جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

يفخر بخلفيته العسكرية وجذوره الأفريقية

جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد
TT

جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

«ليز تفوز» تغريدة من كلمتين أعلن بها وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي فوز زميلته في حزب المحافظين، ورئيسته الجديدة، بسباق رئاسة الحكومة.
لم يكن تعيين كليفرلي، الذي كان يشغل منصب وزير التعليم قبل أسبوعين فقط، على رأس وزارة الخارجية قراراً مفاجئاً. فقد عمدت ليز تراس، رئيسة الحكومة الجديدة، إلى مكافأة النواب الموالين لها، الذين دعموا حملتها في وجه منافسها المحافظ ريشي سوناك؛ وكان كليفرلي في المقدّمة.
إلا أن أيامه الأولى في المنصب لم تسِر وفق ما خطّط له. فبعد يومين من تعيينه كبيراً للدبلوماسيين البريطانيين، توفيت الملكة إليزابيث الثانية بعد إمضاء 70 عاماً على العرش. وبعد 3 أيام، وجد نفسه بين أعضاء «مجلس العرش» الذي نصّب تشارلز الثالث ملكاً جديداً على المملكة المتحدة. وعقب ذلك بساعات، توجّه كليفرلي إلى إحدى قاعات قصر باكنغهام، ليمثّل الحكومة البريطانية في لقاءات جمعت العاهل الجديد بممثلين عن دول الكومنولث.
دخل كليفرلي، البالغ 53 عاماً، معترك ويستمنستر السياسي في عام 2015، وتسلم عدة مناصب وزارية، تُوّجت هذا الشهر بثاني أهم حقيبة في الحكومة.
فمن هو وزير الخارجية البريطاني الجديد؟ ما أولوياته؟ وما علاقته بالعالم العربي؟
- النشأة والخدمة العسكرية
كان رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، بين أوّل مهنّئي كليفرلي على تعيينه في حكومة تراس. وكانت لهذه التهنئة رمزية خاصة، إذ حملت إشارة إلى أصول والدته التي يفتخر بها وزير الخارجية البريطاني الجديد. وقال الرئيس إن «تعيينك سيلهم الملايين من السيراليونيين الذين يرونك ابناً لهذا البلد. يحتفي السيراليونيون معك، ويتمنون لك التوفيق في دورك الجديد. لا شكّ أن والدتك الراحلة إيفلين سونا كليفرلي (...) فخورة بإنجازاتك».
وُلد كليفرلي في 4 سبتمبر (أيلول) 1969 بمدينة لويشام في لندن، لوالد بريطاني يدعى جيمس فيليب، عمل مسّاح أراضٍ، ووالدة من سيراليون تدعى إيفلين سونا، عملت ممرضة.
تلقى كليفرلي تعليمه في مدرستي ريفرستون وكولف الخاصتين، وكلاهما في «لي غرين» بلندن. ثم انضمّ إلى الجيش، إلا أنه حُرم من مسيرة عسكرية كاملة بسبب إصابة في الساق عام 1989. التحق بعد ذلك بكلية الفنون التطبيقية في غرب لندن؛ حيث حصل على بكالوريوس في إدارة الضيافة، والتقى سوزانا سباركس التي تزوج منها عام 2000. وأنجبا ولدين، هما فريدي وروبرت.
بعد تخرجه، بدأ كليفرلي مسيرة مهنية في قطاع النشر الورقي والرقمي. والتحق بشركة «إنفورما» مديراً للمبيعات الدولية عام 2002. وفي 2004 انضم إلى شركة «كريمسون» للنشر مديراً للإعلانات، ثم أصبح عام 2006 مديراً للتجارة الإلكترونية في شركة «كاسبيان». وفي 2007 شارك في تأسيس شركة «بوينت آند ثاير» للنشر على الإنترنت، التي أعلنت إفلاسها عام 2008، وتم حلّها عام 2011.
ورغم إصابته في نهاية الثمانينات، انضمّ كليفرلي إلى جيش الاحتياط البري البريطاني عام 1991. وتم تكليف كليفرلي في الجيش بصفته ملازماً ثانياً في 6 أكتوبر (تشرين الأول) ، وأصبح ملازماً ثانياً فنياً في يناير (كانون الثاني) 1993. وتمّت ترقيته إلى رتبة ملازم أول في 6 أكتوبر 1993، ثم إلى رتبة نقيب في 26 مايو (أيار) 1998، وإلى رتبة رائد في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2003.
