أن ألتقط صوراً لهذا الرجل قبل وفاته. وفي أول زيارة لمصنع الكسوة طلبت أن أقابل عبد الرحيم أمين، ولكن الرد جاء مفاجأة إذا اكتشفت أنه توفي منذ زمن، وتساءلت (ولكن اسمه ما زال موجوداً على الكسوة)، وهنا عرفت أن هناك أمراً ملكياً ببقاء اسم خطاط الكسوة عليها ما دام الخط المستخدم له، وقد أكرمه الله بأن جعل اسمه على الكسوة لسنوات طويلة».
تأخذنا هذه الجزئية وحرص المصور على إبراز العامل الإنساني للحديث عن صور الأشخاص المختلفين الذي توقفت عندهم عدسة القريشي، فهناك صور عديدة للمصلين وهم في وضع السجود أو وهم يبتهلون أمام باب الكعبة أو يلمسون بأيديهم الحجر الأسود. ولكن القريشي يقدم لنا أيضاً وجوهاً باسمة وقفت أمام عدسته، نساء ورجال وأطفال من جميع أنحاء العالم، وصور للعاملين في الحرم المكي. أسأله إن كان تصوير الوجوه شغفاً خاصاً عنده، ويجيب «بالفعل، هي شغفي فعلاً، أتمنى أن أصور (بورتريهات)».
أشير إلى لوحة لفتت انتباهي وهي للحجاج أمام الكعبة وهم يحملون مظلات ملونة، تبدو مثل لوحة فنية بها الكثير من الحركة والفرحة، يقول «فعلاً كأنها حديقة ورد، الصورة التقطت في أول أيام عيد الأضحى، حيث درج الحجاج على حمل المظلات المهداة لهم من الشركات التجارية المختلفة».

اسم خطاط الكعبة عبد الرحيم أمين على الكسوة (تصوير: عادل القريشي)

سجل المصور الكثير من الأشخاص في كتابه، ولكن غاب عن كتابه صور العاملين في مصنع الكسوة، لماذا؟ يقول «صورت بالفعل عدداً من العمال، لكن عندما انتهت مرحلة التصوير قررت أنا ومصمم الكتاب أننا لو بدأت في إدخال المكننة، سيتخذ الكتاب طريقاً مختلفة؛ لأنه كتاب روحاني أكثر، فهو ليس تأريخاً لصناعة إنما هو عن تأريخ الكسوة، كأنها لها حياة منفصلة ولم أرد إدخال ناس غير العباد».
- تصميم الكتاب
ننتقل في الحديث لعملية تصميم الكتاب وتقسيمه وتوزيع الصور. يرجع ذلك أولا للمصمم «أنا أشبّه عملي بمن ينقب في منجم، أغوص فيه وأحفر وأخرج مجوهرات، وأنا في بالي عقد ثمين. وعندما أحمل الجواهر وأعطيها للصائغ ليصنع ذلك العقد، قد أتدخل في التصميم ولكن يظل هو صاحب الصنعة».
يشير إلى أنه أراد أن يعبّر الكتاب عن طريقة عمله «عند التصوير أردت أن أفكك الكعبة إلى عناصرها، فهناك الباب، والحجر الأسود، والركن اليماني، ومقام إبراهيم، والميزاب، وحجر إسماعيل والأستار وبعدها العباد، الناس».
- السدنة والمفتاح
يفرد الكتاب الأول قسماً لمفتاح الكعبة وللسدنة من بني شيبة، تفتتح الفصل صورة بالغة التعبير ليد كبير السدنة وهي ممسكة بالمفتاح، القبضة تبدو قوية وثابته وتترك أثراً بليغاً في النفس.
يتحدث القريشي عن السدنة والمهمة التي كرموا بها بحمل مفاتيح الكعبة منذ الأزل «السدنة مثيرون للاهتمام، لهم حق ثابت بشرف السدانة، أنا عندي قناعة أن المفتاح ليس قطعة الحديد، الصورة الأولى فيها عنفوان وما أردت قوله هو (اليد هي المفتاح) وليست قطعة الحديد، التي قد تتغير ولكن السدنة لا يتغيرون، دائماً من بني شيبة».

