خرجت عمليات اقتحام فروع المصارف في لبنان من قبل مودعين، عن السيطرة، حيث انتقلت العدوى من منطقة إلى أخرى، ونفذ ستة أشخاص عمليات اقتحام في عدد من المناطق، ما دفع جمعية مصارف لبنان لإقفال فروعها، وتحركت الحكومة التي ألمحت على لسان وزير الداخلية إلى فرضية «تسييس» تقف وراء اقتحامات وصفها البعض بـ«المنظمة».
واقتحم المودعون عدداً من فروع المصارف في بيروت والجنوب وشحيم في جبل لبنان، وظهر البعض مسلحاً، فيما قال آخرون إنهم يحملون أسلحة مزيفة. وكان لافتاً اقتحام ملازم في الجيش «بنك ميد» في شحيم في جبل لبنان، في محاولة للحصول على وديعته، حسبما أفادت وسائل إعلام لبنانية.
وأفاد مصدر أمني بأن مودعين اقتحموا فروع مصارف في مواقع مختلفة في محاولات لاسترداد جزء من ودائعهم. وظهر البعض مسلحاً، حسب ما ورد في مقاطع فيديو تناقلها ناشطون في مواقع التواصل، فيما قال آخرون إنهم يحملون أسلحة مزيفة عبارة عن ألعاب بلاستيكية. وتعد هذه الموجة الرابعة في مسلسل اقتحام الفروع المصرفية بدأت قبل أربعة أشهر مع اقتحام مودع في البقاع فرعاً لأحد المصارف، ثم في منطقة الحمراء في بيروت في الشهر الماضي، تلتها عمليتان في بيروت وعالية (جبل لبنان) يوم الأربعاء الماضي، ثم العمليات المتزامنة أمس.
وبدأت موجة الاقتحامات أمس مع دخول مودع إلى مصرف في منطقة الغازية في الجنوب، وشهر سلاحاً بلاستيكياً في وجه الموظفين، قبل أن يحصل على 19200 دولار من وديعته، ويسلم نفسه للقوى الأمنية. وكرت السبحة، حيث اقتحم آخر فرع «لبنان والمهجر» في الطريق الجديدة في بيروت، ومسلح ثالث اقتحم فرعاً آخر للمصرف نفسه في الحمراء، ورابع «بنك لبنان والخليج» في الرملة البيضا، وخامس «البنك اللبناني الفرنسي» في الضاحية الجنوبية، وسادس فرع «بنك ميد» في بلدة شحيم جنوب بيروت، مطالبين بتحرير أموالهم العالقة في المصارف منذ عام 2019.
وفيما لمح وزير الداخلية بسام مولوي، إلى تسييس للحراك، بالقول إن «هناك جهات تدفع الناس إلى تحركات ضد المصارف»، نفت رابطة المودعين التي تدعمهم وتقدم لهم الدعم القانوني عند الحاجة، هذه الفرضية، كما نفت أن تكون منسقة. وقالت المحامية في الرابطة زينة جابر، لـ«الشرق الأوسط»، إن المصارف والسلطتين السياسية والقضائية «يمتنعون عن إيجاد حلول للأزمة المتواصلة منذ عام 2019»، و«السلطة السياسية متآمرة مع المصارف، وتلكأت عن وضع خطة عادلة وشفافة لتوزيع الخسائر، وهو ما دفع المواطنين للجوء إلى هذا الخيار». وقالت جابر، «انعدمت الخيارات أمام المودع الذي يتحمل الكلفة الأعلى للأزمة، ولم يقم القضاء بتحريك الدعاوى القانونية أمام النيابة العامة على خلفية إضراب القضاء، كما رفع القضاء الحجوزات عن أملاك بعض المصارف، ما دفع المودعين للبحث عن خيارات بديلة». وقالت، «لا يمكن القول إن المودع متآمر»، نافية أن يكون هناك أي تسييس، أو أن تكون العملية منظمة.
واتخذت «جمعية مصارف لبنان» قراراً بالإقفال لمدة ثلاثة أيام رداً على اقتحام فروعها «بعد الاعتداءات المتكررة على المصارف، وما يتعرض له القطاع، ولا سيما موظفو المصارف، من تعديات جسدية وعلى الكرامات، والتي فصلها بدقة بيان اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان الخميس»، كذلك «بعد أخذها بعين الاعتبار المخاطر التي يتعرض لها الزبائن الموجودون داخل الفروع التي تتعرض للاقتحام».
وقالت الجمعية، في بيان، إن «مجلس الإدارة اتخذ قراراً بإقفال المصارف أيام 19 - 20 - 21 سبتمبر (أيلول) استنكاراً وشجباً لما حصل وبغية اتخاذ التدابير التنظيمية اللازمة، على أن يعود مجلس الإدارة إلى الاجتماع في مطلع الأسبوع المقبل للنظر في شأن الخطوات التالية». وأكدت أن «سلامة موظفيها وزبائنها تأتي في رأس الأولويات التي تضعها المصارف نصب أعينها، إضافة إلى مصالح المودعين التي تحاول تأمينها بقدر المستطاع في الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها البلاد».
وأعلن المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان، الخميس، «أن ما حصل ويحصل اليوم من عمليات اقتحامٍ لفروع المصارف من قبل بعض المودعين، وتعريض سلامة زملائنا في الفروع، والمس بكرامتهم، والتهديد والوعيد بالتكرار في الأيام المقبلة لم يعد مقبولاً»، وطالبوا بـ«اتخاذ الخطوات والإجراءات التي أصبحت أكثر من ضرورية من قبل السلطات الأمنية بالتنسيق والتعاون مع المصارف للحد من هذا المسار الخطير».
وقال الاتحاد، «في حال لم تُتخذ الإجراءات الآيلة إلى المحافظة على سلامة الموظفين في أسرع وقتٍ، ستتخذ جميع الخطوات التي يراها مناسبة إلى حين تأمين حمايتهم وصَون كرامتهم. فلقد صبرنا كثيراً وتغاضينا على جروحنا، لكن للصبر حدود».
بالموازاة، ناشدت جمعية المصارف، في بيان، «الدولة بكامل أجهزتها السياسية والأمنية والقضائية بتحمل أدنى مسؤولياتها إزاء تدهور الوضع الأمني وعدم التخاذل مع المخلين به، وسوقهم إلى المحاكم المختصة لكي يحاكموا محاكمة عادلة. هذا علماً بأن المصارف لن تتأخر بعد اليوم عن ملاحقة المعتدين حتى النهاية».