وحتى عام 2005، كان قائد بطارية 266 التابعة لبطارية المدفعية الملكية، ثم تمّت ترقيته إلى رتبة عقيد في الأول من مارس (آذار) 2015.
- صعود سريع
خاض كليفرلي أولى تجاربه السياسية عام 2007، عندما فاز بمقعد في مجلس لندن. وفي عام 2009 عيّنه رئيس بلدية العاصمة البريطانية بوريس جونسون سفيراً للشباب، وأصبح منذ ذلك الحين حليفاً وثيقاً له.
وفي عام 2015، انتخب جيمس كليفرلي في البرلمان للمرة الأولى ممثلاً عن دائرة برينتري في إيسيكس، شمال شرقي العاصمة. وقدّم نفسه عام 2016 مدافعاً عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ومقراً بالتعقيدات التي قد ترافق عملية «الطلاق». ورغم التحديات، رأى كليفرلي أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، هو أقل ضرراً من التراجع عن تنفيذ «بريكست».
وأعيد انتخاب كليفرلي نائباً عن دائرته في الانتخابات العامة المبكّرة لعام 2017 بغالبية 62.8 في المائة. وأصبح نائباً لرئيس حزب المحافظين عام 2018، ثم وزير دولة في الوزارة المعنية بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
رشّح كليفرلي نفسه لخلافة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في 29 مايو 2019 ليسحب ترشحه في 4 يونيو (حزيران) مقراً بأنه لا يحظى بدعم عدد كافٍ من النواب للصمود في انتخابات حزب المحافظين.
- ولاء ثابت
شهدت مسيرة كليفرلي السياسية قفزة نوعية عقب انتخاب بوريس جونسون رئيساً لحزب المحافظين والحكومة، انتقل خلالها من سياسي مجهول نسبياً لدى غالبية البريطانيين إلى وزير للخارجية.
عُيّن كليفرلي عام 2019 رئيساً مشاركاً للحزب، إلى جانب بن إليوت، ثم حصل في 13 فبراير (شباط) على منصب وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واستمر في هذا المنصب المندرج تحت وزارة الخارجية حتى 8 فبراير 2022، وقام خلال هذه الفترة بزيارات لدول عربية؛ استمتع خلالها «بوجبات عربية شهية» وتعلّم بعض الكلمات العربية الدارجة، كما قال لـ«الشرق الأوسط» في حديث سابق.
وقبل أيام من شنّ روسيا حرباً على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، تسلّم كليفرلي منصب وزير الدولة لشؤون أوروبا وأميركا الشمالية. ولم يتأخّر عن المساهمة في دفع جهود حكومته لحشد الدعم لأوكرانيا، وفرض أكبر حزمة عقوبات غربية على روسيا.
وبخلاف رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع، لم يزر كليفرلي أوكرانيا، إلا أنه اتّخذ خطاً صارماً ضد موسكو منذ بداية الحرب، وأدان خلال جولة أميركية وزيارة إلى إستونيا «الفظائع» التي تمارسها روسيا بحق الأوكرانيين.
وأثار دور كليفرلي في إدارة الأزمة الأوكرانية انتقادات واسعة، إذ واجه برنامج اللجوء عدّة تحديات عند إطلاقه، وتأخّر في النظر بآلاف الطلبات.
وكان كليفرلي وفياً لبوريس جونسون حتى إعلان الأخير استقالته في 7 يوليو (تموز) الماضي، ودافع عن أدائه رئيساً للحكومة رغم التجاوزات التي اتُّهم بها خلال فترة إغلاقات «كورونا». وقال كليفرلي متحدّثاً عن رئيس الحكومة السابق: «عملت معه لسنوات، لقد دعمته وما زلت أعتبره سياسياً رائعاً». وبينما قدّم عشرات المسؤولين استقالتهم من حكومة جونسون، رفض كليفرلي سحب ثقته من رئيس الوزراء السابق. وكافأ جونسون حليفه بمنصب وزير التعليم في حكومة لتصريف الأعمال، الذي شغله حتى 5 سبتمبر.
وانتقل هذا الولاء إلى ليز تراس، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية في حكومة جونسون. ورأى كليفرلي أن سياسات تراس الاقتصادية ستنجح في إخراج البلاد من أزمة غلاء المعيشة الأسوأ منذ عقود.