لقطة من كتاب «الأستار»

عبر صور متتالية قدم القريشي صوراً لعدد من المفاتيح، منها صورة لمفتاح الكعبة الرئيسي ثم صورة أخرى لمقام إبراهيم (يفتح فقط عند التنظيف)، ومفتاح باب التوبة داخل الكعبة إضافة إلى صورة لمفتاح الكعبة الأثري القابع في متحف الحرمين بمكة المكرمة. غير أن صورة لمفتاح حديث صغير جداً تلفت انتباهي وأسأله عنه «يقول المفتاح الصغير الحديث هو مفتاح لخزانة داخل الكعبة تستخدم لحفظ القفل والمفتاح عند القيام بغسل الكعبة». ويمكن النظر لصورة المفتاح الحديث على أنها تبرز التسلسل التاريخي للمفاتيح، خاصة مع وجود صورة المفتاح الأثري الذي يعود لعهد السلطان عبد الحميد الثاني مؤرخ بعام 1309 هجرية.
في تصويره ليد كبير السدنة وهي ممسكة بالمفتاح عبر صورتين، يشير إلى أنه أراد التعبير عن مغزى معين «مغزى طريقة مسك المفتاح في الصورة الثانية أردت أن تظهر مسكة الحق، فبنو شيبة لديهم حق إلهي بحمل المفتاح يتوارثون المفاتيح كابراً عن كابر؛ ولهذا صورت أفراد العائلة وأجيالها حتى أصغر طفل، هناك أجيال من المفاتيح كما هناك أجيال من بني شيبة».
في مقدمة الكتاب يتحدث القريشي عن سهولة وبساطة العقيدة الإسلامية وهو وصف ينسحب على محتويات كتابه، إذا تميزت صوره بالبساطة وبالعمق بنظرة فلسفية يقول «هناك نقطة مهمة، أن الكعبة هي تختصر عقيدة التوحيد، (الله لا إله إلا هو) إله واحد، الرقم واحد هو قلب العقيدة الإسلامية. وبهذا المفهوم نجد أن الكعبة تمثل الوحدانية، هي مبنى واحد وله باب واحد، بمفتاح واحد، الحجرة لا تضم سوى باب واحد في الداخل، مزراب واحد لتصريف المياه، فالكعبة هي التجسيد المعماري لعقيدة التوحيد».


مقالات ذات صلة

السعودية: بدء تسجيل الرغبات لحجاج الداخل إلكترونياً

الخليج يمكن التسجيل عبر المسار الإلكتروني أو تطبيق «نُسك» (وزارة الحج)

السعودية: بدء تسجيل الرغبات لحجاج الداخل إلكترونياً

فتحت وزارة الحج والعمرة السعودية، الجمعة، باب التسجيل لحجاج الداخل من المواطنين والمقيمين في البلاد الراغبين في تأدية شعيرة الحج لموسم هذا العام.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق مسجد قباء وهو أول مسجد بُني في الإسلام (هيئة تطوير المدينة)

مشروع «درب الهجرة»... تجربة استثنائية عبر 5 مواقع مرَّ بها الرسول عليه السلام

شهدت المدينة المنوّرة نقلة نوعية وضعتها على قائمة أفضل 100 وُجهة سياحية عالمياً لعام 2024، وفق تقرير صادر عن «يورومونيتور إنترناشونال»...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق «جمعية خدمات الحجاج والمعتمرين» قصة إنسانية ومبادرات مبتكرة (الشرق الأوسط)

كرم السعوديين… من التقاليد العريقة إلى خدمة ضيوف الرحمن

في الشمال السعودي، وعلى مقربة من المنافذ الحدودية التي تستقبل القادمين براً من دول الجوار، تنبض «جمعية خدمات الحجاج والمعتمرين» بروح العطاء

أسماء الغابري (جدة)
الخليج جلسة البيانات والحلول الرقمية ضمن جسات اليوم الثاني في مؤتمر الحج والعمرة (المركز الإعلامي)

استثمار 5 % فقط من إمكانات الذكاء الاصطناعي في إدارة الحج والعمرة حتى الآن

شهد اليوم الثاني من مؤتمر ومعرض الحج والعمرة انعقاد أكثر من عشر جلسات تناولت موضوعات رئيسية في عدة مجالات من بينها التقنية والذكاء الاصطناعي والبيانات والحلول

أسماء الغابري (جدة)
الخليج جانب من الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحج والعمرة في نسخته الرابعة (المركز الإعلامي)

استراتيجية طويلة الأمد وخدمات تقنية مبتكرة لتعزيز تجربة الحج والعمرة

استعرضت الجلسة الافتتاحية لـ«مؤتمر الحج والعمرة» الرابع، جهود السعودية لتطوير وتحسين الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.