وفي 6 سبتمبر، أصبح كليفرلي وزيراً للخارجية في واحدة من أكثر الحكومات البريطانية تنوعاً، إلى جانب وزيرة الداخلية سويلا برافرمان المولودة في الهند، ووزير الخزانة كوازي كوارتنغ المنحدر من جذور غانية.
تولّى كليفرلي منصبه بينما تمرّ البلاد بظروف اقتصادية وسياسية عصيبة. فبالإضافة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا والعلاقات المتوترة بشكل متزايد مع الصين، سيتعيّن عليه إدارة الخلافات المتصاعدة مع الاتحاد الأوروبي بشأن وضع آيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- بريطانيا العالمية
تبنّى كليفرلي شعار «بريطانيا العالمية» بعد بريكست، ملتزماً «استعادة» مكانة بلاده على الساحة الدولية بعد «تحررها» من قيود الاتحاد الأوروبي.
يعوّل كليفرلي على الخبرة التي اكتسبها في وزارة الخارجية خلال السنتين الماضيتين، وزيراً لشؤون الشرق الأوسط ثم أوروبا وأميركا الشمالية. وفيما لم يعلن بعدُ عن أولويات وزارته، احتراماً لفترة الحداد الوطني بعد وفاة الملكة، لا شكّ أنها ستندرج في إطار السياسات الخارجية التي اعتمدتها ليز تراس، عند شغلها منصب وزير الخارجية في حكومة جونسون.
وخصص كليفرلي أول تعليق له، عقب انتخاب تراس زعيمة لحزب المحافظين، للحديث عن الحرب الروسية - الأوكرانية، وقال إن «علينا بكل تأكيد أن نقف بثبات في دعمنا للرئيس (فولوديمير) زيلينسكي وشعب أوكرانيا. ليس لدي شك في أننا سنستمر حلفاء أقوياء (لكييف) كما كنا في عهد بوريس جونسون».
ودعمت تراس سياسة خارجية جريئة، قريبة من توجّهات الحليف الأميركي على الجانب الآخر من الأطلسي. فاتّخذت موقفاً صارماً من روسيا، وكانت من أول الداعمين لإرسال أسلحة هجومية ثقيلة لأوكرانيا، كما كانت سبّاقة في دعم سكان هونغ كونغ عبر برنامج واسع للتأشيرات، وعزّزت دور بريطانيا في المحيطين الهندي والهادئ، وحذّرت من اعتماد بلادها على شبكة «هواوي» الصينية للـ«5 ج».
- علاقة وطيدة مع العالم العربي
خلال شغله منصب وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمل كليفرلي على تعزيز علاقة بلاده بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وانخرط في مباحثات اقتصادية واستثمارية مع دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، وذلك لبحث تعزيز التعاون التجاري غداة بريكست.
وقاد كليفرلي مباحثات لإطلاق مراجعة مشتركة للعلاقات التجارية والاستثمارية، «وهي إحدى الآليات التي ستتيح إيجاد طرق لزيادة التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي»، كما أوضح في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط». وقال إن بلاده «حريصة جداً على تعزيز العلاقة التجارية القوية جداً بالفعل، وتوسيع هذه الشراكة إلى مجالات تحظى باهتمام في الخليج، بما في ذلك الطاقة الخضراء والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن مجالات التعاون الاقتصادي التقليدية».
وأكد الوزير أن «علاقتنا طويلة الأمد (مع دول الخليج) خدمتنا بشكل جيد». ولكن الآن بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي «نتطلع إلى بناء علاقة أقوى ومستدامة، والبحث عن فرص أعمال في كل من بريطانيا ودول الخليج لسنوات وعقود مقبلة».
وبسؤاله عن الانتقادات التي تواجه المملكة المتحدة؛ خصوصاً من المعارضة، حول العلاقة الجيدة مع السعودية، أجاب الوزير أن «المملكة العربية السعودية اقتصاد رئيسي في الساحة العالمية، ولها تأثير كبير في المنطقة، فهي الوصي على أقدس المواقع في الإسلام، ومن الضروري للغاية أن نحافظ على علاقة قوية وإيجابية مع المملكة (...) أعتقد أن الانتقادات غالباً ما تكون غير عادلة، وفي كثير من الأحيان تستند إلى معلومات غير دقيقة».


مقالات ذات صلة

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

العالم شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

أعلنت شرطة لندن، الثلاثاء، توقيف رجل «يشتبه بأنه مسلّح» اقترب من سياج قصر باكينغهام وألقى أغراضا يعتقد أنها خراطيش سلاح ناري إلى داخل حديقة القصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

قال قصر بكنغهام وصناع شاشة جديدة من المقرر استخدامها خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الأسبوع المقبل إن الشاشة ستوفر «خصوصية مطلقة» للجزء الأكثر أهمية من المراسم، مما يضمن أن عيون العالم لن ترى الملك وهو يجري مسحه بزيت. فالشاشة ثلاثية الجوانب ستكون ساترا لتشارلز أثناء عملية المسح بالزيت المجلوب من القدس على يديه وصدره ورأسه قبل وقت قصير من تتويجه في كنيسة وستمنستر بلندن في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقال قصر بكنغهام إن هذه اللحظة تاريخيا كان ينظر إليها على أنها «لحظة بين الملك والله» مع وجود حاجز لحماية قدسيته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

قدّم رئيس هيئة «بي بي سي» ريتشارد شارب، أمس الجمعة، استقالته بعد تحقيق وجد أنه انتهك القواعد لعدم الإفصاح عن دوره في ترتيب قرض لرئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. وقال شارب، «أشعر أن هذا الأمر قد يصرف التركيز عن العمل الجيد الذي تقدّمه المؤسسة إذا بقيت في المنصب حتى نهاية فترة ولايتي». تأتي استقالة شارب في وقت يتزايد التدقيق السياسي في أوضاع «بي بي سي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

قدّم نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، استقالته، أمس، بعدما خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّه تنمّر على موظفين حكوميين. وفي نكسة جديدة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّ راب، الذي يشغل منصب وزير العدل أيضاً، تصرّف بطريقة ترقى إلى المضايقة المعنوية خلال تولّيه مناصب وزارية سابقة. ورغم نفيه المستمر لهذه الاتهامات، كتب راب في رسالة الاستقالة الموجّهة إلى سوناك: «لقد طلبتُ هذا التحقيق، وتعهدتُ الاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمّر أياً تكن»، مؤكّداً: «أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي». وقبِل سوناك هذه الاستقالة، معرباً في رسالة وجهها إلى وزيره السابق عن «حزنه الشديد»، ومشيداً بسنوات خدمة

«الشرق الأوسط» (لندن)

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
TT

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية، رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات». وجاء تولي السياسي المتخصص في القانون، بعد أكثر من 3 أشهر من انتخابات مثيرة للجدل، دفعت البلاد إلى موجة احتجاجات دامية راح ضحيتها أكثر من 300 شخص حتى الآن، وفق تقديرات منظمات حقوقية محلية ودولية. وبالفعل استمرت الاحتجاجات حتى أثناء مراسم حفل التنصيب؛ إذ بينما كان تشابو (البالغ من العمر 48 سنة) يخطب أمام حشد متحمس من أنصاره في العاصمة مابوتو، كان مناصرو المعارضة يتظاهرون ضده على بعد أمتار قليلة، بعدما منعتهم قوات الأمن من الوصول إلى مكان الحفل.