أسماء الغابري (جدة)

7 مرشحين لخلافة الألماني باخ في رئاسة «الأولمبية الدولية»

أكثر من مائة ناخب عضو في اللجنة الدولية سيصوتون لخلافة باخ الخميس (أ.ف.ب)
أكثر من مائة ناخب عضو في اللجنة الدولية سيصوتون لخلافة باخ الخميس (أ.ف.ب)
TT

7 مرشحين لخلافة الألماني باخ في رئاسة «الأولمبية الدولية»

أكثر من مائة ناخب عضو في اللجنة الدولية سيصوتون لخلافة باخ الخميس (أ.ف.ب)
أكثر من مائة ناخب عضو في اللجنة الدولية سيصوتون لخلافة باخ الخميس (أ.ف.ب)

اقترب السباق لخلافة الألماني توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية من نهايته، حيث يتقدم الإسباني خوان أنطونيو سامارانش جونيور، والبريطاني سيباستيان كو، والزيمبابوية كيرستي كوفنتري، على 4 مرشحين آخرين في الانتخابات المقررة الخميس في اليونان.

وبحال انتخاب سامارانش، فسيسير على خطى والده الذي يحمل نفس اسمه، ليصبح الثنائي أول أب وابنه يتم اختيارهما للمنصب المرموق، بينما سيكون كو، رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، أول بريطاني رئيساً للمنظمة الدولية، بينما ستنفرد كوفنتري (41 عاماً) بميزة أول سيدة وأول أفريقية والأصغر بين الرؤساء السابقين.

لكن لا يمكن استبعاد المفاجآت من أكثر من مائة ناخب عضو في اللجنة الدولية، في معركة ستنتج رئيساً يكون الشخصية الرياضية الأكثر نفوذاً في العالم.

ومن المرشحين أيضاً، رئيس الاتحاد الدولي للتزلج والناشط البيئي السويدي - البريطاني يوهان إلياش، ورئيس الاتحاد الدولي للجمباز الياباني موريناري واتانابي، ورئيس الاتحاد الدولي للدراجات الهوائية الفرنسي دافيد لابارتيان، والأمير فيصل بن الحسين شقيق ملك الأردن.

وتبدو انتخابات كوستا نافارينو (اليونان) على ضفاف البحر الأيوني، على النقيض تماماً من الانتخابات السابقة في 2021، التي شهدت إعادة انتخاب باخ بأغلبية ساحقة حين كان المرشح الوحيد للمنصب.

وأياً تكن هوية الفائز، سيقود منظمة مستقرة مالياً، لكن يعكرها الوضع الجيوسياسي المضطرب.

ويتعيّن على الرئيس الجديد التعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، خلال أولمبياد 2028 في لوس أنجليس.

وفي هذا «العالم المعقد للغاية» حسب سامارانش، حيث أصبحت الحقائق السابقة مثل «العالمية، والأخوة، والوحدة» موضع نزاع، ليس هذا الوقت المناسب للقفز في المجهول.

وأكد ابن الخامسة والستين وصاحب خبرة عقدين في اللجنة الدولية، إنه يملك الشخصية المطلوبة لقيادة اللجنة.

وقال في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا يتعلق الأمر بالجنس أو القارة... حتّى في أفضل الظروف، يجب أن ننتخب الشخص الأفضل للمنصب».

وبحال نجاحه، سيتولى سامارانش لجنة مختلفة تماماً عن تلك التي قادها والده بين 1980 و2001، وأجرى تغييرات جذرية على هيكليتها المالية.