بدأ الرئيس الموزمبيقي الجديد دانيال تشابو القسم وسط حشد من أنصاره، وكذلك على مقربة من مظاهرات رافضة نتيجة الانتخابات التي وضعته على رأس السلطة في المستعمرة البرتغالية الكبيرة التي يقترب عدد سكانها من 34 مليون نسمة، وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي بجنوب شرقي أفريقيا. ولقد نقلت وكالات الأنباء عن شهود عيان قولهم إن وسط العاصمة مابوتو كان شبه مهجور مع وجود كثيف للشرطة والجيش.

أما تشابو فقد قال في خطاب تنصيبه: «سمعنا أصواتكم قبل وأثناء الاحتجاجات، وسنستمر في الاستماع». وأقرَّ الرئيس الجديد بالحاجة إلى إنهاء حالة الاضطراب التي تهز البلاد، مضيفاً: «لا يمكن للوئام الاجتماعي أن ينتظر، لذلك بدأ الحوار بالفعل، ولن نرتاح حتى يكون لدينا بلد موحد ومتماسك».

والواقع أنه منذ إعلان المجلس الدستوري في موزمبيق، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فوز تشابو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 65.17 في المائة من الأصوات، دخلت البلاد في موجة عنف جديدة، ولا سيما مع طعن فينانسيو موندلاني زعيم المعارضة الشعبوية اليمينية (الذي حلَّ ثانياً بحصوله على 24 في المائة من الأصوات) في صحة نتائجها، ودعوته للتظاهر، واستعادة ما سمَّاه «الحقيقة الانتخابية».

هذا، وتتهم المعارضة -ممثلةً بحزب «بوديموس» الشعبوي- حزب «فريليمو» الاستقلالي اليساري بتزوير الانتخابات، وهي تهمة ينفيها «فريليمو» الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975. أما تشابو فقد بات الرئيس الخامس لموزمبيق منذ استقلالها. وكان في مقدمة حضور حفل تنصيبه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، وزعيم غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو، بينما أرسلت عدة دول أخرى -بما في ذلك البرتغال- ممثلين عنها.

الخلفية والنشأة

ولد دانيال فرنسيسكو تشابو، يوم 6 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة إينهامينغا، المركز الإداري لمنطقة شيرينغوما بوسط موزمبيق. وهو الابن السادس بين 10 أشقاء. وكان والده فرنسيسكو (متوفى) موظفاً في سكك حديد موزمبيق، بينما كانت والدته هيلينا دوس سانتوس عاملة منازل. وهو متزوّج من غويتا سليمان تشابو، ولديهما 3 أولاد، وهو يهوى كرة القدم وكرة السلة، ويتكلم اللغتين البرتغالية والإنجليزية بطلاقة.

النزاع المسلح الذي اندلع بين «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق) الاستقلالية اليسارية، ومنظمة «رينامو» اليمينية التي دعمها النظامان العنصريان السابقان بجنوب أفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) وبعض القوى الغربية، دفع عائلة تشابو إلى مغادرة إينهامينغا، ولذا أمضى دانيال تشابو طفولته في منطقة دوندو؛ حيث التحق بمدرسة «جوزينا ماشيل» الابتدائية، ومن ثم، تابع دراسته في دوندو، وبعد إنهاء تعليمه الثانوي عمل مذيعاً في راديو «ميرامار»؛ حيث قدم برنامجاً رياضياً بين عامي 1997 و1999.

بعدها، التحق تشابو بجامعة «إدواردو موندلاني» في العاصمة مابوتو، وتزامناً مع دراسته الجامعية عمل في تلفزيون «ميرامار»، وقدَّم برنامجاً باسم «أفوكس دو بوفو».

ثم في عام 2004 حصل على شهادته الجامعية في القانون، واجتاز دورة المحافظين وكتَّاب العدل في «مركز ماتولا للتدريب القانوني» في العام نفسه. وهكذا شكَّلت خلفيته الأكاديمية أساساً قوياً لمسيرته المهنية اللاحقة في الخدمة العامة والإدارة.

من القانون إلى السياسة

بدأ تشابو حياته المهنية عام 2005، في مكتب كتَّاب العدل بمدينة ناكالا بورتو، وواصل عمله هناك حتى عام 2009. كما عمل أستاذاً للقانون الدستوري والعلوم السياسية في الجامعة.

وفي عام 2009 انضم إلى حزب «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق)، وعُيِّن بسبب عمله ومشاركته السياسية في منصب إداري في مقاطعة ناكالا- آ- فيليا، ووفق موقعه الإلكتروني فإنه عمل خلال تلك الفترة على «خلق فرص عمل للشباب دون تمييز».

ضغط الأعمال الإدارية لم يمنع في الواقع تشابو من إكمال دراسته، وفعلاً التحق بجامعة موزمبيق الكاثوليكية للحصول على ماجستير التنمية عام 2014. كما حصل على تدريب في نقابة المحامين التي أوقف عضويته فيها طواعية بسبب عمله السياسي.

وعام 2015 عُيِّن تشابو مديراً لمقاطعة بالما؛ لكنه لم يمكث في المهمة طويلاً؛ لأن الرئيس السابق فيليبي غاستينيو نيوسي عيَّنه عام 2016 حاكماً لإينهامباني. وبعدها، في أبريل (نيسان) 2019 وافق البرلمان الموزمبيقي على حزمة تشريعية جعلت تعيين منصب حكام المقاطعات بالانتخاب، وكان تشابو على رأس قائمة «فريليمو» في إينهامباني، ليصبح أول حاكم منتخب للمحافظة التي ظل يحكمها حتى مايو (أيار) 2024.

دعم رئاسي

حظي دانيال تشابو بدعم قوي من الرئيس فيليبي نيوسي الذي شهد بكفاءته، وقال عنه: «مع أنه لم يبقَ في بالما سوى 6 أشهر، فإنه اكتسب تأييداً في هذا الجزء من البلاد، لدرجة أن قرار الرئيس بنقله إلى مقاطعة أخرى كان مثار تساؤلات عما إذا كانت بالما لا تستحق أن يحكمها شخص بكفاءة تشابو».

وخلال السنوات الثماني (2016 إلى 2024) التي أمضاها حاكماً لمحافظة إينهامباني، قاد تشابو المحافظة كي تغدو الأولى في البلاد التي تكمل تنفيذ البنوك في جميع المناطق، في إطار المبادرة الرئاسية «منطقة واحدة، بنك واحد».

وتشير وسائل إعلام محلية إلى أنه في عهد تشابو، وتحت قيادته، نظمت محافظة إينهامباني مؤتمرين دوليين للاستثمار، فضلاً عن منتديات لتنمية المناطق، ما حفَّز الاقتصاد المحلي، وقاد عجلة التنمية.

المسيرة الحزبية

مسيرة دانيال تشابو الحزبية والسياسية بدأت مبكراً؛ إذ شغل بين عامي 1995 و1996 منصب سكرتير منطقة في «منظمة الشباب الموزمبيقي» (OJM) في دوندو. ثم شغل بين عامي 1998 و1999 منصب أمين سر لجنة التثبيت بمجلس شباب المنطقة، إضافة إلى عضويته في «منظمة الشباب الموزمبيقي». وفي عام 2008 عُين مديراً للحملة الانتخابية للمرشح شالي إيسوفو، من «فريليمو»، في بلدية ناكالا بورتو، ويومها فاز الحزب بالانتخابات، وأطاح بالمعارضة.