ورغم ذلك، رفض خوان أنطونيو مراراً مقارنته بوالده: «لا شيء مما فعله هو وكل هؤلاء الأشخاص الاستثنائيين لإحياء الألعاب الأولمبية، مرتبط بما نواجه راهناً».

وقد يبدو كو بالنسبة لباخ شخصية خلافية، رغم أن كثيرين يعدُّونه مستقلاً.

وبينما يضفي سامارانش جونيور طابعاً هادئاً، يتميز حامل ذهبيتين أولمبيتين في سباق 1500م بالكاريزما والفطنة.

ويملك كو (68 عاماً) سيرة ذاتية لافتة، وهو مشرّع سابق عن حزب المحافظين اليميني - الوسطي، وكان رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد لندن 2012، بعدما قاد ملف ترشحها بنجاح على حساب باريس الأوفر حظاً.

ويُنسب إليه الإصلاح في الاتحاد الدولي لألعاب القوى بعد تبوئه الرئاسة في 2015.

وعد أعضاء اللجنة الدولية برفع الصوت أكثر من فترة باخ الممتدة 12 عاماً، وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن مقاربته ستكون «عدم التدخل في التفاصيل الدقيقة».

وتابع كو الذي أثار حفيظة الحركة الأولمبية عندما قرر منح مكافآت لحاملي الميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية: «إذا كان لديك أشخاص أذكياء جداً حولك وطموحك كقائد أن يكون حولك أشخاص أذكى منك، فعليك الاستفادة منهم. لا تفرّط في الإدارة الدقيقة».

وقام كل من سامارانش جونيور وكو بحملات إعلامية كبيرة، خلافاً لكوفنتري المتحفظة.

وتُعدّ الفائزة بـ7 ميداليات أولمبية في السباحة، بينها ذهبيتان، المرشحة المفضلة لدى باخ رغم نفيها.

وقالت كوفنتري التي تبدو حازمة بشأن حماية النساء في الرياضة: «سيكون أفضل وسيلة بالنسبة إليّ متابعة الدفع نحو المساواة بين الجنسين لدى المدربين والمسؤولين الرياضيين لدينا».

وأردفت: «لكني أريد القيام بهذا الأمر بنفسي. مع خبرتي كرياضية، وتعاملي مع قضايا سياسية حساسة في زيمبابوي، عبر القدوم من دولة تقع في جنوب الكرة الأرضية، لكن أيضاً من خلال دراستي في الولايات المتحدة والإقامة هناك فترة طويلة، بت أملك وجهة نظر خاصة بي».

ولا ترى الزيمبابوية مشكلة في الترشح، رغم كونها وزيرة للرياضة في حكومة تم التشكيك في نزاهتها بعد انتخابات 2023.

مع ذلك، تقول إن مشاركتها في الحكومة سمحت لها بإجراء إصلاحات من الداخل، «تعلمت أشياء كثيرة منذ تولي هذا الدور الوزاري. أخذت على عاتقي تغيير كثير من السياسات داخل بلدي وكيفية تنفيذ الأمور».

وأضافت: «أعتقد أن كل بلد لديه تحدياته ومشكلاته، أليس كذلك؟ بالنظر إلى زيمبابوي تحديداً، كانت انتخابات 2023 المرة الأولى منذ أكثر من 20 أو 30 عاماً التي لم تشهد عنفاً. هذه خطوة في الاتجاه الصحيح».

وترى كوفنتري أن انتخابها سيكون «شيئاً عظيماً» لقارة أفريقيا، وسيظهر أن اللجنة الأولمبية الدولية «منظمة عالمية حقاً».

وانتقد كو عملية الانتخاب معبراً عن استيائه من قصر مدة العرض التقديمي المخصص لكل مرشح، الذي اقتصر على 20 دقيقة فقط أمام 109 أعضاء في اللجنة الدولية الذين سيختارون الرئيس الجديد.

ولا يبدو كو المرشح الأقوى، خصوصاً في ظل تقارير عن اتصال باخ ببعض الأعضاء لعدم التصويت له.

مع ذلك، قال عضو في اللجنة الدولية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لا تستبعدوا كو أبداً... هو لا يقبل الخسارة».