بعدها، عام 2017، انتُخب دانيال تشابو عضواً في اللجنة المركزية لـ«فريليمو». وفي مايو 2024 اختارته اللجنة المركزية مرشحاً لـ«فريليمو» في الانتخابات الرئاسية. وهي الانتخابات التي فاز فيها أخيراً وسط اعتراضات المعارضة.

وبناءً عليه، يبدأ تشابو فترة رئاسته وسط تحدِّيات كبرى، وفي ظل مظاهرات واحتجاجات هي الأكبر ضد حزب «فريليمو». وراهناً تتصاعد المخاوف على استقرار موزمبيق، مع تعهد منافسه المعارض موندلاني (وهو مهندس زراعي يبلغ من العمر 50 سنة) باستمرار المظاهرات، قائلاً إن «دعوته للحوار قوبلت بالعنف».

وجدير بالذكر أن موندلاني كان قد عاد إلى موزمبيق من منفاه الاختياري، وسط ترحيب من أنصاره، يوم 9 يناير، وادَّعى أنه «غادر موزمبيق خوفاً على حياته، بعد مقتل اثنين من كبار أعضاء حزبه المعارض داخل سيارتهما على يد مسلحين مجهولين، في إطلاق نار خلال الليل في مابوتو، بعد الانتخابات».

في أي حال، يثير الوضع الحالي في موزمبيق مخاوف دولية، ولاحقاً أعرب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، عن قلقه. وقال في بيان: «نحن في غاية القلق بشأن التوترات المستمرة عقب الانتخابات في موزمبيق».

من ناحية ثانية، بصرف النظر عن الاحتجاجات التي أشعلتها الانتخابات الرئاسية، فإن تشابو يواجه تحديات عدة يتوجب عليه التعامل معها، على رأسها «التمرد» المستمر منذ 7 سنوات في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية الغنية بالنفط والغاز. وهذا إضافة إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية، واستغلال موارد الغاز الطبيعي، وإدارة تأثيرات التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي أثرت على موزمبيق في السنوات الأخيرة.

وراثة الإرث الثقيل

لا شك، ثمة إرث ثقيل ورثه دانيال تشابو، ذلك أنه يقود بلداً مزَّقه الفساد والتحديات الاقتصادية العميقة، بما فيها ارتفاع معدلات البطالة والإضرابات عن العمل المتكرِّرة التي جعلت موزمبيق -رغم مواردها الكبيرة- واحدة من أفقر دول العالم، وفقاً للبنك الدولي.

الرئيس الجديد قال -صراحة- في خطاب تنصيبه الأربعاء الماضي: «لا يمكن لموزمبيق أن تظل رهينة للفساد والجمود والمحسوبية والنفاق وعدم الكفاءة والظلم». وأردف -وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس»- بأنه «لمن المؤلم أن كثيراً من مواطنينا ما زالوا ينامون من دون وجبة لائقة واحدة على الأقل».

وعليه، في مواجهة هذا الإرث الثقيل، تعهد بتقليص عدد الوزارات والمناصب الحكومية العليا. ورأى أن من شأن هذا التدبير توفير أكثر من 260 مليون دولار، سيعاد توجيهها لتحسين حياة الناس.

بالطبع فإن المعارضين والمشككين غير مقتنعين، ويقولون إنهم استمعوا كثيراً إلى النغمة نفسها تتكرَّر بلا تغيير يُذكر. بيد أن رئاسة تشابو تمثِّل اليوم فصلاً جديداً في تاريخ موزمبيق، أو «مفترق طرق»، حسب تعبير تشابو الذي قال في خطاب فوزه: «تقف موزمبيق عند مفترق طرق، وعلينا أن نختار طريق الوحدة والتقدم والسلام».